الخليج الجديد:
2025-06-27@00:06:00 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

ما هي، إذن أبرز سمات الرواية الليبراليّة عن الحرية في عهدها الجديد العولمي؟

هكذا كانت الدولة الوطنية تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

الحريةَ جوهر الدولة الحديثة تميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات العامة والحريات الفردية اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها.

آذَنَت النيوليبرالية بالخروج من زمن الدولة الوطنية، كمثال مرجعي لنظام السياسة، ودخول زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو زمن «السياديّة الكونية»!

أيديولوجيا النيوليبرالية نجحت في تضليل الوعي الجمْعي بدفاعها المستميت عن الحريات في حين تشيع قيم السوق الاستهلاكية التي تستعبد الناس وتُـزْري بحرياتهم!

باتتِ الحرية اليوم، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن، لكن دون تـمتع النـاس بها فعـلاً.

لم تعد الحريات الفردية قابلة للإدراك بوصفها إمكانًا اجتماعيًا يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

* * *

ينتمي اهتمام الفكر السياسي الحديث بالحريات إلى انشغاله بمسألة الدولة الوطنية وما ينبغي أن يكون عليه نظام السلطة فيها من مشروعية؛ إذ ليس خافياً أن مصدر شرعية أي نظام سياسي هو الثـقة به، الممنوحة له، من قِـبل المحكومين أو الرعايا أو المواطنين، والتي مَـأْتاها - هي الأخرى - من الشعـور بالفوائد الناجمة من وجود ذلك النظام وفي القلب منها ما يؤمنه من أمـن وحريـاتٍ وحقوق للمواطنين.

لذلك عَـدّ مفكّرو السياسة الكبار المحدثون - وهيغـل على نحوٍ خاص - الحريةَ جوهراً للدولة الحديثة يَسِمُها ويميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

ليس في الفكر السياسي الحديث، إذن، انْهـواسٌ مَرَضي بمسألة الحريـة/ الحريات، كما قد يميل إلى ذلك الظـن، وإنما اهتمام كبير يبرره ما لدى الدولة الوطنية من حاجة إلى إحلال الحرية المحل اللائق بها في نظامٍ يتحصّل بها شرعيته في وعي مواطنيه.

لذلك كان مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام: حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها، وكان من النادر، بالتالي، أن يقع التشديد على المجال الخاص حين الحديث في موضوع الحرية.

وهكذا كانت الدولة تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات - كما كان يقول سبينوزا - إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

ولأن تنميـة الدولة وموارد القـوة فيها لا تكون إلا من طريق مواطنين يشعرون بواجباتهم تجاه دولتهم التي يُخلِصون لها الولاء، ويعترفون لها بديْـنٍ جماعي وفردي يقابلونه بأداء الواجبات وتقديم التضحيات.

يختلف الأمر، اليوم، إلى حـد بعيد. باتتِ الحرية، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمع (أقصد في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن)، لكن مـن دون أن يتـمتع بها النـاس فعـلاً، بل في شروطٍ ارتفـعـت فيها مـعـدلات الرقـابة - السياسية والقانونية والإلكترونية - على الحريات إلى حدود توشِك أن تصادِرها أو، أقـلاًّ، أن تُـفـقرها من أي مضمون!

وما من شك في أن أيديولوجيا الليبرالية الجديدة أحرزت نجاحات ملحوظة في تضليل الوعي الجمْعي من طريق الإيحاء بدفاعها المستميت عن الحريات، في الوقت عينه الذي تنخرط فيه في إشاعة قيم السوق (القيم الاستهلاكية) وترويجها؛ القيم عينُها التي تستعبد الناس وتستـتبعهم وتُـزْري بحرياتهم!

ما عاد الحديث عن الحريات اليوم ينصرف، إذن، إلى نطاقها المألوف: الحريات العامـة، أي تلك التي تتصل، رأساً، بعلاقات المواطَنة وبالشأن العام (وهي لا تضع نفسها في مقابل الحريات الخاصة ولا تنفيها).

وإنما بات حديثاً حصرياً في الحريات الفردية، في المقام الأول؛ هذه التي لم تعد قابلة للإدراك بوصفها إمكاناً اجتماعياً يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

ولقد ازدهر هذا المعتـقد السياسي الرث، في الحقبة الحالية من سيادة الخطاب العولمي النيوليبرالي، إلى الحد الذي أصبح فيه الفرد هو من يقرر، بمقتضى حريته الفردية المحض، إن كان يجد مصلحة خاصة في التمتع بالحريات العامـة التي تكفلها القوانين أو لا يجدها!

هكذا دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات تينك اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

لا غرابة، إذن، في أن تقتحم مجال التداول السياسي مفردات من قبيل المجال الخاص، والفضاء الحميم، في كل مرة يقع فيها حديثٌ عن الحريات وحقوق الإنسان؛ بل لا غرابة في أن ينتقل موقع السيطرة المفهومية في المجال التّداوُلي من مفهوم المجال العام إلى مفهوم المجال الخاص.

إنه الانتقال الذي آذَنَ بالخروج من زمن الدولة الوطنية، بما هي المثال المرجعي لنظام السياسة، والدخول في زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو في زمن «السياديّة الكونية»؛ حيث الفرد عقيدة سياسية جديدة يُعْـتَاض بها عن المجتمع والدولة، بل حيث فرديّته وحريته وقْفان في تَحـققهما على تعطيل فعل الدولة والمجتمع على السواء وإبطال أي تدخـلٍ لهما في مجاله الخاص!

تلك هي، إذن، الرواية الليبراليّة - في عهدها الجديد العولمي - عن الحرية.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحريات العولمة الدولة الوطنية الدولة الوطنیة عن الحریات التی ت ما بعد

إقرأ أيضاً:

شخبوط بن نهيان يكرّم خريجي مدارس الإمارات الوطنية

برعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، شهد الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة، احتفال «مدارس الإمارات الوطنية» بتخريج الدفعة الـ 18 من طلبة مدارسها في كلٍ من مجمعات مدينة أبوظبي ومدينة محمد بن زايد ومدينة العين في أبوظبي، البالغ عددهم 664 طالباً وطالبة.

حضر الاحتفال، أحمد محمد الحميري، الأمين العام لديوان الرئاسة، رئيس مجلس إدارة مدارس الإمارات الوطنية، وأحمد جمعة الزعابي، مستشار رئيس الدولة، ومحمد عبدالله الجنيبي، رئيس الهيئة الرئاسية للمراسم والسرد الاستراتيجي، والدكتور عبدالله مغربي، وكيل ديوان الرئاسة لقطاع الدراسات والبحوث، والدكتور محمد حمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني، ومحمد سالم الظاهري، نائب رئيس مجلس إدارة «اتحاد الإمارات للجوجيتسو».

فيلم قصير

تضمن الحفل عرض فيلم قصير سلّط الضوء على مسيرة المدارس وإنجازاتها كصرح تعليمي رائد محلياً وإقليمياً ودولياً.

وأعرب أحمد الحميري، عن بالغ شكره وامتنانه لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على اهتمامه المتواصل بتطوير المنظومة التعليمية في الدولة، كما ثمّن الرعاية الكريمة من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، مؤكداً أن هذا الدعم كان له الأثر الكبير في ترسيخ مكانة مدارس الإمارات الوطنية كنموذج وطني رائد، يُسهم في إعداد جيل واعٍ، يعتزّ بهويته الوطنية وقيمه الأصيلة، ومؤهّل بجدارة لمواكبة متطلّبات عصر المعرفة والتطور.

وأشار إلى أن المدارس تشهد نقلات نوعية بتأسيس مراكز التدريب التقني والمهني، وإطلاق برنامج المنح الدراسية للمتفوقين والموهوبين، وتعزيز الذكاء الاصطناعي في المنظومة التعليمية، وإقامة المخيمات الصيفية لدعم الطلبة المتميّزين سلوكيًا وأكاديميًا، إضافةً إلى توفير بيئة تعليمية متميّزة، مدعومة بكوادر أكاديمية وإدارية عالمية، وبنية تحتية متطورة، وشراكة فاعلة مع أولياء الأمور والمؤسسات المجتمعية.

الدفعة الأكبر

من جانبه، عبّر لاتشلان ماكينون، المدير العام للمدارس، عن ترحيبه بالحضور في حفل تخريج دفعة 2025، والتي تُعدّ الأكبر في تاريخ المدارس، حيث تضمّ 930 خريجاً وخريجة، وأكّد أن هذه المدارس التي تأسست برؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، واصلت تطورها وازدهارها تحت قيادة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، حتى أصبحت منارة للتميّز والابتكار في التعليم،. مضيفاً أن المدارس خرّجت حتى اليوم أكثر من 5000 طالب وطالبة.

ودعـــا ماكيـــنون الخــريجين للاقـــتداء بتوجيهات القيادة الرشيدة، مستشهدًا بمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بأن الثروة الحقيقية للوطن تكمن في الشباب الذي يتسلّح بالعلم والمعرفة.

فيما ألقت الطالبة فاطمة جاسم الزعابي كلمة نيابةً عن الخريجين، عبّرت فيها عن شكرها للقيادة الرشيدة على رعايتها مسيرة النهضة، مؤكدةً أن التخرّج يُمثّل بدايةً لمرحلة جديدة من التحصيل العلمي والمساهمة في خدمة الوطن.

وفي ختام الحفل، قام الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان بتكريم الخريجين، كما قدّم أحمد الحميري هدية تذكارية له تقديراً لتشريفه حفل التكريم.(وام)

مقالات مشابهة

  • شخبوط بن نهيان يكرّم خريجي مدارس الإمارات الوطنية
  • الجبهة الوطنية: 30 يونيو يوم استعادة الهوية الوطنية وتحية للرئيس السيسي
  • الكرملين: ينبغي تذكير الولايات المتحدة بأنها الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية
  • « التحولات الوطنية بعد ثورة 30 يونيو».. ندوة بمركز شباب قنا
  • من هي سلافة جويلى مدير الأكاديمية الوطنية للتدريب؟
  • «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة العلاقات الحكومية
  • حماة الوطن: ثورة 30 يونيو أعادت الهوية الوطنية وأنقذت الدولة من الانهيار
  • مدبولي: استئناف ضخ الغاز للمصانع التي توقفت تأثرا بنقص الإمدادات
  • لماذا النزوح العربي إلى الرواية التاريخية؟
  • المؤتمر: مجلس الشيوخ ركيزة للتشريعات ودراسة القضايا الوطنية