عن حرب الكذبة والفجار (لعنة الكيزان)!!
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
ما يحدث من معارك دامية في الخرطوم، بعد تحول الجيش من الدفاع للهجوم، فتح الباب امام المعلومات المتضاربة من انصار كلا الجانبين. خاصة مع تحكم وسائل التواصل الاجتماعي في المشهد الاعلامي، وغياب مصادر محايدة وموثوقة، وصمت كلا الجانبين الرسميين عن الادلاء باي معلومات فيما يدور من معارك ضارية او سيطرة جديدة او خسائر مادية ناهيك عن البشرية، وكانهما يخجلان من حقيقة هذه الحرب القذرة.
والحال ان هذه الضبابية التي تحكم سير المعارك، وتضارُب المعلومات حول وجهتها، تندرج ضمن نهج شامل سابق علي الحرب، ويتصل بتغييب الحقائق ونشر الاكاذيب. اما ما جعل تغييب الحقائق في هذه الحرب يتعدي ما هو متعارف عليه في الحروب كجزء من استراتيجياتها وتكتيكاتها، ان كلاهما مجرد ادوات اجرامية. وعموما هنالك عدد من الاسباب جعلت هكذا نهجٍ ملتوٍ يتوهج في هذه الحرب حتي كاد يخسف بالابصار، ومنها:
اولا، ان الدافع الاساس لهذه الحرب هو السلطة العضوض وما تتيحه من فرص لاستباحة موارد البلاد، وقطع الطريق علي تطورها، عبر ضرب تماسكها الاجتماعي، وسحق وتشتيت طبقتها الوسطي وما تحمله من امكانات ادارية ومهنية وتنموية، وتشويه سمعة كياناتها السياسية كتمهيد لعسكرة السلطة.
ثانيا، قذارة الدوافع وتعارضها مع مصالح البلاد والعباد العليا، جعل من يدعمها من الخارج (الامارات) والداخل (الكيزان)، مجبرون علي التمويه ونشر الاكاذيب.
ثالثا، عدم الاكتراث لما يصيب المواطنون من هلاك والبنية التحية من دمار، بعد ان تحولا الي مجرد وسائل لاطماعٍ عمياء. وهو ما يحتاج لغطاءٍ كثيف من الاكاذيب والمغالطات لتبريرها! بل تعدي الامر للتضحية بالجنود البسطاء والضباط الصغار والحواضن الاجتماعية، الذين تنخفض قيمتهم بقدر تصاعد طموحات القادة، وشدة تمسكهم ودفاعهم عن مصالحهم الخاصة.
رابعا، وهو الاهم، صدور كلا الطرفين المتقاتلين من مرجعية واحدة، لا يصدف انها مأزومة ومتفسخة ومنحلة. والمقصود بالطبع المرجعية الاسلاموية الترابوية، التي تقدس السلطة والثروة ويستهويها التسلط والاستكبار، كمتلازمة لوهم التميُّز والسيادة. ومعلوم ان ذات المرجعية درجت علي اعتبار الاكاذيب وسيلة مشروعة لنيل كل المطالب غير المشروعة. وان رفع الشعارات العاطفية الفارغة ينوب عن طرح البرامج الموضوعية والاعمال الجادة والمثمرة علي الارض.
وذات الامر ينطبق علي معاملة السلطة كآلِه، تقدم لها كل القرابيين وتوظف لاجلها جل الموارد. مما يضفي علي اكاذيبها مسحة مقدسة، يؤثم كل من يشكك في ترهاتها او ينكر اباطيلها. اي كونها صادرة عن سلطة مقدسة فهي صادق حتما وان تبناها مسيلمة الكذاب! وذلك رغم ان السبب الاساس في تزويد السلطة بمخالب مسلحة وتسيجها بالارهاب وتبرير نهبها للاموال، ليس قداستها وانما غياب شرعيتها كواقعة فاقعة يصعب اخفاءها، ولو بضحكة مستهترة من ضحكات الترابي المعهودة، او بصناعة دولة ومؤسسات بالتزوير (قصر جمهوري وبرلمان وانتخابات وقضاء وجيش وجامعات وسفارات..الخ).
خامسا، مع انهيار مؤسسات الدولة والقيم والاعراف والنظم الضابطة لعملها، سادت الفوضي والسبهللية وتمرير المصالح الخاصة، كاسلوب عمل يتحكم في اداء تلك المؤسسات. وهذا الامر طال فيما طال اجهزة الاعلام والمؤسسة العسكرية، لنحصل علي اسماء من غير مسميات (مضمون). اي لها فضاءها الخاص الذي تشتغل فيه، ومظهرها العام الذي تتظاهر به امام العامة. وبصفة خاصة تلبية طلبات ما يطلبه الجمهور من دعاية وحماس و(نوم علي مخدات الطرب)! لتصبح دعاية وتطمينات وانجازات السلطة المستبدة، هي افيون الشعب وليس الدين كما نسب لماركس.
والمفارقة ان هذا الامر اكثر ما ينطبق علي الدكتاتور نفسه، وهو يلقي الكلام علي عواهنه ويهدد الخونة والعملاء ويشكو من الاستهداف الخارجي ..الخ من خطرفات. وبصفة عامة الحديث في كل شئ دون قول شئ نافع! وطالما رب الدولة للدف ضارب، فطبيعي ان تنسحب اكاذيبه علي مجمل اداء الدولة، لتتظاهر بعمل كل شئ دون ان تقوم بعمل صالح او تقدم ما ينفع الناس. وهذه المسافة ما بين الاقوال والوعود الكثيرة والانجازات القليلة، تشكل اخصب بيئة للاكاذيب والدعايات وبيع الاوهام في سوق المحرومين.
وعموما ليس هنالك ادل علي خواء الرتب والخبرة والعلم والمعرفة وكل ما يمت لدولة الكيزان بصلة، مما يسمي خبراء عسكريون! والذين احرجوا السودانيين في كل بقاع الارض، واثاروا سخرية المشاهدين في العالم العربي، من ضالحة تفكيرهم وعقم معرفتهم، واسلوبهم المتفرعن في الحديث، والعنجهية المعهودة تجاه المدنيين. والحال كذلك، لماذا لا يتصدر المشهد السلطوي الفاقد التربوي والمهني (حميدتي والبرهان)، ومن ثمَّ يتحكمون في مصير البلاد والعباد، وينحطون بهما الي اسفل سافلين، وبعد ذلك يطمعون في المزيد؟!
سادسا، مع كثرة الاكاذيب واستمراءها، تتحول الي نوع من الجرأة علي الانكار والمغالطات والتزييف، التي بمقدورها قلب الليل الي نهار وإخراج الشمس من مغربها! اي يتعدي الامر التعامل معها كحقائق لا ياتيها الباطل، الي اجبار الآخرين علي تصديقها، وإلا لهم الويل والثبور!
سابعا، ادت هذه الاكاذيب والمغالطات والتلاعب بالقيم، الي ابتذال كل ما هو حق وخير وجمال، بعد ان تطاول عليها هؤلاء الاقزام. لنشهد شفافية في الغموض والمرواغة، ووطنية هي الخيانة والعمالة عينها، واعمال خير تسغل للنهب والفساد..الخ من فعائل يستنكرها الشيطان. والاسوأ من ذلك تمارس في سياق آخر ولكنه موازٍ، جهود مضنية لتغبيش الوعي وامتهان الذاكرة الجمعية والتنصل من المسؤولية والافتئات علي الحقائق واتهام الآخرين بجرائم هم مرتكبوه! والحرب الدائرة الآن خير دليل وبرهان علي ذلك. فرغم ان الكيزان وقيادة الجيش هم من صنع مليشيا الجنجويد ورعاها وتستر علي جرائمها، يحاولون اليوم الصاق الجرم بالحرية والتغيير! وكذلك رغم ان الكيزان هم من يرفضون التفاوض والحلول السلمية، ويزايدون بالكرامة والوطنية، ويراهنون علي الحسم العسكري رغم انف ميزان القوي المختل، إلا انهم يصرون علي ان (تقدم) هي من يؤجج نيران الحرب بدعم المليشيا! بل وبعد ان سلم قادة الجيش بتواطؤ مع كامل المؤسسة، العاصمة برمزيتها السيادية ومركزيتها لكل البلاد، للمليشيا تسليم استسلام، ياتون وبعد عام ونصف من الحرب المدمرة لتحريرها كما يزعمون! وكذلك بعد انسحابهم المحير من ولاية الجزيرة وغيرها من الولايات والحاميات دون مسوغات واضحة، يتحدثون بكل بجاحة عن تخليص البلاد من دنس المليشيا ولو بعد مائة عام وفناء كامل الشعب! فمن يصدق كل هذه الاكاذيب والبلاهة ان لم يكن هو نفسه مغرر به وابله؟!
ثامنا، ونسبة للمكاسب المجانية التي تدرها الاكاذيب، في ظل سلطة كاذبة كسلطة الاسلامويين، تحوَّل الكذب الي نمط حياة طوال فترة حكم الانبياء الكذبة! لدرجة اصبح الحال هو كذب الكل للكل، الرئيس للجميع، ومن حول الرئيس للرئيس، ومن داخل الاسرة الي المجتمع ككل (سطوة المظاهر). ومن الانشطة المجتمعية لكل انشطة الدولة (سطوة الدعاية). بل يصح القول ان الدولة نفسها اصبحت اكبر مضخة لنشر لاكاذيب والاوهام والانجازات المضروبة. اما ان تصل الاكاذيب والتلاعب والاستهتار الي المساس بالامن القومي، لدرجة رعاية المليشيات ارضاء لاوهام واطماع القيادات، فهذه هي الحالقة التي الحقت البلاد ب(امات طه)!
تاسعا، بما ان مليشيا الجنجويد هم الثمرة السامة للكيزان، فهي تحتوي خلاصة اكاذيبهم ومغالطاتهم وشرورهم، وهذا ما ظهر جليا في شكل الخراب الذي الحقوه بالدولة والجرائم والنهب والانتهاكات التي اقترفوها في حق الابرياء من غير رحمة. بل بمجرد دخولها اي منطقة، تختفي مباشرة كل مظاهر الحياة المدنية، ويختفي مجرد وجود للحياة الطبيعية في ابسط مظاهرها، كتوفر الخدمات الاساسية وعلي راسها اكل العيش. ورغم ذلك يتحدثون بكل وقاحة عن الدولة المدنية والديمقراطية ودولة 56 والقضاء علي الفلول..الخ من الترهات والاكاذيب المفضوحة. والحال كذلك، الفارق بين الكيزان والجنجويد، ان الكيزان يجترحون الشعارات البراقة لخداع البسطاء كوسيلة للسيطرة عليهم ونهبهم برضاهم. اما الجنجويد كتجمع مرتزقة منبت الاصل والجذور اقلاه من جهة التقيد باعراف المجتمع، فانهم يسطون ككل الرباطة علي الشعارات والمقولات والاطروحات المطروحة في الساحة كيفما اتفق، للحصول علي هوية في المجتمع ودور في الدولة وموضع قدم في السياسة ومبرر للسيطرة علي السلطة من غير وجه حق.
المهم، واحدة من مآسي الحكم الديني كحكم الكيزان، هو حالة الانفصام والعيش في الاوهام التي تتلبس اصحابه، وتاليا العجز عن الفصل بين الواقع والممكن والمتاح، وبين التصورات والافكار المجردة، والصادرة غالبا عن الهذيان والعقد والشذوذ. والحال كذلك، تشكل الشطحات منطلق للقيادة، والرغبات مقود الافراد والدولة، والاستجابة لنداء الشهوة مقدم علي كل الفروض. لتتحول السلطة عمليا الي بلدوزر يسوي كل العقبات (نظم تشريعات مؤسسات لوائح قوانين اعراف مجتمعية) لجعل الارض مستوية، لافساح المجال لرفاه الاسلامويين وانصارهم، عبر تجيير موارد الدولة لصالحهم حصريا. اما عاقبة ذلك عمليا، فهو تحطيم الدولة وتدهور الخدمات وتردي حياة العامة.
وللاسف بعد ثلاثة عقود من الحكم الاعتباطي وحياة الدلال التي عاشها الاسلامويون، اصبح الفطام من هذه الحياة المترفة في حكم المستحيل. بل كل عقبة تقف امامهم يتوهمون القدرة علي التقلب عليها مهما كانت مستحيلة، وان قاد ذلك لاذاعة الاكاذيب والاحلام وتصديقها، وتقديم كل قطاعات الشعب وتماسك الدولة ككباش فداءٍ لها! وساعدهم علي ذلك عاملان، اولهما، استثمارهما في حماية نظامهما بكل السبل وبما فيها القذرة والغبية منها، مع توافر من هم علي استعداد لمشاركتهم حماية النظام نظير مكاسب مادية ومهنية واجتماعية. اما العامل الآخر فهو اكثر حساسية وجذرية، لصلته بالحديث باسم الإله، والذي عاجلا او آجلا يجعل من يتحدث باسمه ينتحل صفاته وقدراته. اي يطلق الاطلاق علي كل شئ، من السلطة المطلقة الي القدرة المطلقة وانتهاءً بالبقاء المطلق (الي الابد)، لذلك ليس مستغرب حديث نافع عن تسليمها للمسيح.
وعليه، يبدو ان الكيزان الذين تربوا في احضان تصورات مطلقة وشعارات مزيفة وقيم مهترئة واصرار علي المضي في هذا الطريق المهلك مهما كلف الامر. هو نفسه ما جعلهم يسيئون ادارة الدولة ويتآمرون علي الثورة، ويخوضون هذه الحرب بقدرات متدنية وتطلعات وطموحات بعيدة عن الواقع، غض النظر عن حجم الخسائر وما تعرضه من مخاطر علي سلامة الشعب وبقاء الدولة.
وما يحير ان الكيزان الذين يخوضون حرب عدمية من اجل السلطة، دامت لهم السلطة المطلقة لمدة ثلاثة عقود ويزيد، فماذا فعلوا بها غير اساءة استغلالها حتي يطالبوا بالمزيد؟! وكذلك توفرت لهم كل موارد الدولة، فماذا فعلوا بها سوي تجييش الجيوش ورعاية المليشيات واجهزة الامن والمخابرات، وحياة الترف والبهرجة، ولم يتركوا لبقية الشعب إلا الجوع والمسغبة. فلماذا بعد كل ذلك يطالبون بالمزيد؟!
ومعلوم ان الكيزان بدل الفرصة أُتيحت لهم العشرات من الفرص، لاجراء مراجعات عن تجربتهم والاعتذار عن الاخطاء وارجاع المنهوبات، ودفع ثمن ما اقترفوه من جرائم وانتهاكات في حق الشعب حتي تصح توبتهم نصوحا. ولكن المعضلة ان المراجعة او التوبة تمر بالتحلل من هذه المنظومة، اي لفظها بوصفها علة او مرض وليس وصفة علاجية.
لكل ذلك ليس هنالك من خطوة جادة لايقاف هذه المحرقة قبل ان تطال كل البلاد، غير تخلُص الكيزان من اوهامهم واطماعهم. وبما ان ذلك صعب صعوبة تخليهم عن مبررات وجودهم. فعليه، ليس هنالك من مخرج سوي فك الجيش الارتباط مع الكيزان، كخطوة اساسية لتخلي الجيش عن اوهامه واطماعه التي تعشش داخل هذه المؤسسة، ومن ثمَّ معاينة الواقع كما هو. اي اعادة تقييم لقدرة الجيش واداءه منذ اندلاع هذه الحرب، بل حتي ما قبلها، بل منذ تاسيسه. ومهما كانت نتيجة هذا التقييم فلابد من البحث الجاد عن كل الخيارات والفرص لايقاف هذه الحرب العدمية باي ثمن، اي بوصفها كارثة وخراب وخسائر يدفع ثمنها المواطنون والجنود والبلاد بصفة عامة.
اما اذا عجز الجيش عن القيام بهكذا واجب عاجل، لارتباطات متينة بالاسلامويين ومليشياتهم، فلا سبيل عندها من قبول الاسلامويين علي مضض، بل وتقديم حوافز تعينهم علي ايقاف هذه الحرب اللعينة التي تنذر بالقضاء علي كل شئ. اي اذا كان الامر مقايضة بين مشاركة الاسلامويين في السلطة وبقاء الدولة، او رفضهم وضياع الدولة، فمرحبا بمشاركتهم. ومن ثمَّ فرض الرقابة عليهم، مثل اي مدمن لا سبيل لضبطه الا باحكام الرقابة عليه.
وبطبيعة الحال، ما ينطبق علي الاسلامويين ينطبق علي المليشيا بصورة مضاعفة. اي كمجموعة عدمية، ضعيفة الانتماء للوطن وانسانه، ولذلك لا تستحي من عمالتها للخارج، كما انها لا تتقن شيئا سوي القتل والسلب والنهب والتخريب ونشر الفوضي. والحال كذلك، يظل مجرد وجودها تهديد لوجود الدولة باستمرار، وذلك للتناقض البنيوي والوظيفي بينهما. وهو ما يجعل مقاربة الوصول معها لاتفاق لايقاف الحرب في غاية الصعوبة، كما ان الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، اذا ما كنا محظوظين وحدث اتفاق، فهو كذلك سيعاني صعاب ليس لها حصر. وكل هذا يقول شيئا محددا، وهو اننا نعيش معضلة وجودية مغلقة كالضمنة، بقدر ما تستنزف طاقة الدولة وارواح مواطنيها. وهو ما يجعل بدوره مطلب التدخل الخارجي (منظمة الامم المتحدة ووكالاتها) ليس ترف، وانما قلة حيلة من اوضاع يسيطر عليها السلاح المنفلت والقادة الجهلاء والدمار الشامل واطماع تحاصرنا من كل اتجاه. اما المضحك والمبكي في آن، فهو خوف البعض من التدخلات الخارجية، اكثر من الخوف علي البلاد وهي في طريقها للهاوية، هارسة لضلوع الاطفال ومريقة لدماء الضحايا.
آخر الكلام
ما يحدث لحماس وحزب الله يُظهر وكأن هنالك توجه للخلاص من كل المليشيات والكيانات الاسلاموية. واذا صح ذلك، ما المانع ان جزء من اغراض حربنا الكارثية المدعومة اقليميا، الخلاص من الاسلامويين، وعندها الجيش والشعب يروحان في الرجلين. خاصة وان سوء الحظ والتعاسة بقدر ما هي ملازمة لهذا الكيان المسمي السودان بشعبه الشقي، بقدر ما حسن الحظ وكل الظروف (التآمر) تخدم الانقلابيين والملعون حميدتي ومليشياته الهمجية. ولسان حالها يردد مع حميد (آخ من حظك يا الجابرية، سابع جامع وبالجبرية!). او (يا ام قلبا حار ينبر فينا، ما عدا صباح من ها المينا، كد الكداح شايلة سفينة، والناس عوجات تحرس ترجا، ترجعبوا سلاح وانوار زينة). تبا لكم كيزان دعامة بن زايد وكل شيطان رجيم يدعم هذه المقتلة. ودمتم في رعاية الله.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ان الکیزان هذه الحرب بعد ان
إقرأ أيضاً:
«إنذار» لرابطة حقوق الإنسان التونسية؟
أحد أبرز مكتسبات المجتمع السياسي والمدني في تونس يبدو مهدّدا هذه الأيام. لا أحد يدري بعد المدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا التهديد، وما إذا كانت خطورته تكمن في أنه تهديد من داخلها أم من خارجها، أم من كليهما.
«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» التي حصلت على تأشيرتها القانونية في مثل هذا الشهر من عام 1977، وكان مؤسسوها الأوائل من التيار الديمقراطي والليبرالي للحزب الحاكم الذي تركوه، مع وجوه أخرى من تيارات سياسية مختلفة، قومية ويسارية ومستقلة، هي أول جمعية من نوعها تظهر بإفريقيا والبلاد العربية وتتمثل أهدافها في «الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية الفردية والعامة المنصوص عليها بالدستور التونسي وقوانين البلاد وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية».
ما استدعى الحديث عن وجود مثل هذا التهديد هو ما حصل في اجتماع أخير لإحدى هيئاتها القيادية حين اقتحمت مجموعة من العناصر النسائية المنتمية للرابطة وهن «في حالة من الهيجان وتوزيع التهم على الحاضرين من الشتائم والتخوين» وفق ما أعلنه رئيسها المحامي بسام الطريفي الذي ربط ما حصل بما قامت به الرابطة من «فضح الانتهاكات التي تقوم بها السلطة» حيث أن هؤلاء «لم يرق لهن خطاب الرابطة الواضح والدقيق في رفض هذه الانتهاكات والتشهير بها».
لا فائدة في الدخول في تفاصيل ما حدث، وخاصة هؤلاء الذين قاموا بما قاموا به، فمثل هذه الصراعات ليست جديدة وقد شهدتها الرابطة في منعطفات عدة زمن حكم الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين علي، اشتد فيها القمع والتعذيب والمحاكمات السياسية. المختلف هذه المرة أنها تجري في أجواء لم تعرفها بهذا الشكل زمن هذين الرئيسين إذ حدثت تلك الصراعات السابقة بين أنصار الحكم ومنتقديه، سواء داخل هيئات الرابطة نفسها أو خارجها، وفي البلاد «كوابح» قادرة على منع انزلاق الأمور إلى نقطة اللاعودة، وهو ما لم يعد موجودا اليوم.
البلاد تعاني تصحّرا سياسيا مخيفا وضمورا رهيبا في دور منظمات المجتمع المدني، كما أن السلطة لم تعد في وارد أن تستمع إلى أحد سوى لصدى صوتها يتردد كانت هناك وقتها مجموعة من الأحزاب السياسية القادرة على دعم الرابطة والوقوف معها في وجه ما تتعرّض له من حملات إعلامية وتضييقات أمنية، وكان «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) في معظم المراحل، قويا ومهابا وقادرا على المقاومة، وكانت هناك نخبة سياسية محترمة وازنة تتمثل في شخصيات تحظى بالإشعاع والاحترام قادرة ليس فقط على التضامن مع الرابطة وانتقاد محاصرتها وتشويهها، وإنما أيضا على لعب دور الساعي لتخفيف حدة الاحتقان واجتراح حلول لعديد الأزمات التي عرفتها العلاقة بين السلطة والرابطة.
لا شيء من هذا ظل على حاله. هذه المرة، يأتي ما يمكن اعتباره إنذارا من السلطة إلى الرابطة، ولو عبر طرف من داخلها، والبلاد تعاني تصحّرا سياسيا مخيفا وضمورا رهيبا في دور منظمات المجتمع المدني، كما أن السلطة لم تعد في وارد أن تستمع إلى أحد سوى لصدى صوتها يتردد. لقد انزعجت السلطة، على ما يبدو، مما أعلنته الرابطة و«المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» عن اعتزامهما تنظيم «المؤتمر الوطني للحقوق والحريات ومن أجل الدولة الديمقراطية» آخر هذا الشهر والذي «سيكون مفتوحا في اجتماعاته التحضيرية لكافة الفاعلين من أجل بلورة أرضية عمل مشتركة للمرحلة القادمة».
ويبدو أن ما أزعج السلطة أكثر من غيره أن هدف هذه المبادرة، كما أعلن الطرفان هو «تجميع قوى المعارضة والتفكير في إيجاد آليات عمل جماعية ومتضامنة ودائمة من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات والمطالبة بإطلاق سراح كافة المساجين والموقوفين وإلغاء القوانين والتشريعات القاتلة للحريات، ورفع التضييقات على الإعلام والصحافيين ونشاط الجمعيات والأحزاب السياسية المعارضة».
لم يخل عمل الرابطة في السنوات الماضية، كما لم تخل مواقف وتصريحات بعض قيادييها، من مواقف غير موفّقة خاصة في تقدير ما قام به الرئيس قيس سعيّد منذ انقلابه على الدستور في يوليو/ تموز 2025 ومجمل النظام السياسي بعد ذلك، بسبب تغليب البعد السياسي على الحقوقي والقانوني، وبسبب سيطرة عقلية المناكفة في العلاقة مع الخصوم السياسيين على حساب الاعتبارات ذات العلاقة بالدفاع السامي عن حقوق الإنسان، حتى وإن كان هذا الإنسان من ألد هؤلاء الخصوم السياسيين أو العقائديين.
ورغم مرور الرابطة بمراحل صعود ونزول طوال العقود الماضية، ورغم ما كان يُلام عليها من سيطرة ألوان سياسية معيّنة على هياكلها، واختلاف وزن من تداولوا على تحمل المسؤوليات القيادية فيها، فقد ظل التحديان الأبرز أمامها، كما كانا دائما، هما من جهة إدارة التجاذبات بين تيارات سياسية مختلفة داخلها، ومن جهة أخرى محاولة النأي بها عن الصراعات السياسية خارجها، مع ضرورة إعطاء الأولوية دائما لقيم حقوق الإنسان التي يفترض أن تنتصر للحرية والقانون والعدالة بغض النظر عن اللون السياسي لمن يتعرض إلى المظالم، اتفقنا معه أم اختلفنا، وهو ما نجحت فيه الرابطة أحيانا وفشلت فيه في أحيان أخرى.
(القدس العربي)