سودانايل:
2025-07-05@00:10:04 GMT

يا الخرطوم العندي جمالك جنة رضوان

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

كانت جنة رضوان، واليوم تبدو مثل قلعة أشباح بعد أن استباحها التتار، لن تقوى على تمييز بقايا المدينة التي تسلط عليها الغزاة من كل صوب وناحية. الخرطوم التي كانت قبل شهور قليلة تقف بشموخ أمام عواصم العالم رغم الضعف الذي اعترى جسدها، وأوهن مفاصلها، لكنها كانت تفخر بماضٍ باذخ، وأمجاد تليدة عاشتها طولا وعرضا.

هكذا كانت تبدو لنا، وهكذا حفظتها ذاكرتنا، فخلف كل ذاكرة، عين ترصد الماضي بتمعن .. تتأمل الذكرى!
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم مدينةٌ كالزهرةِ المونقَة كما قال التجاني يوسف بشير متغزلاً في حسنها المستحق:
ضفافُها السحريّة المورقة
يخفق قلبُ النيلِ في صدرها
تحسبها أغنيةً مطرقة نَغّمها الحسنُ على نهرها.
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم تجسد معاني الخير في أحيائها، وعمرانها، وأزقتها، وأسواقها، وأهلها، والعابرين إليها.
⭕⭕⭕
كانت شمس الخرطوم تشرق كل صباح ناشرة البهجة، وباعثة للدفء والأمل والسلام.
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم بهية الطلعة، غامرة الحضور، باهرة الشعاع ....هنا الخرطوم، هنا العالم المستغرق في ذاته، هنا الليل يخرج منتشياً ، تخرج الأشياء، تجلس الأشياء، تعانق أحلامها، ينتهي الليل، يجي النهار، وكأن هداية النهار تمحو ضلال الليل.
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم صانعة للأحداث، منتجاً لها، محفزة لغيرها.
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم تضج بالحياة: الأماكن، الساحات، الأسواق، بعض الأماكن تبدو خالية من المعاني، وهناك أماكن تحمل سفراً من الأحداث، بعضها يكشف عن بعض، تاريخ وشخوص، وحياة!
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم تنتشي فرحاً، وتستبد نشوة حين اللقاء، لكنها تقسو وتفجر في قسوتها حين الوداع كما فعلت مع الدكتور عبد الله الطيب وهو يقول مودعاً الخرطوم:
تقول وأرسلت دمعاً همولا
أحقاً أنت أزمعت الرحيلا
أما تنفك حلاً وارتحالاً
فديتك لو أبهت لنا قليلاً
وحيا الله بالخرطوم روضاً
بحيث تعانق النيلان نيلا
يميناً إن بين شعاب قلبي
لعبئاً من فراقكم ثقيلاً
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم جميلة، فاتنة، تجيد فنون الغواية، وكأنها مدينة نفخ في جسدها روح الحياة، فتشكل حسنها، وبانت مفاتنها، وراودت عاشقها عن نفسه فقد شغفها حباً.. فهي مدينة كحسانها: "في عيونا المفاتن شي ما ليه حد"!
⭕⭕⭕
كانت الخرطوم مانحة للعطاء، باذخة الكرم ...
كانت الخرطوم تستقبل الناس من كل فج، فإذا جاء الركب مثقلاً بتعب الأسفار، وجد حصناً يلوذ بأحضانه من وعثاء السفر، ولا غرو إن ضاقت مساحاتها، وتقلصت قواها، ولم تعد تقوى على المزيد، فتمددت أحياؤها في كل اتجاه، فألقى ذلك بظلاله على المدينة التي ترهلت، وأنبتت لها أطرافاً غابت عنها ملامح الخرطوم بسمتها المعروف.
⭕⭕⭕
هكذا تبدت لنا الخرطوم، وهكذا حفظنا صورتها، فجثمت على جدار ذاكرتنا، نعيشها أحيانا، أو ربما نستدعي بعضها تأسيا وهروبا من راهن متخم بالانكسارات.
⛔⛔⛔
مخرج اول
ذلك كان حاضر الخرطوم، وماضيها القريب، أما تاريخها البعيد فقد كان مجيداً وحافلاً، فالخرطوم كانت مدينة فنية، وثقافية، وأدبية، ورياضية، واجتماعية، وسجلت محاضرها تراثاً غنياً وثـّـق لحقب مختلفة في تاريخ المدينة الطويل، واشراقات ظاهرة للعيان.
⛔⛔⛔
ولأن الغزاة حسداً من عند أنفسهم، وإمعاناً في تنفيذ مخططهم الخبيث الذي يقضي بفصل هذا الشعب عن ماضيه .. وتاريخه .. وتراثه، قاموا فيما قاموا به من تخريب وفساد بتدمير البنية الثقافية للمدينة، ومن ذلك مثالاً وليس حصراً متحف السودان القومي الذي تأسس في العام 1904م ويحتوي على مقتنيات أثرية لا تقدر بثمن، إذ تعود لعصور ما قبل التاريخ وما بعده من الممالك الإسلامية حتى العصر الحديث. هذا المتحف الفريد يضم تاريخ الحقب المختلفة التي مرت على السودان، فهو يحتوي على كنوز من المومياوات ومنحوتات، وأدوات أثرية قديمة من الخشب، والبرونز، والحديد، وزخارف، وصور، وجداريات. كما يحتفظ بالعديد من المعابد، والمدافن، والنصب التذكارية، والتماثيل، وآثار مهمة لحضارة كوش أحد أهم وأقدم الحضارات في العالم والتي تجاوز عمرها آلاف السنين.
⛔⛔⛔
وعلى بعد أمتار قليلة من متحف السودان القومي قام الأوباش بالاعتداء على متحف السودان للتاريخ الطبيعي الذي تأسس عام 1958م وهو يحتوي على عينات من الحيوانات المحنطة النادرة تعود للقرن التاسع عشر الميلادي، بالاضافة إلى إرشيف ضخم ومراجع ودوريات علمية نادرة.
⛔⛔⛔
وطال التخريب كذلك مواقع أخرى لا تقل أهمية مثل متحف القصر ومتحف الإثنوغرافيا والمتحف الحربي.
⛔⛔⛔
ودمر الأوباش دار الوثائق القومية التي تحتفظ بكل السجلات والوثائق والدوريات وإرشيف تاريخ السودان الحديث والقديم، فهذه الدار تضم أكثر من 30 مليون وثيقة سجلت تاريخ السودان المعاصر والقديم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
⛔⛔⛔
وتعرضت مكتبات الجامعات للتخريب والنهب منها على سبيل المثال مركز محمد بشير سعيد في جامعة أم درمان الإسلامية.
⛔⛔⛔
وتعرض التتار إلى مواقع ثقافية وأثرية مثل السرايا التاريخية للشريف حسين الهندي في منطقة بري، ومتحف بيت الخليفة بأم درمان، ومبنى جراب الفولة الأثري في مدينة الأبيض.
⛔⛔⛔
هذا غيض من فيض التدمير المقصود، فكل هذه الآثار وهذا التاريخ الضارب في الجذور تم تدميره والقضاء عليه تماماً من قبل العصابات، لأن المخطط هو إلغاء الهوية وطمس كل معالم الماضي ليتم على انقاضه بناء هوية جديدة، وتاريخ جديد عنوانه هؤلاء الأوباش. فهل تراهم يفلحون؟ لا .. لن يفلحون، فلا يغررك تقلبهم في البلاد فمتاعهم قليل، وقريبا سيستوفون أجورهم، سقوطاً وهلكة .
⛔⛔⛔
أخيراً: دخل التتار لبغداد بجيش عرمرم قوامه أكثر من 120 ألف جندي، تميز ذلك الجيش بالقسوة والبربرية والبعد عن كل نوازع القيم والأخلاق، فمارسوا العنف في أبشع صوره، فأهلكوا وحرقوا الشجر والحجر، وكان أول ما أحرقوه الكتب التي تميزت بها بغداد في ذلك العهد، ورموا بقية الكتب في نهر دجلة، وأنهى المغول بذلك أهم فترات الحضارة الاسلامية ازدهاراً علمياً وثقافياً حينما كانت بغداد بوصفها عاصمة الخلافة الإسلامية منارة العلم والحضارة والتقدم حيث شع نورها لبقية الممالك الإسلامية المختلفة. حدث ذلك والخلافة في أشد حالات الضعف والخذلان، فهل تشبه الليلة بالبارحة؟.
⚜️⚜️⚜️

abo_elhassen@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!

كانت الفوضی تضرب بأطنابها علی كل أرجاء بلادنا، تقودها حكومة هَشَّة، تتشاكس أحزابها علی مقاعد الوزارات ويحل رٸيس وزراٸها كل الحكومة ويحتفظ بمقعده وحده من أجل أن يزيح وزيراً واحداً من وزراء الحزب المٶتلف معه، ويدير البلاد بلا حكومة لمدة قد تطول وتقصر، وتتبدل إنتماءات بعض النواب من حزبٍ لحزب، ويتمدد التمرد شيٸاً فشيٸاً كل يوم وينسحب الجيش من محطة إلی محطة، بسبب الإهمال المتعمد له حتی أُضطر قادته إلی رفع مذكرتهم الشهيرة شديدة اللهجة، التی قابلها رٸيس الوزراء بإتهام الجيش بعدم الإنضباط!!

وكانت الضاٸقة المعيشية قد بلغت من السوء مبلغاً لا يُحتمل، وزادت الجريمة عن الحد، وتطلَّع الناس إلیٰ الجيش لينقذهم من هذا الوضع الذی تَرَدت فيه البلاد وقال ناٸب رٸيس الوزراء من تحت قبة البرلمان: يعنی في فساد نقول مافي!! يعني في محسوبية نقول مافي!! يعني فی غلاء نقول مافی!! والله ديمقراطيتكم دی لو شالها كَلِب مافی زول بيقول ليهو جَرْ !!!

– كان العميد الركن عمر حسن احمد البشير فی منطقة غرب النوير هو القاٸد الوحيد الذی حقق إنتصاراً علی المتمردين فی محطة ميوم بعد إستبسال كبير،حيث كانت قوته تفتقر لأبسط التعيينات والمهمات، فقد كانت التعيينات وقتها تُباع فی القيادة العامة!!

حتی إنه أُضطر إلی شراء أحذية (شِقييانة)وقماش دمورية من سوق كادقلی لكسوة جنوده، واستخدم التراكتورات الزراعية، بدلاً عن العربات القتالية فی متحرك ميوم وكان التمرد يحيط بكادقلی عاصمة جنوب كردفان ويتوقع إسقاطها بين لحظة وأخریٰ،وظهر بطل ميوم فی برنامج جيشنا التلفزيونی، بعدما قام الناٸب عمليات بزيارة الموقع المحرر وفضح فی ذلك اللقاء الإهمال الذی يلقاه الجيش من الحكومة الحزبية الخاٸرة،التی تَلقَّیٰ رٸيس وزراٸها المنتخب ديمقراطياً،إهانةً بالغةً من قاٸد التمرد الذی لم يقبل الإجتماع به إلَّا بصفته الحزبية فقط !!

– وفی فجر الجمعة الثلاثين من يونيو 1989م، تحركت ثلةٌ مٶمنة من أبناء الوطن الخُلَص لإنقاذ الوطن من براثن الفوضیٰ،وكان شعارهم أو سر الليل هوالوطن الغالی واستيقظ المواطن علی إيقاع الموسيقی العسكرية التی كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر،وعمت الفرحة ربوع البلاد،بعدما أذاع راديو أم درمان (البيان رقم واحد) بصوت العميد الركن عمر حسن أحمد البشير

و تشكَّل مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطنی من ضُبَّاط فيهم من قباٸل السودان البديرية والنوبة، والدناقلة والشلك، والزغاوة والجعليين، والدينكا والشايقية، والإستواٸيين والرباطاب،والعبدلاب،،ألخ ومن الوحدات،المظلات والمدرعات والمشاة والطيران والبحرية،،ألخ فی لوحة تمثل الوحدة فی التنوع وهذا ما يُميِّز القوات المسلحة دون غيرها من المٶسسات السودانية،ومن هنا بدأت بلادنا صفحة جديدة،من مسيرة الهيبة والعزة،التی إمتدت بعد ذلك من فيض دماء المجاهدين من أبناء السودان الذين كسروا شوكة التمرد،وبَرَع المجتمع السودانی فی رفد جيشه بأبناٸه مجاهدين وبزاد المجاهد، وشاركت الأمهات بزف فلذات أكبادهن إلیٰ سوح الفداء، وبحلييهِن حتی دعون إلیٰ جبل الذهب،وتمددت طرق الأسفلت فی كل إتجاه وشُيِّدَت الجسور،ووصل الإرسال الإذاعی والتلفزيونی للفضاء اللامتناهِ بعدما كان لا يتجاوز حدود عاصمة البلاد،وقامت ثورة التعليم العالی،حتی تضاعف عدد الجامعات عشر مرات، وانفجرت ثورة الإتصالات،واستُخرِج البترول، وعمَّ الإمداد الكهرباٸی كل أرجاء البلاد،وعاش الناس الوفرة والرخاء وسط الحصار الغربی المطبق،وانحصر التمرد فی ركنٍ قصِی، وانحسر الفقر.

وتبوأ السودان مقعده اللاٸق بين الأمم وأصبح رٸيس السودان محطَّ الأنظار حيثما حلَّ وأينما ذهب، وإزداد بذلك حنق دول الإستكبار العالمی وزاد نشاط عملاء أجهزة المخابرات العالمية بالخارج والداخل،وبلغ الكيد للسودان لدرجة أن يُعلَن البشير مطلوباً لدی المحكمة الجناٸية الدولية، لكن الشعب رفض ذلك القرار فی إباءٍ وشمم.

وبالمقابل إبتلع بعض المواطنين الطُعم.

– واليوم فی الذكریٰ 36 لقيام ثورة الإنقاذ الوطنی لن نبكی علی اللبن المسكوب،ولنترك الصورة الماثلة تتحدث بين عهدٍ وعهد،ولن نقول (ياحليلك يا البشير !!) فقد أوفیٰ الرجل بما عاهد عليه الشعب ،منذ الليلة التی قَبَضَ فيها وإخوانه علی (جمر القضية)،ولم يُفلتها فی أشدَّ الظروف صعوبةً وحتَّیٰ الآن، وهو فی محبسه كالأسد لا يشكو ولا يتبرم،إلیٰ أن يَقْضِیَ اللهُ أمراً كان مفعولاً .

– ولا يزال أُصبع إخوان عمر وأبناٸه علی الزناد ذوداً عن حياض الوطن والعقيدة أن تُهدم، وعن عزة الشعب السودانی أن تُمَرَغ فی وحل العمالة والإرتزاق،وسيشهد التاريخُ الذی لا يُحابی أحداً،بأنَّ البشير قام بإكرام قادته السابقين ولم يُبقی عليهم فی المعتقل إلَّا بقدر ما تحتاجه عملية تأمين الثورة الوليدة ولأيامٍ معدودات، وسيُحسب للبشير بأنَّه منع الإعلام من بث الصورة المزرية لرٸيس الوزراء لحظة إعتقاله،وقال أكرِموا عزيز قومٍ ذُلَّ.

-فهلَّا أكرمنا الرجل الذی قاد جيشنا علی مدیٰ ثلاثة عقود، ناهيك عن إنه أكثر زول لبس الكاكی فی السودان.

-النصر لجيشنا الباسل.

-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.

-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء.

محجوب فضل بدري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السودان.. نزاع مسلح يودي بحياة المئات والهجمات على المستشفيات تتصاعد
  • دعوا الازهار تتفتح ولتشرق شمس الأمل.. يسرية محمد الحسن!!!
  • تعرف على سيرة وزراء السودان للصحة والزراعة والتعليم العالي
  • روسيا تعترف رسميا بإمارة أفغانستان الإسلامية التي تقودها حركة طالبان
  • الخرطوم .. أكثر من 800 ألف سوداني عادوا إلى البلاد
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الخرطوم تعود بهدوء الحسم وذكاء الخطاب
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • متحف القرآن الكريم بمكة المكرمة.. تجربة معرفية شاملة عن تاريخ المصحف الشريف
  • السودان وروسيا .. علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية متطورة
  • فرنسا تواصل انسحابها من ثاني دولة بالعالم وتسلم قواعدها العسكرية التي كانت تستخدمها