كليمنس فويست ـ ماريا والدينجر

تميل المناقشات الدائرة حول سياسة المناخ إلى التركيز على الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. وهذا أمر منطقي، خاصة وأن هذه الغازات هي السبب الرئيسي وراء تغير المناخ. لكن الاحتباس الحراري الكوكبي من المتوقع أن يستمر حتى في ظل السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا، وهذا يعني ضمنا الحاجة الـمُـلِـحّـة إلى إستراتيجيات شاملة للحد من التكاليف الاقتصادية، والمخاطر التي تهدد السلامة العامة، والتهديدات الصحية المرتبطة بأزمة المناخ المتصاعدة.

في حين يزعم بعض الخبراء أن التكيف الكامل أمر مستحيل؛ نظرًا للمخاطر الكبرى التي يفرضها الاحتباس الحراري الكوكبي، فإن هذا الرأي مضلل. من الـمُـسَـلَّـم به أن التكيف وحده من غير الممكن أن يعوض عن أسوأ آثار تغير المناخ، ولابد من تكثيف الجهود الحالية للحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي. لكن تجاهل الحاجة إلى تطوير وتنفيذ - والاستثمار في - إستراتيجيات الغرض منها حماية الشركات، والأسر، والمجتمعات من العواقب الحتمية المترتبة على تزايد ارتفاع حرارة كوكب الأرض هو تصرف غير مسؤول بدرجة شديدة.

تشكل الحماية من الفيضانات مثالًا رئيسيًا هنا. فمع تزايد تكرار الفيضانات وشدتها، أصبحت استعادة السهول الفيضية وغير ذلك من التدابير الاستباقية متزايدة الأهمية. ويجب أن يلعب التكيف الطويل الأمد أيضا دورا محوريا في مشاريع إعادة البناء بعد الكوارث. فبدلًا من إصلاح المنازل المتضررة مرارًا وتكرارًا، على سبيل المثال، قد يكون من الحكمة إعادة بنائها في مناطق أقل عُرضة للفيضانات.

لن تكون جهود التكيف فعّالة إلا بقدر فعالية الآليات المستخدمة لتمويلها. في حين يدعم كثيرون من دافعي الضرائب تمويل جهود إعادة البناء، فإن القيام بذلك من شأنه أن يخلق الحوافز للبناء في المناطق المعرضة للخطر. من الأفضل بدلا من ذلك إنفاق هذه الأموال على التدابير التي تحمي المجتمعات من الفيضانات في المستقبل، وليس فقط بناء مساكن جديدة في مناطق أكثر أمانًا، بل وأيضًا الاستثمار في البحوث والابتكارات الموجهة بغرض مساعدة القطاعات المتضررة من تغير المناخ، وخاصة الزراعة، على التكيف مع التهديد. كما تؤكد موجات الحر المتزايدة الخطورة على الحاجة الملحة إلى تدابير التكيف. برغم أن درجات الحرارة المرتفعة غير المسبوقة تفرض مخاطر صحية كبرى، وخاصة على كبار السن والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية سابقة، فإن بلدانا مثل ألمانيا لا تزال عازفة عن الاستثمار في أنظمة تكييف الهواء وغير ذلك من أساليب التبريد. لكن مثل هذه الأنظمة لا تتطلب الوقود الأحفوري؛ ويمكن تشغيلها بالطاقة الشمسية، التي تتوفر بكثرة خلال فترات ارتفاع الحرارة. الحرارة الشديدة خطيرة بشكل خاص على العاملين في العراء، وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى تحديث قوانين الصحة والسلامة المهنية. يجب إلزام الشركات باتخاذ التدابير اللازمة لحماية موظفيها، مثل توفير المناطق المظللة والوصول إلى مياه الشرب.

ولأن أصحاب الدخل المنخفض يعملون غالبا في ظروف عالية الخطورة، فإن التكيف مع المناخ يوفر فوائد اجتماعية بعيدة المدى. بيد أن القدرة على تنفيذ مثل هذه التدابير تقتصر إلى حد كبير على الأسر، والبلديات، والمناطق، والبلدان التي تتمتع بالموارد المالية والخبرة الفنية الكافية. في غياب استراتيجيات التكيف وآليات التمويل المناسبة، سيتحمل الأفراد الفقراء والمجتمعات الفقيرة وطأة تغير المناخ على نحو غير متناسب، وسوف يؤدي هذا إلى تعميق أشكال التفاوت الاقتصادي والاجتماعي على المستويين المحلي والعالمي.

من حيث المبدأ، ينبغي للأسر والشركات أن تتعامل مع تدابير التكيف كما تتعامل مع أي قرار استثماري آخر. وبدلًا من مُلاحقة كل خيار، ينبغي لها أن تركز على الخيارات التي تقدم أعظم قدر من القيمة، على غرار الطريقة التي يقيم بها رجال الأعمال النفقات المختلفة.

من المؤكد أن جهود التكيف تواجه عقبات عديدة، بما في ذلك انعدام اليقين بشأن مسار تغير المناخ في المستقبل والتكاليف المرتفعة المرتبطة بتعديل الهياكل والعمليات القائمة. علاوة على ذلك، قد تتسبب ندرة المعلومات حول تدابير التكيف الفعّالة وكيفية تنفيذها ضمن الأطر القانونية القائمة في رفع التكاليف. وكل هذا من شأنه أن يؤدي إلى تثبيط الاستثمار في التكيف، خاصة وأن الفوائد قد لا تتحقق إلا في الأمد المتوسط ​​إلى البعيد. مع ذلك، يتعين على الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص أن تعمل على جعل جهود التكيف مع المناخ أولوية قصوى. ومن خلال توقع المخاطر واتخاذ خطوات استباقية لتعديل عملياتها، يصبح بوسع الشركات خفض تكاليف التنفيذ.

في الوقت ذاته، يتعين على صناع السياسات الاستثمار بكثافة في تشييد البنية الأساسية المرنة القادرة على الصمود، ودعم البحوث والإبداع، ونشر المعلومات الحيوية على الأسر والشركات والسلطات المحلية لمساعدتها على التأهب لمختلف التحديات المرتبطة بالمناخ، بما في ذلك الفيضانات، وموجات الحر، وغيرها من الأحداث الجوية القاسية.

إن التكيف ليس مجرد ضرورة عملية؛ بل هو حتمية أخلاقية. وعلى الرغم من أهمية الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فإن جهود التكيف مهمة بذات القدر لضمان عدم تحمل السكان الأكثر ضعفًا في العالم وطأة التأثيرات الأشد تدميرًا المترتبة على تغير المناخ. وبوضع تدابير التكيف في قلب سياسات المناخ، إلى جانب جهود التخفيف، يصبح بوسعنا خلق مستقبل مرن وعادل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاستثمار فی تغیر المناخ جهود التکیف التکیف مع

إقرأ أيضاً:

وزير إسرائيلي: الحرب على سوريا باتت حتمية

سوريا – علق وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي تعليقا على تطورات محيط القنيطرة السورية امس إن “الحرب على سوريا باتت حتمية”.

وجاءت تصريحات شيكلي عقب تداول مقاطع تظهر تحركات لقوات أمن سورية ومسلحين قرب مواقع انتشار الجيش الإسرائيلي في ريف القنيطرة، ما اعتبرته تل أبيب “تهديدا أمنيا”، رغم أن المنطقة تشهد منذ سنوات اعتداءات إسرائيلية متكررة وتوغلات وانتهاكات مستمرة للسيادة السورية.

وكشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن حادثة التوتر التي وقعت في القنيطرة بين قوة من الجيش الإسرائيلي ومواطنين سوريين قرب المدينة تزامنت مع جولة ميدانية أجراها كل من سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مايك وولز، وسفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة داني دانون، في المنطقة.

وبحسب الصحيفة، دخل وولز ودانون إلى القنيطرة القديمة خلال الجولة مرتديين معدات حماية، وأجريا تقييما ميدانيا للوضع. وخلال عودتهما إلى المركبات، وقعت “حادثة غير اعتيادية” تمثلت باضطرابات وإطلاق نار بعد مرور الموكب المسلح، ومحاولة الجيش الإسرائيلي، وفق روايته،  اعتقال عنصر من حركة الجهاد الإسلامي.

وأشارت الصحيفة إلى أن السفيرين لم يشاهدا الحادثة مباشرة، لكنهما كانا على بعد مئات الأمتار فقط من موقعها.

ونقلت يديعوت أحرنوت أن دانون تلقى إحاطة فورية من قائد اللواء في المنطقة، وسارع إلى إبلاغ السفير الأمريكي بتفاصيل ما جرى، قبل أن يتلقى الطرفان لاحقا إحاطات عسكرية حول “التهديدات” على الجبهتين اللبنانية والسورية. وشملت الجولة أيضا مواقع في الجليل الأعلى المحتل، ومرتفعات الجولان المحتل، إضافة إلى لقاء مع ضابط رفيع في قوة “أندوف” التابعة للأمم المتحدة.

ونشرت وسائل إعلام سورية تسجيلات مصورة من منطقة خان أرنبة قرب القنيطرة، تظهر مسلحين من قوات أمن النظام السوري يتحركون في شاحنات صغيرة وبحوزتهم أسلحة ظاهرة، بمحاذاة آليات عسكرية إسرائيلية. ووفق ما أوردته الصحيفة، أُصيب ما لا يقل عن مدنيين سوريين جراء ما وصفه جيش الاحتلال بـ”إطلاق نار تحذيري”.

من جانبه، زعم الجيش الإسرائيلي أن الحادثة سبقتها “إخلالات بالنظام ورشق بالحجارة” باتجاه جنوده، ما دفعهم إلى إطلاق نار في الهواء والانسحاب إلى مواقع آمنة. وفي المقابل، أفادت تقارير سورية باندلاع تظاهرة في خان أرنبة احتجاجا على وجود الجيش الإسرائيلي، ونشاط طائراته المسيرة في أجواء المنطقة.

وفي تطور سياسي لافت، نقلت الصحيفة عن مصادر أمريكية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عبر عن غضبه الشديد من تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، الذي قال خلال “منتدى الدوحة” إن “ما نجح في هذه المنطقة أكثر من أي شيء آخر هو الملكية”.

وقال نتنياهو عن باراك خلال لقائه بالسفير وولز: “لقد فقد صوابه تماما… يفضل الملكية على الديمقراطية ويخدم المصالح التركية في المنطقة”.

وفي سياق متصل، نفت رئاسة الوزراء في إسرائيل تقارير إعلامية عربية تحدثت عن التوصل إلى اتفاق أمني بين “إسرائيل” وسوريا، ووصفتها بأنها “أخبار كاذبة بالكامل”، مع الإقرار بوجود اتصالات جرت برعاية أمريكية دون التوصل إلى تفاهمات.

وفي ختام الجولة، قال السفير الإسرائيلي داني دانون إن “التهديدات من الشمال واضحة”، مضيفا: “على حدود لبنان نرى عن قرب تصميم الجيش على مواجهة تعاظم قوة الفصائل اللبنانية والتهديد الإيراني، وعلى الجبهة السورية نواجه تحديات إضافية ناجمة عن عدم الاستقرار”.

كما هاجم ما وصفه بـ”التقارير الأحادية والمشوهة” التي قدمت لأعضاء مجلس الأمن خلال زيارتهم الأخيرة للمنطقة، على حد تعبيره.

المصدر: يديعوت أحرنوت

مقالات مشابهة

  • عاجل.. مصدر في الرئاسة يكشف المهمة التي جاء من أجلها الفريق السعودي الإماراتي العسكري إلى عدن.. إخراج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة
  • ماذا تغير في تركيا بعد عام من بدء عودة السوريين إلى بلادهم؟
  • المرور يكشف الحالات التي تتطلب تخفيف السرعة أو إيقاف المركبة 
  • ترامب يدرس تخفيف القيود الفيدرالية على الماريجوانا وإعادة تصنيفها كأقل خطورة
  • مفاجأة.. عشبة الشمر تساعد في تخفيف الانتفاخ وتنظيم الهرمونات لدى النساء
  • فوائد مذهلة لزيت النعناع في تخفيف الصداع وآلام القولون
  • حين تتحول الدراما والإعلام إلى قوة تغير المجتمع وتحافظ على هويته
  • وزير إسرائيلي: الحرب على سوريا باتت حتمية
  • باسم يوسف: مصر 2025 لم تعد مصر 2014.. كل شيء تغير
  • عاجل.. تغير كبير في حالة الطقس حتى نهاية الأسبوع