فرنسا.. ذاكرة مصورة للكفاح الفلسطيني في مكتبة تولوز السينمائية
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
أصبحت المكتبة السينمائية في مدينة تولوز الفرنسية مكانا لحفظ ذاكرة سينمائية فلسطينية من 40 فيلما أنجزت بين عامي 1960 و1980، وتتضمن مشاهد من الحياة اليومية ومن تدريبات عسكرية، ويتناول أحدها مثلا مخيما للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 1976.
وهذه الأفلام القصيرة والمتوسطة المصورة بكاميرا 16 و30 مليمترا، التي تأثرت نوعية صورتها بفعل التقادم، رست في نهاية المطاف في المدينة الواقعة في جنوب غرب فرنسا بعد كثير من الصعوبات المرتبطة بالأحداث والتطورات.
ففي مطلع ثمانينيات القرن العشرين، قصفت إسرائيل مقر مؤسسة السينما الفلسطينية في بيروت، حيث كان يوجد نحو 100 من الأفلام الملتزمة. وغادرت مديرة المؤسسة خديجة حباشنة لبنان في حين بقيت بكرات الأفلام في مقر المؤسسة.
ومنذ ذلك الحين، لم تكف هذه المخرجة والناشطة النسوية عن بذل الجهود لإعادة تكوين هذا الأرشيف.
ورغم اختفاء النسخ الأصلية التي بقيت يومها في العاصمة اللبنانية بعد الاجتياح الإسرائيلي، فإن حباشنة تمكنت من إعادة بناء هذه الذاكرة المصورة مستعينة بنسخ متداولة في مختلف أنحاء العالم، ولا تزال إلى اليوم ماضية في عملها على هذا المشروع رغم بلوغها الـ79 من عمرها.
وفي اتصال هاتفي لوكالة الصحافة الفرنسية معها، شرحت من مكان إقامتها في العاصمة الأردنية عمّان ما تمثله هذه الأفلام، فذكرت بـ"حاجة الفلسطينيين الحيوية في الستينيات إلى توثيق الثورة، والحياة اليومية، ولترك آثار، ولتشكيل ذاكرة".
ولاحظ أوغو دارومان الذي أعد أطروحة عن "سينما الثورة الفلسطينية 1967-1982" أن "السينما الفلسطينية في ذلك الوقت كانت تتشابه مع مدارس سينمائية أخرى، وخصوصا في أميركا اللاتينية وآسيا، وكانت تتبع التوجه المتمثل في أن السينما ينبغي أن تواكب الثورة، وأن تكون لها غاية سياسية".
وأوضح أن هذه الأفلام، التي أنتجت غالبيتها العظمى منظمة التحرير الفلسطينية، كانت بمنزلة "استثمار نموذج أولي لدولة (فلسطينية) في السينما". وذكر بأن هذه السينما "كانت موجودة قبل ذلك، ولكن بأشكال فردية".
وتتأتى أجزاء هذه الذاكرة السينمائية، التي تمكنت حباشنة من جمعها بأفضل ما تيسر لها، من بكرات عرضها على مر الزمن متعاطفون مع القضية الفلسطينية، من كوبا إلى فيتنام مرورا بإيطاليا، وكانت محفوظة في المكاتب الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبالتالي، كان من شأن التداول المكثف لهذه البكرات الإضرار بجودتها "بفعل الاستخدام والوقت"، وفق فيكتور جوانو الذي عمل في مكتبة تولوز السينمائية على رقمنتها.
وأضاف "ارتأينا عدم محو كل آثار تداولها التي تشكل جزءا من تاريخها".
وما كان من مكتبة تولوز السينمائية التي تمتلك الوسائل الفنية لإجراء مسح لبكرات الأفلام، إلا أن أبدت اهتماما عندما كانت حباشنة تبحث عام 2018 عن شركاء لحفظ الأفلام التي كانت مخزنة في القاهرة وفي البعثة الفلسطينية في عمّان.
وقال مدير المكتبة فرانك لواريه إن "هذه الأفلام توثق الكفاح الفلسطيني، وكان من المنطقي الموافقة على حفظها في تولوز، لأن مكتبة الأفلام لدينا تتمتع تاريخيا بخلفية نضالية جدا"، في إشارة خصوصا إلى المواد الأرشيفية المهمة عن إضرابات وتظاهرات مايو/أيار 1968 التاريخية في فرنسا.
وتطرق إلى القيمة التاريخية لهذه المجموعة من الأشرطة، قائلا "إنها المرة الأولى التي كان فيها الشعب الفلسطيني يصور نفسه". ورأى أن "السينما أصبحت في هذه الحالة وسيلة للوجود و(الحصول على) الاعتراف، إذ تُستخدم الكاميرا لتأكيد الوجود".
وستتولى المكتبة السينمائية حفظ هذه البكرات وإبرازها وعرضها. وتمكن الجمهور من اكتشافها في رابع أكبر مدينة في فرنسا خلال فصل الربيع، خلال مهرجان "سينما فلسطين".
وتُسهل رقمنة هذه الأفلام عرضها في أي مكان من العالم، وهو ما حدث بالفعل في باريس ومرسيليا (جنوب شرق فرنسا) ولندن، ومن المتوقع راهنا أن تُعرض في المغرب العربي والمملكة العربية السعودية.
لكن الطموح يتمثل في أن تكون لهذه الأفلام ذات يوم، عندما يسمح الوضع بذلك، مؤسسة مخصصة لها تحضنها بصورة دائمة، وأن تعود إلى حيث صُوِر معظمها، أي إلى الأراضي الفلسطينية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السینما الفلسطینی الفلسطینی فی هذه الأفلام فی بیروت کانت ت کان من
إقرأ أيضاً:
منطق الاعتراف بالدولة الفلسطينية
لا يمكن قراءة توجه فرنسا ونيتها في الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات منظمة الأمم المتحدة سبتمبر القادم فعلا معزولا عن التحولات البنيوية التي تحدث في العالم وتعيد ترتيب المفاهيم الأساسية للعدالة وشرعية الدولة. فالاهتزازات العميقة التي يشهدها العالم
ليس بدءا بسقوط أطروحة «نهاية التاريخ» مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية وليس انتهاء بتداعي السرديات الصهيونية ليس في العالم العربي ولكن في عمق الغرب الذي كان مستلبا بالرواية الإسرائيلية التي بقيت لعقود طويلة يقينية ولا تقبل الشك من قريب ولا من بعيد.
ولذلك من المتوقع جدا أن تحذو دول أخرى حذو فرنسا في الاعتراف بالدول الفلسطينية المستقلة، ويمكن أن تكون مملكة بلجيكا الدولة القادمة إذا ما تم قراءة خطاب ملكها لويس فيليب ليوبولد ماري الأسبوع الماضي في نفس سياق الإعلان الفرنسي.. ما يؤكد أن العالم يتغير متأثرا بالتحولات الجوهرية والصدمات التي مر بها خلال العقدين الماضيين.
والدول التي تقيم دعائم خطابها السياسي على مبدأ حقوق الإنسان، مثل فرنسا، التي تأسست جمهوريتها على مثل هذه المبادئ، رغم المسافة بين النظرية والتطبيق، لا يمكنها أمام تكسر وتداعي السرديات الأخلاقية أن تتجاهل مأساة شعب يُحرم منذ أكثر من سبعة عقود من أبسط حقوقه؛ في أن يكون له وطن، وأن تكون له كرامة وأن يستطيع تقرير مصيره.
لن تكون فرنسا منحازة للقضية الفلسطينية على حساب علاقاتها مع إسرائيل عندما تعلن رسميا اعترافها بالدولة الفلسطينية، ولكنها تبحث عما يمكن أن يسمى في السياسة الدولية «التوازن»، وهذا ليس جديدا في السياسية الفرنسية فقد كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك يقوم بهذا الدور، حيث قام بزيارة رمزية في تسعينيات القرن الماضي إلى القدس الشرقية وعندما تعرض لبعض المضايقات من الإسرائيليين قال: «ما تفعلونه ليس ديمقراطيا.. وإذا لم تسمحوا لي بالتحرك بحرية، سأعود إلى طائرتي فورا».
ورغم تغير المشهد السياسي بين زيارة شراك للقدس الشرقية في عام 1996 واللحظة المنتظرة لإعلان فرنسا الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية إلا أن الرابط المشترك بين الموقفين يكمن في إعادة تشكيل الخطاب السياسي ليعطي أهمية لمنظومة القيم والمبادئ الإنسانية.. فإذا كانت السيادة الوطنية مقدسة، فهل يجوز أن تبقى فلسطين الاستثناء الدائم؟!
ويبقى الاعتراف بالدولة الفلسطينية سواء من قبل فرنسا أو دول أخرى في الاتحاد الأوروبي والعالم، وإن لم يكن الحل السحري لإنهاء الاحتلال، إلا أنه يملك قدرة رمزية وتشريعية مهمة على وقف تآكل مشروع «حل الدولتين»، الذي بات مهددا بالزوال التام.
ولكن ليست فرنسا وحدها المطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن كل دول العالم التي تتغنى بالديمقراطية والتعددية وكرامة الإنسان، مدعوة لاتخاذ موقف يتسق مع خطابها ومع مبادئها.. وإلا بقيت «الازدواجية الأخلاقية» وصمت عار في جبين مبادئها.
ولا بدّ أن ينطلق الاعتراف بالدولة الفلسطينية من مبدأ أنه حق أصيل للشعب الفلسطيني تأخر العالم أجمع في الاعتراف به.. واستمرار التأخير من شأنه أن يتسبب في المزيد من المآسي الإنسانية التي لم تعد محتملة.