مؤسسات الإعلام أمام خيارين: إما أن تتغيّر أو تتبدد
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
في عام 2012، أعلنت كوداك إفلاسها بعد سيطرة على صناعة التصوير الفوتوغرافي استمرت 125 عاماً، لأنها فشلت في التحول إلى التصوير الرقمي.
ورغم أنها كانت من أوائل الشركات التي طورت كاميرا رقمية، إلا أن إدارتها لم تستثمر الجهد والمال الكافيين للاستمرار في هذا المجال.عملاق الاتصالات ماركوني مثال آخر لشركة لم تستطع التكيف مع المتغيرات والانتقال إلى تقنيات الإنترنت ذات النطاق العريض والشبكات اللاسلكية، انتهت ببيع أصولها إلى شركة إريكسون عام 2005.
الأمثلة على عدم تكيف الشركات مع التغيرات الحاصلة من حولها كثيرة، ولكن نكتفي بذكر أسماء كبيرة في صناعة الهواتف المحمولة لم يتخيل أحد أن ينتهي أمرها لتبقى مجرد ذكرى، كما حدث لنوكيا التي تركز على تطوير تقنيات الجيل الخامس والبنية التحتية، وبلاكبيري التي تركز على حلول البرمجيات والأمن السيبراني.
وكانت بلوك باستر حتى وقت قريب أكبر سلسلة لتأجير الأفلام، لكنها لم تتكيف مع التحول إلى البث الرقمي وخدمات الاشتراك مثل نتفليكس، التأخر أجبرها على إعلان إفلاسها عام 2010.
تردد عمالقة بيع التجزئة في تبني فكرة التسوق عبر الإنترنت، فتح الباب أمام قادمين جدد مثل أمازون وعلي بابا للسيطرة على تجارة التجزئة.
بمقدار سرعة التغيرات الحاصلة ازدادت أعداد الضحايا وقدمت صناعة الإعلام أكبر عدد منهم.
بينما يتغير المشهد الإعلامي يومياً، نرى مؤسسات إعلامية ومن ضمنها الإعلام الحكومي الذي ينفق عليه من ضرائب تُجبى من جيوب المواطنين، تتمسك بالأساليب القديمة غير مدركة للتغيرات التي تحدث من حولها.
قد يصمد إعلام الحكومات ليبقى جثة محنطة يصرف عليها من ميزانيات الدول، إلا أن الإعلام الخاص الذي يحاول الصمود باستجداء الدعم من الحكومات، لن يصمد حتى النهاية.
خلال ثلاث سنوات فقط، فتح الذكاء الاصطناعي المجال أمام الإعلام ليقدم محتوىً حسب الطلب، مخصصا لكل فرد بناءً على تتبع اهتماماته وسلوكه.
لقد مكّن الذكاء الاصطناعي المؤسسات الإعلامية من سلاح خطير، وهو تحليل البيانات بسرعة، ودقة مذهلة، ما ساعد على فهم توجهات المتابعين وتقديم تقارير أكثر شمولية وفائدة لهم.
المواقع والتطبيقات الإعلامية توظف بشكل متزايد خدمة المقترحات والمساعدات الافتراضية الذكية، التي تشجع المتابعين على طرح الأسئلة والتعمق في البحث، واستخدام الواقع الافتراضي والمعزز، وتتيح للمتابع تجربة تفاعلية.
اليوم بإمكان المؤسسات الإعلامية استخدام الصحافة الآلية والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في كتابة الأخبار والتقارير، وهو ما سيوفر الوقت للصحافيين للتركيز على التحقيقات المعمقة والتقارير التحليلية. وبدلاً من النظر إلى العلاقة بين الصحافيين والذكاء الاصطناعي بوصفها علاقة تنافسية عدائية، يصبح التعاون بين الجانبين أكثر تكاملاً. ويتيح الذكاء الاصطناعي فرصة للصحافيين لاستخدام أدوات ذكية لتحسين جودة عملهم وإنتاجيتهم.
احتجاجات أعداء التغير لن توقف استخدام المؤسسات الإعلامية التعلم الآلي، وتوظيف الذكاء الاصطناعي المؤنسن بالكامل، لإنتاج مقالات مخصصة للقراء بناءً على اهتماماتهم الفردية، وفي الوقت نفسه تتيح للمستخدمين الوصول إلى مجموعة واسعة من الآراء السياسية.
لن يكون بوسع أي مؤسسة إعلامية تريد الاستمرار تجاهل الحلول الذكية، مثل التعرف التلقائي على الكلام، والترجمة من لغة إلى لغة، أو مجموعة لغات أخرى، في الوقت الفعلي، وهو ما يساعد على تقديم محتوى دولي بدقة وجودة عاليتين.
في عالم تنتشر فيه الأخبار المزيفة، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي عبر التحقق من صحة المعلومات بسرعة، وهو ما يساهم في ترميم الثقة الضائعة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية، وتعزيز مصداقية الإعلام.
وعلى طريقة نتفليكس، تعمل المؤسسات الإعلامية على تطوير محافظ رقمية تتيح الدفع مقابل المحتوى المميز. وهذا يساعد الناشرين على تحقيق إيرادات من المحتوى الرقمي.
بعد أن أمضيت أكثر من 45 عاماً في العمل بمؤسسات إعلامية، وبعد علاقة مع البرامج التلفزيونية ومتابعة نشرات الأخبار التي تقرأها لنا وجوه لا تتغير، وانتظار موعد بث المسلسل المفضل، لا أنكر أنني أشتاق إلى ذلك الزمن الذي لا يمكن أن أصفه إلّا بالزمن الجميل، كان جميلا بالنسبة إليّ ولمن هم من نفس الجيل الذي أنتمي إليه، رغم معرفتي الأكيدة، أن جمال تلك الفترة لا يعني أي شيء لجمهور شاب جديد، يريد كل شيء مفصل وفق رغباته.
الطريق واضح: "تغيّر أو تبدّد". أستعير هذا التعبير من صديق جزائري في قصيدة له عن الحزب الواحد ألقاها في العراق. لم يتغير حزب البعث، الذي تبدّد وتتبدّدت معه الدولة التي كانت يوماً في طليعة الدول العربية.
على العاملين في حقل الإعلام التوقف عن توجيه اللوم للحكومات، وانتظار حل لمشاكلهم عن طريق قرار تصدره مؤسسات رسمية. هذا لن يحدث، لسببين، الأول مادي بحت، والثاني لأن الإعلام التقليدي عاجز عن تقديم أيّ خدمات يمكن أن توظفها الدولة في خدمة الصالح العام.
أمام مؤسسات الإعلام التقليدي الخاص حيز صغير من الزمن للتغيّر أو التبدّد. بالطبع شرط ألاّ ينسينا التبدل جودة المحتوى.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الذكاء الاصطناعي المؤسسات الإعلامیة الذکاء الاصطناعی مؤسسات الإعلام
إقرأ أيضاً:
مساعد الذكاء الاصطناعي بواتساب يسرب رقم هاتف أحد المستخدمين
في حادثة غريبة من نوعها، قام مساعد الذكاء الاصطناعي الموجود في منصة "واتساب" بتوليد رقم الهاتف الخاص بأحد المستخدمين على أنه رقم خدمة العملاء الخاص بشركة " ترانس بينين إكسبريس" (TransPennine Express) بالمملكة المتحدة، وذلك بحسب تقرير "ذا غارديان".
كان باري سميثورست ينتظر القطار السريع المتجه إلى مدينة مانشستر بيكاديللي، وعندما تأخر القطار طلب من مساعد الذكاء الاصطناعي الموجود في "واتساب" الذي يعتمد على نماذج "لاما" (LLMA) من "ميتا" تزويده برقم الهاتف الخاص بخدمة عملاء الشركة للتواصل معهم، جاء الرد مع رقم هاتف مستخدم آخر وهو جيمس غراي دون وجود ما يربط بينه وبين خدمة عملاء الشركة أو سميثورست، سواءً كان في الموقع الجغرافي أو البيانات أو حتى تقاطع الدوائر الاجتماعية والوظائف بينهما.
وعندما واجه سميثورست مساعد الذكاء الاصطناعي في "واتساب" بأن الرقم خطأ ويعود لمستخدم آخر، ما كان منه إلا الاعتذار والتأكيد أن هذا الرقم مولد بشكل عشوائي ولا يعود إلى أي قاعدة بيانات، رغم إشارته إلى استخدام قاعدة بيانات عشوائية.
وعن هذا الأمر قال مايك ستانوب، المدير الإداري لشركة "كاروثرز وجاكسون للاستشارات الإستراتيجية في مجال البيانات" (Carruthers and Jackson) أثناء حديثه مع "ذا غارديان": "هذا مثال رائع على فشل الذكاء الاصطناعي. إذا كان مهندسو ميتا يصممون أساليب "الكذب الأبيض" في أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، فإنهم يجب أن يعلموا الجمهور".
ومن جانبها قالت "ميتا" على لسان المتحدث الرسمي إن رقم الهاتف المذكور متاح بشكل عام عبر الإنترنت ويتشارك بعض الأرقام مع رقم هاتف خدمة العملاء الخاص بشركة "ترانس بينين إكسبريس"، مؤكدا أن النموذج تدرب على قواعد البيانات الخاصة بالشركة وهي لا تضم أرقام هواتف المستخدمين، بحسب ما جاء في تقرير "ذا غارديان".
إعلانويمثل هذا الموقف الأحدث في سلسلة من هلوسات الذكاء الاصطناعي من عدة شركات ونماذج مختلفة، بما فيها "شات جي بي تي" الذي أكد أن رجلا قتل أبناءه ومازال يقضي عقوبته في السجن رغم أن الحقيقة عكس ذلك.