لجريدة عمان:
2025-10-09@16:23:30 GMT

بيروت... سوف أدخلها حينما يخرجون

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

توقعتُ أن أكونَ هناك مطلعَ نوفمبرَ الآتي. قطعتُ تذكرة إلى بيروت وانتظرتُ في مسقط موعدَ الرحلة المزمعة بعد شهرين من اليوم بالضبط. أخيرا سأدخل المدينةَ، قلتُ، كما دخلوها أول مرة، شاعرا أدخلها كالشعراء الداخلين إليها من قبلي بحثا عن ملامح أصواتهم في مرايا الحداثة... لكن آمالي تحطَّمت حين ورَدتْ رسالة عبر البريد الإلكتروني من شركة الطيران تفيدني بأن الرحلة إلى بيروت قد أُلغيت، وأن السفر إلى لبنان غيرُ وارد في ظل الهجمة الإسرائيلية المرتقبة.

السؤال: هل يحق للإسرائيليين أن يمنعوني من السفر؟! في الواقع هي هذه المرةُ الثانية التي يمنعني فيها الإسرائيليون من السفر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا يهم. المرة الأولى عندما كنت طالبا في الجامعة؛ حين تلقَّيتُ دعوة لزيارة رام الله للمشاركة في الذكرى السنوية لرحيل ياسر عرفات. لكن التصريح الأمني الذي لا يمرُّ إلا بختمِهم لم يصدر، وكان علي الانتظار لأسباب لم أعرفها، حتى انقضى موعد المناسبة. وإلى اليوم، لم أغفر للإسرائيليين الذين منعوني من الدخول إلى فلسطين، وها همُ يمنعونني اليوم مجددا من الدخول إلى لبنان•...• لن أغفر لهم حرماني من حقي الطبيعي في السفر! سوف أدخلها حينما يخرجون. ولكن من أنا لأدخل المدينة كما يدخلها الشعراء؟ من هم الشعراء في الحرب؟ ومن هو الشاعر فينا، في الحرب، وماذا يفعل بأدواته؟ أريد الذهاب إلى بيروت سائحا فحسب، فليخرجوا من سمائها لأدخل تحت جناحها سائحا من هواة «السياحة القومية» أو شيء من هذا القبيل. أريد الذهاب إلى بيروت لأتحققَ فيها من كلام شاعر/ لاجئ فلسطيني مر بها ذات يوم وقال: «أحاول أن أفهم بيروت فأزداد جهلا بنفسي»... كم أتمنى لو أزداد جهلا بنفسي لصالح الاقتراب أكثر من بيروت. لكنهم يقصفون، يشتد القصف ويتأخر الوقت. بين القصف والوصف تتلألأ بيروت وتعتم في ليل بلا كهرباء. أكثرُ مدينة عربية في تاريخنا المعاصر بقيت مفتوحة للقصف المسلَّح وللوصف الأدبي هي بيروت؛ لم تستفق من هدنة إلا لتواصل الحرب، وما مرَّ شاعر منها إلا وعلَّقها في عِبارة.

لطالما كان انهيار الدولة يعني انهيار المدينة بالضرورة، غير أن بيروت أصرَّت على التشبث بالمفارقة الساحرة الساخرة حتى سنواتها الأخيرة، ففي زمن الانهيار العام للدولة والمدينة في المشرق العربي، كانت بيروت تقاوم لتبقى مدينة حية في دولة منهارة. لكنني أفكر: ماذا تبقى لشاعر من جيلي في بيروت؟ ظلال الحداثة في بلدٍ يتوعَّده العدوُّ النووي بإعادته إلى ما قبل تاريخ الكتابة؟ فليخرجوا من سمائها لنرى ماذا سيبقى من بيروت في بيروت عمَّا قليل.

في المدن الصغيرة، مثل بيروت، يمكن للزائر أن يصادف نفسه مرارا، وأن يدوس في الأرصفة على خطاه القديمة، ففيها تصبح احتمالات التقاطع واللقاء بين الزائر ومجملِ تفاصيل المكان أكثر كثافة، مقارنة بالسياحة في المدن الكبيرة الواسعة حيث يُضيِّع الغريب نفسه.

سألتُ سيدة عمانية أعرف أنها ترددتْ على زيارة لبنان منذ طفولتها مرات عِدة: بالله عليك، كيف تحتملينَ أن تَري على شاشة الأخبار مشاهدَ القصف الإسرائيلي المصبوب على القُرى والتلال الجنوبية، حيث تجوَّلتِ في صباك قبل نحو عشرين سنة، وحيث التقطتِ الصور التذكارية، مع العائلة، وسط معالِم صمود تلك القرى وفي غمرة أجواء تحريرها من الاحتلال في ذلك العام، عام 2000؟ كيف تشعرين وأنتِ تستقبلين في هذه الأيام فواجع متلاحقة عن مجزرة هنا أو هناك، في أمكان ما من بيروت، في أمكان تتذكرين جيدا أنكِ عبرتِ في شوارعها ذات يوم، أو أكلتِ في مطعم قريب منها، وربما التقطتِ صورة للبحر في نفس مكان القصف؟ لم أكن في بيروت أو غزة من قبل لأدركَ بوضوح كيف يشعر البعيد حين يشهد، عن بُعد، مذبحة تحدث في مكان مرَّ به ذات يوم. وحين حانت الفرصة المواتية لزيارة بيروت انقضَّ الإسرائيليون من الجو عليها. لكنني أعرف من يوميات أمجد ناصر خلال حصار العاصمة عام 1982 أن «بيروت صغيرة بحجم راحة اليد»، ذلك يعني أن ذكريات كل من زارها مرشحة للقصف بنسبة كبيرة، لصِغَر المدينة.

في زمن الانهيار العربي الذي نعيش يتكاثر العرب يكبرون في المنافي والأوطان وهم أكثرُ جهلا بمدائنهِم وأقل انفتاحا على بعضهم البعض. وربما تكون جهالتنا ببعضنا، نتيجة لحواجز الاستعمار والاستبداد، هي المدخلٌ الأساسي للإجابة على السؤال: لماذا لا يتعاطف العربي مع العربي كما ينبغي، ولماذا لا يتطور تعاطفه إلى فعل سياسي؟ وبيروت الآن مثالا. أتصور أن من زار بيروت وترك ذكريات فيها هو أكثر من غيره قدرة على الإحساس بالشخصيّ في علاقته بالمكان، وبالتالي أكثر قدرة على التعاطف مع مأساته بطريقة أوضح ممن لم يكن هناك في يوم من الأيام، والذي لا تفرق عنده بيروت عن غيرها من المدن.

قد تكون هويتنا/ هوياتنا العربية الجديدة أكثر انفتاحا على الآخرين (غير العرب) من انفتاحها على الذات (العرب). ويجدر أن ننتبه إلى أن أجيالا من العرب باتوا يتقنون السياحة والتسكع في شوارع باريس أو لندن أكثر من معرفتهم بدمشق وبيروت وبغداد وصنعاء... إلخ. يتفاقم الاغتراب عن الجغرافيا الأصلية لدى أجيال توزع ذكرياتها وحياتها في عواصم تتكلم بغير لغة أمهاتهم.

هنا يتدخل الأدب ليصل ما تمزق من الجغرافيا. صحيح أن الإسرائيليين منعوني من السفر إلى بيروت هذه المرة، لكنني أشعر بتواصل عميق مع المدينة من خلال الأدب. أستطيع أن أتجول في بيروت القرن التاسع عشر كما رممها ربيع جابر في رائعته «بيروت مدينة العالم».

كما أستطيع أن أتأمل في قصيدة «بيروت» لمحمود درويش كيف يعمّر الشاعر مدينة خارجة من الحرب ويحولها إلى نشيد. فالجغرافيا البديلة التي يقترحها الأدب العربي لنا في زمن اللجوء والشتات هي جغرافيا اللغة العربية: «ويجمعنا إذا اختلفت بلادٌ/ بيان غير مختلفٍ ونطقُ» كما قال أحمد شوقي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى بیروت فی بیروت

إقرأ أيضاً:

تقرير: خُمس الشباب البريطاني يستخدم الذكاء الاصطناعي لتخطيط عطلاتهم

حوالي خُمس الشباب البريطاني يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتخطيط عطلاتهم، بينما لا تزال العطلة التقليدية الأكثر شيوعًا.وفي إسبانيا، تسعى السلطات لتغيير نمط السياحة نحو الإقامات الطويلة والسفر البطيء، مع التركيز على التنويع وتقليص الفائض السياحي. اعلان

أظهر تقرير حديث أن نحو خُمس الشباب البريطاني بين 25 و34 عامًا بدأوا يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتصميم عطلاتهم، في حين لا يزال العطلة التقليدية ضمن باقة سياحية الخيار الأكثر شيوعًا على مستوى المملكة المتحدة.

ووفق التقرير، فإن 18% من هذه الفئة العمرية يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي بي تي " للحصول على أفكار وإلهام لرحلاتهم الخارجية، فيما تعتمد نسبة أقل من 3% من البالغين فوق سن 55 عامًا على هذه التقنيات. كما لا يزال ربع البريطانيين يعتمدون على البروشورات التقليدية في تخطيط عطلاتهم.

وتوقعت جمعية Abta أن يتزايد دور التكنولوجيا في صناعة السفر بشكل كبير، مشيرة إلى أن حوالي ثلثي الشباب سيكونون واثقين من السماح لمساعد ذكي بحجز رحلاتهم.

Related أوروبا تخطط لثورة في السفر بالقطار: شبكة فائقة السرعة لربط العواصم في غضون 20 عامًاتعرف إلى أفضل المدن الأوروبية للتوقف المؤقت أثناء السفركيف طالت تداعيات الإغلاق الحكومي الأميركي السفر والسياحة والمتنزهات الوطنية؟ السياحة البريطانية تعود إلى مستويات ما قبل الجائحة

أشارت البيانات التي عرضتها Abta خلال مؤتمرها السنوي في ماجالوف بجزيرة مايوركا الإسبانية إلى أن نسبة البريطانيين الذين سافروا العام الماضي اقتربت من مستويات ما قبل جائحة كورونا، مع ارتفاع الثقة بالسفر الدولي.

وأظهرت الدراسة أن 87% من المشاركين سافروا داخل المملكة المتحدة أو خارجها، وأن العطلة أصبحت الأولوية الرئيسية في الإنفاق التقديري، متقدمة على الترفيه والأجهزة الإلكترونية، حتى في ظل صعوبات اقتصادية.

وأشار مارك تانزر، المدير التنفيذي للجمعية، إلى أن ارتفاع استخدام الذكاء الاصطناعي يعكس سلوك المستهلك في جميع القطاعات، مضيفًا: "التحدي بالنسبة لقطاع السفر هو استثمار إمكانيات الذكاء الاصطناعي لدعم الأعمال، مع الحفاظ على قيمة التواصل الشخصي والخبرة التي يوفرها وكلاء السفر ومنظمو الرحلات."

وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الشباب بين 25 و34 عامًا كانوا الأكثر اعتبارًا للعطلة مهمة للصحة النفسية، بنسبة 90% مقابل 80% معدل جميع المشاركين. كما أبدوا اهتمامًا أكبر بالاستدامة والخيارات البيئية عند اختيار الشركات والفنادق أو الوجهات، حيث بلغت نسبتهم 20% مقابل 10% للمتوسط العام.

لكن بعض المسؤولين شككوا في هذا الالتزام البيئي، حيث قال ستيف هيابي، المدير التنفيذي لشركة الطيران ومنظّم الرحلات Jet2:"الجميع يريد أن يكون صديقًا للبيئة، لكن إذا كان يكلف أكثر، يعيد الناس التفكير." وأضاف أن الشباب اليوم "أكثر وعيًا بالمسؤولية الشخصية وأسلوب الحياة الصحي مقارنة بأجيال سابقة، ويجب أن نفهم ذلك لأنه مستقبل القطاع".

التحولات السياحية في إسبانيا

في السياق نفسه، انتقد هيابي السياسات السياحية الإسبانية الرامية لتغيير ملف الزوار بعد احتجاجات الفائض السياحي الصيف الماضي. فإسبانيا تسعى من خلال حملة دعائية بقيمة 30 مليون يورو إلى تعزيز الإقامات الطويلة والسفر البطيء بعيدًا عن العطلات الشاطئية التقليدية.

وقال مانويل باتلر، مدير المكتب السياحي الإسباني في المملكة المتحدة:"الآن نركز على التنويع لا الكم."

لكن هيابي أبدى تحفظه قائلاً:"عندما تلخص ما قالوه، يريدون نوعًا مختلفًا من الزوار – في الأساس الأغنياء. إذا كان الشرط للسفر أن تكون غنيًا، فهذا أمر غير مقبول."

وأكد أن مشاكل الفائض السياحي في إسبانيا وأماكن أخرى تعود إلى السياحة غير المرخصة، داعيًا الحكومات إلى اتخاذ إجراءات صارمة تجاه أصحاب العقارات على منصات مثل Airbnb الذين لا يمتلكون ترخيصًا سياحيًا أو شهادات سلامة، وربما لا يدفعون الضرائب.

وقال:"إذا لم يكن لديهم التصاريح والسجلات الضريبية، يتم تغريمهم، وإذا لم يفعلوا ذلك، يذهبون للسجن. جميع العقارات غير المرخصة ستختفي بين ليلة وضحاها."

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • ضبط المتهم بالنصب على راغبي السفر للخارج علي مواقع التواصل
  • ضبط شخص نصب على راغبى السفر للعمل بالخارج في القاهرة
  • منتخب الصالات يعسكر في بيروت تحضيراً لتصفيات آسيا
  • رحلة الجزائر-تونس.. كل ما تحتاج معرفته قبل السفر
  • تقرير: خُمس الشباب البريطاني يستخدم الذكاء الاصطناعي لتخطيط عطلاتهم
  • كم زاد الإنفاق في قطر على العطلات الصيفية؟
  • إدارة التنفيذ القضائي تحذر
  • خطوات استخراج «جواز سفر» مستعجل والأوراق المطلوبة
  • تفسير رؤيا «السفر إلى مكان بعيد» في المنام لابن سيرين
  • قسد: ما يحصل في حلب استفزازات حكومية ولا وجود لنا في المدينة