هذا ما أعنيه من مفهوم الكيان السني في سوريا
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
أثار مصطلح الكيان السني في سوريا، الذي كررته مؤخرا، حفيظةَ البعض، دون أن يُجهد نفسه هذا البعض مؤونة الاطلاع على فقرة واحدة من فقرات حديثي في ندوة عُقدت في المركز الثقافي في إدلب، فللأسف الشديد الكثير يحاكمك على شخصيتك وربما على ما يُضمره لك من تحليل لشخصيتك، ولو كان بعيدا كل البعد عمّا قلته وقصدته، فضلا عن قراءة عملية متكاملة لما تقصده.
لم تكن المشكلة غالبا فيما يقوله الشخص، وإنما كانت المشكلة في الغالب في فهم الطرف الآخر لما يقال، وأنا الذي دعوت وأصررت على توحيد الأمة في كل خطاباتي منذ انضمامي للحركة الإسلامية خلال فترة شبابي، أجد أن بعضهم اليوم يسعى للاصطياد في المياه الصافية النظيفة، ولو كان متيقنا من أنه لن يعثر على شيء فيها.
مصطلح الكيان السني الذي أطلقته، للمرة المائة قصدت به دون أي خوف أو وجل أو جبن، العصبوية السنية التي نستطيع أن نشدُّ بها عصب الثورة في مواجهة عصابات طائفية منفلتة، ودول مارقة عن كل شيء، ولم أقصد به أبدا الكيان الجغرافي التقسيمي التجزيئي، الذي فهمه البعض ويصر على فهمه السقيم، ولكن للأسف ما يزال هذا البعض يصر على فهمه السقيم، فليس هناك من يجهل أن وقود الثورة السورية لـ13 عاما كان ولا يزال من السُنّة، الذين دفعوا أثمانا باهظة وفادحة، ممثلة بمليون شهيد ونصف مليون معتقل و14 مليون مهجر، وتدمير حواضر السنة، ولا يزال قادة الاحتلال الإيراني يتشدقون ويصرخون ويتبجحون بالطائفية، مصطلح الكيان السني الذي أطلقته، للمرة المائة قصدت به دون أي خوف أو وجل أو جبن، العصبوية السنية التي نستطيع أن نشدُّ بها عصب الثورة في مواجهة عصابات طائفية منفلتة، ودول مارقة عن كل شيء، ولم أقصد به أبدا الكيان الجغرافي التقسيمي التجزيئيويجيّشون كل حثالات الأرض الطائفية لسحق الشام وتدميرها وتشريد أهلها، فهل إن أطلق مثقف مثلي ناقوس خطر بضرورة العصبوية السنية، ويشد أزر المرابطين والمقاتلين في مواجهة عقيدة طائفية باطنية مجرمة، يدفع بها السكين عن رقبته، يُتهم ويُنال منه!
ما زلت أتذكر مؤتمرا صحافيا للسفير الأمريكي السابق في أفغانستان أواخر التسعينيات، حين سأله صحافي باكستاني: كيف لأمريكا أن تدعم زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار، وهو حزب متطرف؟ فردّ عليه السفير الأمريكي يومها بقوله: "إن عقيدة وأيديولوجية شيوعية لا يمكن دحرها إلّا بعقيدة إسلامية متشددة أقوى منها". ونحن هنا حين ندعو إلى العصبوية السياسية السنية، ندعو إلى عقيدة أقوى من الأيديولوجية الصفوية الطائفية، من أجل دفع السكين عن البقية الباقية من أهل السنة المهددين بالقتل والتشريد، بعد تصريحات المرشد ورئيسه ووزير خارجية إيران عن المعركة مع الحسينية واليزيدية، وعلى العراق أن يختار بين الحسين ويزيد.
مرة أخرى المقصود بالكيان السني هو العصبوية السنية التي دعا إليها ابن خلدون، وكل دارس علوم سياسية يعرف تماما أن لكل دولة عصبوية خاصة بها، وقد تسمت دول بأسماء عائلات وشرائح كما لا يخفى، ولا يزال من يحضر صلاة الجمعة في تركيا يسمع الدعاء بأن يحفظ الله الأناضول ولم تشكُ يوما المناطق التركية الأخرى من التقسيم، الذي يتخوف منه البعض اليوم من إطلاق الكيان السني العصبوي، ومن قبل قال النبي عليه الصلاة والسلام الأئمة من قريش، ولم ينقل من عشائر العرب وقبائلهم، أنه جرى تهميشها أو إقصاؤها بهذا الحديث، فالعاقل يدرك تماما أن ثمة عصبوية لكل بلد، وقد ثبت أن العصبوية الوحيدة للثورة السورية هي العصبوية السنية التي دافعت وقاتلت، ولا تزال مستعدة لدفع الثمن، والحفاظ على الثورة، ولذا فهي المؤتمن الوحيد عليها.
وينبغي التذكير بأن قرى مسيحية ودرزية وقرى شيعية عاشت مئات السنين وسط بحر سني في الشمال السوري، لم يتم التعرض لها، إلّا حين أقدمت القرى الشيعية كالفوعة وكفريا على استجلاب الاحتلالات الأجنبية والمليشيات الطائفية لقتل أهل السنة وتشريدهم، لكل دولة خطابات متعددة، فخطاب السلم يختلف عن خطاب الحرب، وما زلنا نتذكر خطاب بوش أول حرب العراق حين أطلق مصطلح الحرب الصليبية، وهو الذي لم يتعرض لواحد بالألف مما تتعرض له سوريا والسوريون، والأمر نفسه ينطبق على المحتل الإيراني والروسيفمشكلتنا لم تكن يوما مع طوائف، إنما مشكلتنا مع القتلة من هذه الطوائف.
أخيرا لكل دولة خطابات متعددة، فخطاب السلم يختلف عن خطاب الحرب، وما زلنا نتذكر خطاب بوش أول حرب العراق حين أطلق مصطلح الحرب الصليبية، وهو الذي لم يتعرض لواحد بالألف مما تتعرض له سوريا والسوريون، والأمر نفسه ينطبق على المحتل الإيراني والروسي، ولذا فإن خطابي وقت إبادة السنة سيختلف تماما حين يتم رفع السكين عن رقبتي.
أتفهم مصالح البعض وجبنه وخوفه وخشيته من الجرأة على قول الحق، والنطق بما أؤمن به، وما زلت أعرف كثيرا من النخب يقولون في الغرف المغلقة أكثر مما أقول به، ولكنهم يقولون لي: "لا نجرؤ على النطق بما تقوله"، فلكل حساباته، أما الشعب السوري فحساباته مع الولاء السني الذي ينبغي أن يشد عصبه ويشد ثورته إليها قبل أن تقع سربنيتسات، وحموات وتدمرات وحمصات وقصيرات جديدة..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الطائفية سوريا الطائفية السن ة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة رياضة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أمة النهوض.. مشاتل التغيير (19)
تعتبر الأمة هي المجال الحيوي لإرساء قواعد المثالية الإسلامية وبلوغ القيم التي تشكل أهم مقاصدها، كما أنها تعبير عن قمة التجانس الإدراكي والعقيدي المتمثل في وحدة العقيدة وثبات مبادئها، والتأكيد على الجانب المعنوي والفكري، ذلك أن حقيقة الأمة المعنوية تنبع من تأكيدها على القيم الثابتة من حيث مركزية التوحيد بالنسبة لها، وما يعكسه ذلك على مفهوم الاختيار المسئول والملتزم، والتعبير الإداري للحركة في إطار من الالتزام يحدده الشرع، وذلك كتأكيد على فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره محك خيرية الأمة وحضورها وشهادتها. والتوحيد بما يؤكده من تصور فكري موحد وتجانس إدراكي يرفض أي حركة عنصرية شعوبية تؤسس على الجنس أو اللون، فتجعل من أي أسس مادية محكومة بالفكرة وحقائق الإيمان، فالوطن لم يعد تعبيرا عن حقيقة مكانية، بل تعبيرا عن "الدين وطن".
بهذا المعنى فإن الأمة وفق -حقيقتها اللغوية- إنما تؤكد على البعد العقيدي والمعنوي، ومن ثم فإنها قد تعني -في أحد معانيها- "الفرد" العالم، وهو المنفرد بعلمه، أو الرجل الذي لا نظير له، والإمام، والدليل الهادي، ومعلم الخير، والمعلم والرجل الجامع للخير وخصاله، وذلك تأكيد على أن البعد المعنوي والعقيدي قد يرفع "الفرد" لمقام أمة لما يمثله من فكر وعقيدة، فإذا كان إطلاقها -أي كلمة الأمة- على الجمع أمرا طبيعيا فإن إطلاقها على الفرد من خلال القرآن والسنة قد أضاف لمفهوم الأمة -غير معيار الكم- بعدا أساسيا يشكل محور تلك الفكرة، وهو البعد العقيدي، كما أن الأمة ذات صلة بمفهوم "الإمام" تأكيدا على دور الخلافة والإمامة في الأمة، ذلك أن الإمام ما ائتُمّ به من رئيس وغيره؛ والقرآن إمام المسلمين، كل ذلك تأكيدات جديدة ومقصودة لمفهوم الأمة.
مفهوم الأمة إذا في الرؤية الإسلامية هو مفهوم من طبيعة قيمية خاصة يؤكد تفرده بين المفاهيم الأخرى المناظرة له والمشابهة، سواء في اللغة العربية أو في إطار الفكر الغربي، ويشكل مفهوم الأمة في حد ذاته نظاما قيميا يحاول تأصيل إشكال تصاعد القيم داخله. فإذا ما افترضنا أن مفهوم الأمة يشتمل على معان مثل الأرض والجنس واللغة والعقيدة، فإن العقيدة تشكل البعد المعنوي له، وتصوغ فيه سلم التصاعد لتمثل القيمة العليا
كذلك يرتبط مفهوم الأمة جمعا.. بمعان متعددة مثل: القصد والتوجه والغاية والهدف والغرض ومن ثم كان ارتباطها بالحق، باعتبار أن الأمة هي "كل من كان على دين الحق"، وارتباطها بالخير كهدف أسمى ومقصد عام (معلم الخير وجامع خصاله)، وكذلك ترتبط بالعقيدة (القصد والشرعة والسنة والطريقة والدين الوسط.. الخ). وتعني في أحد معانيها "القرآن" الذي يشكل المصدر التأسيسي لعقيدة الأمة الإسلامية والحاكم لحركتها.
بل إن تفحص مفاهيم شاعت مثل: القوم والوطن والدولة والشعب، إنما تؤكد أن مفهوم الأمة كان الأكثر غنى عما عداه من مفاهيم، وأكثر شمولا، فهذه المفاهيم -في معانيها النقية- تعتبر مفاهيم جزئية تعبر عن بعض معاني مفهوم الأمة وليس كل معانيه، ذلك أن الأمة هي القوم، وهي المكان، ولها معان تتعلق بالزمان مثل: الحين والقرن والجيل، وكذا تتعلق بمفهوم الجنس، فضلا عن ذلك فإن مفهوم الأمة قد شكل هذه المفاهيم الأخرى، ففهمت في إطاره وسياقه، فمفهوم القوم لم يعد يتعلق بالمقام والأرض أو الجنس والأصل، ولكن أضيف إليه من خلال الاستخدام القرآني مفهوم "اللسان واللغة" باعتبارهما الوعاء الثقافي والحضاري للأمة.
فمفهوم الأمة إذا في الرؤية الإسلامية هو مفهوم من طبيعة قيمية خاصة يؤكد تفرده بين المفاهيم الأخرى المناظرة له والمشابهة، سواء في اللغة العربية أو في إطار الفكر الغربي، ويشكل مفهوم الأمة في حد ذاته نظاما قيميا يحاول تأصيل إشكال تصاعد القيم داخله. فإذا ما افترضنا أن مفهوم الأمة يشتمل على معان مثل الأرض والجنس واللغة والعقيدة، فإن العقيدة تشكل البعد المعنوي له، وتصوغ فيه سلم التصاعد لتمثل القيمة العليا وتعتبر عناصر الزمان والمكان والجنس تابعة لها، بل إن مفهوم العقيدة كقيمة عليا هو الذي يحقق التكامل والانسجام بين هذه العناصر التابعة، ويزيل ما قد يكون بينها من تناقص أو اختلاف.
إن مفهوم الأمة الإسلامية بتركيزه حول طبيعته المعنوية إنما يشكل قيمة تستقر في الوعي الجماعي لهذه الأمة التي تتميز بعناصر راسخة في الفقه السياسي الإسلامي. إن البحث في عناصر العقيدة الدافعة والشرعة الرافعة والقيم الحاكمة تجعلنا نصل إلى الأمة القطب، الأمة الجامعة، الأمة الخيرية، الأمة القيمة، القيمة الأمة. إنها كلها عناصر تحاول أن تجعل من الأمة فاعل حاضر وحضاري الأصل فيه الحضور والشهود لا الغياب والمغيب.
الأمة تجمع في مكنوناتها قيم "الوسطية" كحركة إيجابية فعالة، فـ"الأمة الوسط" ليست طرفا منعزلا، ولكنها وسط يتحرك بين العالمية. الوسط هنا معنى حضاري تتفاعل فيه عناصر الجغرافيا/ المكان، عناصر التاريخ/ الزمان، وعناصر الإنسان/ الجامعة، الوسطية هي حركة بالقيم ومنها، وهي تحريك لكل عناصر التوسط الجامع بين ثنائيات مفتعلة، ثنائيات تتراحم لا تتصارع، ثنائيات تتدافع لتحقيق الإعمار لا الهدم أو التخريب.
حركة الأمة الوسط تعبير عن الجعل الإلهي بالصيرورة، "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطا"، لتحقيق وظائف الاتصال والتعارف المفضي إلى حقائق الشهادة والحضور، والأمة هي خيرية بشروطها وحركتها وممارستها (الإيمان/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، الأمة هنا حقيقة لا وهْم، الأمة "قيمة" بما تتفاعل به من عناصر الوسطية وحقائق الخيرية وحركة الشهادة.
والأمة أمة القيم بما تحمله من شرعة ومنهج تحرك به أصول الدعوة وعالميتها ضمن حقائق الشهود والشهادة، والحضور الواعي، والفاعلية والتأثير.. الأمة تتكون من عناصر مثالية، وهي مفهوم قد تحقق وجودا وكيانا، وقد تظل إطارا فكريا ومرجعيا يسعي لتفعيله وتجسيده، قيمة فكرة الأمة في أنها لا تموت، وهي كذلك ضمن عناصر الحفظ للذكر، الأمة لا تجتمع على ضلال، الأمة كوجود لا تزول، وكلمة قد توجد على مستويات عدة، "الخمائر" التي تحفزها وتجعل منها قاعدة للإقلاع الحضاري، وعمليات التجدد الذاتي المتواصلة. فهي محفوظة الذِكر ولو حتى في الوجدان، يظل التفكير حتى من جانب الخصم أن تلك أمة وإن لم تملك مقومات الوحدة والتفاعل، إنها مرهوبة بفعل الاحتمال، ومرهوبة بأصول الإمكانية، وقادرة أن تفرض عناصر التفكير في هذا السياق، فإن ضعفت الأمة في تكويناتها وكياناتها فلا تزال تعبيرا عن حقائق في جوف الذاكرة للمعتنقين لعقيدتها، هي أمة يفكر بذلك الخصم قبل المتبني لها.
الأمة كيان وحركة وإمكانات، إما تكون فاعلة فتمارس حقائق وسطيتها وشروط خيريته، أو قابلة للفعل، فيظل الشعور بالتقصير.. "إثم الأمة" في فروض الكفاية عملية تنبيه وإنذار وتحذير مثمرة لتلك الحركة الجماعية في الأمة، ذلك أن الشعور بالخلل يحرض على استكمال عناصر الفاعلية والإرادة والتنبه الدائم ألا تقع الأمة في دائرة الإثم.. وهي في كل الأحوال لن تموت لأن الفكرة الخاصة بالأمة تظل عناصر متحركة قابلة للتجسيد أو قابلة للامتداد والحركة والتنظيم، إنها تمثل سعة الفكرة المعنوية التي تحرك المقصد والهدف.. الأمة "مقصد" الإمام (مركزها)، الأم محضن للفرد والأسرة.. إنها بذلك تكون عناصر الفعل الهادف الجامع، الهدف جزء من الفاعلية، والجامعية جزء من الفاعلية، والوسطية صفة للفاعلية، والخيرية شرط الفاعلية، (الإيمان- الحركة الحامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؛ الأمة تحرك عناصر ثقافة تصلها بالكيان وتحرك عناصر الوعي بها.
وأصول فكرة "الأمة الجامعية" ودراسة التحديات والكشف عن جذورها، ودراسة الواقع؛ هي في إطار تدبر حال الأمة وإمكانياتها المستقبلية في الفاعلية في عالم شديد التشابك سريع التطور والتغيير. عناصر الفاعلية والتفعيل يجب ألا تقتصر على المستوى التنظيري، بل يجب أن تتخطى ذلك فتقترح نماذج مؤسسية جامعة وفاعلة، ونماذج حركية في هذا المقام، تستوعب طبيعة العلاقات والسنن التي تتحكم بها وتحرك الوعي بصددها والسعي من خلال الوعي بها، وبإمكانات الأمة في التعامل مع مستويات العولمة المختلفة، وإمكانات استثمار أوضاعها ونقاط ضعفها في سياق مصلحة عالم المسلمين.
إن أفكارا تتحرك صوب تفتيت الأمة وتشرذم قواها لا جامعيتها المقرونة بفاعليتها؛ ليست من الأمة في شيء على ما أكدنا في هذا المقام. إن كل خطوة جامعة أو محددة المجال (المجال الاقتصادي مثلا وغيره من مجالات) إنما تصب في تقوية كيان الأمة كهدف استراتيجي وحضاري. إن هذه الرؤية الكلية هي المطلوبة في هذا المقام، لعناصر فاعلية الأمة في الاستمرارية والقدرة والتأثير والقيام بالأدوار المنوطة بها.
إن معادلات التأسيس القائمة على أن الاختلاف سنة، والتعدد حقيقة، والتعارف عملية، والتعايش ضرورة، والحوار آلية، معادلات تتحرك صوب وعي الأمة بوسطيتها ووسطها ومجالات أدوارها الحيوية وفاعليتها. الأمة تختص بعقيدتها، والتي هي قاعدة الاختصاص والهوية والتمايز، هي معاني القبلة في الأمة التي تتحرك صوب المقصد، فأصل الأم الذي هو جذر للأمة القصد والوجهة، والأمة تحمل شرعتها وتترجمها إلى منهج نظر ومنهج حركة ومنهج تغيير وتفكير وتدبير وتأثير.
والأمة تحمل القيم الأساسية والحاكمة فتجعلها أهم سمات خيريتها ووسطيتها، والأمة- التوحيد، الأمة- العدل، الأمة- الاختيار والفاعلية، الأمة- التزكية والتربية، الأمة- العمران والحضارة، الأمة- السنن الواعية بها والساعية من خلالها، الأمة- المقاصد. إن حفظ بنيان المقاصد بمراتبها هو حفظ لبنيان الأمة ومجالات فاعليتها وفق أولويات تؤكد لهذه الأمة أدوارها ووجهتها. إن هذا بدوره يفرض عناصر بحثية تشير إلى البحث في مستويات الفاعلية للأمة، وآليات تحقيقها، والإمكانات والمعوقات، وغير ذلك من أمور للبحث في تجليات الفاعلية ضمن المجالات النظامية والمؤسسة.
إن التنبيه إلى عناصر القصور وأطر التفاعل التي تستثمر وهن الأمة وتقلص من فاعليتها تجد لها القاعدة في داخل الأمة، كيانها وإرادتها، وعدتهما، "توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أمن قلة نحن يا رسول الله، قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكن كثرتكم كغثاء السيل، لينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة، وليقذفن في قلوبكم الوهن!، وقيل وما الوهن؟، قال: حب الدنيا وكراهية الموت"..
إن العناصر التفسيرية التي يحملها الحديث من الأهمية بمكان في البحث في مناط الفاعلية للأمة، بل ربما تحدد أصول مناطق البحث، وموضوعات البحث المختلفة والتي تسهم في فهم وقع الأمة وتحدياتها، وإمكانات فاعلية الأمة في ظل وضع التعدد في الوحدات والكيانات. ولعل مشهد الطوفان الذي كان من المفترض أن يكون حافزا للأمة في مشاتل التغيير والإصلاح؛ كشف عن حال الأمة في الخذلان أمام العدوان والطغيان.
x.com/Saif_abdelfatah