لجريدة عمان:
2025-08-03@09:53:32 GMT

قراءة في ميثولوجيا الوعل بالنادي الثقافي

تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT

قراءة في ميثولوجيا الوعل بالنادي الثقافي

أقام النادي الثقافي محاضرة بعنوان «صانع المطر.. قراءة في ميثولوجيا الوعل» للدكتور حمود الدغيشي، قدمها يونس النعماني، بحضور لفيف من المثقفين والمهتمين.

تناولت المحاضرة الأسطورة حيث أوضح الدغيشي بأنها محط جدل علمي مستمر في مفهومها، ووظيفتها، فتعددت المدارس النقدية التي درست الأسطورة للوصول إلى مفهوم شامل ودقيق، وبتعدد المدارس والنظريات اختلفت الرؤى وفق زوايا منهجية، مبينا أن للنظرية الثقافية الأنثروبولوجية التي خاض باحثوها الميدان الثقافي الإنساني توجههم الخاص، ونتائجهم العلمية التي تتعارض مع مدرسة التحليل النفسي، وهناك النظرية الوظيفية والنظرية البنائية، فضلا عن مدرسة الفلسفة الرمزية.

وبيّن الدكتور حمود الدغيشي أن الإنسان القديم في الحياة والكون كان يقلب ناظريه ليرسم إلهه من القمر والشمس أو أحد الكواكب، فالإنسان القديم أورثنا الرسوم على الكهوف في الجبال أو الأكواخ في الحقول أو الجزر في وسط البحار. مضيفا بأن تحول الإنسان إلى ظاهرة تستوجب التحليل، عندما شاهد الأوروبي، إنسانا آخر يعيش بطريقة لا يعيشها بين طقوس وعادات ومعارف، سيطر على الإنسان البحث للمعرفة العميقة. أما الأسطورة فكانت محط جدال عميق، حيث تتبنى النظرية بمنهجك وكل النظريات جميعها مقنعة لبعض الطقوس والمعارف والعادات، فجمعها العلماء من الكتب والعادات والطقوس والمعارف. متسائلا عن عادة الشموع والنار في الأماكن المقدسة من أين جاءت، ومستشهدا بأقوال العلماء حيث أشار إلى رأي فريزر بأن التطور الفكري مر من هناك حتى وصل إلى التطور الحضاري، ونحن نمارس الكثير من العادات ولا نعرف من أين جاءت، وهو لا يفرق بين الإنسان البدائي والرجل المتحضر لأنه يظن باستحالة انفصال الأسطورة والفكر الإنساني، ويرى بأن الفكر الإنساني لا يعترف بهذا الاختلاف. أما تايلور فله مقولة وهي يجب ألا ننسى الأصل وهذه المنهجية تجعلنا نتبع الأصل للعادات والمعتقدات، كما كان ينكر العقلية البدائية مع اعترافه بالحضارة البدائية.

وهناك طقوس مشتركة بين بلدان متعددة، ونسج ثقافي موجود قبل أن تتعدى المضامين والأشكال، ومثال على ذلك لعبة الرمي بالقوس عرفها الإنسان للوصول إلى الطعام، ولكنه حصل على معارضات كثيرة من العلماء.

ويشير الدغيشي إلى أن الأسطورة تتغير رموزها الحديثة عن الرمز لدى الإنسان القديم، ونتحدث عن الرسوم التي وجدناها في الكهوف، ففي عمان كانوا يهرعون حين يتغير شكل القمر إلى المساجد للتعبد خوفا من مرضه لأنهم يعتقدون بأنه لدغ. وهي ظاهرة من بقايا عبادة القمر وكانوا ينذرون لإله القمر، وقضية القمر والأفعى موجودة لدى كل الأمم إله الشر والخير. وفي مشهد آخر للمجتمع العماني حين تضع الأمهات أبناءهن في حجورهن كن يتغنين بالإله «سين» يستجدون به لحمايتهن وهو إله القمر.

كما تطرقت المحاضرة للحديث عن أسطورة حيوان الوعل، وقداسة هذا الحيوان المرتبط بالهبة العلوية؛ بسبب مسكنه في أعالي الجبال، إذ نظر الإنسان القديم إلى الوعل، وهو يصعد قمم الأعالي بهالة من القداسة حيث تسكن آلهته التي تهبه المطر والخصب والبركة، وتجسدت كثير من الأفكار العقدية عن الوعل عند العرب، سواء كان في معجمهم أم في شعرهم أم في طقوسهم التي ما زال بعضها حاضرا حتى اليوم في الموروث الثقافي. وفي تساؤل يشير الدغيشي إلى أين يسكن الوعل، في قمم الجبل وهو بطبيعته يربط بالسماء، مشيرا إلى المعتقدات الهندية والفارسية والآسيوية وبلاد الرافدين وفي بابل والأساطير السومرية كلها تدعو للجبل لأنهم ينظرون له بقدسية، ويوضح بأن الوعل مسكنه الجبال فنظر إليه الإنسان القديم بإجلال كهالة لأنه على اتصال بالإله، وكان ينظر للجبل الذي تسكنه الوعول بأنه نقطة اتصال بالسماء والآلهة صانعة المطر والخصب، حتى الإله في الأسطورة السومرية كان يشبه بالوعل في نزوله من الجبل. ويضيف بأن الإنسان القديم في شبه الجزيرة العربية اعتقد بأن الدور الذي يقوم به الوعل مقام الآلهة في استنزال المطر وإخصاب الأرض، وعلى الجبال كانت تمارس طقوس الأضاحي للأهالي، وما روي عن عرب الجاهلية إذا ما تتابعت عليهم الأزمات أنهم يصعدون إلى جبل الوعل وأشعلوا النيران وضجوا بالدعاء والتضرع وظنوا أنه من أسباب السقيا، مبينا أن الوعل في تسميته تحمل دلالات العزة والمنعة والخلود والأبدية واشتقوا من اسمه المكان المنيع، واستوعل الوعل إذا لجأ في قلته، كما أطلقوا على الوعل مسميات وصفات، ففي الحديث النبوي من علامات الساعات تطلق الوعول أي الأشراف، واسمه الأعصم والعصم لأنه يعتصم بالجبال، كما جاء في الشعر العربي القديم.

وعن أهم ما ترك أثره ظهور الوعل في الكثير من الرسوم والنقوشات في الكهوف، ولعل قرون الوعل لها الدور الرئيس في ارتباط هذا الحيوان بآلهة القمر عند العرب في الجزيرة العربية؛ بسبب أهمية ضوء القمر في حياتهم، وهو دليلهم في لياليهم الصحراوية المظلمة، وحساب أيامهم ودهورهم... فقد كانت عبادة العرب قديما قمرية أكثر منها شمسية، حتى غلب في لغتهم قولهم «القَمَرَان للقمر والشمس»، بل إن رواسب هذه العبادة استمرت مجرّدة من العقدية حتى وقت قريب في الثقافة العربية بشكل عام، والعُمانية بشكل خاص. فكان الوعل ذا مكانة مهمة ليس بصفته الحيوانية وإنما لقدسيته وكان قربانا للآلهة وكانت له معابد خاصة في الجزيرة العربية، حتى أن قرونه تشكل وحيا لصورة القمر. وكانت عبادة القمر أوسع انتشارا في بلاد العمر، وهو ينصل قرنه كل عام، ويقول القزويني: إن الوعل يفضل أن يرمي نفسه من أعالي الجبال إذا خاف من الصياد حتى لو كان شديد الارتفاع.

ويتابع بأن الوعول تظهر في الرسومات بقرونها، كغيره من الحيوانات المقدسة، وعد الوعل معبودا، واتخذت قرون الوعل نذورا عند أهالي الجنوب.

أما عن السمات والخصائص التي توفرت في حيوان الوعل فيوضح الدغيشي بأنها من جعلت الإنسان العربي يختاره دون سائر الحيوانات خاصة وأنه أثناء لحظات وقوفه في أعالي الجبال، يبدو كأنه ينتظر ظهور القمر، وهو يتميز بقيادة القطيع، وتقدمه إلى أماكن الكلأ والماء، وتنبئه بالبرق قبل حدوثه، ما جعل الإنسان العربي القديم يختاره لإله المطر والخصب في حضارة جنوب الجزيرة العربية، وأخيرا تطرق الدكتور إلى الصيد المقدس الذي كانت ممارسته لنيل رضا المعبود وهي شعيرة سنوية، وكان يقام باسم عدد من الديانات، بتقديم القرابين والهدايا وتعد طقوس الوعول من أقدم الطقوس الدينية في حضارة سبأ ما خلد في النقوش بشكل مكثف.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجزیرة العربیة الإنسان القدیم الوعل فی

إقرأ أيضاً:

غرور الجاهل بين وهْم المعرفة وتواضع التعلم: قراءة في أثر دانينغ-كروجر (1-3)

هكذا قالت الحياة

في كل زمان ومكان، الجاهل أكثر جرأة من العارف، يقف الجاهل فوق قمة من الوهم يوزع اليقين بلا تردد ويتصدر ويتنمر ويتهم الآخرين بالجهل والتردد وأنه حامل الشعلة، بينما ينزوي العارف في ظلال الشك، حين يتكلم يتحفظ حتى إن تيقن فيظن الناس أنه ضعيف لا يثق بعلمه؛ لماذا يحدث هذا؟ وهل يتحول غرور الجاهل إلى تواضع حين يبدأ التعلم؟ هنا تلتقي حكمة الفلاسفة مع علم النفس الحديث فيما يعرف بـ"أثر دانينغ-كروجر، حيث يرسم المنحنى النفسي للثقة رحلة العقل الإنساني بين وهم المعرفة وحقيقة الإدراك.

دانينغ وكروجر

في عام 1999، قدم العالمان الأمريكيان ديفيد دانينغ وجاستن كروجر دراسة تصف مفارقة بشرية عميقة وما لاحظه الفلاسفة في عمق التاريخ: الجاهل لا يدرك جهله، بينما العارف يزداد وعيا بحدود علمه. هذه الظاهرة التي حملت اسميهما (تأثير دانينغ-كروجر) ترسم منحنى نفسيا تبدأ فيه الثقة بالنفس عند القاع ثم تصعد مع قلة الخبرة إلى ذروة وهمية، لتنهار لاحقا مع بداية الوعي، قبل أن تعود إلى الصعود بثبات مع التعلم الحقيقي: الجهل لا يولّد فقط ضعفا، بل قد يمنح صاحبه ثقة زائفة تتجاوز حدود الواقع. هذه الظاهرة، المعروفة اليوم بـ"تأثير دانينغ-كروجر"، تكشف أن الإنسان قليل الخبرة يميل إلى المبالغة في تقدير معرفته ومهاراته، بينما يصبح الشخص واسع الاطلاع أكثر وعيا بحدوده، وأقل اندفاعا للثقة المطلقة، رغم أنهما أغفلا حالة الإحباط والإحساس بالدونية التي تولدها البيئة والتربية السيئة.

إنها اللحظة التي يتلاشى فيها الغرور ليحل محله تواضع أصيل. التواضع هنا ليس ضعفا، بل وعيا ناضجا بأن الحقيقة أعقد مما ظن، وأن المعرفة رحلة لا تنتهي
بين الجهل والوهم

التأثير يبدأ "قمة الغباء الواثق"، حيث يظن الجاهل أنه يمتلك الإجابات لكل شيء. هذا ليس غرورا واعيا، بل نتيجة مباشرة لغياب الوعي الكافي للتقدير الدقيق لما لا يعرفه. المفارقة أن هذا الغرور الزائف قد يمنح صاحبه جاذبية اجتماعية مؤقتة؛ فالثقة، ولو كانت بلا أساس، تستهوي كثيرين. لكن حين يواجه الواقع -سواء بفشل عملي، أو نقاش جاد، أو بداية رحلة تعلم- ينكشف الوهم. خذ مثالا:

* موظف جديد يقرأ بضعة مقالات عن "الإدارة الحديثة" أو ينبهر بمعلومة يتصور أنه مالكها، في عمل يحتاج خبرة فيبدأ بانتقاد المخضرمين.

* أناس لا يطورون أنفسهم ويظنون أنهم ذوو رؤية رصينة فيطرحون رؤيتهم الخطأ بل يفرضونها على الآخرين.

* أو ناشط سياسي يتحدث بيقين عن "حلول نهائية" دون أن يبحر في الاقتصاد أو علم الاجتماع ليرى نفسه خبيرا.

هذا اليقين المزيّف ليس مجرد ثقة زائدة؛ إنه نتاج لغياب القدرة على تقييم الذات.

إحباط ما بعد الانكشاف

عند أولى خطوات الوعي، يدخل الإنسان فيما يمكن وصفه بـ"وادي الإحباط". تبدأ الثقة بالنفس في الانحدار الحاد:

* يسعى المرء لإدراك حجم ما يجهله.

* يتساءل إن كان قادرا أصلا على الإحاطة بالمجال.

* قد يشعر بالخجل من غروره السابق.

هذه المرحلة قاسية نفسيا، لكنها ضرورية. إنها اللحظة التي يتلاشى فيها الغرور ليحل محله تواضع أصيل. التواضع هنا ليس ضعفا، بل وعيا ناضجا بأن الحقيقة أعقد مما ظن، وأن المعرفة رحلة لا تنتهي.

من الغرور إلى الحكمة

نجد عند استمرار التعلم، يتغير المنحنى تدريجيا. يبدأ الشخص باستعادة الثقة، لكن هذه المرة مدعومة بفهم حقيقي، وخبرة عملية، وإدراك لحدود المعرفة الإنسانية. هنا يولد ما يسميه بعض الفلاسفة "تواضع العارف"، ذلك التوازن بين الثقة بقدرات الذات والتواضع عن علم، مطيحا بأنماط التفكير السطحية. لكن هذا كما أراه تعميم قد لا يمثل الواقع وهو من ضمن ما نطوره في الجزء الثاني.

لماذا يهمنا هذا اليوم؟
اليوم مع انفجار المعلومات، أصبح الخبير الوهمي ظاهرة اجتماعية: الآلاف ينشرون مقاطع عن السياسة أو الطب أو الدين دون أي تأهيل. المؤثرون الجدد يملكون ثقة أعلى من العلماء في مؤتمراتهم، لا يفكرون بالكلام من العالم بل كيف يتداخلون معه أو يسفهونه
في زمن التواصل السريع والإعلام المفتوح، أصبح تأثير دانينغ-كروجر أكثر وضوحا:

* الآلاف يظنون أنفسهم خبراء بمجرد قراءة مقال أو معرفة لمحة عن أي موضوع.

* النقاشات العامة يمتلئ بها من يملكون ثقة لا تتناسب مع معرفتهم.

* الحقيقيون في الميدان غالبا ما يتحدثون بحذر، إدراكا للمسؤولية ولا يصغي الناس لهم ظنا منهم بالاكتفاء، وأنهم يطرحون أمورا معقدة وسفسطة لا واقع لها ولا طائل منها.

فإدراك هذا التأثير ضرورة أن يصل إلى أكبر عدد ممكن لأنه يساعدنا على أن نصبح أكثر نقدا لذواتنا، وأكثر صبرا مع الآخرين، وفوق كل شيء، أكثر إصرارا على التعلم المستمر.، ليس عيبا أن تجهل أمرا، بل العيب ألا تعلم أو تتكلم بلا علم فتلك ليست مروءة.

للفائدة: السياسي لا بد أن يكون معه مستشارون والمنظمات والإدارات الحكومية، خاصة، أو أحزاب لا بد لها من مراكز دراسية واستشارية، فالقائد والمدير لا يعرف كل شيء ولا ينبغي أن يعرف كل شيء أصلا، الفيلسوف الذي يكتب موسوعات عن المعرفة لكنه ينتهي إلى القول "لا أعلم هذا فدلوني".

اليوم مع انفجار المعلومات، أصبح الخبير الوهمي ظاهرة اجتماعية: الآلاف ينشرون مقاطع عن السياسة أو الطب أو الدين دون أي تأهيل. المؤثرون الجدد يملكون ثقة أعلى من العلماء في مؤتمراتهم، لا يفكرون بالكلام من العالم بل كيف يتداخلون معه أو يسفهونه، ولا نعمم في هذا.

الخاتمة: درس التواضع

درب العلم طويل والعمر قصير، فمن الغرور أن تظن أنك ملكت ناصيته، والله سيحاسبنا لأننا جوّعنا منظومة العقل بالجهل؛ فما بين قمة الغرور ووادي الإحباط تكمن حقيقة الإنسان الباحث عن المعرفة. نظرية دانينغ-كروجر لم تخلق هذه الرحلة النفسية وإنما وصفتها.

مقالات مشابهة

  • المتنبي مخترعاً: قراءة في كتاب «عيون العجائب»
  • عبدالله عبدالرحمن: بـ«فنجان قهوة» وثقت مسيرة التاريخ الثقافي في الإمارات
  • وزير الثقافة يكرم مسؤول القطاع الثقافي بذمار
  • من النص إلى الواقع.. جدلية التربية وحقوق الإنسان في العالم العربي قراءة في كتاب
  • غرور الجاهل بين وهْم المعرفة وتواضع التعلم: قراءة في أثر دانينغ-كروجر (1-3)
  • "صيف الزلال".. تجربة متكاملة تتناغم مع الطابع الثقافي للدرعية
  • البزري يعلن تأهل صيدا في مسابقة عاصمة المدن المتوسطية للحوار الثقافي
  • فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة والوقت المناسب لها
  • ختام مسابقة الأندية للإبداع الثقافي بمحافظة ظفار
  • “إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا