بذكاء شديد، وبفطنة مصرية رائعة، أدرك القائمون على مهرجان العلمين ممن قرأوا التاريخ أن أعظم استثمار نجحت فيه مصر على مدى تاريخها هو استثمار القوى الناعمة، ذلك الاستثمار الذى حفظ لمصر مكانها ومكانتها ورفع لها رصيدها فى الوجدان العربى، فكانت الرياضة والسينما والمسرح والموسيقى والغناء والبناء هى أقوى أعمدة الارتقاء، وكان الذوق المصرى والروح المصرية هما جناحى الهوية والعبقرية المصرية فى كل هؤلاء.

ومع عبقرية المكان فى العلمين الجديدة جاءت عبقرية الفكرة فى صناعة هذا المهرجان الذى نجح بلا شك فى تحقيق أهدافه الترفيهية والترويجية، التى بدا للبعض أنها الأهداف الأهم للمهرجان، إلا أن هدفاً كان هو الأبرز والأسبق فى التحقّق، وهو النجاح فى استعادة الريادة والرصيد الوجدانى للقوى الناعمة المصرية وما لها من تأثير ضارب فى الأعماق وقادر على تحريك القلوب وتنوير العقول وإنعاش الساحات، وخلال دورتين فقط بدأنا نرى ملامح التعافى فى الذوق العام بفعل توليفة الفعاليات الحية التى أتاحت كل الألوان الفنية التى خاطبت كل الشرائح السنية والاجتماعية، وطرحت كل ما يمكن أن يُسمى فناً بملامحه التى لا تجرح الهوية المصرية، تلك التوليفة التى لم تترك الساحة مطاردة بلون واحد كان سبباً فى تخريب الذائقة المصرية والعربية على مدى سنوات غابت فيها الفعاليات الحية والتواصل المباشر بين النجم وجمهوره، سواء فى المهرجانات أو عبر البث فى الشاشات.

ففى حفل افتتاح المهرجان، التقى محمد منير بجمهوره العريض فى العلمين، وتابعته جماهير أعرض عبر الشاشات فى البيوت، وكان ذلك النجاح الكبير، ثم انطلقت من بعده الفعاليات والحفلات التى تنوّعت متعتها وبهجتها على مدى خمسين يوماً، وتأكدت معها أن المصريين هم أصل صناعة البهجة، وأن الروح المصرية هى السر الذى يجعل للبهجة فى مصر مذاقاً منفرداً لن تجده فى أى مكان بالعالم.

ودائماً كان الجمهور المصرى بروحه تلك جزءاً من نجاح أى نجم استطاع أن يلامس روحه، فاستحق أن تحتضنه هذه الروح وتصنع معه وهجه وبهجته، فترفعه إلى عنان السماء وتمنحه تأشيرة النجاح التى لا يضاهيها نجاح، لذا كانت الروح المصرية واللهجة المصرية أحد أسرار الريادة، وكان الجمهور المصرى أحد عناصرها، وهنا تكمن أهمية عودة الروح المصرية الحقيقية وعودة الذائقة المصرية الصحية غير المعتلة ولا المختلة، وعودة الحضن المصرى لكل نجوم مصر من كل الأجيال ولكل نجوم الوطن العربى، وتكمن أهمية مهرجان العلمين الجديدة فى إتاحة كل هذا من خلال هذا التنظيم المبهر الذى تولته عقول شابة وذاك التخطيط والتنفيذ لفعاليات اتسعت وتنوعت وأبهرت وحققت أهدافها بنجاح لافت.

رأينا كيف كان حفل كاظم الساهر، وكيف كان الحضور والتفاعل المذهل من الأجيال الصغيرة قبل الكبيرة مع أغنيات أغلبها بالفُصحى، وفاجأنا ذلك الذوق الذى كنا نظن أنه انحدر مع ظواهر حاصرت الشارع المصرى فى غياب الحفلات والفعاليات العامة والمهرجانات المدعومة من الدولة، ولا بد هنا أن أذكر أننا حين عرفنا كاظم الساهر لأول مرة فى صيف عام ١٩٩٥ كان من خلال حفل فى مهرجان أقامته الدولة فى مركز المؤتمرات من خلال وزارة السياحة لعدة سنوات، ونقله التليفزيون المصرى على الهواء مباشرة، وكانت انطلاقته بيننا هى الانطلاقة الكبرى له، والتى أصبح بعدها من أهم نجوم الغناء فى الوطن العربى، رغم أنه كان قد بدأ مشواره مع الغناء منذ عام ١٩٨٠

وكانت لى معه صدفة غريبة ربما لم تتحقّق لغيرى من الزملاء فى الصحافة الفنية، حيث كنت أول من قابله فى أروقة القاعة الكبرى بمركز المؤتمرات، وهو فى طريقه لإجراء (بروڤة الحفل) فى نهار اليوم السابق لها، ولأننى كنت مهتماً بالغناء فى ربوع الوطن العربى فقد عرفته وذهبت لأصافحه مرحباً به، فصافحنى مبتسماً ومتفاجئاً، ثم سألنى: أنت تعرفنى؟ وكرّر السؤال: هل هناك جمهور يعرفنى فى مصر؟ وأجبته مطمئناً إياه: نعم هناك الكثيرون يعرفونك فى مصر (وكان هناك كثيرون ممن سافروا إلى الخليج فى الثمانينات يعرفونه فعلاً).

وانتهزت الفرصة وأجريت معه حواراً ربما كان أول حوار له فى مصر فى هذه الأثناء، والطريف أننى حين ذهبت لأسلم الحوار -قبل إذاعة الحفل- إلى مجلتى التى أعمل بها رفضوه واكتفوا بخبر، فذهبت به إلى مجلة أخرى كانت ترأس تحريرها الإعلامية هالة سرحان وكنت مرتبطاً معها بما يُلزمنى بتسليم ثلاثة موضوعات على الأقل مقابل مبلغ شهرى، فغضبت منى الأستاذة هالة لأن كاظم ليس نجماً، وهى تريد حوارات نجوم، ولم تقبل الحوار حتى لا يكون مجرد عدد، وفى اليوم التالى أذيع الحفل فى التليفزيون وانقلبت الدنيا وإذا بالأستاذة هالة تكلف كل طاقم التحرير بالبحث عنى لينزل الحوار مفروداً على أربع صفحات بصورة لكاظم الساهر على غلاف مجلة «سيداتى سادتى» ولأتلقى اللوم من رئيس تحريرى فى مجلة «الكواكب».

لا أذكر هذه القصة لمجرد اجترار ذكريات خاصة، وإنما لأدلل على أهمية مثل هذه المهرجانات فى استرداد الكثير من الأدوار المستحقة لمصر، وأهمية استمرار الدولة فى إقامتها دون انقطاع، وفى دعمها ودعم كل من يقوم عليها، وأهمية أن نشكر الشركة المتحدة وكل من تعاون معها على الوقوف خلف هذا المهرجان بضخامته وضخامة فعالياته والتقاطها هذا الفكر النابغ فى استثمار قوانا الناعمة.

ومن بعد «كاظم» تأتى الرائعة ماجدة الرومى، بما لها من رصيد كبير فى قلوب المصريين، ولما لمصر من حب كبير فى قلب ماجدة الرومى، وكانت ليلة تعدّدت فيها مظاهر الفخامة والرقى والاستمتاع بكل ما غنته ماجدة الرومى، وشهدت به كل وسائل الإعلام.

ومن بعدها جاء النجم مدحت صالح بحضوره الخاص وبقدرته المبهرة على التفاعل مع جمهوره وخلق نوعاً من الوهج بقدراته الصوتية والذكريات التى نقشتها أغنياته فى قلب كل مصرى. ثم جاء الإبهار الذى شهدناه فى حفل تامر حسنى، وهذا النجاح اللافت الذى حقّقه تامر بين جمهور يأتيه من كل مكان فى مصر، ويعرف تامر كيف يحافظ عليه ويوسّع حجمه بحرصه الدائم على التجدّد والتطور فى الشكل وفى المضمون، وفى تفاصيل الظهور الاستعراضى النابض والحى.

وظل الإبهار فى التصاعد مع الفعاليات المتعدّدة، خاصة فى حفل نجوم التسعينات وما حققه من حضور حاشد لأكثر من جيل، واستمر لأكثر من خمس ساعات، وترك الحفل ظلاله على كل ما جاء بعده، حتى جاءت الذروة فى حفل الهضبة عمرو دياب وبراعته فى التواصل مع الملايين وفى بث الحرارة والبهجة فى جميع أرجاء المكان، منسجماً مع سحر العلمين الجديدة وأجوائها وفخامتها، فخرجت الصورة بملامح عالمية بامتياز 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مهرجان العلمين القوى الناعمة مهرجان العلمين العلمين الجديدة الروح المصریة فى مصر فى حفل

إقرأ أيضاً:

تركي آل الشيخ يعلن عن مجموعة من أبرز نجوم الكوميديا المشاركين في مهرجان الرياض للكوميديا

أعلن معالي المستشار تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه (GEA)، اليوم عن مجموعة جديدة من أبرز نجوم الكوميديا العالميين الذين سيحيون عروضًا مميزة خلال النسخة الأولى من مهرجان الرياض للكوميديا، الذي يُقام في “بوليفارد سيتي” بالعاصمة السعودية الرياض، خلال الفترة من 26 سبتمبر حتى 9 أكتوبر 2025.

ويُعد هذا المهرجان الأضخم عالميًا في مجال الكوميديا، حيث يضم أكثر من 50 من أفضل نجوم الكوميديا من مختلف أنحاء العالم.

ومن أبرز الأسماء التي تأكدت مشاركتها في هذه الفعالية الكبرى: الممثل الهوليوودي الشهير كريس تاكر، بطل سلسلة أفلام “Rush Hour”، والفائز بجائزة إيمي عزيز أنصاري، مبتكر وبطل مسلسل “Master of None”، والنجم بيت ديفيدسون، أحد أشهر خريجي برنامج Saturday Night Live، وبطل مسلسل “Bupkis”، إضافة إلى الكوميدي المعروف توم سيغورا، صاحب العروض الناجحة على نتفليكس مثل Ball Hog وDisgraceful، والمقدمان الشهيرين لبودكاست Bad Friends أندرو سانتينو وبوبي لي، والكاتب المرشح لجائزة إيمي نيميش باتيل، والكوميدي سام موريل، الذي قدّم عرضه الخامس “You’ve Changed” عبر أمازون برايم، إلى جانب النجم البريطاني المعروف أوميد جليلي.

اقرأ أيضاًالمجتمعأمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الثنيان

كما تم الإعلان عن مشاركة عدد من النجوم البارزين، من بينهم: كريس ديستيفانو، صاحب عرض “It’s Just Fortunate”، ومارك نورماند نجم نتفليكس بعرضه “Soup To Nuts”، وهانيبال بوريس، الكاتب السابق في Saturday Night Live و30 Rock، ولويس سي. كي. الحائز على ست جوائز إيمي وثلاث جوائز غرامي، وجيموين نجم الجولات العالمية في أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، المعروف بعرضه “The Goddamn Comedy Jam”، والذي يجمع بين الكوميديا والموسيقى بأسلوب فريد، ويحوّل كل مسرح يعتليه إلى حفلة مليئة بالحيوية والمرح.

وضمت قائمة الأسماء المؤكدة حتى الآن (بالترتيب الأبجدي): أندرو سانتينو، أندرو شولز، عزيز أنصاري، بيل بور، بوبي لي، كريس ديستيفانو، كريس تاكر، غابرييل “فلفي” إغليسياس، هانيبال بوريس، جيسيكا كيرسون، جيمي كار، جيموين، جو كوي، كيفن هارت، لويس سي. كي.، مارك نورماند، ماز جبراني، نيميش باتيل، أوميد جليلي، بيت ديفيدسون، راسل بيترز، سام موريل، سيباستيان مانيسكالكو، توم سيغورا، ويتني كامينغز، زارنا غارغ.

 

مقالات مشابهة

  • فوزي عبد الكريم: تمكين الشباب أهم إنجازات الدولة المصرية آخر 10 سنوات
  • تركي آل الشيخ يعلن عن مجموعة من أبرز نجوم الكوميديا المشاركين في مهرجان الرياض للكوميديا
  • إبراهيم عثمان يكتب: تبرير العدوان: لماذا حدث ولماذا فشل؟
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة الرباعية وتكتيكات الإسلاميين
  • إبراهيم النجار يكتب: زياد الرحباني.. رحيل أيقونة فنية نضالية استثنائية!
  • "حيرة".. مابعد النتيجة
  • إبراهيم صلاح يتغنى بصفقات الزمالك الجديدة
  • مهاجم الزمالك السابق يكشف عن المراكز التى يحتاجها الفريق
  • بلادك حلوة أرجع ليها دار الغربة مابترحم
  • مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرّم النجم أحمد رزق في دورته الـ41 تقديرًا لمسيرته الفنية