تصريحات تبون حول غزة.. بين الحقيقة والبروباغندا والمزايدات السياسية
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
بقلم: محمد أعزوز
في خضم الحملات الانتخابية، يلجأ السياسيون إلى استخدام مختلف الوسائل لكسب تأييد الناخبين. وفي الجزائر، لم يكن الرئيس عبد المجيد تبون استثنا ء ، حيث أثارت تصريحاته الأخيرة حول استعداد الجيش الجزائري لدخول غزة جدلا واسعا . هذه التصريحات، التي جاءت في سياق حملته الانتخابية، تطرح العديد من التساؤلات حول مدى جديتها وواقعيتها، وما إذا كانت تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب القضية الفلسطينية.
أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن الجيش الجزائري مستعد لتقديم الدعم الفوري لقطاع غزة فور فتح الحدود مع مصر. جاء هذا التصريح خلال خطابه في اليوم الرابع من حملته الانتخابية في مدينة قسنطينة ،حيث قال: “أقسم بالله العظيم جيشنا جاهز لدخول غزة، فقط نريد من مصر فتح الحدود.”
تأتي تصريحات الرئيس تبون في إطار حملته الانتخابية، حيث يسعى لكسب تأييد الناخبين من خلال استغلال القضية الفلسطينية. هذه التصريحات أثارت تفاعلات واسعة، حيث وصفها البعض بأنها خطيرة وغير مسبوقة، واعتبروها بمثابة إعلان حرب في وجه إسرائيل، واتهام لمصر بالتواطؤ وغلق الحدود. ويرى آخرون أن هذه التصريحات تأتي في إطار الحملة الانتخابية للرئيس تبون، الذي يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 7 سبتمبر.
لم تمر تصريحات تبون مرور الكرام، فقد أثارت موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. ادعى تبون أن مصر تعرقل تقدم الجيش الجزائري إلى غزة، مما جعله محط انتقادات واسعة. وأعاد مدونون نشر تصريحات سابقة للرئيس المصري الراحل حسني مبارك، دعا فيها أي دولة تريد تحرير القدس بالدخول وتنفيذ ذلك بدلا من الكلام.
عادة ما يستخدم النظام الجزائري الإعلام للترويج لمثل هذه التصريحات، حيث يتم تصوير الجيش الجزائري كمدافع عن القضية الفلسطينية. لكن هذه التصريحات تفتقر إلى الصدق وتعتمد على العنتريات المزيفة التي يروج لها الإعلام الجزائري. هذه التصريحات لا تعدو أن تكون مجرد جزء من حملة تضليل إعلامي تهدف إلى تحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية في الجزائر.
الواقع أن الحروب في العصر الحديث لا تتطلب دخول الأفراد في حرب برية، بل تخُاض باستخدام الصواريخ، والقاذفات، والطائرات، والطائرات المسيرة، ويمكن إطلاقها من أي مكان. هناك بحر غزة يمكن أن يسلكه الجيش الجزائري دون الحاجة إلى تصريح من مصر أو أي دولة أخرى. والتحديات اللوجستية التي تواجه الجيش الجزائري في حال قرر التدخل في غزة تشمل الحاجة إلى التنسيق مع مصر والدول الأخرى .
ولكن التصريحات تفتقر إلى الواقعية من الناحية العسكرية.
أما بخصوص المساعدات الإنسانية، فيمكن تقديمها لغزة بطرق أكثر فعالية ومن دون كل هذه الضوضاء، على سبيل المثال، يمكن التعاون مع المنظمات الدولية. هناك دول عربية قدمت مساعدات لغزة بصمت وفعالية، مثل الإمارات التي أرسلت مساعدات طبية عاجلة، والأردن الذي أرسل شحنات إغاثية، ومصر التي قدمت أكبر قافلة مساعدات إنسانية، والمغرب الذي أرسل طائرات محملة بـ40 طنا من المواد الغذائية والأدوية والأغطية. ومع ذلك، لم نرَ هذه الدول تقوم بالدعاية للمساعدات التي قدمتها وتعتبرها إنجازا ، لكن الدعاية والإعلان وجنون العظمة يبدو أنهما جزء من استراتيجية النظام الجزائري، الذي لم يقدم للفلسطينيين سوى الشعارات والكلام.
يقول المثل الشامي: ‘اللي بيفعل ما بيحكي’، لكن يبدو أن النظام الجزائري تحول إلى ظاهرة صوتية. كما اعتبر العديد من المغردين أن تصريحات تبون مجرد كلام ينقصه الكثير من الأفعال، مشيرين إلى أن الأفعال تكذب التصريحات الفضفاضة، خاصة في ظل منع المسيرات المؤيدة لفلسطين في الجزائر. فبينما يكتفي النظام الجزائري بالشعارات الرنانة، يظل الشعب الجزائري محروما من حقه في التعبير حتى عن دعمه للقضية الفلسطينية. وفي ظل غياب الأفعال الحقيقية ينكشف زيف التصريحات.
لقد دأب النظام الجزائري على استخدام القضية الفلسطينية كوسيلة لتلميع صورته على الساحة الدولية، دون تقديم دعم حقيقي للفلسطينيين. في الواقع، هذه التصريحات ليست سوى بروباغندا انتخابية تهدف إلى تحسين صورة النظام الجزائري على حساب معاناة الشعب الفلسطيني. فبينما يعاني الفلسطينيون من ظروف قاسية ويحتاجون إلى دعم فعلي، يكتفي النظام الجزائري بالشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فهل هناك متاجرة في القضية الفلسطينية أكبر من هذه؟ إن استغلال معاناة شعب بأكمله لتحقيق مكاسب سياسية هو أمر لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال.
مع النظام الجزائري، تعودنا على سماع الكثير من الضجيج دون رؤية أي نتائج ملموسة. ولهذا السبب، لم نلاحظ أي رد فعل من مصر، مما يؤكد ببساطة أن الجزائر فقدت وزنها وهيبتها ومواقفها بسبب تصرفاتها الطائشة. والأسوأ من ذلك، أن النظام الجزائري وضع نفسه في موقف محرج بسبب تصريحات الرئيس تبون غير المدروسة، حيث ينتظر الجميع الآن تحويل أقواله إلى أفعال، بما في ذلك إرسال الجيش الجزائري إلى غزة، خصوصا بعد إعلان الحوثيين استعدادهم للتنسيق مع الجيش الجزائري للقيام بعمليات عسكرية في البحر الأبيض المتوسط. هذا الوضع يعكس بوضوح التناقضات الداخلية للنظام الجزائري وعدم قدرته على اتخاذ خطوات جادة وحاسمة في القضايا الإقليمية والدولية، مما يزيد من عزلته على الساحة الدولية.
إلا أن أبواق العسكر وبعض الأصوات المحسوبة على النظام، من هول الفضيحة التي أوقعهم فيها تبون والتي انتشرت عبر الإعلام كالنار في الهشيم، بدأت تروج لفكرة أن تصريحات الرئيس تبون قد أخُرجت من سياقها وتم تأويلها بشكل خاطئ. ويدعون أن تبون لم يقصد الدخول في حرب مع إسرائيل، مما يثبت للعالم أن نظام الكابرانات أجبن مما كنا نعتقد. وأن تصريحات تبون ليست سوى جزء من حملة انتخابية لا علاقة لها بالواقع ،وأن حبل الكذب كان أقصر مما كنا نتصور. فهل كان تبون يتحدث وهو في كامل وعيه أم كان فاقد ا للوعي؟
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن هذه التصريحات جاءت في وقت حساس تشهد فيه البلاد توترات داخلية وضغو طا دولية متزايدة. هذا يثير التساؤلات حول مدى قدرة النظام على التعامل مع هذه التحديات بجدية وشفافية، بدلا من اللجوء إلى التصريحات الشعبوية التي تفتقر إلى المصداقية.علاوة على ذلك، تعرض النظام الجزائري لهزائم دبلوماسية متتالية أمام المغرب في ملف الصحراء المغربية، حيث تمكن المغرب من دحض كل الادعاءات التي روج لها النظام الجزائري بخصوص هذا الملف. بالإضافة إلى المكاسب الدبلوماسية
الهامة، استطاع المغرب تحقيق إنجازات بارزة في عدة مجالات. هذه الإنجازات، إلى جانب جديته في التعامل مع القضايا الدولية، أكسبت المغرب ثقة المجتمع الدولي وجعلته قوة إقليمية صاعدة. هذه الهزائم زادت من عزلة النظام الجزائري وأظهرت ضعف موقفه على الساحة الدولية. والأمر الغريب أن النظام الجزائري يبدو وكأنه النظام الوحيد في العالم الذي يعمل من أجل فشل المغرب أكثر مما يهتم بنجاح بلده.
يبدو أن النظام الجزائري لا يهتم بالقضية الفلسطينية بقدر ما يركز جل اهتمامه على المغرب، حيث يسعى منذ نصف قرن إلى تقسيمه من خلال دعم الحركات الانفصالية. هذا النظام هو نفسه الذي تسبب في مقتل نصف مليون جزائري خلال العشرية السوداء، ويستمر في إنفاق مليارات الدولارات على قضية الجمهورية الوهمية الفاشلة. في الوقت نفسه، يعاني الشعب الجزائري من نقص في أبسط المتطلبات اليومية، مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم. بدلا من توجيه الموارد نحو تحسين حياة المواطنين، يفضل النظام توجيهها نحو سياسات خارجية عدائية لا تخدم سوى مصالحه الضيقة.علاوة على ذلك، لا يمر يوم دون أن تتحدث الصحافة الجزائرية عن المغرب، وطبعا بأخبار تفتقد المهنية والحيادية والموضوعية، ومليئة بخطاب الكراهية والتحريض ضد المغرب.
في النهاية، تبقى تصريحات الرئيس تبون حول غزة مثار جدل واسع، حيث تتراوح الآراء بين من يراها محاولة لكسب تأييد الناخبين ومن يعتبرها بروباغندا سياسية. بغض النظر عن النوايا الحقيقية وراء هذه التصريحات، يبقى السؤال الأهم هو مدى تأثيرها على القضية الفلسطينية وعلى الوضع الداخلي في الجزائر .
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الجیش الجزائری هذه التصریحات تصریحات تبون فی الجزائر
إقرأ أيضاً:
كونوا حرّاس الحقيقة وصانعي الوعي وحلفاء النهوض
ألقى الدكتور نواف سلام، رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية الشقيقة، كلمة رئيسية خلال الافتتاح الرسمي لقمة الإعلام العربي، أعرب فيها عن تقديره لاحتضان دولة الإمارات ومدينة دبي للقمة، منوها بجهودهما في ترسيخ العمل العربي المشترك.
كما أعرب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، عن بالغ الشكر والتقدير إلى صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ولدولة الإمارات العربية المتحدة، قيادة وشعباً، كما أعرب عن عميق تقديره للمواقف النبيلة التي أبدتها دولة الإمارات تجاه لبنان وما صدر عنها من قرارات داعمة لمسيرته نحو المستقبل، وأهله، مقدراً استضافة دولة الإمارات لنحو 190 ألف لبناني يعيشون ويعملون بكل تفان وإخلاص في بلدهم الثاني، الإمارات، ينعمون فيها بالأمن والأمان وجودة الحياة.
وعن قمة الإعلام العربي وأثرها، قال د. نواف سلام: «نجتمع اليوم في زمن استثنائي لم يعد فيه الإعلام مجرد ناقل للواقع، بل صار قوة تصنعه ومصنعاً للرأي العام، وللسلم وللأسف أحياناً أيضاً للفتنة»، مؤكداً الحاجة إلى إعلام مسؤول يضع الحقيقة فوق كل اعتبار.
وأضاف: «أتحدث إليكم من خلفية رجل قانون، تعلّم أن الحقيقة لا تُبنى على الظنون، وأن المسار نحو العدالة يبدأ بالتجرّد عن الأهواء وأية مصالح شخصية، وبتقديس للوقائع والأدلّة. وهذه هي المهمة النبيلة التي يتقاسمها رجال القانون والإعلام معاً، مهمة البحث عن الحقيقة في زمن تكثر فيه الفوضى كما يكثر التضليل. فالباحث عن الحقيقة في القضاء والباحث عنها في الإعلام يواجه معاناة كبرى، لكون البحث عن الحقيقة يحتاج إلى البعد عن الانحياز بكل أشكاله».
وأشار إلى أن التطور التكنولوجي أحدث ثورة في وسائل الاتصال، ليجعل من العالم كله قرية إلكترونية واحدة مربوطة باستمرار بشاشة كومبيوتر أو موبايل، مستشهداً ببعض الإحصاءات ومنها أن أكثر من 75 % من سكان العالم يمتلكون جهازاً محمولاً أو أكثر، وأكثر من 67 % من سكان العالم يرتبطون بشبكة الإنترنت، لافتاً إلى أن الإحصاء الأكثر إثارة للقلق هو أن 58 % من الناس يحصلون على الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأكثرها لا يمكن تحديد مصادرها.
وقال إن مكمن الخطر أن تصبح الكلمة أداة تشويش لا معرفة، وسلاحاً بيد من يسعى للإيذاء لا للبناء، لافتاً إلى أن الإعلام لم يعد شأناً محصوراً بالمهنيين فقط، بل أصبح ساحة صراع بين من يسعى لقول الحقيقة، ومن يسعى لإخفائها أو تحويرها، مؤكداً أهمية قمة الإعلام العربي كحدث استراتيجي له أثره في الدفاع عن الكلمة والحقيقة.
وتطرق رئيس مجلس الوزراء اللبناني، إلى ما تشهده لبنان حالياً من جهود بناء وتطوير وإصلاح، مؤكداً أن المشروع القائم والحقيقي للبنان هو أن تكون دولة قانون ومؤسسات وسيادة وقرار، وبلداً متجذراً في هويته وانتمائه العربيين، المنفتح على العالم والقادر على أن يكون جسر تواصل بين الشرق والغرب.
وقال: «المعركة التي نخوضها اليوم في لبنان ليست فقط معركة اقتصادية أو سياسية، بل هي معركة وعي، معركة كلمة.. الإعلام ليس ترفاً في مسيرتنا نحو الإصلاح والنهوض، بل شرطٌ من شروطه الأساسية. نريده شريكاً في ترميم الثقة وفي صياغة مستقبل جديد لبلدنا.. نطلب من الإعلام أن يكون مهنياً، نزيهاً، ملتزماً بالحقيقة. نريده أن يكون فضاء للمشاركة، للفهم، للتفاهم، كما أراد الفلاسفة الأوائل حين عرّفوا عملية التواصل بأنها مشاركة في المعنى».
وأضاف: «نحن أمام مفترق طرق تاريخي في المنطقة، لحظة إقليمية دقيقة تستدعي خطاباً إعلامياً جديداً يواجه محاولات التهميش والتفكيك، ويعيد إنتاج الأمل. نريد إعلاماً عربياً حديثاً، حيّاً ومتنوعاً، يصنع المستقبل ولا يجتر الماضي. يفتح النوافذ ويحمي الحرية ولا يسيء استخدامها».
واختتم الدكتور نواف سلام كلمته قائلاً: «من دبي مدينة الرؤية والطموح كما أرادها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه لله، أطلق معكم نداءً إلى كل إعلامي حر:«كونوا حرّاس الحقيقة... كونوا صانعي الوعي... كونوا حلفاء النهوض».