محددات السياسة الأمريكية بالتعامل مع المنطقة العربية وإسرائيل.. عدوان على غزة نموذجا
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
لا شك أن أمريكا الإنجيلية التي ورثت عرش الإمبراطورية البريطانية مع نفوذها ومواطن سيطرتها في العالم، قد ورثت كذلك بعض المهام التي تكفلت بها بريطانيا قبل رجوعها عن قيادة العالم، وكان من أهم تلك المهام التي ورثتها الإمبراطورية الأمريكية هي الرعاية الكاملة للجنين الذي زرعته المملكة المتحدة في منطقة الشرق الأوسط (إسرائيل).
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بخير رعاية لمبعوث الصهيونية العالمية وأداتها في تركيع العالم العربي، صُرّة العالم الإسلامي وسادن مقدساته، وفي استنزاف مقدّراته وإشغاله دوما عن أي تقدم حضاري مادي أو معرفي، وتحويله إلى تابع ذليل للغرب المسيحي، ورأس حربة كذلك في مواجهة أي صحوة إسلامية من حاضنته الشعبية التي قد تهدد وجود الحضارة الغربية التي بُنيت على المادية المتطرفة بعد تنحيتها للكنيسة؛ تلك التي لم يبق لها من دور سوى تعزيز الكراهية للعالم الإسلامي بما يجعلها مُصّطفة في خندق واحد مع الصهيونية العالمية!..
وقد ظهر واضحا جليا الدور الأمريكي في القيام برعاية الجسم الغريب الذي تمت زراعته في قلب العالم العربي، وظهرت أمريكا وهي تؤدي ذلك الدور في نشاط دؤوب خلال العدوان الأخير على غزة بعد "طوفان الأقصى"! صحيح أن الدور الأمريكي واضح وقوي منذ استلامها لقيادة العالم، وقد ظهر منذ بداية الحروب التي انفجرت شرارتها في نهاية أربعينيات القرن الماضي بين الاحتلال الصهيوني وبين محيطه العربي بدءا بفلسطين المحتلة مرورا بمصر وسوريا.. لكنّ التحيز الأمريكي لم يكن بالوضوح مثلما هو الآن عقب انطلاق عملية "الطوفان"، بحيث تُسارع بجيشها إلى البحر المتوسط بكامل قوتها من بوارج ومدمرات وحاملات طائرات لحماية الولاية المدللة (إسرائيل)، وحتى الرعاية الدبلوماسية المفترضة لأي مباحثات تجري بين المقاومة والاحتلال، فلقد تخطت وبصفاقة كبيرة دورها في مساندة ودعم الوسطاء (مصر، قطر) إلى المبالغة في رعاية جرائم الاحتلال وفي تدليل رئيس وزرائه نتنياهو في كل ما يعنّ له؛ حتى وإن خالف الأعراف الدولية والدبلوماسية..
ولم يحدث أن ضمّت الإدارة الأمريكية بين أعضائها هذا العدد من الصهاينة المتعصبين للاحتلال أكثر من يهود إسرائيل أنفسهم! سواء من البروتستانت الإنجيلين بدءا بالرئيس "جو بايدن" صاحب الجملة الشهيرة "ليس شرطا أن تكون يهوديا حتى تصبح صهيونيا!"، ومرورا بالإنجيلي الثاني في الإدارة "جون كيربي"، منسق الأمن القومي الأمريكي للاتصالات في البيت الأبيض، ثم يأتي وزير الخارجية "انتوني بلينكن" اليهودي الديانة، وجميع من رأى وتابع جولاته المكوكية في المنطقة يستشعر ولاءه الشديد لنتنياهو أكثر من رئيسه بايدن نفسه! كما نذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان"؛ اليهودي الثاني في الإدارة..
فما هي محددات السياسة الأمريكية للمنطقة العربية والتي أظهرتها دون مواربة العدوان الأخير على غزة؟!
1- تقديم كافة صور الدعم المادي والعسكري والاستخباراتي واللوجيستي للاحتلال، ووضعه في أولويات التسليح جنبا إلى جنب مع الجيش الأمريكي! كل ذلك بخلاف الدعم السياسي والدبلوماسي من خلال الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ومن خلال بعض المنظمات الدولية التي تدور في فلك الإدارة الأمريكية وتأتمر بأمرها، وإذا خالفت واحدة من تلك المنظمات وأدانت دولة الاحتلال بصورة أو بأخرى كان التجاهل لقراراتها وإفراغه من مضمونه هو الفعل المنتظر من أمريكا، بل ربما توعدت الخارجية الأمريكية القائمين على تلك المنظمة بالعقوبات التي تطال شخوصهم؛ في تبجح شديد لم تعرفه البشرية من قبل!..
2- السيطرة على المفاوضات وعدم السماح بدخول رعاة آخرين مثل روسيا والصين وتركيا، من أجل التوجيه الدائم لبوصلة المفاوضات لتصب في مصلحة الكيان وبما يضمن للإدارة الأمريكية ممارسة الضغط على المقاومة أو التهرب من كافة الاستحقاقات التي تم الإتفاق عليها في حال رفضت إسرائيل!..
3- انبطاح الأنظمة الحاكمة في المنطقة وتبعيتها المقيتة للإدارة الأمريكية وتفانيها في تنفيذ أجندات الإدارات المتعاقبة لا سيما الإدارات الجمهورية؛ في حفظ أمن الكيان الصهيوني وفي فك الحصار عنه، ودورها كذلك في تلجيم وحصار المقاومة الفلسطينية بكافة صور الحصار المادي والإعلامي والاستعلاء على ممثليها بل وتسليط المحاكم القضائية بالحكم على المقيمين منهم في بعض الدول، في الوقت الذي تُحتضن فيه السلطة برجالاتها ويستقبلون أحسن استقبال وتسلط عليهم الأضواء التي ترفع من شأنهم وتتبنى وجهة نظرهم أمام الشارع العربي..
4- احتقار الحواضن الشعبية للمنطقة العربية وقهرها وعدم احترام إرادتها أو الالتفات إلى رأيها في العداون على غزة والقدس الشريف، تماما كما لا يُلتفت إلى رأيها وإرادتها فيما يخص شأنها الداخلي! وهذا الدور قد تكفّلت به الحكومات التي مُنحت الضوء الأخضر من قبِل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخلفها أوروبا المتواطئة دوما على شعوبنا، ولا يُسمح بانتقاد أي نظام عربي إلا من قبيل الابتزاز لهذا النظام أو ذاك لحمله على المسارعة في تقديم فروض الولاء والطاعة للغرب دون تأخير، في مقابل السماح لتلك الحكومات بنهب الثروات وشفط المقدرات والبقاء في السلطة وتوريثها للأبناء والأحفاد دون حسيب أو رقيب، أو دون الالتفات إلى إرادة الشعوب التي شاءت الأقدار أن تصبح هي الضحية في هذه البقعة المنكوبة من العالم كله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة إسرائيل امريكا غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على غزة
إقرأ أيضاً:
كيف استقبل الرأي العام العربي المواجهة بين إيران وإسرائيل؟
كشفت التعليقات المتباينة كيف يتقاطع الصراع الإقليمي مع الأزمات الداخلية لكل دولة عربية، ومع ذاكرة حافلة بالتشكيك والتعبئة الطائفية. اعلان
مع اندلاع المواجهات العسكرية العلنية بين إيران وإسرائيل، لم تقتصر تداعيات الصواريخ المتبادلة على خرائط الشرق الأوسط، بل تمددت إلى الفضاء الافتراضي العربي، حيث انكشف حجم التصدّع السياسي والطائفي في المواقف الشعبية والنخبوية إزاء أطراف النزاع. فقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي انفجارًا من التعليقات المتباينة، عكست عمق الانقسام العربي حول "من العدو؟ ومن الصديق؟"، كما كشفت كيف يتقاطع الصراع الإقليمي مع الأزمات الداخلية لكل دولة عربية، ومع ذاكرة حافلة بالخذلان والتشكيك والتعبئة الطائفية.
احتفاء ودعمٌ لإيران.. غزة تضبط الإيقاعفي دول مثل اليمن ولبنان والعراق، أو حتى في أوساط عربية أوسع متعاطفة مع القضية الفلسطينية، حيث رحّب البعض بردّ إيران على إسرائيل باعتباره "كسرًا لاحتكار الرد" و"خطوة تأديبية لجيش اعتاد القصف بلا عقاب" حسب تعبيرهم. حيث رأوا أن طهران بدت وكأنها تملأ فراغًا تركه النظام العربي الرسمي في مواجهة الحرب بغزة، وقد وُظفت مئات المنشورات والفيديوهات والخرائط لإبراز دعم طهران لها، مع شعارات مثل: "صاروخ من طهران دفاعًا عن القدس".
انتشر هذا النوع من الخطاب خصوصًا في الصفحات المناهضة للتطبيع مع الدولة العبرية، وبين أنصار حزب الله، والحوثيين، وفصائل فلسطينية، معتبرين أن الرد الإيراني - مهما كانت خلفياته - يمثل تحولًا نوعيًا في ميزان الردع الإقليمي، لا سيما بعد ضرب أهداف عسكرية استراتيجية داخل العمق الإسرائيلي.
Relatedمعهد وايزمان: ضربة إيرانية تطال أهم المراكز العلمية في إسرائيل.. فماذا نعرف عنه؟ترامب يتوعّد إيران بـ "قوة غير مسبوقة" وطهران تُحدّد شرطاً لوقف الهجمات على إسرائيل ليلة ليست كسابقاتها.. هجمات نوعية تشعل اليوم الثالث من المواجهة بين إيران وإسرائيلالمعسكر الآخر.. بين دواعي السيادة والاستقطاب الطائفيلكن في المقابل، ظهرت موجة رافضة وغاضبة، لم تخفِ شماتتها بما أصاب طهران من ضربات إسرائيلية، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك في اعتبار إيران خصمًا أولًا، لا يقل خطرًا عن إسرائيل، إن لم يكن أكثر. برز هذا الموقف بقوة في تغريدات وتعليقات لمستخدمين من الخليج العربي، ومن بينهم كتاب رأي مؤثرون ومؤسسات إعلامية ذات توجهات مناوئة للسياسة الإيرانية.
وعكست هذه المواقف البعد الطائفي، إذ ربط كثيرون دعم طهران لحماس أو الحوثيين بأنه مجرد غطاء لنفوذ "فارسي شيعي"، يسعى لتقويض الأنظمة العربية السنية، كما برزت مقارنات تاريخية تتهم إيران بـ"ازدواجية المواقف" تجاه العراق وسوريا، وبأنها "تتاجر بفلسطين لتوسيع نفوذها".
اللافت أن فئات كبيرة من الرأي العام العربي أبدت ارتباكًا في تحديد الموقف، أو فضّلت تجنّب الانحياز، مكتفية بالتعبير عن الحزن والغضب من مشهد عربي مشتت بين قوتين أجنبيتين، لا تمثلان - برأيهم - مشروعًا حقيقيًا للنهضة أو التحرر.
قراءة في الخلفيات: بين ندوب الماضي والخوف مما هو آتلم يكن الانقسام الافتراضي وليد اللحظة. فمواقف العرب تجاه إيران محمّلة بإرث من التوترات، بدءًا من الحرب العراقية-الإيرانية، مرورًا بدور طهران في سوريا والعراق ولبنان، ووصولًا إلى علاقتها مع الفصائل الشيعية المسلحة، وملفها النووي. وقد تعمّق هذا الاستقطاب، من خلال اعتبار إيران "الخطر الأعظم" وتقديم إسرائيل كشريك "معتدل" في مواجهة "المدّ الشيعي"
وقد تبنت هذه المقاربة عدة أنظمة عربية رأت في النفوذ الإيراني تهديدًا مباشرًا لأمنها الداخلي بل لوجودها، ومع هذه الأنظمة وسائل الإعلام الرسمية لديها التي ساهمت في حالة الاستقطاب هذه حتى في سياق تصعيدها ضد إسرائيل بنفس الوقت.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة