أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
عبر مسيرة التاريخ الطويلة، كانت محاولات إصلاح الأوطان دائمًا محفوفة بالتحديات الكبرى التي تعترض طريق المصلحين، هذه التحديات لم تنشأ من فراغ؛ بل جاءت كنتيجة حتمية لصراع عميق بين قوى الإصلاح والفساد.
قوى الفساد تلك، المُستترة في الظل والمُختبِئة خلف مصالحها الضيقة، لا تتوانى عن الدفاع عن مكتسباتها بكل شراسة حتى وإن كان الثمن تدمير الوطن ذاته.
في خضم هذا الصراع، يجد الفرد العادي نفسه محاصرًا بين طموحاته في رؤية وطنه مزدهرًا وبين واقع مرير يفرض عليه مواجهة تداعيات فساد استشرى في كافة أرجاء الوطن.
فكيف تتشكل هذه الديناميكية؟ وما الثمن الحقيقي الذي يدفعه المواطن حينما يتغلغل الفساد في أركان الدولة؟
التاريخ يُعطينا دروسًا متكررة في هذا الصدد، لقد ثبت مرارًا وتكرارًا أن المفسدين وداعميهم في الداخل، الذين يشكلون قلب الدولة العميقة، هم أكبر العقبات التي تواجه أي محاولة جادة للإصلاح، هؤلاء الفاسدون لا يظهرون في العلن، بل يختبئون خلف تحالفات خفية ومنظومات معقدة تعمل على حماية مصالحهم، يسعون بكل قوة لإفشال أي جهد يُهدد وجودهم أو يكشف فسادهم، لذى لا يعملون وحدهم؛ إذ يحيطون أنفسهم بدائرة من الفاسدين والمُنتفعين الذين يجدون في فساد الدولة فرصة للتربح على حساب الوطن والمواطن، هذه الدائرة المُغلقة من الفساد تجعل من الصعب للغاية كسر قبضة الفساد وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
في هذا المناخ المسموم، يجد المُصلِحون أنفسهم في حالة إقصاء، وتتحول أدوات الدولة إلى وسائل لتعزيز مصالح المفسدين، وهنا تتحول الموارد العامة إلى مكاسب خاصة وتصبح الثروات الوطنية نهبًا لجشع هؤلاء الفاسدين. ومع مرور الوقت، تتجلى عواقب هذا الفساد على الوطن: اقتصاد يرزح تحت وطأة الركود، موارد مُستنزفة، وبنية تحتية متهاوية، وعندما يدرك المفسدون أن مصالحهم قد استنفدت يرحلون، لكنهم لا يتركون خلفهم سوى وطن مُثقل بالديون والخراب، ومشكلات تحتاج إلى حلول جذرية.
المواطن الذي كان يُمني النفس بحياة كريمة ومستقبل مشرق، يجد نفسه مضطرًا لتحمل عبء إصلاح ما أفسده غيره، وإعادة بناء الاقتصاد، وإصلاح البنية التحتية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وكلها مهام شاقة تقع على عاتقه، والأكثر مرارة هو أن المواطن غالبًا ما يتحمل هذه الأعباء عبر فرض ضرائب جديدة أو برامج تقشُّف صارمة، وحتى ضعف القوة الشرائية للعملة المحلية، والنتيجة النهائية هي أن المواطن يدفع الثمن مضاعفًا: أولًا، من خلال تدمير أحلامه في وطن مزدهر؛ وثانيًا، من خلال تحمُّله تكلفة إعادة بناء ما دمره الفساد.
إنَّ قصة الفساد والإصلاح ليست مجرد فصل من فصول التاريخ، إنما هي ظاهرة تتكرر بأشكال مختلفة عبر الزمن، وما يجب أن ندركه اليوم هو أن الفساد ليس مجرد مشكلة اقتصادية أو سياسية، إنما جريمة أخلاقية تُرتكب بحق الوطن والمواطن على حد سواء.
والحل لن يأتي من الخارج أو عبر قوى عابرة؛ بل يجب أن ينبع من وعي المواطن ذاته بقدرته على الإصلاح، وهذا الوعي يتجلى في المطالبة بمحاسبة الفاسدين ودعم المُصلِحين الذين يسعون بإخلاص لخير الوطن، فقط عبر هذه الخطوات يُمكننا كسر الحلقة المُفرغة التي تُقيِّد الأوطان وتمنعها من النهوض، وبناء وطن لا يتحمل فيه المواطن وحده عبء إصلاح ما دمرته أيادي المفسدين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير العدل: لا تهاون في مكافحة الفساد
أكد وزير العدل حافظ الأختام لطفي بوجمعة على أن مكافحة الفساد مسألة “لا تهاون فيها”. وأن المتورطين سيتم متابعتهم “بكل حزم وصرامة”.
وقال وزير العدل، في رده على انشغالات أعضاء مجلس الأمة، في إطار مناقشة نص القانون المتضمن الإجراءات الجزائية. أن مسألة مكافحة الفساد “أمر مفروغ منه ولن يكون هناك أي تهاون”. بحيث سيتم متابعة كل الضالعين في جرائم إختلاس الأموال العمومية بكل حزم وصرامة.
وبخصوص الأحكام الواردة ضمن هذا النص والمتعلقة بإرجاء المتابعات القضائية في القضايا المصنفة في خانة أخطاء التسيير. ذكر وزير العدل بأنها “جاءت تكريسا لسياسة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون. الرامية إلى تشجيع المستثمرين ونزع الخوف من المتابعات الجزائية”. مشيرا إلى أن الهدف من هذا الإجراء هو حماية الإقتصاد الوطني وتفادي اللجوء إلى المتابعات القضائية. التي قد تؤدي إلى تعطيل آلية الإنتاج أو المساس ببعض الأشخاص المعنوية.
كما أوضح وزير العدل، أنه قد تم التفكير في إدراج إجراء بديل يتمثل في “اقتراح دفع المستحقات للخزينة العمومية مقابل تأجيل المتابعات القضائية. عن طريق إتفاق مع الشخص المعنوي والنيابة العامة. كما يلزم الإتفاق الشركة بالقيام بإصلاحات لتفادي تكرار أخطاء في التسيير”.
وبخصوص مسألة إعادة النظر في مدة التقادم، أوضح بوجمعة أن رفعها يتناسب مع ما نشهده اليوم من جرائم تتطلب وقتا إضافيا للتحقيق فيها. على غرار جرائم التزوير وتلك المتعلقة بتكنولوجيات الإعلام والإتصال.
وعن ظروف التوقيف تحت النظر، ذكر الوزير بأن هذا الإجراء يخضع إلى رقابة صارمة من طرف القضاة. حيث يتم اللجوء إليه في جرائم معينة حفاظا على الأدلة.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور