البروف صلاح فرج الله انداحت به الأيام ووضعته في دار المسنين بكسلا
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
هذه الكتلة الهائلة في دنيا النشاط الأدبي والثقافي وفي علم الاجتماع الذي نبغ فيه ودرسه لطلابه بجامعات السودان والخارج انتهي بها المطاف في دار المسنين بكسلا ...
يبدو أن موجة النزوح باغتته وهو في حالة من الضعف والأعياء ووجد نفسه في كسلا يضمه بيت للنزوح استجم فيه شهرا كاملا استعاد فيه شيئا من صحته وتعافي بعض الشيء مما كان يعاني ويكابد من اعتلال وكان لطلابه ومن واقع مسؤولياتهم تجاه من علموهم أن جعلوا من هذا النهج قيمة وتساموا بالقضية وقدموا جهدهم في أن يحجزوا له مكانا بين جدران بيت للنزوح كان أقصي المني والجميع إليه في أشد الاحتياج والأرض قد ضاقت بما رحبت علي المواطنين في طول البلاد وعرضها والدانات والصواريخ تنهال علي رؤوسهم والمرض والجوع يفتك بهم والملاحقات والمساءلات تمسك بخناقهم فصاروا مثل كرة القدم يتبادل في ركلها الجيش والدعم السريع باقصي درجات الاستهتار وبفوضي ضاربة اطنابها .
كان البروف صلاح فرج الله وكما نعرف منه من رقة وكثير ذوق وزهد فهو كما يقول عن نفسه أنه لم يفكر مطلقا في أي منعطف من حياته أن يكون ثروة وكان كل حلمه لقمة هنية وصحة وعافية وان ينهض بالمسؤولية لأنها قيمة يرتفع بها فوق القضية وان يخدم وطنه لأن خدمة الوطن لاتشتري بالمال ...
لقد وجد ماقدمه له طلابه في كسلا من مهجع في معسكر بيت نزوح استعاد فيه صحته عرفانا وعملا طيبا منهم جاءه في وقت الحاجة الشديدة الملحة يوم خرج من بيت أهله في العباسية بأم درمان في ظروف لم تمر علي السودان أكثر منها ظلاما وقسوة وايلاما ووجد نفسه وقد احاطه طلابه بكل ماتوفر لهم في تلك اللحظات العصيبة ولو كان بمقدارهم أن يضعوه في افخم الفنادق من ذوات ال ٧ نجوم لما تأخروا ولو كان باستطاعتهم أن يضعوه في أكف الراحة لكانوا أشد الناس سعادة ... ولكنها الحرب اللعينة العبثية المنسية التي يديرها مردة وشياطين يقتلون القتيل ويمشون في جنازته ويشيعونه باهازيح النصر ويبشرونه بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
البروف صلاح فرج الله الإنسان عالي الثقافة ساقب الفكر الزاهد الورع التقي ابن ذاك الجندي ( العم فرج الله) الذي عمل في القوات المسلحة وتقاعد عن الخدمة بسجل نظيف وأداء رفيع بشهادة القادة العسكريين الذين عمل معهم ... وكان قد التحق بمدرسة ام درمان الأهلية الثانوية قبل ترحيلها وقد كانت بالقرب من منزل الزعيم الراحل الأزهري ( جعل الله سبحانه وتعالي الجنة متقلبه ومثواه ) ... التحق بها في وظيفة ( صول المدرسة ) بكل ما عرف عنه من قوة شخصية وانضباط توارثه عنه ابنه الكبير ابراهيم الذي عمل في مصلحة البريد والبرق في وظيفة ( وكيل بوستة ) وهي كما نعرف وظيفة ضمت خيرة أدباء وشعراء البلاد ... كان الأستاذ إبراهيم يجيد اللغة الانجليزية وقد اسسي في مابعد معهدا لتدريس هذه اللغة وقد صادف هذا المعهد كثيرا من النجاح وقد أطلق عليه اسم ( العميد ) فكان إسما علي مسمي ...
وكان للبروف صلاح فرج الله نصيبا من ميراث والده في الضبط والربط وقوة الشخصية ... وزاد علي ذلك بنهمه اللامحدود للقراءة ومشاركاته الناضجة في كافة الفعاليات الثقافية والأدبية ولا تفوته ندوة ولا حلقة نقاش أو حوار وحتي اتحاد الكرة لما عرف فيه من وطنية كان يطلب منه أن يحاضر اللاعبين وهم يستعدون لخوض مباريات تنافسية عالمية أو إقليمية لما عرف عنه من مقدرة عالية في شحذ الهمم ومدها بالطاقات الإيجابية وكان يقول لهم ويردد دائما أن حب الوطن الحبيب لايشتري بالمال وعليكم بذل العرق واقصي الجهود لتضعوا وطنكم بين النجوم .
إن كنت اتمني شيئا في هذه اللحظات لتمنيت أن أكون في كسلا في دار المسنين اسعد بجوار البروف صلاح فرج الله وانا اعرفه غاية المعرفة وقد استفدت من علمه الكثير وكان يقدم علمه بكل ادب وتواضع وشفافية وقد أحبه الجميع بمختلف الطبقات الاجتماعية فنتمني أن تضع هذه الحرب اللعينة العبثية المنسية أوزارها ونعود جميعا الي الوطن والي بيوتنا وأن نري البروف صلاح فرج الله ذلك الكوكب المضيء في سماء الفكر يتلألأ مابين قاعة الشارقة ومركز البرير الثقافي ومركز العز بن عبد السلام وكل بيوت الثقافة في العاصمة والاقاليم وخارج الوطن...
لك من الجميع اطيب الامنيات واتمني أن نراك دائما ذاك المفكر المطبوع والشاعر المرهف والأديب الذي له بصمته الخاصة وسحره العجيب وتأثيره الذي يضوع بين الحاضرين مثل الفل والياسمين والورد والعنبر .
ودمتم
حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي.
معلم مخضرم.
ghamedalneil@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سرير تحت النجوم
bed under stars
عبارة قرأتها من دفتر الزوَّار في نُزُلِ أُوْنَتِّي أي القمر، يقع سبعة كيلومترات شمال مدينة وادي حلفا علی ضفاف بحيرة النوبة، بناه صاحبه محمد صالح أمين تحت سفح جبل وجعل غُرَفَه من ثلاثة أضلاع، ليكون صدر الجبل هو الضلع الرابع ويطل علی ضفاف البحيرة ويقدم النُزُل خدماته الفندقية الفريدة الراٸعة من وجبات ومشروبات سودانية شعبية لذيذة.
ويعتبر طبق سمك البلطي والعِجل من أشهی الوجبات الطازجة (حرفياً) حيث يقوم العم محي الدين دونجا بجلب الأسماك التی إصطادها مسبقاً واحتفظ بها داخل شبكة في وسط البحيرة ليخرجها عند الطلب، بحيث لا تحتاج السمكة لأكثر من ربع الساعة منذ خروجها من الماء حيَّةً،وحتی تستقر فی جوف الزبون وجبةً، بجانب المشروبات الكركدي والآبري وغيرهما والمكسرات من البلح والدوم والنبق.
كان رفقاء الرحلة من الشباب الأستاذ بدر الدين إبراهيم (الدكتور) فی ما بعد، والأستاذ سيف الدين حسن، (المخرج العالمي) فی مابعد، والذی يحمل هم توثيق ماحدث لبلادنا في المٶامرة العالمية من العدوان مستنداً علی ذخيرة ضخمة وراٸعة من معلومات حقيقية جسَّدها فی حلقات أرض السُمر من إخراجه ليریٰ الناس ما آلت إليه حال الخرطوم من تدمير ممنهج وكذا الجزيرة وسنَّار وغيرها من مدن وقریٰ بلادنا نسأل الله له ولفريقه المتكامل التوفيق .
تداعت علی ذهني كل هذه الذكريات والتداعيات وأنا أستلقي علی سرير تحت النجوم فی حوش الزبيراب الوسيع بأبْ دوم محلية مروی، علی بعد ما لا يزيد عن كيلومتر واحد من مطار مروی حيث أطلقت المليشيا سهام غدرها الأولیٰ فی بداية هذه الحرب، ويتساءل العملاء الخبثاء عن من هو الذی أطلق الطلقة الأولیٰ !!
الشٸ الوحيد الذی لم يزعجني هو إنقطاع الكهرباء بسبب الهجمات الجبانة بمسيرات mbz ، إذ إن مسقط رأسي لم يعرف الكهرباء طيلة حكم دولة 56، أي طيلة فترة الصِبا والشباب، حتی جاء عهد الإنقاذ بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من الإستقلال فدخلت الكهرباء علی استحياء من محطة توليد حراری فی كريمة إمتدت علی طول لا يزيد علی عشرين كيلومتر منقولة علی اعمدة خشبية، ولم تصل إلیٰ مروي بالضفة الأخری من نهر النيل، وظلت مروي بلا كهرباء حتی انتاج الكهرباء من السد!!ويتحدث الجهلة عن التهميش!!!
رأيت أهلي فی الشمالية المُفْتَرَیٰ عليها،يكابدون فی سبيل الحصول علی لقمة العيش الحلال،طيلة النهار الشديد الحرارة،للدرجة التی تجعل الهاتف النقال يحتاج (مكمدات باردة لكی يعمل) وهذه ليست مُزحة!!
ومع ذلك تراهم يستلقون علی (سرير تحت النجوم) يتأملون فی بديع صُنع الله،ويٶمنون بأن الله قاهرٌ فوقهم، غير آبهين بالمسيرات ولا المخيرات.
وكلهم إصرار علی دعم جيشنا،الذی يدعون له بالنصر، لايضرهم انقطاع كهرباء ولا ماء.
– النصر لجيشنا الباسل.
-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.
-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء.
محجوب فضل بدري
إنضم لقناة النيلين على واتساب