بقلم: هادي جلو مرعي ..

الفرص تختلف كثيرا عن الوظائف، قد تأتيك وظيفة، ولكنها لاتكون فرصة، وفي الحياة صور شتى، وأشكال للعيش والبحث عن ملاذات وأماكن ليس للعمل فقط، ولكن لوجود أكثر من عامل يساعد على الإستقرار الذهني والنفسي، ويسألني البعض ممن يعملون في قطاعات حكومية، ويتقاضون رواتب شهرية ،:لماذا لا أنتهز فرصة البقاء في بعض البلاد التي ازورها كأمريكا وبلدان في أوروبا؟ ربما لايكون جوابي مقنعا لهم، لكن يكفيني القناعة التي أكتنزها من زمن.

فهناك فرص ينتظرها كثر، ولكني أشعر إن فرصتي هنا، وهنا عشت ودرست وعملت وعانيت الحرب والحصار والفوضى وتقلبات السياسة والفساد والطائفية على مدى أربعين عاما. ويمكنني أن أسافر متى شئت، ومتيقن لو أني عشت في بلاد أخرى فلن تكون الفرص أكثر.
ينبهر البعض بطريقة جمع القمامة في أمريكا والغرب، ويعدون ذلك نوعا من التطور، بينما هو سلوك وظيفي منظم ومنتج، ويوفر فرصا إقتصادية جيدة. فجمع القمامة وفرزها مهم للغاية، ثم تحويلها الى المعامل التي تعيد تدويرها، وإنتاج حاجات جديدة نافعة، وبينما نقارن مع تجربتنا المحلية في جمع القمامة يمكن أن نعذر هولاء، فواحد منهم يقول: إن هناك أكثر من حاوية لديه. واحدة ليضع فيها بقايا الطعام، وثانية لمخلفات البلاستك، وربما ثالثة للأخشاب ومخلفات الحديقة، ولكل واحدة لون مختلف، وفي حال وضعت القمامة في غير الحاوية المخصصة لها يتم تغريم صاحب الدار.وعندنا يختلف الأمر فهناك حاوية واحدة، وربما لاحاوية مطلقا، ويستعيض عنها البعض بأكياس سوداء توضع عند عتبات البيوت، أو ترمى في محلات إعتاد الناس أن يرموا القمامة فيها، وغالبا ماتكون عند مفترقات طرق، أو على جانب منها، ويكون منظرها مقرفا وتلفت الإنتباه، وتنفث روائح كريهة، ولاندري على من نلقي باللائمة، فالمواطن شريك في الأمر كما إن دوائر البلدية تعاني، أو تتماهل، أو لاتعمل كما ينبغي، وقد تتحول النفايات الى أزمة سياسية كما في الحال اللبناني.
على صفيح ساخن مسلسل سوري يحكي قصة معاناة تتكرر في المجتمع، ويعالج قضية النفايات والنباشين الذين يعيشون في مجتمع مغلق، وقد يستغلهم البعض بطريقة سيئة للإتجار بالمخدرات والسرقة، فهولاء يعملون منذ الفجر في نبش النفايات ويلفون في الشوارع لينبشوا في حاويات القمامة ليعثروا على أشياء ثمينة، ويقوموا كذلك بفرزها ليرسلوها الى المعامل لتدويرها والإستفادة منها، وعندنا في العراق هناك ردم للنفايات، ونعتمد غالبا نظام الحاوية الواحدة، وليس الحاويات المتعددة، ويعيش الآلاف حول أماكن ردم النفايات لينبشوا فيها، وربما يحصلون على لقى ثمينة، أو فرزها وتحويلها الى تلك المعامل. ولذلك نحن ننبش، وهم لاينبشون، وربما يحتاجون الى النبش في حالات خاصة حيث تطورت تكنلوجيا تحويل النفايات الى مصدر للطاقة.

هادي جلومرعي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

العالم العربى من الاستعمار للاستقلال

بعض الأسئلة مخيفة، ومعظم الإجابات محبطة. وصار يوجعنى السؤال الأشهر الذى يطرحه بعض الساسة والمفكرين للمقارنة بين أحوال الدول العربية خلال زمن الاستعمار، وأحوالها الآن.

يحبط المواطن العربى كلما رأى صوراً قديمة لشوارع بلاده النظيفة، تبتسم الوجوه، تبزغ الأناقة على البشر، تفوح الطاقات الإيجابية، ويحس الجمال.

يحبط العربى كلما قرأ عن بدايات الحداثة للمؤسسات والقوانين المنظمة لحياة البشر، يحزن كلما استمع لشهادات مسنين يروون ذكرياتهم خلال زمن الاستعمار فى بلادنا.

منذ منتصف القرن العشرين، اندلعت ثورات، وبذلت تضحيات، وقاوم البشر بكل ما يمتلكون، واستشهد أبطال طلباً للاستقلال.

بنى الوطنيون العرب آمالاً عظيمة لبلدان حرة، يتمتع أهلوها بالعزة والكرامة، ينعمون بالأمن، وينهلون من خيرات بلادهم التى كانت نهباً للمستعمرين. وتنبأ البعض بفورات اقتصادية عظيمة تتيح للبشر قدراً عظيماً من الرضا والسعادة، وآمن البعض الآخر بحكومات قوية منصفة، تقبل بتعدد الآراء، وتسمح بالنقد سعياً لتحسين الأداء.

كانت الأحلام سامية، فرسم الناس أوطاناً من جنان، يبتسم الجميع، يسودها الاحترام، تتسيد فيها العدالة، وتسبق بلاد الاستعمار الظالمة، لكن القادم جاء محبطاً.

استقلت البلدان العربية، بلداً بعد آخر، وحملت جيوش الاستعمار أعلامها وعتادها ورحلت دون أوبة، فاستحوذ الثوار على السلطة. وبدا واضحاً أن رؤوس قادة الثورات لا تحمل سوى الغضب والحماس، لا فكر عميقًا، ولا حس سياسياً، ولا ثقافة واسعة، ولا تعليم متميزًا لذا انصبت الخطط المطروحة على هدم الماضى، دون تشييد المستقبل.

وهكذا قمعت حكومات الاستقلال الآخرين، حتى صفى البعض حساباته مع زملائه الثوار، طمست معالم التاريخ، فانقلب أبطال إلى خونة، وتحول رفاق سلاح إلى مجرمين، ولفقت اتهامات حتى صار واضحاً أن الهدف الأسمى والأولى هو تأمين السلطة الآنية. وفتحت السجون والمعتقلات، عاد الجلادون أشد قسوة، امتهنت الكرامة، ونحيت الأخلاق جانباً، ورأى الناس مشاهد أبشع مما رأوه زمن الاستعمار، وعايشوا وقائع أشد ألماً وقسوة.

يقول لى صديق عراقى ملم بالتاريخ إن الإنسان العراقى عانى فى ظل الحكومات المستقلة فى بلاده أضعاف ما عاناه خلال الاستعمار البريطانى. فقد اكتشف المحتلون النفط، وأسسوا له البنى التحتية، وبنو الجسور والسدود، ووضعوا التشريعات الأولى، بذروا البذرات الأولى للحداثة. لكن صانعى الاستقلال كانت لهم اهتمامات أخرى. فقد عاش عبدالكريم قاسم دموياً قامعاً وانتهى مسحولاً ممزقاً، وجاء صدام حسين ليرسم صورة استثنائية لديكتاتور شديد القسوة والسادية، ليصل الأمر ببعض العراقيين إلى أن يستقبلوا الغزاة الأمريكيين عام 2003 بالورد.

خاض الشعب الجزائرى كفاحاً أسطورياً طال أكثر من مائة عام، قدم خلاله مليوناً ونصف المليون شهيد، تمترس الثوار فى مكافحة الاحتلال الفرنسى الذى لم يسلم بلداً تفيض بالخيرات إلا بعد أن أيقن باستحالة البقاء. وبعد أن تحقق استقلال الجزائر قاتل الثوار الثوار، وتصارعوا، وتصارعوا، فتيبست التنمية عقوداً طويلة حتى ضج الناس وتحسر بعضهم على طرق أنشأها الاحتلال ولم يُنشأ مثلها بعده.

وفى عام 1952 هلل البعض لحركة 23 يوليو فى مصر، اعتبروها ميلاداً جديداً. وكتب مصطفى أمين، وجلال الحمامصى، وكامل الشناوى، عن البطل العظيم جمال عبدالناصر، وعن مصر المستقبل التى ستصعد إلى الفضاء، ويسودها الرخاء. وصدق البعض ونافق البعض الآخر، لكن فى النهاية انساق الجميع خلف القائد الطاووس الحالم بالزعامة العربية، لينفجر بالون الأكاذيب فى وجوه الجميع خلال الهزيمة الإنسانية لا العسكرية فقط فى يونيو 1967، والتى لا تزال آثارها مستمرة.

بقى السؤال محيراً: كيف كنا فى أزمنة الاستعمار؟ وإلى ما صرنا بعد الاستقلال؟ ولم؟ وكيف؟ وإلى متى؟

الله أعلم

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • صحة الإسكندرية تناقش معامل مبتكرة توحد العلم والتقنية والجودة ''للارتقاء بمنظومة الصحة"
  • العالم العربى من الاستعمار للاستقلال
  • لماذا أسقطت سويسرا ضريبة الميراث عن الأثرياء؟
  • رغم القبض على "الأكيلانس".. مطالب عاجلة بسحب عينة من المنتجات الغذائية المشكيين بها
  • انفجار قوي في مصنع لمعالجة النفايات يهز مدينة سيدني
  • لا مزايدة على أحوال الناس
  • محافظ الجيزة: تكثيف الجهود لمواجهة ظاهرة نباشي القمامة
  • رفع 465 طن مخلفات بلدية وقمامة بالدقهلية
  • من المعامل إلى الحقول.. الزراعة تكشف جهود البحوث الزراعية خلال أسبوع
  • «تجميع» و«إيكوتوين» تُطلقان مشروعاً تجريبياً يُعيد تعريف مراقبة النفايات بأبوظبي