لن نتوقف عن الصراخ من أجل السودان.. فهل تسمعون؟
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
"سمعنا انفجارا ولم نتمكن من تحديد مكانه، وعندما استقبلنا أوّل مجموعة من الناس، أبلغونا بوقوع إصابات جماعية وأن مزيدا من الأشخاص يتدفقون نحو المستشفى، كان هناك قصف في الثورة 92، ووصل قرابة 110 ضحايا إلى مستشفى النوّ بسبب هذا الحادث الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا".
"ووصل أيضا حوالي 20 شخصا توفوا بعد ذلك مباشرة، وبعضهم وصل ميتا بالفعل، كما جاء معظمهم بأيدي أو أرجل "معلقة" أو مبتورة، بعضها يحتوي فقط على جزء صغير من الجلد يبقي الطرفَيْن متصلَيْن معا، وجاء أحد المرضى بساق مبتورة، وتبعه مقدّم الرعاية حاملا الطرف المفقود في يده.
جاءت هذه الشهادة على لسان أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية في أم درمان، بولاية الخرطوم، في السودان، مايو/أيار 2024، عقب انفجار وقع في حي سكني. لكنّ مشاهد الرعب هذه ليست حالة منفردة، فما هذه إلا إحدى الحوادث الكثيرة التي أدت إلى الإصابات الجماعية التي دأب العاملون في مجال الرعاية الصحية على الاستجابة إليها منذ بدء الحرب العنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان من العام الماضي.
أفلا يجدر بأحد أن يفعل شيئا؟ طيلة فترة الحرب كان زملائي في أطباء بلا حدود يحاولون لفت الانتباه والدفع للتحرك بالاستجابة لإحدى كبرى الأزمات الإنسانية في العالم. فملايين الأشخاص في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، من غذاء ورعاية صحية ومياه، ولكن على الرغم من ضخامة الاحتياجات في البلد، فإن الاستجابة الدولية غير كافية على الإطلاق.
الطابع الملح لتلك الاحتياجات وضخامتها من جهة وعدم التحرك الكافي من قبل الأشخاص الذين يفترض فيهم تقديم المساعدة من جهة أخرى، جعل الفجوة كبيرة للغاية بينهما.
كيف يمكنهم الإفلات من العقاب؟ في السودان، قلما تبدي الأطراف المتحاربة ومؤيدوها اهتماما يُذكر بحماية المدنيين. وفي المناطق القريبة من الخطوط الأمامية، تُطلق القنابل والقذائف وتُشنّ الغارات الجوية على المناطق السكنية، مما يؤدي إلى عواقب مدمرة ومتوقعة على المدنيين. لم يعد الناس في جميع أنحاء السودان في مأمن لا في الشوارع ولا في منازلهم، في ظل انتشار أعمال النهب والعنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي.
وتتحدث الأطراف المتحاربة في تصريحاتها العلنية عن القانون الدولي الإنساني، وتنصّب نفسها حامية للسكان، ولكن العنف الوحشي الذي ترتكبه أعلى صوتا من كلماتها.
ومن الصعب جدا فهم الألم والعذاب والمعاناة النفسية التي يتسبب بها هذا الأمر. وفي هذا الإطار، وصف أحد زملائي، وهو عامل في مجال الصحة النفسية، تزايد الأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار بين المرضى، وخاصة بين اللاجئين -الذين فر الكثير منهم إلى السودان هربا من النزاعات في المنطقة قبل وقوعهم في براثن العنف من جديد- ويقول "بعد بناء حياة جديدة وقضاء 20 عاما تقريبا في الخرطوم، وجد النازحون أنفسهم مرة أخرى في مخيم للاجئين حيث ليس لديهم لا منزل ولا أقارب، وباتوا مضطرّين إلى البدء من نقطة الصفر من جديد. ويفضّل بعضهم إنهاء معاناته فيقرّر الانتحار".
لقد أصدرت أطباء بلا حدود مؤخرا تقريرا بعنوان "حرب على الإنسان: التكلفة الإنسانية للنزاع والعنف في السودان"، يتضمن شهادات صادمة من مرضانا وطاقمنا. ولكن العنف الذي يصفه التقرير ليس إلا ما شهده طاقم أطباء بلا حدود ومرضانا أنفسهم.
فلدينا أكثر من ألف موظف يعملون في السودان في 8 ولايات من ولاياته الـ18، لكننا لسنا موجودين في كل مكان، ولا نعرف إلا القليل عما يجري، وهذه فكرة تقشعر لها الأبدان، فالإصابات والعنف والمعاناة التي تشهد عليها أطباء بلا حدود هي غيض من فيض مما يجري. وهذا يجب أن يتوقف، ويجب حماية المدنيين.
وعلى الرغم من الجهود البطولية التي بذلتها وزارة الصحة والعاملون السودانيون في المجال الصحي، فقد تقلصت الخدمات الطبية المتاحة للناس بشكل كبير منذ بدء الحرب. وتعرضت المستشفيات في جميع أنحاء البلد للهجمات والسلب والنهب. وقد وثقت أطباء بلا حدود ما لا يقل عن 60 حادثة عنف ضد أفرادنا ومركباتنا ومبانينا.
ويوم الاثنين 29 يوليو/تموز الماضي، قُصف المستشفى السعودي في الفاشر، حيث تقدّم أطباء بلا حدود الدعم الجراحي، مما أدى إلى مقتل 3 أشخاص، وهذه هي المرة العاشرة التي يتعرض فيها مستشفى في الفاشر للقصف منذ بدء القتال في المدينة قبل أكثر من 80 يوما. فأين التنديدات والاحتجاجات؟ أين المساءلة؟ أين التحركات؟
وتعرض مستشفى النو الذي تدعمه أطباء بلا حدود في أم درمان بولاية الخرطوم للقصف 3 مرات. وفي الفترة ما بين أبريل/نيسان 2023 وأبريل/نيسان 2024، عالج المستشفى 6776 مريضا من إصابات ناجمة عن أعمال العنف. فإذا قصفتم الناس في المناطق السكنية ثم قصفتم المستشفيات التي تعالجهم، فإلى أين يُفترض بهم أن يتوجهوا للحصول على الرعاية الطبية؟
ومن المقرر إجراء محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة في جنيف. نأمل بطبيعة الحال أن تضع هذه الحرب الرهيبة أوزارها، ولكننا كأضعف الإيمان ندعو، بل نطالب الأطراف المتحاربة، ونناشدها أن تحمي المدنيين من العنف الدائر في هذه الحرب البشعة.
وتتحمل الأطراف المتحاربة مسؤولية حماية المدنيين. ويمكنها، بل يجب عليها أن توقف الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية والأحياء السكنية، وأن توقف جميع أشكال العنف والاعتداء ضد المجتمعات المحلية وضمان عدم استخدام العنف العرقي والجنسي كأسلحة حرب.
ويجب على الدول التي يمكنها التأثير على الأطراف المتحاربة أن تضغط عليها للالتزام بواجباتها فيما يتعلق بحماية المدنيين ومحاسبة المخالفين.
ويجب على الأطراف المتحاربة أيضا أن تسهل توسعة نطاق المساعدات الإنسانية. فلا يخفى على أحد أنّ السودان مكان محفوف بالكثير من التحديات، حيث يحاول فيه كلا الطرفين السيطرة على المساعدات الإنسانية واستخدامها كأداة حرب من خلال فرض القيود المنهجية وتحويل سير الأفراد والإمدادات وعرقلتهم، ولا تصل الإغاثة الإنسانية إلى معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور، بسبب القيود التي تفرضها حكومة السودان وانعدام الأمن السائد الذي فرضته قوات الدعم السريع.
وفي حين تتحمل الأطراف المتحاربة المسؤولية النهائية، فإن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية قد فشلت في إيجاد حلول مناسبة للدفع باستجابة إنسانية يمكن أن تكون متناسبة إلى حد ما مع حجم الاحتياجات. وهذا أمر يجب أن يتغير.
وأثناء وجودي في العاصمة الأردنية عمان في 17 يوليو/تموز الماضي لإصدار التقرير الخاص بالسودان، تم سؤالي عما إذا كان العنف الذي لحق بالسكان والعواقب الإنسانية مجرد نتيجة حتمية للحرب! وفي دارفور، قامت منظمة أطباء بلا حدود بمعالجة ضحايا العنف الجنسي للأقل من 10 سنوات. وبالنسبة لمنظمة أطباء بلا حدود، ولي كإنسان، فإننا لا يمكن أن نقبل أن تشن الحرب بهذه الوحشية ضد الشعب السوداني.
وسنواصل في أطباء بلا حدود بذل كل ما في وسعنا لمحاولة تخفيف المعاناة الناجمة عن هذه الحرب. وستواصل فرقنا، في كل يوم من خلال مشاريعنا، معالجة المرضى والإصغاء إلى قصصهم والتضامن معهم. وسنُطلع الأطراف المتحاربة، والدول ذات النفوذ، والمنظمات الإنسانية الأخرى على ما نشهده.
إن شعب السودان يحتاج ويستحق أكثر من ذلك بكثير. ويمكن وقف معاناته إذا اتخذ الناس الإجراءات اللازمة.
وقال الرئيس السابق لأطباء بلا حدود، جيمس أوربينسكي، ذات مرة، "لسنا متأكدين من أن الكلمات ممكن أن تنقذ الأرواح دائما، ولكننا نعلم أنه يمكن للصمت أن يقتل". بإمكان الجميع أن يفعلوا شيئا: الأطراف المتحاربة، والدول ذات التأثير عليها، والمنظمات الدولية، والممولون، وصانعو السياسات. وإذا كنتم تقرؤون هذه السطور الآن، نرجوكم أن تتكلموا عن السودان، وأن تزيدوا من مستوى الوعي والضغط لكي يتغير هذا الوضع.
لن نتوقف في أطباء بلا حدود عن الصراخ بأعلى صوتنا لتسليط الضوء على المعاناة التي نشهدها في السودان. فهل ستلتزمون أنتم بالصمت؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حريات الأطراف المتحاربة أطباء بلا حدود فی السودان
إقرأ أيضاً:
أطباء كرواتيون يفنّدون أخطاء مسلسل هاوس
زغرب "أ.ف.ب": أظهرت دراسة أجراها ثلاثة أطباء كرواتيين أن مسلسل "هاوس" الذي تتركز أحداثه على عالم الطب ليس أهلا للثقة تماما، رغم استحواذه على اهتمام ملايين المشاهدين، وذلك بعد تحليل كل دقيقة من حلقاته الـ177.
عُرض المسلسل الذي يتتبع الحياة اليومية للدكتور غريغوري هاوس، وهو طبيب لامع لكنه صعب المراس ويواجه حالات طبية تُكاد تكون مُستعصية لكنه ينجح في علاجها في كل الأوقات تقريبا. وفي ذروة نجاحه، استقطب المسلسل الأميركي ما يقرب من 20 مليون مُشاهد لكل حلقة.
ورصد أطباء الأعصاب الكرواتيون الثلاثة 77 خطأ في الدراسة التي أجروها بشأن المسلسل.
وأوضح المعد الرئيسي للدراسة دينيس سيريماجيتش، الأستاذ في جامعة دوبروفنيك "ركزنا على تشخيص الحالات الرئيسية، وطريقة مزاولة المهنة سريريا، واكتشاف الأخطاء الطبية".
وتتمثل أكثر الأخطاء وضوحا في أن الدكتور هاوس المشهور بعصاه، كان يحمل هذه الأخيرة طوال الحلقات على الجانب الخطأ.
وأوضح سيريماجيتش أن هذا الأمر كان "أفضل على الشاشة لإبراز عرجه".
ومن الأخطاء الأخرى: كان أعضاء فريق الدكتور هاوس يُجرون إجراءات طبية تُناط عادة بأطباء من اختصاصات أخرى، كتنظير القولون والتصوير بالرنين المغناطيسي.
وبحسب معدّي الدراسة، لم يعد أحد يستخدم مقياس حرارة بالزئبق، ولم تعد النوبة القلبية مرادفة للسكتة الدماغية، ولا تُعالج حقنة واحدة حالات النقص في فيتامين "ب 12"، ولا يوجد علاج كيميائي واحد قادر على علاج الأورام المختلفة، خلافا لما ورد في بعض الحلقات.
أما النتائج، فعادة ما تظهر في غضون ساعات قليلة، مهما كانت التحاليل مُعقدة.
كذلك، فإن المسلسل لم يُظهر أي عقوبات من شأنها ردع الدكتور هاوس عن سلوكه غير الأخلاقي، وإدمانه على المواد الأفيونية، وأساليب فريقه غير التقليدية في التشخيص.
وأُثيرت مسألة دقة تشخيصات الدكتور هاوس في الكثير من المقالات العلمية، والتي استشهد بها الأطباء الكرواتيون الثلاثة، وهم من أشد المعجبين بالمسلسل، في دراستهم التي تحمل عنوان "هاوس: بين الحقيقة والخيال".
وأوضح دينيس سيريماجيتش "أردنا كتابة مقال شيق للأطباء، وكذلك للقراء الذين يفتقرون إلى المعرفة الطبية الواسعة". وقد فاجأ نجاح النص هذا الأستاذ وزميليه في إعداد الدراسة، غوران إيفكيتش وإرفينا بيليتش.
ودفع انتشار المسلسلات الطبية في السنوات الأخيرة المخرجين إلى توخّي أقصى درجات الدقة، وبات محتواهم يعكس بشكل متزايد عمل المتخصصين في الرعاية الصحية.
وأوضح سيريماجيتش باسما "الآن، وحدهم المتخصصون في الرعاية الصحية باتوا قادرين على اكتشاف الأخطاء".