لينا الموسوي
المرآة هي أداة تعكس كل ما أمامها من أشياء؛ سواء كانت في المظهر البدني أو النفسي والفكري بالمعنى غير المباشر للوصف، وهنا أحببت أن أتكلم عن أهمية كل ما يعكسه الفرد في سلوكه وتصرفاته، وتفاصيل شخصيته وما نشأ وتربى عليه من عادات وتقاليد ودين؛ فيكون كالمرآة المتنقلة التي تعكس صورة تربيته وبلده ودينه.
هنا تترسخ تلك الصورة بعمق في أذهان أفراد المجتمع الغريب الذي يتعامل معه أو الذي يعيش فيه لتتأطر بدورها تحت عنوان ذلك البلد أو الدين أو المعتقد.
كانت المجتمعات في السابق متقوقعة على نفسها، متفردة في ما تحمله من أنظمة وعادات وتقاليد ودين، وعادةً يكبر ويموت الفرد وارثًا تلك العادات والسلوكيات، دون أن يعلم ما يدور حوله من اختلافات في حياة وأنظمة المجتمعات الأخرى.
أما في الوقت الحاضر وبعد تزايد الحروب والكوارث الطبيعية والظروف الاقتصادية الصعبة، فأخَذَ موضوع الهجرات المختلفة بين دول العالم في تزايد لتصبح مجتمعاته أكثر تنوعًا واختلاطًا في الثقافات والديانات والمفاهيم والسلوكيات. ومن الطبيعي أن تزداد التساؤلات، وتنشأ بعض الصراعات والتي يعود سببها إلى الصورة التي يعكسها بعض الأفراد في المرآة من صفات وسلوكيات أو كلمات قد تكون مرفوضة أو غير مفهومة في تلك المجتمعات الجديدة التي يعيشون فيها.
هذا ما قد واجهته في رحلتي بين الشرق والغرب؛ حيث يؤلمني ما يعكسه بعض المغتربين العرب أو المسلمين من صورة لما يحملونه من دين أو معتقد أو أي سلوك آخر، لم يدركوا أهميته ومدى تأثيره السلبي أو الإيجابي عليهم وعلى أبنائهم في تلك المجتمعات.
لذا أودُ التطرق إلى ضرورة الاهتمام بما ينطق به الفرد- وخصوصًا العربي المسلم- من كلمات في حياته وتعاملاته العامة؛ سواء في الحياة الاجتماعية أو التعاملات التجارية، والتي قد تؤطَّر كصورة تعكس مفاهيم دينه أو بلده الذي جاء منه، وانتمى إليه في المجتمع الغريب، الذي يعيش فيه ويتعامل مع أفراده.
أُريدُ أن أتحدث عن عبارة اعتاد المسلمون في مختلف دول العالم على استعمالها في شؤون حياتهم وتخطيط أعمالهم وتحديد مواعيدهم أو أي شيء يُقدمون عليه، والتي أخذ معناها اتجاهًا خاطئًا، وهي عبارة "إن شاء الله"؛ اعتمادًا على الآية الكريمة "وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ".
فلا يحدث الحدث إلّا بإرادة ومشيئة الله تعالى، لكن مع الأسف الشديد فإنَّ هذه الكلمة النابعة من عمق ورُقي وحقيقة الفكر الإسلامي الذي يحث على التزام بالعهود والوعد واحترام العمل والكلمة في مختلف الحالات والتعاملات، أخذت في اللاشعور اتجاهًا آخرَ يقصد به عدم حدوث الفعل أو تسويفه أو المماطلة وعدم الالتزام به!! وذلك انعكاسًا لما يقوم به بعض الأفراد من سلوكيات غير مُلتزمة، غافلين وغير مُدركين مدى تأثير تلك الكلمات على فكر أفراد المجتمعات الغريبة، مُتناسين الصورة التي يعكسونها لدينهم وبلدانهم التي قد تؤثِّر سلبًا على مُستقبلهم وحياتهم وسمعة دينهم وأبنائهم.
يجب أن يعلم الجميع أن الالتزام في الكلمات الإسلامية ومفاهيمها الحقيقية هو جوهر الدين. لذلك، يجب علينا أن نهتم ونُدرك نتائج كل ما ننطق به من كلمات أو نقوم به من أفعال داخل أو خارج مجتمعاتنا؛ لأننا في الحقيقة صورة تمثل مجتمعاتنا وديننا الذي يدعو إلى رفعة الشأن في الأخلاق، والالتزام في كل قول وفعل؛ لنكون صورة جميلة تحترم وتفهم بطريقة صحيحة من أفراد المجتمعات الذين يحملون ديانات وعادات مختلفة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكوكب الذي غاب عن السماء.. زاهر البوسعيدي في ذمة الله
حمود بن علي الطوقي
لم يكن رحيل الأخ والصديق زاهر بن سالم البوسعيدي مجرد غياب جسد، بل كان لحظة فارقة، حملت معها الكثير من المعاني، وأيقظت فينا الحنين إلى زمن الطفولة وصفاء البدايات.
كان رحيله في يوم غير عادي، يوم جمعة مُبارك، اجتمعت فيه الأسرة كما اعتادت، على مائدة الغداء، في مشهد يفيض بأريج المحبة ودفء الأخوة. تبادلوا أطراف الحديث، تدارسوا القرآن الكريم، كما كانوا يفعلون في عهد والدهم، الشيخ الجليل سالم بن خليفة البوسعيدي، رحمه الله. كأن الرحيل أراد أن يكون تذكرة بما كانت عليه الأسرة، وأن يختم حياة زاهر بجلسة عامرة بالألفة، بين اثني عشر كوكبًا، كان هو كوكبهم الأوسط.
ولعل من أعمق ما يربطني بزاهر، رحمه الله، أن علاقتنا لم تكن وليدة يوم أو صدفة، بل جذورها تمتد إلى جيل الآباء. فقد كان والدي، الشيخ الجليل علي بن محمد الطوقي الحارثي، يرتبط بصداقة متينة بوالد زاهر، الشيخ الجليل سالم بن خليفة البوسعيدي، رحمهما الله جميعًا. ومن تلك العلاقة الأبوية المُباركة نبتت علاقة الصداقة بيني وبين زاهر، فترسخت، واتسعت لتشمل إخوانه الكرام، أحبّتي أحمد وسعيد ومحمد وبقية الإخوة، علي وسليمان وحافظ وخلفان وخليفة حتى صرنا نعد أنفسنا أسرة واحدة، تربطنا محبة صادقة ووئام دائم، قَلَّ أن نجد له نظيرًا.
أكتب هذه الكلمات لا لأرثي زاهر فحسب، بل لأحيي ذكراه، وأخلّد أثره. فهو لم يكن صديق الطفولة فقط، بل رفيق الدراسة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وزميل حلقات تحفيظ القرآن الكريم في جامع السلطان قابوس بروي. عرفته رفيق درب ذكيًا، وشابًا طموحًا، ورجلًا لا يعرف الكلل ولا الملل.
تميّز زاهر منذ صغره بحب الرياضة وروح القيادة، فأسس فريق كرة اليد في نادي فنجا، وبذل فيه من الجهد ما جعله فريقًا منافسًا على الساحة الرياضية، فكانت النتيجة أن أُسندت إليه مهمة تدريب المنتخب الوطني لكرة اليد، وهو إنجاز لم يأتِ من فراغ، بل من عزيمة صادقة وإيمان راسخ بقدراته.
لكن زاهر، رحمه الله، لم يكن رياضيًا فقط، بل كان إنسانًا واسع القلب، له قاعدة عريضة من الأصدقاء الذين ظلوا أوفياء له حتى اللحظة الأخيرة، وقد لمسنا ذلك في مجلس العزاء، حيث توافد الأحبة من كل حدب وصوب لتقديم التعازي، واستحضار ذكراه الطيبة.
رغم أن لقاءاتنا تباعدت في السنوات الأخيرة، بسبب مشاغل الدنيا التي لا تنتهي. إلا أن زاهر ظل حاضرًا في القلب. والوجدان، أذكر أنني التقيته ذات مرة، فقلت له ممازحًا: "مختفي يا كابتن زاهر!" فكنت أحب أناديه بالكابتن فضحك وقال: "بعد التقاعد من مستشفى السلطاني، اشتريت مزرعة صغيرة في مدينة المصنعة.. فبعد التقاعد وجدت ضالتي في الزراعة أحب الزراعة، وأدعوك لتناول الخضروات الطازجة من مزرعتي." وما زال صدى تلك الدعوة يتردد في أذني، وقد حالت مشاغل الدنيا بيني وبين تلبيتها.
رحل زاهر، ولكنه ترك خلفه سيرة عطرة، وعلاقات طيبة، وإنجازات باقية. رحل بعد حياة حافلة بالعطاء، والطاعة، والعمل، تاركًا قلوبًا مُحبة، وذكريات لا تُنسى.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه عنّا وعن وطنه وأسرته خير الجزاء.
وداعًا يا أبا سالم.. إلى جنات الخلد بإذن الله.
رابط مختصر