الثورة الرقمية والشرط الإنساني
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
محمد نجيم
كتاب «الإنسان العاري، الديكتاتورية الخفية للرقمية» لمارك دوغان وكريستوف لابي، وهو كتاب بالغ الأهمية، يتناول كل القضايا الخاصة بالآثار الكارثية التي خلفتها الثورة الرقمية على الشرط الإنساني، ما يعود إلى علاقة الفرد بالزمان وبالمكان، وعلاقته مع نفسه ومع الآخرين، بل امتد تأثيرها ليشمل مجمل الأنوات التي بها يحيا الفرد، وهي ما يشكل «هوياته» الموزعة على فضاءات لا يلعب فيها الواقعي سوى دور بسيط، وعادة ما يكون مجرد ممر نحو عالم افتراضي لا حد لامتداداته، فعوض أن يبحث الناس في الحياة الحقيقية عن أصدقاء حقيقيين، راحوا يلهثون في الشبكات الاجتماعية وراء «صداقات» وهمية خالية من أي دفء إنساني.
ويرى مترجم الكتاب سعيد بنكراد، أن الثورة الرقمية جاءت بالخير، و«كسب الإنسان بفضلها أشياء كثيرة: في المعلومة ومعالجتها وتداولها وفي الصحة والأمن والسرعة، ولكنه خسر كل شيء أيضاً، الحميمية والحياة الخاصة والحرية والحس النقدي.
إنها مفارقة غريبة، يقول بنكراد «فلم تقُد هذه الثورة بإنجازاتها الكثيرة، كما كان مؤملاً، إلى تجدد الإنسانية وتطورها، وإلى بلورة المزيد من القيم التي تحتفي بروح الأخوة والصداقة والكرامة، بل أعلنت ميلاد «فرد فائق» (hyper individu) يتحرك ضد نفسه وضد المجموع ضمن ممكنات «واقع فائق» (hyper realité). إنه إنسان «مزيد» بالافتراضي والبدائل الاصطناعية، ولكنه مُفرغ من الداخل. لقد اختفى الحلم والمتخيل والفعل الاستعاري عنده لتحل محله «الرغبة» و«الاتصال الدائم»، كل ما يتحقق في «اللحظة»، كما يمكن أن تُعاش في زمنية تنتشر في «فضاء أفقي» مصدره كل الشاشات: التلفاز والحاسوب واللوحات والهواتف المحمولة».
لا يتعلق الأمر بتمثيل مزيف للواقع، كما كانت تفعل ذلك الإيديولوجيا قديماً، بل هو الإيهام الدائم «بأن الواقعي ليس هو الواقعي»، كما يقول جان بودريار، فعالم الحياة الفعلية لا يُدرك إلا من خلال مضاف افتراضي يُعمق غربة الفرد عن نفسه وعن واقعه، ويستدرجه إلى وحدة «ينتشي» بها وسط الجموع. إن الواقعي ناقص، وتلك طبيعته، كما هو الإنسان ناقص أيضاً، وتلك عظمته وذاك مصدر قوته. ولكن النقصان في الحالتين معاً لا يمكن أن يعوض بالافتراضي، بل يجب أن يتجسد في فعل إنساني واقعي يسعى فيه الإنسان إلى التغطية على جوانب النقص في وجوده، وذاك كان مسعاه منذ أن استقام عوده وانفصل عن محيط صامت ليخلق تاريخه الخاص.
لقد امتدت سيطرة الافتراضية في عصر الرقمية لكي يشمل كل شيء. فهي الثابت في وجودنا. فنحن لا نكف عن اللعب بهواتفنا أو لوحاتنا، إننا لا نحس بالآخرين حولنا، بل نبحث عن سلوان ومواساة وفرحة ونشوة، أو حالات استيهام، في ما تقوله الصورة في أجهزتنا. لقد تغير كل شيء في حياة إنسان القرن الحادي والعشرين، لم يعد الناس يعيشون ضمن هذه الثورة باعتبارهم كينونة مستقلة تتغذى من القيم وتنتشي بكل مظاهر العزة والكرامة والاستقلالية في القرار، وفي العواطف.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الملحق الثقافي الثقافة الثورة الرقمية
إقرأ أيضاً:
21 مليون ألماني يستخدمون «تيك توك».. البرلمان يدخل الساحة الرقمية
يستعد البرلمان الألماني الاتحادي (البوندستاغ) لتوسيع حضوره الرقمي بإطلاق حساب رسمي على منصة “تيك توك”، بهدف الوصول إلى جمهور الشباب الذي يعتمد بشكل كبير على المنصة كمصدر رئيسي للمعلومات.
وأكدت رئيسة البرلمان، يوليا كلوكنر، لوكالة الأنباء الألمانية أن “تيك توك” رغم الانتقادات والمخاوف التي تحيط بها، أصبحت وسيلة أساسية للاطلاع على الأخبار والمعلومات لدى فئات واسعة من الشباب، مشيرة إلى ندرة امتلاكهم للصحف الورقية واعتمادهم على المنصة كمصدر رئيسي.
وتعتمد “تيك توك”، التي تديرها شركة “بايت دانس” الصينية، على نشر مقاطع فيديو قصيرة ذات طابع ترفيهي، لكنها تضم أيضاً محتوى معلوماتياً، وسط تحذيرات من مخاطر أمنية ومخاوف تتعلق بحماية البيانات.
ويستخدم المنصة في ألمانيا نحو 21 مليون شخص شهرياً، بينما يتجاوز عدد مستخدميها عالمياً 1.5 مليار مستخدم، وفق المكتب الاتحادي لحماية البيانات.
الجدير بالذكر أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي كان أول الأحزاب الألمانية التي أنشأت حضوراً قوياً على “تيك توك”، فيما تعتمد الحكومة الألمانية المنصة أيضاً كأداة تواصل مع الجمهور.