تحدي الجفاف بالعلم.. كيف يستعد المغرب لأخطر إجهاد مائي في القرن الـ21؟
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
دخل الجفاف في 2024 عامه السادس بالمغرب، ولا تبدو هناك بارقة أمل، بل إن الأمور مرشحة للاتجاه نحو الأسوأ، وهنا يأتي دور العلم في توفير الحلول.
وسيواجه المغرب بحلول عام 2040 ضغوطا مائية "مرتفعة للغاية"، وهو تنبؤ صدر من معهد الموارد العالمية، وهو منظمة بحثية غير ربحية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل يصبح عام 2024 الأشد حرارة في التاريخ الحديث؟list 2 of 2بعد وصول حمى غرب النيل للأردن ما علاقة انتشارها بتغير المناخ؟end of listوبينما ترسم الأرقام الصادرة عن البنك المركزي للدولة الواقعة في شمال أفريقيا صورة قاتمة من الآن فإن العلم من ناحية أخرى يسابق الزمن لتوفير الحلول التي يمكن أن تخفف وطأة المشكلة إن لم تقض عليها نهائيا.
وتشير الأرقام إلى انخفاض متوقع في إنتاج الحبوب لأكثر من النصف خلال عام 2024 ليصل إلى 25 مليون قنطار (2.5 مليون طن)، وهو معدل يرجع إلى تأثير الجفاف ودوره في تقليص المساحات المزروعة في مختلف أنحاء المملكة إلى 2.5 مليون هكتار (الهكتار يساوي 2.3805 فدان) مقارنة بـ3.7 ملايين هكتار في 2023.
ويقول رئيس المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) علي أبو سبع للجزيرة نت إن "التوقعات تشير إلى وضع أسوأ مع زيادة الضغوط المائية، لذلك نعمل على خطة متكاملة بتوفير أصناف البذور التي تتحمل الجفاف وتعطي في الوقت نفسه إنتاجية عالية".
ويعتمد إنتاج تلك الأصناف على مدخلات بنك الجينات التابع لإيكاردا، والذي تم افتتاحه قبل عامين في المغرب، إذ يضم نحو 108 آلاف من السلالات البرية للحبوب التي قاومت ظروف الجفاف بالماضي، وتم جمعها من منطقة الهلال الخصيب ومناطق أخرى كالمرتفعات الحبشية في إثيوبيا ووادي النيل ومنطقة آسيا الوسطى والقوقاز.
وتقوم مهمة الباحثين على توظيف الجينات التي منحت هذه السلالات القدرة على النمو في ظروف الجفاف، لاستخدامها في إنتاج أصناف جديدة مقاومة للتغيرات المناخية.
ويقول أبو سبع "نجحنا بالتعاون مع المعهد الوطني للبحوث الزراعية في إنتاج 6 أصناف جديدة واعدة من القمح والشعير تتحمل الجفاف للمساعدة في زيادة الإنتاج".
وبفضل خصائصها الذكية مناخيا مثل مقاومة الحرارة والجفاف والآفات يأمل أبو سبع أن تساعد هذه الأصناف الجديدة على تعزيز الأمن الغذائي والتغذوي وتحسين سبل عيش المزارعين المغاربة وتعزيز قدرتهم على الصمود.
ومن بين الأصناف الذكية مناخيا التي سيتم توزيعها تجاريا اعتبارا من العام المقبل صنف القمح "ناشيت"، وكما ذكر الموقع الإلكتروني للإيكاردا فإن "أصله البري يحوي حبيبات كبيرة وجذورا عميقة مناسبة لجمع المياه من أعمق جزء في التربة، وبالتالي، فهو يتكيف جيدا مع الهضاب الشمالية والمناطق المروية في مدينة بني ملال، وبفضل حبيباته الكبيرة وإمكانيات الغلة العالية يمكن لبعض المزارعين تحقيق أكثر من 10 أطنان للهكتار".
كما سيتم توزيع "صنف جبل"، وهو صنف ريفي للغاية مشتق من عشبة الماعز البرية، ويتميز بسنبلة سوداء طويلة جذابة ونظام جذر سطحي مناسب للتربة الضحلة في جبال الأطلس والمناطق الجنوبية.
ومن أصناف الشعير الواعدة تم إنتاج صنفي "شيفا" و"آسيا" اللذين يتميزان بسهولة الدرس، وهي سمة تعود إلى الأصناف القديمة المزروعة في المرتفعات النيبالية، وهما يتحملان الجفاف ويحتويان على نسبة عالية من "بيتا جلوكان"، وهي ألياف غذائية ذات فوائد صحية عديدة ضد مرض السكري وأمراض نقص التروية، كما أنهما يوفران مقاومة ممتازة لمرض البقع الشبكية.
ويتكامل مع إنتاج الأصناف المقاومة للجفاف توفير أساليب مختلفة للزراعة وللري المتحكم فيه.
ويقول أبو سبع "نجحنا في تعزيز الري بالتنقيط عبر تخليص هذا الأسلوب في الري من واحدة من أكبر مشكلاته، وهي استهلاك الطاقة".
وأنظمة الري بالتنقيط التقليدية باهظة الثمن، خاصة عندما تعمل بمولدات الديزل أو الطاقة الشمسية، والتي يمكن أن تشكل ما يصل إلى 80% من التكلفة الإجمالية للنظام.
واستخدم "إيكاردا" أنظمة جديدة للري بالتنقيط طورها معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وهي تتطلب طاقة أقل بكثير من الأنظمة التقليدية.
وتعمل الأنظمة الجديدة على تقليل استخدام الطاقة الهيدروليكية بنسبة 46-69% لكل وحدة من المياه التي يتم توصيلها، مع الحفاظ على توزيع المياه بكفاءة، وهذا يقلل بشكل كبير تكلفة الري بالتنقيط، مما يجعله أكثر سهولة للمزارعين الصغار.
ويقول أبو سبع "اختبرنا بالشراكة مع معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والمعهد الوطني المغربي للبحوث الزراعية هذه الأنظمة على محاصيل مختلفة في جميع أنحاء المغرب، وأظهرت التجارب نتائج واعدة في خفض الطاقة وتوحيد توزيع المياه، ووجدنا أنه حتى 10 مليمترات فقط من الماء إذا ما تم تطبيقها بعناية يمكن أن تحول التربة القاحلة إلى حقول مزدهرة".
وإلى جانب أنظمة الري المتطورة تم الترويج لطريقة الزراعة بدون حرث، إذ أثبتت دراستنا أن هذا الممارسة الزراعية فعالة في المناطق شبه القاحلة بالمغرب، خاصة في التعامل مع هطول الأمطار غير المنتظمة، حسب أبو سبع.
ويقول أبو سبع "في هذه الممارسة الزراعية لا يتم حرث التربة أو وتقليبها قبل زراعة المحاصيل، ويتناقض هذا النهج مع الحرث التقليدي، إذ يتم حرث التربة وتقليبها قبل الزراعة، ومن خلال عدم تقليب التربة يساعد نظام عدم الحرث على الاحتفاظ بالرطوبة والمواد العضوية، مما يجعل المحاصيل أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تقلبات المناخ".
ويضيف أن "غلة المحاصيل في ظل نظام عدم الحرث كانت أعلى عموما أو على الأقل مساوية لتلك الموجودة في ظل الحرث التقليدي، وأقل اعتمادا على كمية الأمطار، مما يشير إلى قدرتها على التكيف مع الظروف الجوية غير المتوقعة".
وحتى تؤتي الأصناف الجديدة والحلول الأخرى المتكاملة معها ثمارها يجب الاهتمام بتوعية المزارعين بضرورة استخدامها.
ويقول أبو سبع "في بلد يستهلك المواطن العادي نحو 200 كيلوغرام من القمح سنويا -وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي- يجب الإسراع بتنفيذ الحلول، ولا سيما أن الضغوط المائية التي يفرضها الجفاف تتزايد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات طقس وحرارة الری بالتنقیط
إقرأ أيضاً:
«البرازيل ليست حديقة خلفية».. بين تحدي الهيمنة وصعود القوة الناعمة في الجنوب العالمي
منذ عودته إلى سدة الحكم، رفع الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا شعار «البرازيل أولًا»، ليس كنسخة مقلّدة من شعارات قومية أخرى، بل كتعبير صادق عن رغبة وطنية لكسر حلقة التبعية والهيمنة، وإعادة تعريف موقع البرازيل على الخريطة العالمية.
في زمن تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية، وتتفكك فيه مراكز القوة التقليدية، قررت برازيليا أن تكون أكثر من مجرد قوة إقليمية: أن تصبح لاعبًا عالميًا له موقف مستقل، ورؤية مختلفة للعالم، بعيدًا عن الوصاية الغربية.
تسعى البرازيل اليوم لتكون رافعة جديدة للاقتصاد العالمي من خلال دورها المحوري في مجموعة «بريكس»، وتوسيع نفوذها في ملفات التنمية، والطاقة النظيفة، والمناخ، والغذاء، وأيضًا عبر سياسة خارجية متوازنة تراعي العدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
في هذا السياق، برز موقفها المتقدم من قضايا الشرق الأوسط، وخصوصًا في دعمها لحل الدولتين في فلسطين، ورفضها القاطع لأي تدخل عسكري أجنبي في سوريا، وإدانتها للحصار على غزة، ما جعل منها صوتًا جنوبيًا حرًا يعيد التوازن في خطاب العلاقات الدولية.
ولا يمكن تجاهل الدور المتنامي للجاليات العربية في الداخل البرازيلي، لا سيّما من أصل لبناني وسوري وفلسطيني، التي تجاوزت عدة ملايين من السكان، وساهمت في تشكيل المزاج العام والسياسات، سواء في البرلمان أو الإعلام أو التجارة.
لقد أصبحت هذه الجاليات جسرًا ثقافيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، يعزّز من روابط البرازيل بالمنطقة العربية، ويجعلها في قلب الحسابات الجديدة لما بعد عصر الهيمنة.
ترامب ونظرة التسلط المستمرةفي هذا الإطار، يبرز موقف الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، الذي لا يزال يتعامل مع أمريكا اللاتينية بعقلية الحرب الباردة. يعتقد ترامب أن البرازيل مجرد "حديقة خلفية"، وأن بإمكانه توجيه قراراتها، أو على الأقل ليّ ذراعها اقتصاديًا من خلال فرض ضرائب وعقوبات غير معلنة على صادراتها تحت ذرائع بيئية أو سياسية أو تجارية.
لكن هذه النظرة الفوقية تصطدم بواقع مختلف: البرازيل لم تعد تلك الدولة التي تُدار من واشنطن، بل باتت أكثر جرأة في رفض الإملاءات، وأكثر وعيًا بمصالحها القومية، كما ظهر في ملفات كبرى تتعلق بعلاقاتها مع الصين وروسيا، ورفضها التدخل في نزاعات لا تعنيها إلا من منظور العدالة الدولية، وليس الاصطفاف السياسي.
صراع الضرائب.. أم صراع السيادة؟في الأشهر الأخيرة، تصاعد التوتر التجاري بين البرازيل وبعض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في شكل ضغوط مالية وضرائبية تمس قطاعات استراتيجية في الاقتصاد البرازيلي، مثل الزراعة والتعدين والطاقة.
هذه "الإتاوات الجديدة" ليست مجرد أدوات ضغط تجارية، بل هي شكل من أشكال تقييد القرار السيادي، وإجبار البرازيل على إعادة تموضعها الجيوسياسي.
البرازيل من جانبها لم تقف مكتوفة الأيدي، بل بدأت في تعزيز شراكاتها مع دول الجنوب العالمي، والانخراط بعمق أكبر في مبادرات بديلة للنظام المالي الغربي، سواء عبر بنك التنمية التابع للبريكس، أو في تعزيز التجارة بالعملات المحلية بعيدًا عن الدولار.
هل تستطيع البرازيل المواجهة؟الجواب نعم، ولكن بشروط، فالبرازيل تملك مقومات القوة: اقتصاد كبير ومتنوع يُعد من أكبر 10 اقتصادات في العالم، وموارد طبيعية هائلة تؤهلها لتكون قوة غذائية وطاقوية عظمى، وتحالفات استراتيجية مثل «بريكس+»، تمنحها بدائل للنظام الغربي، فضلًا عن رأي عام محلي بات أكثر وعيًا ورفضًا للهيمنة الأجنبية.
وفي المقابل، تحتاج إلى تحصين مؤسساتها السياسية ضد محاولات زعزعة الاستقرار، وإصلاح داخلي جاد يعالج التفاوت الاجتماعي ويعزز الثقة، وإعلام مستقل يستطيع أن يعبّر عن الرؤية الوطنية دون الوقوع في فخ الدعاية.
البرازيل والتاريخ المعاد كتابتهتخوض البرازيل اليوم معركة رمزية كبرى، ليست فقط على مستوى التجارة أو المناخ أو السياسة، بل على مستوى سردية «من يملك الحق في القرار».
لم تعد مستعدة لأن تكون تابعًا، بل شريكًا متكافئًا في كتابة فصول النظام العالمي الجديد.وكما قال أحد المحللين البرازيليين: «الاستقلال لا يُستعاد فقط من الاستعمار، بل من كل وصاية جديدة تتخفى خلف خطاب ديمقراطي أو بيئي أو أمني».
البرازيل إذن، ليست حديقة خلفية لأحد، بل غابة سيادية كثيفة، فيها ما يكفي من الجذور والأغصان لتقاوم الرياح القادمة من الشمال.
كاتب وباحث في الشؤون الجيوسياسية والصراعات الدولية. [email protected]
اقرأ أيضاًوزير الخارجية يلتقي نظيره البرازيلي في نيويورك لبحث جهود وقف إطلاق النار بغزة
رئيس البرازيل يرفض تهديدات ترامب: لن نخضع للضغوط