تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شاركت السفيرة الأمريكية في مصر، هيرو مصطفى جارج، الحفل الختامي لمهرجان “هي للفنون / SheArts” لعام 2024 والذي استضافته الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وشاركت فيه كلا من المغنية وكاتبة الأغاني الأمريكية جولي أوديل، والمغنية المصرية يسرا الهواري، التي شاركت في Center Stage، وهو برنامج تبادل أمريكي مخصص للمبدعين في مجال الفنون الأدائية.


بناء الجسور

وفي كلمتها، أشارت السفيرة الأمريكية إلى دعم الولايات المتحدة، عبر برامج التبادل والفنون في السفارة، لمهرجان SheArts منذ عام 2022.
وقالت السفيرة هيرو مصطفى جارج: 
"هذا العام، وللمرة الأولى، لدينا فنانة أمريكية اسمها جوليا أوديل. إنها مغنية وكاتبة أغاني موهوبة من أحد المراكز الثقافية في أمريكا. ومن أجل بناء الجسور، ستؤدي مع إحدى الفنانات المصريات التي  دعمناها أيضًا على مر السنين، وهي يسرا الهواري، هذا بالنسبة لنا هو رمز أولاً لمدى دعمنا للمواهب هنا في مصر، والمواهب النسائية على وجه الخصوص وكيف يمكن للموسيقى بناء الجسور بين الثقافات".

تمكين النساء 

على هامش ختام المهرجان، قالت المتحدثة الرسمية للسفارة الأمريكية، چينا كابريرا، في تصريحات للصحفيين، إن دعم  النساء في الفنون في مصر يتم بذلك بطرق متنوعة "لقد دعمنا مهرجان SheArts من خلال منحة لمنظمة NVAK، وهي منظمة غير ربحية أمريكية، لتنظيم هذا المهرجان. كما نقدم زمالات لصانعات الأفلام المتميزات من خلال جوائز الإقامة السينمائية، وهناك برامج التبادل مثل Center Stage.
وأشارت إلى تعاون الولايات المتحدة مع مصر لتعزيز الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 والمبادرات الأخرى التي تقودها مصر لتمكين النساء، بما في ذلك في مجال الفنون والثقافة. 
وقالت: نحن نعطي الأولوية لتمويل المنح الدراسية وبرامج الدراسة في الخارج للنساء، مثل الفرص المتاحة لصانعات الأفلام لتعلم من قادة الصناعة في هوليوود. نعمل مع المبتكرات ورائدات الأعمال لبدء الأعمال التجارية وتحقيق أحلامهن. ساعدت شراكاتنا لإعادة تأسيس إسنا كوجهة رئيسية للسياحة الثقافية بائعات الطعام على إطلاق مطاعم جديدة تقدم المأكولات التقليدية، وروجت لأعمال الفنانات والحرفيات من خلال المحلات المعاد تصميمها وإعادة تسميتها لتكون أكثر جاذبية للزوار. ندعم التنمية المجتمعية والتمكين الاقتصادي للنساء في أماكن مثل شمال سيناء، حيث نعمل مع النساء البدويات لتنمية الأعمال التجارية التي تسوق الفنون النسيجية التقليدية. افتتحنا مراكز خدمات الأعمال والمراكز الاقتصادية في المنيا وقنا لمساعدة الشابات على بدء أعمالهن التجارية والوصول إلى الخدمات المالية. تعاونّا مع مؤسسة عزة فهمي والحرفيين الرئيسيين في القاهرة التاريخية لتدريب النساء على صناعة المجوهرات، والأعمال الخشبية التقليدية، والفنون الجميلة الأخرى. لأكثر من ثلاثين عامًا، أعطت أعمالنا في الحفاظ على المواقع الثقافية الرئيسية من الإسكندرية إلى أسوان الأولوية لتدريب المرممات، والعديد منهن الآن يدربن الجيل القادم من القائدات في مجال الحفاظ على التراث. هذه مجرد أمثلة قليلة على التزامنا الثابت والشراكات الطويلة الأمد مع المجلس القومي للمرأة والعديد من الآخرين لخلق فرص للنساء المصريات للنجاح في الفنون والثقافة، وفي جميع مجالات الحياة.

چينا كابريرا المتحدثة الرسمية للسفارة الأمريكية بالقاهرة التبادل والاندماج

في سؤال لمحرر "البوابة نيوز" حول التبادل الثقافي الموسيقي والاندماج بين الموسيقى المصرية والأمريكية؛ قالت كابريرا إن تبادل الأفكار الموسيقية بين مصر والولايات المتحدة له تاريخ غني يعود إلى أوائل القرن العشرين "على سبيل المثال، وجد الجاز جمهورًا متقبلاً في مصر، مما أثر على الموسيقيين المحليين وأدى إلى مزج فريد بين الموسيقى المصرية التقليدية وعناصر الجاز" .
وأشارت إلى أن لويس أرمسترونج، أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الجاز، قدم عروضًا في مختلف البلدان حول العالم كجزء من دوره كسفير ثقافي للولايات المتحدة. وفي عام 1961، قدم عرضًا عند أهرامات الجيزة.
وأكدت المتحدثة الرسمية للسفارة، أن المبادرات الموسيقية لوزارة الخارجية الأمريكية تهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي والتفاهم المتبادل من خلال اللغة العالمية للموسيقى. وقالت: "برامج مثل "American Music Abroad" و"OneBeat" و"Arts Envoy Program" و"Next Level" ترسل الموسيقيين الأمريكيين حول العالم للتفاعل مع الجماهير الدولية من خلال العروض وورش العمل. لا تعرض هذه المبادرات التقاليد الموسيقية الأمريكية فحسب، بل تعزز أيضًا الحوار عبر الثقافات والمشاركة الاجتماعية وبناء المجتمعات العالمية. من خلال الاستفادة من قوة الموسيقى. 
وأشارت إلى أن الاندماج بين الموسيقى التي تقدمها كلا من جولي أوديل ويسرا الهواري جاء نتيجة أن الهواري واحدة من الفنانين الذين تم اختيارهم لبرنامج "Center Stage". شمل مشاركتها سلسلة من العروض وورش العمل في مختلف المدن الأمريكية، حيث شاركت موسيقاها وتراثها الثقافي مع الجماهير الأمريكية "لم تتيح لها هذه الفرصة الوصول إلى جمهور أوسع فحسب، بل سهلت أيضًا التبادلات الثقافية الهامة، مما يبرز قوة الموسيقى في جسر الفجوات الثقافية"، موضحة أن مشاركة الفنانة المصرية  "كان لمشاركتها في برنامج "Center Stage" تأثير كبير في تعزيز الدبلوماسية الثقافية وتعزيز التفاهم المتبادل بين مصر والولايات المتحدة".

رغم السياسة

وفي سؤال آخر لمحرر" البوابة نيوز" حول الأجواء السياسية المتوترة، وكيف يمكن للموسيقى والفنون بشكل عام أن تلعب دورًا في جمع الناس معًا؛ أشارت چينا كابريرا إلى أن الموسيقى والفنون تسلط الضوء على التجربة الإنسانية المشتركة، متجاوزة حواجز اللغة وربط الناس على مستوى عاطفي. 
وقالت:" تحتفل هذه الأشكال من التعبير بالتنوع الثقافي وتشجع الشمولية، مما يعرض غنى التقاليد ووجهات النظر المختلفة. على وجه الخصوص، يمكن أن يلهم إشراك الشباب من خلال الموسيقى والفنون الإبداع والابتكار، مما يساهم في التنمية العالمية والوئام".

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: السفيرة الأمريكية في مصر هيرو مصطفى جارج برنامج تبادل من خلال فی مصر

إقرأ أيضاً:

الفنان التشكيلي علي فرزات: الفن مرآة للهُوية الثقافية ويكتمل بمواكبة الحداثية والتجارب الخصوصية

لجأت إلى اللون الصارخ كي أعبّر عن الفاجعة التي كنا نمر بها

الوجوه التي رسمتها بطريقتي المبتكرة تشبه حزني

ولجت فضاء القصيدة لأجسد التغريبة السورية من خلالها

الحرية هي المغامرة والبحث والاكتشاف والفن يجب أن يستوفي كل شروط الحرية

فشل الحوار بين الرسام والمساحة البيضاء هو فشل للعمل

ينتمي الفنان أسعد فرزات لأسرة فنية عشقت اللون والكلمة، منهم الرسام والأديب، ورسم لنفسه مسارا إبداعيا تجلى بأسلوبه التشكيلي المتفرد الذي استطاع من خلاله أن يصل به إلى حيث يريد، وكانت الريشة والألوان واللوحات صوته العالي الذي عبر من خلاله عن الظلم والقهر والمنفى، فقدم لنا أعمالا خالدة ومتميزة.

تحدث أسعد عن الفن التشكيلي العُماني وعن تجاربه الفنية وقضايا الفن، في حديث خاص لجريدة (عمان)...

بحكم اطلاعك على التجارب الفنية العربية..كيف ترى المشهد التشكيلي في سلطنة عُمان..؟

سجل الفن العُماني بصمة واضحة في الساحة التشكيلية العربية وحضورا مميزا منذ نهاية السبعينيات وأقيمت عدة فعاليات منها مرسم الشباب، والمشاركات بـ"بيناليات" عربية، وهو فن يعكس هُوية ثقافية محلية بمواكبة حداثية وتجارب فيها خصوصية على يد عدة فنانين منهم: سعيد العلوي وحسين الحجري ورابحة محمود وسيف العامري وعالية الفارسي وآخرون.. كما أن التراث الشعبي له دلالة واضحة في الأعمال التشكيلية العُمانية وإصرار الفنان العُماني على التمسك بجذوره وفخره بثقافته ليقدم من خلالها صيغة تشكيلية تحمل مضمونا فلسفيا خاصا بمحيطه، وخاصة الموروث والإرث الشعبي كان واضحا بأعمالهم التي قدموها.

نتابع من اللحظة التي نعيشها اليوم وهي انتصار الثورة السورية، كيف عشتها، وكيف ستكون لوحاتك القادمة، هل ستتغير الألوان، وهل سنرى أسلوبا مختلفا في التعبير...؟

حقيقة في بدء اللحظة، عندما أتى الخبر مفاجئا، اختلط عندي الأمر هل هو حقيقة أم خيال؟ فليس بالسهولة وبعد ٥٥ عاما من القهر والقتل بشتى أنواعه أن يأتيك خبر الحرية، خفت أن تتلاشى خيوط الفرح من بين أصابعي وأفقدها، لذلك حاولت ألا أغمض عينيّ حينها؛ أما بالنسبة لتغير الأسلوب والخوض بموضوع تشكيلي آخر، فهذا ليس قرارا اتخذه اليوم وأنفذه غدا، المسألة تحتاج إلى وقت كي يعود الأمر إلى تقلبات عناصر الكيمياء بالدماغ ويساهم الظرف المكاني والزماني لإنتاج صيغة ذهنية متجددة.

كنت واحدا ممن عبّروا عن المحنة السورية ومآسيها، وكان الرسم سبيلك، إلى أي حد يمكن أن يصبح الفنان حاملا راية التغيير والتأثير في المجتمع...؟

وظيفة الفن والعمل الفكري هو ترجمة الحدث بعدة وسائل، وخاصة المآسي والكوارث الإنسانية التي تحصل على مدى التاريخ منذ الحقبة الجيولوجية الأولى حتى يوما هذا، ففي العصر الحجري كان الفنان يترجم ما يحصل في حياته اليومية بأدوات بسيطة من رحلة الصيد والأفراح وحتى الموت، جميعها نجدها مدونة على جدران الكهوف، كذلك ما يحصل في العصر الحديث ظهرت المدرسة الدادئية سواء بالأدب أو الفن كردة فعل عن الحرب وما نتج عنها، عبر من خلالها الرسام بتقنيات وأفكار عديدة كترجمة لما حصل.

رمزية الألوان ودلالتها عندك فيها تعبير صارخ عن الفاجعة السورية بكل تفاصيلها، كيف جعلت الحزن يتدفق من خلالها...؟

فيزيائية اللون علميا مسألة معقدة للمتلقي والفنان معا، قد يصل اللون الصارخ لدرجة الصفعة الحقيقية..ما كان يحدث ليس جريمة عابرة منفردة إنما كارثة إنسانية لم يمر مثلها بتاريخ البشرية، بتلك الحالة هل أستطيع أن أكون بكامل هدوئي وأخطط لصنع مشهد ضوئي فيزيائي جمالي كما "مونية"، أم سألجأ إلى فيزياء اللون الصارخ والمشبع بالموت الذي يحدث كل دقيقة..ليس هناك خيار آخر، أتساءل أحيانا هل باستطاعتي العودة للون والضوء بالمعنى التقليدي رغم أن مشاهد الموت كانت مليئة بالضوء المشع بالمعنى الذهني البعيد.

رسمت مئات الوجوه بحثا عن وجه الحقيقة، هل وجدتها، وأين وكيف، وماذا تلمست فيها...؟

قال أحد النقاد المعروفين يصف وجوهي إن الفنان عادة يرسم ذاته للبحث عن ملامحه كما فعل فان جوخ، بينما أسعد رسم وجوه الآخرين للبحث عن ملامحه، وهذا ما حصل حقيقة من خلال تجربة البورتريهات أو الوجوه التي نفذتها كنت أبحث عن ملامحي بوجوه أصدقائي الذين رحلوا بتلك المأساة أو من غادرنا إلى العالم الآخر سواء عن طريق موجة بحرية ابتلعته أو بين أسنان حيوانات مفترسة بالغابات أو بحوض أسيد أو بطلقة عابرة اجتاحت جمجمته ولم يفلحوا بالوصول لشط الأمان للأسف، بالنسبة لوجوهي التي نفذتها لاتزال التعبيرية هي هاجسي سواء بمشروع الوجوه أو غيرها من أعمالي وهي الأكثر حضورا سواء بالمساحة أو اللون وهذا واضح من خلال الخط المتعرج والقلق الذي ترتسم به وجوهي وخاصة عند العيون، مما اضطر أحيانا إلى إخفائها بالكامل أو إظهار واحدة منها بينما الثانية تلفها العتمة لإظهار ما وراء التعبيرية، وجوه تحمل مضمون نتائج كارثة ليس لها شبيه بالعالم، وجوه بخطوط تعبيرية تشبه حزني أنا بطريقة رسم ليست سائدة، لذلك أن جردت وجوهي من الخطوط والدلالات تصبح لوحة تجريدية تحمل لونا وخطوطا فقط، أعمالي تعبيرية تجريدية إن وصفناها بطريقة مدرسية، وربما هي أبعد من هذا الوصف التقليدي وتدلى ذلك بأعمالي ما بعد 2014 عموما.

قلت: "أنا من هواة التنزه بالعالم التشكيلي واكتشاف الأراضي البكر فيه بعيدا عن مزاج الصالات" هل تعتبر هذا تمردا على ضوابط الفن التشكيلي، أم ماذا...؟

المسألة ليست سهلة حقيقة، إما أن ترضخ لمزاج صاحب الصالة وزبونه وإما أن تتمسك بحريتك كرسام وبما تنجزه من أعمال فكرية وذهنية وهذا يحتاج إلى ثقافة عالية سواء لصاحب الصالة أو المقتني. دعني أصارحك قليلا، حول غموض كثير من اللوحات التي ترسم بعيدا عن المدرسة الواقعية، هناك من لا يستطيع أن يفهم ماذا تعني له تلك الضربات في الريشة ولا موحيات اللون، ولا رمزية ما يراه من تشكيل.. لماذا هذا الغموض، يتساءل الجمهور...؟

هذا السؤال يعود بنا للسؤال السابق، الصورة الذهنية والفكرية بالفن التشكيلي تحتاج إلى ثقافة عالية، فمن الصعب على الفنان الذي يملك صورة ذهنية تحمل مضمونا فكريا وإنسانيا أن يتنازل ليقدم مشهدا جاهزا لإرضاء البعض، هناك صالات متخصصة بهذا النوع من الفن بإمكان المتلقي أن يحصل على طلبه بما يرغب ويفهم.

*لديك تجربة مهمة ومتميزة في نقل الكلمة إلى لوحة، وكنت قد تذوقت برهافتك الفنية قصيدة للشاعر نوري الجراح وجسدتها إلى لوحات معبرة، حدثنا عن هذه التجربة المؤثرة، وهل ستكررها...؟

أنا ونوري جمعتنا مأساة واحدة، هو وجد في لوحاتي مناخا وصورا لقصيدته "الخروج من شرق المتوسط" وأنا وجدت بقصيدته صورا تشكيلية تتطابق مع الصورة الذهنية بلوحاتي، ومن خلال ولوجي بفضاء القصيدة وجدت نفسي أمام تغريبة سورية ليس فقط عمرها أربعة عشر عاما، بل تلامس وجع السوريين منذ اكثر من ٥٥ عاما من القهر والذل، فتلك الموجة البحرية صعدها قبلنا أشخاص منهم من عبر بسلام ومنهم من لقى حتفه، لذلك كان مشروعا مشتركا ممسرحا تراجيديا بصريا.. لخص الهلوكست السوري الكارثي على مدى طويل.

والنتيجة عمل مشترك بيننا أنجزناه في باريس عام ٢٠٢٢ وعُرضت بعض من اللوحات في زيوريخ أيضا ونخطط الآن لتكون الفعالية بسوريا موطن المأساة التي ترجمناها معا.

لكل مبدع وحي يوحي له بمفردات قصيدته أو روايته أو قصته، كيف يلتقط الفنان أسعد أطراف لوحاته..؟

الأمر يتعلق بالمخزون البصري وترجمة مفردات الواقع بشكل يتناسب مع ماهية الفكرة لدى الفنان وأبعادها، التقط مفرداتي أحيانا من طفل ترك "خربشاته" على حائط ومضى، أو من امرأة تركت توقيعها على قلبي، واحيانا أقوم خلسة بسرقة مشهد خبأته بذاكرتي لهذه اللحظة كي أدونه على مساحة بيضاء من ورق أو قماش، أتذكر خطواتي الأولى نحو النهر وتسلق الأشجار العالية، كل هذا الفضاء متاح لي وأتناول من خلاله ما أشاء من مفردات بدءا من الشمس في الأعالي إلى عشبة تنمو على طرف الرصيف..لكن خلال الأعوام التي مضت كانت مفرداتي عبارة عن قارب فارغ، رصاصة، غيمة رمادية.. لا استطيع أن أتجاوز ما حصل حقيقة.

مابين الرسم التجريدي ومزجه بالتعبيري رسمت لنفسك مسارا متفردا بالمشهد التشكيلي بحيث أصبحت لوحاتك علامة "فرزاتية" فارقة...

لم أسع إلى ذلك عنوة، البعض يبحث عن طريق خاص به بالاستعانة بأساليب وتقنيات مسبقة من الغير، هذا لا يجدي نفعا بصنع مشهد يحمل عالما خاصا لا يشبه إلا صاحبه، الفن بصراحة أبسط من هذا كله، فقط العودة إلى العاطفة الخالصة بدون استعارتها، مدعمة بالخبرة والثقافة والمخزون البصري وهي من مقومات الرسام.

قلت "الفن مرتبط بالحرية.." هل تقصد الحرية بمفهومها الشاسع في التعبير..؟

اقصد الحرية في الفن أنها تبدأ من أول خطوة يقوم بها الرسام، بدءا من اختيار الفكرة وانتهاء باختيار التقنية التي يرغبها دون قيود أو ضوابط مفروضة سواء من المحيط أو من منطق تقليدي.. لو عدنا لتاريخ الفن لوجدنا أن المدرسة الواقعية هي كانت ثورة على الكلاسيكية النمطية، وكذلك الواقعية المحدثة ثورة على الواقعية، والانطباعية ثورة على المحدثة.. وهكذا وصولا للتعبيرية والتجريدية والحداثوية إلى التجارب الخاصة للفنان التي لا تنتمي سوى إلى أفكاره الذاتية؛ الحرية المطلقة للأفكار تخلصنا من عقد ومتلازمات قد ينتجها الدماغ بشكل نمطي أحيانا، لذلك الحرية هي المغامرة والبحث والاكتشاف. البعض لاتزال عنده عقدة الخوف من فتح الباب على مصراعيه.. أو لا يرى أبعد من الأفق الذي يراه من خلال نافذة محصورة، الفن يجب أن يستوفي كافة شروط الحرية.

*غالبا ما تشكل الأنثى محور أعمال المبدعين، المرأة في حياة وأعمال الفنان أسعد فرزات، كيف تجسدت، وبأي الألوان والخطوط وجدتها أكثر جاذبية وتعبيرا..؟

مجرد ذكر المرأة كمصطلح مجرد يعود بي الأمر إلى تفاحة آدم التي قضمها وأنجبت قابيل وهابيل بكل ما يحمله الاسمان من لغز وحكايا، ويذهب الخيال بعيدا إلى كل تفاصيل عشتار وجلجامش، وعصر الباليولتيك الحجري الأول، وعودة إلى رسوم الكهوف أيضا وتجسيد شكل المرأة وهي حتى في حالة الصيد والحب.. والى عظمة الرسام والنحات الفرعوني كذلك السومري بإظهار مكنونات المرأة السحرية باختلاف حكاياتها..وفي الطرف الآخر شخصية ميديا، وكليتمنسترا، وكارمن مرورا بالجوكندا، ونساء ماتيس، وعشيقات بيكاسو، ومأساة فريدا كاهلو، وجمالية لوحات موديلياني بتناوله للمرأة.. بالنسبة لي كل هذه التناقضات الثقيلة الخفيفة تسكن دماغي، بهذا التناقض المتفرد ارسم حوضها الجميل بخط منحني يبدأ من منتصف اللوحة وينتهي بالأعلى، هو نفسه الحوض الذي احتضنني بداخله تسعة أشهر وجعلني أتنفس لأكمل دورة الحياة..فيما بعد رسمت المرأة السورية المكلومة بكل حالاتها وهي من ضمن الوجوه التي حملتها معي هي وعباءتها المخضبة بالدم والتي أصبحت جزءا من تغريبتي المرسومة.

رسمت كثيرا من قصص الأساطير بشجونها المختلفة، كفنان هل تتنبأ بأسطورة جديدة سترسمها، أسطورة السوري الذي لم يستسلم، وأسطورة الفلسطيني الذي يقف في وجه الموت..ماذا في مخيلتك من أساطير حقيقية اليوم..؟

يبدو مصيرنا نحن والفلسطينيين أن نكون تاريخيا ضمن الشعوب الأسطورية، ونحن بالأساس شعوب لها تاريخ أسطوري ثقافي جمالي أدبي ومنذ القديم حاربت القهر ولديها رموز وأبطال يتكررون، فلسطين أنجبت أهم الشعراء والأدباء في العرب، كذلك سوريا؛ الإجرام بحقنا كان واحدا، رسمت عدة لوحات عندما كانت أدلب تقصف بالبراميل عنونتها "من غزة إلى أدلب ومن أدلب إلى غزة" والقادم سيظهر في حينه.

الغربة، كم حفرت في حياتك، وأثرت على عملك..؟

الغربة لم تكن خيارا إراديا، تعرضت وأسرتي للخطر، أما الاعتقال والمضايقة أو الهجرة، فكانت هي الخيار رغم خطورتها.

كما أننا شعوب ترتبط ذاكراتنا بالمكان بقوة، عندما غادرت مدينتي متجها للدراسة بدمشق حملت معي سماء الصحراء بكل صفائها وتجلياتها، وعنفوان الفرات وعذوبته، ورائحة أشجار الغرب عند المساء، وشجرة الصفصاف بخطها الأفقي الذي لا ينكسر، وحكايا جدة صديقي عندما كنا أطفالا عن "سعلويات" النهر في الأساطير القديمة، كانت تحذرنا من الذهاب إلى النهر عند مغيب الشمس خشية أن تخطفنا الجنية، جرني الفضول يوما أن أقول لصديقي أنا ذاهب إلى النهر أرغب بأن تخطفني الجنية كي أرى ماذا في عالمهم.. وفعلا وقتها غامرت وذهبت وانتظرت الجنية ولم تأت.. اذكر أيضا أنني حملت معي بضعة أعواد من "الزل" التي تنمو على ضفاف الفرات، احتفظ بها بزاوية غرفتي الرطبة التي كنت اسكنها بدمشق.. لكن عندما اضطررت الذهاب إلى المنفى.. حملت معي وجوه أصدقائي الذين فقدتهم بالمعتقلات أو من غادرنا إلى العالم الآخر، حملت معي صورة أخي أسعد بكدمات وجهه وأصابعه التي حطمها الدكتاتور، بسبب إصراره على الحرية..بالإضافة إلى رائحة البارود وصوت أزيز الرصاص..وطفلتي التي كانت تنازع الموت.

ما قصتك مع الموت..؟

يبدو أن لعبتي مع الموت كانت مبكرة بحياتي أحيانا نكون أصدقاء وأحيانا نكون أعداء.. حاول خطفي عندما كنت مراهقا بحادث سير مميت لكنه لم يتمكن مني.. بعدها أخذني بغيبوبة استطعت أن استفيق منها شاهدته وهو يخرج من غرفة الإنعاش مبتسما... في الأربعة عشر عاما الماضية حملني كل وجوه أحبتي الذين غادروني وهذا الهلاك.. بالإضافة انه استطاع قهري أيضا عندما خطف مني طفلتي الوحيدة التي انضمت إلى وجوهي التي أنجزتها.

المبدع الذي يجسد معاناة الناس وآلامهم، يعيش تفاصيلها بحلاوتها ومرارتها، أي لحظات يمكن أن يمر بها الفنان وهو يعبر عن تلك اللحظات، أم أنها عابرة كما يمر بها الممثل الذي يتلبس الدور ويخرج منه حالما ينتهى العمل..؟

الحالتان مختلفتان بين الممثل والرسام، الممثل قد يتقمص دورا لفترة يسكنه ثم ينتقل لدور آخر، بينما هناك مشاهد تسكن دماغ الرسام طويلا وينتج عنها عدة حالات ومشاريع، وحتى البحث عن أفكار وتقنيات جديدة تدور حول المشهد ذاته.

* قبل أن تمسك الفرشاة وتبدأ مزج الألوان، كيف تحاكي الفكرة قبل أن تجسدها على اللوحة البيضاء، رحلة المخاض والولادة وطقوس الرسم، كيف تصف لنا هذه اللحظات..؟

هناك علاقة حب بين المساحة البيضاء والرسام شرط لغة الحوار وتقبل الآخر، أحيانا المساحة تحاورني أثناء العمل وكأنها تهمس لي بأنها ليست بحاجة إلى لون ما، تكتفي بالأسود والأبيض وأحيانا العكس تماما.. إن فشل الحوار بين الرسام والمساحة البيضاء فشل العمل.

العالمية هاجس أي فنان، وقد استطعت أن تصل بريشتك إلى آفاق بعيدة، هل حققت ما تريد...؟

بالتشكيل لا يوجد بأنني ختمت المحتوى وحفظته، هناك دائما بحث متطور ومتجدد، المختبر الموجود عند الفنان يأخذه أحيانا إلى عوالم مختلفة من البحث والاكتشاف سواء بمجال الصورة واللون أو حتى التقنية أو الموضوع، مسألة العالمية بالنسبة للفنان تبدأ من المشهد المحلي بكل تفاصيله سواء بملامحه الجمالية أو الكارثية.

الفن التشكيلي السوري مر بمحطات مهمة، وهناك فنانون آثروا وبصموا عربيا وعالميا، وهناك من يرى أن جذوة الفن التشكيلي قد بدأت تخبو قليلا مع تلك الأجيال المؤثرة، كيف ترى المشهد السوري التشكيلي..؟

منذ بداية القرن العشرين استطاع الفن السوري أن يرسخ هوية وخصوصية ويكون أحد أعمدة التشكيل العربي المعاصر خاصة من فنانين أوفدوا للغرب للدراسة وعادوا بأفكار متجددة، وممن وضع اللبنة الأساسية لؤي كيالي وفاتح مدرس ومحمود حماد وآخرون. ثم تتالت التجارب على يد أجيال بعدهم استطاعوا تأكيد وتطوير هذه الهُوية ومواكبة الحداثة، وأصبح هناك تجارب خاصة بعيدة عن التصنيف التقليدي للمدارس الفنية، وساهم جيل الشباب بذلك، كما أن المأساة التي حصلت أخذت بعض الفنانين إلى ترجمة عوالم ما أنتجته الحرب وتقديم تجارب خاصة مختلفة عن تجاربهم ما قبل الثورة.

بقعة لون

"1"

لم أقرر أن أصبح رساما، اعتقد ولدت هكذا، نشأت بأسرة أغلب أفرادها يمارسون الرسم والكتابة، كانت لعبتي المفضلة وأنا طفل العبث بالألوان على الجدران والورق عكس بقية الأطفال الذين تستهويهم ألعاب السيارات والطائرات وما شابهه.

"2"

عشت طفولتي على ضفاف الفرات لم يخطر ببالي أبدا أن أرسم الضفة والشجرة، كما هي بشكلها التقليدي مثلا...الفرات هو حكاية وأسطورة لا نستطيع أن نختزله بشكل رسم سياحي ومباشر.

"3"

كل المحطات الفنية بالنسبة لي هي حصيلة ونتاج فكري سواء نجحت ببعضها أو أخفقت بما فيها ترجمتي للكارثة السورية.

"4"

لوحاتي التي فقدتها في الأردن تضاف إلى الكوارث التي مرت بحياتي لايزال الأمر شائكا ومعقدا بسبب الروتين وعدم الصدق بالتعامل للأسف.

"5"

المشروعات بالنسبة للفنان لا تتوقف والفنان لا يتقاعد.

"6"

في أوروبا، حيث أقيم استطعت أن ألفت أنتباه العالم إلى قضيتنا وفاجعتنا، عندما أقمت عدة معارض تتعلق بالحرب ومواضيع إنسانية مختلفة، كانت في باريس وغرناطة وزيوريخ ومدن أخرى، كانت الحفاوة والاهتمام واضحين على وجوه الزوار والإعلام.

مقالات مشابهة

  • زيزو: السفارة الأمريكية كانت غلطة.. والبيان صدر بالاتفاق مع مسؤول في الزمالك
  • زيارة السفارة الأمريكية أكبر أخطائي| «زيزو» يكشف أسرار انتقاله للأهلي
  • «الأونروا»: نموذج توزيع المساعدات «دعوة للموت»
  • الأونروا: نموذج توزيع المساعدات في غزة دعوة للموت
  • تعرف على موعد عرض فيلم Sentimental Value في السينمات الأمريكية
  • الإمارات.. نموذج متقدم في تطوير برنامج نووي سلمي
  • الفنان التشكيلي علي فرزات: الفن مرآة للهُوية الثقافية ويكتمل بمواكبة الحداثية والتجارب الخصوصية
  • الإمارات نموذج متقدم في تطوير برنامج نووي سلمي
  • احتفالا بعيد الأضحى.. مذيعو القاهرة الإخبارية يتناولون الفتة على الهواء
  • طبق فتة مصري أول ضيوف عيد الأضحى بالسفارة الأمريكية.. صور