الخليج الجديد:
2025-12-14@14:18:50 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

ما هي، إذن أبرز سمات الرواية الليبراليّة عن الحرية في عهدها الجديد العولمي؟

هكذا كانت الدولة الوطنية تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

الحريةَ جوهر الدولة الحديثة تميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات العامة والحريات الفردية اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها.

آذَنَت النيوليبرالية بالخروج من زمن الدولة الوطنية، كمثال مرجعي لنظام السياسة، ودخول زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو زمن «السياديّة الكونية»!

أيديولوجيا النيوليبرالية نجحت في تضليل الوعي الجمْعي بدفاعها المستميت عن الحريات في حين تشيع قيم السوق الاستهلاكية التي تستعبد الناس وتُـزْري بحرياتهم!

باتتِ الحرية اليوم، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن، لكن دون تـمتع النـاس بها فعـلاً.

لم تعد الحريات الفردية قابلة للإدراك بوصفها إمكانًا اجتماعيًا يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

* * *

ينتمي اهتمام الفكر السياسي الحديث بالحريات إلى انشغاله بمسألة الدولة الوطنية وما ينبغي أن يكون عليه نظام السلطة فيها من مشروعية؛ إذ ليس خافياً أن مصدر شرعية أي نظام سياسي هو الثـقة به، الممنوحة له، من قِـبل المحكومين أو الرعايا أو المواطنين، والتي مَـأْتاها - هي الأخرى - من الشعـور بالفوائد الناجمة من وجود ذلك النظام وفي القلب منها ما يؤمنه من أمـن وحريـاتٍ وحقوق للمواطنين.

لذلك عَـدّ مفكّرو السياسة الكبار المحدثون - وهيغـل على نحوٍ خاص - الحريةَ جوهراً للدولة الحديثة يَسِمُها ويميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

ليس في الفكر السياسي الحديث، إذن، انْهـواسٌ مَرَضي بمسألة الحريـة/ الحريات، كما قد يميل إلى ذلك الظـن، وإنما اهتمام كبير يبرره ما لدى الدولة الوطنية من حاجة إلى إحلال الحرية المحل اللائق بها في نظامٍ يتحصّل بها شرعيته في وعي مواطنيه.

لذلك كان مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام: حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها، وكان من النادر، بالتالي، أن يقع التشديد على المجال الخاص حين الحديث في موضوع الحرية.

وهكذا كانت الدولة تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات - كما كان يقول سبينوزا - إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

ولأن تنميـة الدولة وموارد القـوة فيها لا تكون إلا من طريق مواطنين يشعرون بواجباتهم تجاه دولتهم التي يُخلِصون لها الولاء، ويعترفون لها بديْـنٍ جماعي وفردي يقابلونه بأداء الواجبات وتقديم التضحيات.

يختلف الأمر، اليوم، إلى حـد بعيد. باتتِ الحرية، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمع (أقصد في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن)، لكن مـن دون أن يتـمتع بها النـاس فعـلاً، بل في شروطٍ ارتفـعـت فيها مـعـدلات الرقـابة - السياسية والقانونية والإلكترونية - على الحريات إلى حدود توشِك أن تصادِرها أو، أقـلاًّ، أن تُـفـقرها من أي مضمون!

وما من شك في أن أيديولوجيا الليبرالية الجديدة أحرزت نجاحات ملحوظة في تضليل الوعي الجمْعي من طريق الإيحاء بدفاعها المستميت عن الحريات، في الوقت عينه الذي تنخرط فيه في إشاعة قيم السوق (القيم الاستهلاكية) وترويجها؛ القيم عينُها التي تستعبد الناس وتستـتبعهم وتُـزْري بحرياتهم!

ما عاد الحديث عن الحريات اليوم ينصرف، إذن، إلى نطاقها المألوف: الحريات العامـة، أي تلك التي تتصل، رأساً، بعلاقات المواطَنة وبالشأن العام (وهي لا تضع نفسها في مقابل الحريات الخاصة ولا تنفيها).

وإنما بات حديثاً حصرياً في الحريات الفردية، في المقام الأول؛ هذه التي لم تعد قابلة للإدراك بوصفها إمكاناً اجتماعياً يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

ولقد ازدهر هذا المعتـقد السياسي الرث، في الحقبة الحالية من سيادة الخطاب العولمي النيوليبرالي، إلى الحد الذي أصبح فيه الفرد هو من يقرر، بمقتضى حريته الفردية المحض، إن كان يجد مصلحة خاصة في التمتع بالحريات العامـة التي تكفلها القوانين أو لا يجدها!

هكذا دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات تينك اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

لا غرابة، إذن، في أن تقتحم مجال التداول السياسي مفردات من قبيل المجال الخاص، والفضاء الحميم، في كل مرة يقع فيها حديثٌ عن الحريات وحقوق الإنسان؛ بل لا غرابة في أن ينتقل موقع السيطرة المفهومية في المجال التّداوُلي من مفهوم المجال العام إلى مفهوم المجال الخاص.

إنه الانتقال الذي آذَنَ بالخروج من زمن الدولة الوطنية، بما هي المثال المرجعي لنظام السياسة، والدخول في زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو في زمن «السياديّة الكونية»؛ حيث الفرد عقيدة سياسية جديدة يُعْـتَاض بها عن المجتمع والدولة، بل حيث فرديّته وحريته وقْفان في تَحـققهما على تعطيل فعل الدولة والمجتمع على السواء وإبطال أي تدخـلٍ لهما في مجاله الخاص!

تلك هي، إذن، الرواية الليبراليّة - في عهدها الجديد العولمي - عن الحرية.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحريات العولمة الدولة الوطنية الدولة الوطنیة عن الحریات التی ت ما بعد

إقرأ أيضاً:

مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء

توجه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال جولته بمشروعات المبادرة الرئاسية " حياة كريمة" بالقرى المستهدفة بمحافظة القليوبية، لتفقد مكتبة مصر العامة بمدينة شبين القناطر.

 ولدى وصوله لمقر المكتبة، أكد رئيس مجلس الوزراء دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء، مؤكدًا أن مكتبات مصر العامة تلعب دورًا محوريًا في نشر الوعي وتنمية مهارات الشباب والأطفال، وهذه المشروعات تأتي تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بالعمل على بناء الإنسان المصري وتحقيق أهداف رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.

 وأكد المهندس/ أيمن عطية، محافظ القليوبية، أن مكتبة مصر العامة بمدينة شبين القناطر تعد إضافة مهمة للمنظومة الثقافية في القليوبية، مشيرًا إلى أن هذه المشروعات تسهم في بناء الوعي والمعرفة لدى الأجيال الجديدة، وهناك حرص على تكثيف الأنشطة والفعاليات في جميع فروع المكتبات بالمحافظة؛ لضمان استفادة أكبر عدد من المواطنين من هذه الخدمات.

 وأضاف المحافظ: تعتبر المكتبة الفرع الثاني بالمحافظة بعد مكتبة بنها، وجار العمل على إنشاء فرع ثالث في شبرا الخيمة، وهذا التوسع يعكس مدى اهتمام القليوبية بنشر الثقافة والمعرفة، مؤكدًا أن هذه المكتبات ستظل مصدرًا لإلهام الأجيال القادمة وتخريج المواهب والعظماء القادرين على بناء مستقبل الوطن، كما أكد أهمية القراءة في بناء الوعي والمعرفة للشباب والنشء بالمحافظة.
 

من جانبه، أوضح السفير/ رضا الطايفي، مدير صندوق مكتبات مصر العامة، أن منظومة مكتبات مصر العامة باتت تضم 34 مكتبة عامة منتشرة في 18 محافظة، إضافة إلى 24 مكتبة متنقلة، لافتا إلى أن مكتبة شبين القناطر هي الفرع 31 لمكتبات مصر العامة على مستوى الجمهورية، كما تعد الفرع الثاني لمكتبات المنظومة في محافظة القليوبية بعد مكتبة بنها، فضلا عن الفرع الثالث للمكتبة في شبرا الخيمة المنتظر افتتاحها في الربع الأول من العام القادم.

    فيما أوضحت / أماني ناجي، مدير المكتبة، أن المكتبة الجديدة تضم 3 طوابق بمساحة 210م2، وبها قاعة اطلاع الأطفال، وقاعة اطلاع الكبار، ومركز للحاسب الآلي، وقاعة الأنشطة، كما تضم مسرحاً للعروض الثقافية والفنية، وقاعات أطفال للتعليم والأنشطة الإبداعية (قراءة – رسم – مهارات متنوعة)، وقاعات أخرى حديثة للتدريب مجهزة للكبار وذوي الهمم، بالإضافة إلى مكتبة إلكترونية متطورة.

      وخلال تفقده قاعة اطلاع الأطفال الصغار بالطابق الأرضي، أجرى الدكتور مصطفى مدبولي حوارا وديا مع الأطفال، ونصحهم بضرورة الاهتمام بالقراءة في جميع المجالات، مؤكدًا أهمية معرفة تاريخ مصر وحضارتها ومختلف العلوم الأخرى، مؤكدا لهم أن القراءة لا غنى عنها لبناء مستقبل مشرق لهم ولبلدهم.
      
          ثم صعد رئيس الوزراء للطابق الأول وتفقد معمل الحاسب الآلي، وقاعة الأنشطة، وقاعة اطلاع الكبار، حيث أجرى حوارا مع عدد من الطلاب المترددين على المكتبة، والذين أوضحوا استفادتهم من مختلف الأنشطة التي تقدمها المكتبة لهم، بجانب القراءة والاطلاع على أحدث الموسوعات العلمية، كما استمع إلى ابتهالات دينية قدمتها إحدى الطالبات في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.

طباعة شارك مدبولي الوزراء القليوبية شبين القناطر

مقالات مشابهة

  • نائب القائد العام: نبارك إجراء الانتخابات البلدية ونؤكد دعمنا للاستحقاقات الوطنية التي تدعم مسار بناء الدولة
  • عبر الخريطة التفاعلية.. ما أهمية المنطقة التي وقع فيها كمين تدمر؟
  • نشأت الديهي منفعلًا: الشائعات واستهداف إنجازات الدولة خطر على المجتمع المصري
  • حراك احتجاجي مستمر في تونس ضد التضييق على الحريات
  • مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
  • جامعة أسيوط تهنئ الدكتورة ياسمين فؤاد لفوزها بجائزة نوبل للاستدامة 2025
  • مصر تعزز التحول الأخضر بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للعمران والبناء المستدام
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • زايد بن حمد: تعديل بعض أحكام قانون مكافحة المواد المخدرة خطوة محورية تعزّز المنظومة الوطنية في هذا المجال