التصنيف الأمريكي لجماعة الإخوان.. مواجهة جديدة بأدوات رقمية
تاريخ النشر: 14th, December 2025 GMT
لم يكن الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 24 نوفمبر 2025 مجرد خطوة إجرائية عابرة، بل إشارة سياسية واضحة إلى تحوّل في طريقة تعامل واشنطن مع جماعة الإخوان. فالقرار، الذي أطلق عملية دراسة تصنيف بعض فروع الجماعة في مصر ولبنان والأردن كمنظمات إرهابية أجنبية، فتح بابًا واسعًا من الأسئلة حول دوافع هذا الانتقاء وحدود آثاره، وما إذا كانت المواجهة المقبلة ستقتصر على الأدوات القانونية أم ستتمدّد إلى مساحات أكثر تعقيدًا في عصر الرقمنة.
وعلى المستوى الإجرائي، يوجّه الأمر التنفيذي وزيري الخارجية والخزانة الأمريكيين إلى إعداد تقرير حول جدوى التصنيف، تمهيدًا لاتخاذ القرار النهائي خلال 45 يومًا. واللافت أن هذا التحرك الفيدرالي جاء بعد خطوات مماثلة على مستوى الولايات، إذ سبقت تكساس بإعلان تصنيف الإخوان تنظيمًا إرهابيًا في 18 نوفمبر، وتبعتها فلوريدا في 8 ديسمبر. ورغم الطابع المحلي لهذه القرارات، فإنها تثير جدلًا دستوريًا حول تمدد صلاحيات الولايات إلى ملفات ظلت حكرًا على الحكومة الفيدرالية، بما قد يمهّد الطريق أمام ولايات أخرى للسير في الاتجاه نفسه.
وعلى المستوى التشريعي، تشير الموافقة الأولية على مشروع قانون "Muslim Brotherhood Terrorist Designation Act of 2025" في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إلى توجه جديد في مواجهة الجماعة المتوغلة في قلب المجتمع الأمريكي والغربي تحت غطاء منظمات إسلامية وجمعيات ومؤسسات خيرية.
بعد إعلان الأمر التنفيذي الذي حصر التصنيف في ثلاثة فروع هي مصر والأردن ولبنان، أطلت العديد من التساؤلات برأسها حول موقف الولايات المتحدة من فروع إخوانية أخرى لم يشملها القرار، ومنها ما يمثل رافدًا من أهم روافد تمويل الفروع الثلاثة التي شملها الأمر التنفيذي، ومنها أيضًا، كتائب مسلحة إخوانية لا تخوض حربًا في مواجهة إسرائيل، ثم تمتد التساؤلات إلى موقف السلطات الأمريكية من عناصر إخوانية حصلت على اللجوء السياسي وإقامات دائمة ومؤقتة في الولايات المتحدة.
خبراء يقولون: إن الحكومة الأمريكية تميل لاستراتيجية تصنيف الفروع الإخوانية حسب الأدلة القانونية بدلًا من تصنيف حركة بأكملها، ولكن وجهة النظر المعارضة لهذا الرأي تقول: إن الفروع الأخرى لا تقل خطورة عن فروع مصر والأردن ولبنان.
بعيدًا عن الزوايا التحليلية التقليدية التي تناولت الآثار الجيوسياسية والتبعات القانونية للقرار الأمريكي الانتقائي، تبرز زاوية جديدة تربط هذه التصنيفات بتطورات عصر الذكاء الاصطناعي والتحول نحو "الحرب الهجينة". يُنظر إلى التصنيف ليس فقط كإجراء قانوني، بل كأداة لتعزيز المراقبة الرقمية على الشبكات العنكبوتية لفروع التنظيم الثلاثة موضوع الأمر التنفيذي، حيث يتيح التصنيف الرسمي تطوير خوارزميات متخصصة قادرة على تتبع أنماط التنظيم وحلفائه ووكلائه وروافد التمويل عبر الفضاء الرقمي.
هذا التوجه يثير تساؤلات عميقة أخرى حول تداعيات المراقبة الرقمية وإمكانية رصد الخوارزميات للمحتوى الإرهابي العام، خاصة مع تجارب سابقة أظهرت فعاليات الأدوات الرقمية. كما أن دمج هذه التصنيفات ضمن استراتيجية "حرب هجينة" تجمع بين العقوبات القانونية والضغوط المالية والحملات الإعلامية، يخلق تحديًا وجوديًا للجماعات المستهدفة، التي تجد نفسها في مواجهة متعددة الأبعاد يصعب التغلب عليها بالوسائل التقليدية.
بناءً على تجارب منظمات مماثلة واجهت تصنيفات وعقوبات دولية، طرحت عناصر إخوانية استراتيجيات مقترحة أمام أصحاب القرار في التنظيم الإرهابي، تبدأ بالتكيف الهيكلي، باختلاق عمليات "انفصال" ظاهري للفروع المحلية عن التنظيم الأم مع الحفاظ على تنسيق غير رسمي، وإنشاء كيانات مستقلة قانونيًا (جمعيات خيرية، مؤسسات تجارية، منصات إعلامية) يصعب ربطها مباشرة بالتنظيم الأم. ومن الحلول المطروحة التحول الرقمي نحو التنظيم المشفر، باستخدام تطبيقات مراسلة متطورة وشبكات ظلامية وأدوات ذكاء اصطناعي للتواصل والتخطيط، مما يقلل الاعتماد على الاجتماعات المادية والأصول الثابتة المعرضة للمصادرة.
ويتجه التنظيم نحو إعادة هندسة التمويل بتبني أنظمة دفع غير تقليدية، مع التركيز على الحوالات الخفية والعملات المشفرة والمقايضة المباشرة، مما تظن الجماعة أنه يعقد عملية التتبع المالي التقليدي. كما تستعد الجماعة بموارد كبيرة لرفع دعاوى قضائية وشن حملات إعلامية عالمية لإبراز ما تزعم أنه "ازدواجية" أمريكية وتسويق نفسها كضحية لملاحقات سياسية، في محاولة يائسة لكسب تعاطف شعبي دولي وإضعاف الشرعية الأخلاقية للتصنيف المرتقب.
رغم التحديات التي تفرضها التقنيات المالية الجديدة في عصر الرقمنة، تبقى أدوات التتبع المتاحة للسلطات الأمريكية متطورة ومتعددة الطبقات. فالشفافية النسبية لتقنية البلوكشين، رغم ما توفره من درجات الخصوصية، تتيح للمحللين المتخصصين استخدام أدوات متقدمة لتتبع التدفقات المالية عبر تحليل أنماط الحركة بين المحافظ الرقمية، والربط بين النشاط الرقمي والعناصر الواقعية عبر مصادر المعلومات المفتوحة.
لا يفرض الأمر التنفيذي حظرًا تلقائيًا على منصات الإخوان الإعلامية، ولكنه يضعها تحت سياسات منصات التواصل الاجتماعي، التي تعتبر أن المنظمات المصنفة إرهابياً بقرارات أمريكية تُعد ضمن "المنظمات الخطرة" المحظورة، وستُضطر الجماعة إلى اللجوء لاستراتيجيات بديلة مثل إنشاء صفحات بأسماء وشعارات غير مباشرة، والاعتماد على حسابات المؤيدين، والانتقال لمنصات أقل رقابة.
في ميزان السياسة أكثر من ميزان القانون، يبدو قرار الشروع في تصنيف فروع من جماعة الإخوان خطوة ذات دلالة رمزية قبل أن تكون إجراءً تنفيذيًا حاسمًا. فمن الناحية القانونية، لا يزال المسار محكومًا بقيود إجرائية معقدة تجعل آثاره المباشرة محدودة، ولا سيما أن التصنيف - إن تم - سيطال كيانات بعينها لا الحركة بأكملها، وقد يبقى محصورًا في نطاق تجميد الأصول وتجريم الدعم المالي. لكن سياسيًا، يتجاوز القرار هذه الحدود الضيقة ليعمل كرسالة سياسية صريحة تعيد رسم خطوط التعامل الأمريكي مع جماعة الإخوان، وتمنح العديد من الدول غطاءً أوسع لمواجهة التنظيم الإخواني الإرهابي، فيما تضع العواصم الأوروبية أمام اختبار صعب.
بهذا المعنى، لا تكمن خطورة القرار أو أهميته في نصوصه القانونية بقدر ما تكمن في إشاراته السياسية، التي قد تُحدث أثرها الفعلي حتى قبل أن يكتمل مساره القانوني.
ورغم أن القرار لا يزال في مرحلته الإجرائية الأولى، بدأت آثاره تظهر تدريجيًا. فهو يشكل ضغطًا قانونيًا وسياسيًا غير مسبوق على الفروع المستهدفة من جماعة الإخوان، مستهدفًا شبكتها المالية وشرعيتها الدولية. وبينما تبحث الجماعة عن سبل للبقاء والتكيف، يمنح التصنيف الدول العربية والحلفاء الأوروبيين أدوات أقوى لمواجهة التنظيم داخليًا وخارجيًا. وفي النهاية، ستتوقف مآلات هذه المواجهة على مدى جدية تطبيق الإجراءات الأمريكية، وقدرة الجماعة على التكيف في ظل عاصفة من العزلة الدولية المتصاعدة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأمر التنفیذی جماعة الإخوان
إقرأ أيضاً:
ميسي في الهند.. فوضى جماهيرية بسبب سوء التنظيم في ملعب كولكاتا
الهند – شهدت بداية جولة ليونيل ميسي في الهند، السبت، أحداثًا فوضوية بعد أن قام المشجعون بتمزيق المقاعد وإلقائها على أرض الملعب عقب زيارة قصيرة لمهاجم الأرجنتين وإنتر ميامي إلى ملعب “سولت ليك” في كولكاتا.
ويتواجد ميسي في الهند كجزء من جولة تشمل حضور حفلات موسيقية، ومباريات استعراضية في كرة القدم للشباب، وبطولة بادل، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات خيرية في فعاليات تقام في كولكاتا وحيدر أباد ومومباي ودلهي.
ووفقًا للتقارير الإعلامية الهندية، تجول الفائز بكأس العالم 2022 في أرض الملعب ولوّح للجماهير، لكنه كان محاطًا بحشد كبير من الناس وغادر بعد 20 دقيقة من وصوله.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي مشجعين غاضبين يلقون بمقاعد الملعب الممزقة وأشياء أخرى على أرض الملعب ومضمار ألعاب القوى، كما اقتحموا أرضية الملعب قبل تدخل الشرطة لاحتواء الفوضى.
وقال أحد المشجعين لوكالة أنباء آسيا الدولية (ANI): “لم يكن يحيط بميسي سوى القادة والشخصيات البارزة… فلماذا استدعونا إذن؟”.
وأضاف: “اشترينا تذكرة بقيمة 12 ألف روبية (132.5 دولارًا)، لكننا لم نتمكن حتى من رؤية وجهه”.
من جانبها، قدمت رئيسة وزراء ولاية البنغال الغربية، ماماتا بانيرجي، اعتذارها لميسي وأمرت بالتحقيق في الحادثة. وكتبت بانيرجي، التي كانت في طريقها إلى الحدث عندما اندلعت الفوضى، على حسابها في تويتر: “أشعر بانزعاج وصدمة شديدين إزاء سوء الإدارة الذي شهدناه اليوم في ملعب سولت ليك”.
وتابعت: “أتقدم بخالص اعتذاري إلى ليونيل ميسي، وإلى جميع محبي الرياضة وجماهيره، عن هذا الحادث المؤسف. وقد شكلت لجنة تحقيق لإجراء تحقيق مفصل في الحادث، وتحديد المسؤولية، والتوصية بتدابير لمنع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل”.
وتعد ولايات البنغال الغربية وكيرالا وغوا من بين المناطق التي تحظى بجماهير غفيرة لكرة القدم في الهند، التي تعتبر الكريكيت الرياضة الشعبية الأولى.
وكان النجم الأرجنتيني الراحل دييغو أرماندو مارادونا قد زار مدينة كولكاتا مرتين، وفي عام 2017 كشف النقاب عن تمثال له وهو يحمل كأس العالم، بحضور آلاف المشجعين.
وقام ميسي، الذي لعب مباراة ودية على ملعب سولت ليك عام 2011 فازت فيها الأرجنتين على فنزويلا 1-0، بالكشف عن تمثال له يبلغ طوله 70 قدمًا (21.3 مترًا) في كولكاتا يوم السبت.
الأناضول