نسرين حجاج تكتب: الطفرة الرقمية .. بين تنوع المحتوى وتحديات الحفاظ على الجودة الثقافية
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
في الماضي، كانت مشاهدة التلفاز تقتصر على ثلاث قنوات فقط، حيث كانت كل قناة تقدم مزيجًا من الثقافة العامة والترفيه والموسيقى والفنون.
كان عشاق كرة القدم ينتظرون بفارغ الصبر عرض المباريات، بينما كان محبو الأفلام ينتظرون انتهاء النشرة الإخبارية لمشاهدة فيلم السهرة، الأطفال كانوا يستمتعون بساعة من الرسوم المتحركة قبل أن ينصرفوا للعب أو الجلوس مع العائلة، النساء كن ينتظرن برنامج "عالم المرأة" كل جمعة لتعلم مهارات جديدة في المطبخ أو الحياكة، أما من يبحث عن جرعة إيمانية، فكان ينتظر برنامجه المفضل.
لكن مع الطفرة الرقمية، تغيرت الأمور بشكل جذري انقسمت الجماهير وتوزعت على قنوات متخصصة تلبي اهتماماتهم المتنوعة أصبحت هناك قنوات مخصصة للرياضة، الكوميديا، الأطفال، الطبخ، الأخبار، والاقتصاد.
هذا التنوع أدى إلى تشتت الجماهير، مما أثر على نسب المشاهدة وإنتاج المسلسلات. أصبح لكل فئة جمهورها الخاص، مما جعل المنافسة أكثر شراسة بين القنوات لجذب انتباه المشاهدين.
هذا التشتت في الجماهير أدى إلى تغييرات كبيرة في صناعة الإعلام. أصبحت القنوات تسعى جاهدة لتقديم محتوى مخصص لجذب جمهور محدد، مما زاد من التنافسية في السوق الإعلامي كما أن هذا التنوع أتاح للمشاهدين حرية أكبر في اختيار ما يناسب اهتماماتهم، ولكنه في الوقت نفسه جعل من الصعب على القنوات تحقيق نسب مشاهدة عالية كما كان الحال في الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، أثر هذا التغير على إنتاج المسلسلات والبرامج، حيث أصبح من الضروري تقديم محتوى مبتكر وجذاب للحفاظ على ولاء المشاهدين. ومع ظهور منصات البث الرقمي، زادت الخيارات المتاحة للمشاهدين، مما أضاف تحديات جديدة للقنوات التقليدية. في النهاية، يمكن القول إن الطفرة الرقمية قد أعادت تشكيل المشهد الإعلامي بشكل جذري، مما يتطلب من القنوات التكيف مع هذه التغيرات لتظل قادرة على المنافسة.
المشكلة الرئيسية التي نتجت عن هذا التشتت هي انخفاض نسب المشاهدة للقنوات التقليدية، مما أثر على عائداتها الإعلانية وقدرتها على إنتاج محتوى جديد. كما أن التنافس الشديد بين القنوات أدى إلى زيادة الضغوط لتقديم محتوى فريد ومبتكر، وهو ما قد يكون مكلفًا ويستغرق وقتًا.
لحل هذه المشكلة، يمكن للقنوات التقليدية تبني استراتيجيات جديدة تتماشى مع التغيرات الرقمية. أولاً، يمكنها الاستثمار في منصات البث الرقمي لتوسيع نطاق وصولها إلى الجماهير المتنوعة. ثانيًا، يمكنها التركيز على إنتاج محتوى عالي الجودة يلبي اهتمامات جمهورها المستهدف، مع الاستفادة من البيانات والتحليلات لفهم تفضيلات المشاهدين بشكل أفضل. وأخيرًا، يمكن للقنوات التعاون مع منصات البث الرقمي والشركات الإعلامية الأخرى لتقديم محتوى مشترك يجذب جمهورًا أوسع.
من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للقنوات التقليدية التكيف مع التغيرات في المشهد الإعلامي والحفاظ على مكانتها في السوق.
إضافة إلى التحديات التي تواجهها القنوات التقليدية، هناك خطر آخر يتمثل في لجوء بعض القنوات إلى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتمتعون بنسب مشاهدة عالية لتقديم برامجهم. هذه الاستراتيجية تهدف إلى جذب جماهير هؤلاء المشاهير بسهولة، لكنها قد تؤدي إلى تراجع جودة المحتوى. التركيز على المحتوى السهل والسطحي يمكن أن يضيع الإبداع والابتكار، مما يؤثر سلبًا على سمعة القناة على المدى الطويل.
لحل هذه المشكلة، يجب على القنوات أن توازن بين الاستفادة من شعبية مشاهير السوشيال ميديا وتقديم محتوى ذي قيمة. يمكن تحقيق ذلك من خلال دمج هؤلاء المشاهير في برامج تتضمن محتوى تعليمي أو ترفيهي مبتكر، مع الحفاظ على معايير الجودة والإبداع. كما يمكن للقنوات تشجيع المواهب الجديدة وتقديم فرص للإبداع والابتكار، مما يساهم في تقديم محتوى متميز يجذب جمهورًا واسعًا ويحافظ على ولاء المشاهدين.
تزايد الاعتماد على المحتوى السطحي والترفيهي فقط يشكل خطرًا حقيقيًا على الأجيال الحديثة، حيث إنهم بحاجة إلى جرعات ثقافية وتعليمية تساهم في تنمية وعيهم وفكرهم. التركيز المفرط على الترفيه والكوميديا يمكن أن يؤدي إلى تراجع في مستوى الثقافة العامة والمعرفة لدى الشباب.
هذا الخطر يتجلى بوضوح في المهازل التي نشاهدها يوميًا على منصات مثل تيك توك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث ينتشر المحتوى الذي يفتقر إلى القيمة التعليمية أو الثقافية.
لمواجهة هذا التحدي، يجب على القنوات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي العمل على تعزيز المحتوى الثقافي والتعليمي. يمكن تحقيق ذلك من خلال دعم المبادرات التي تشجع على إنتاج محتوى هادف ومفيد، وتقديم برامج تعليمية وثقافية تجذب الشباب وتلبي احتياجاتهم الفكرية.
كما يمكن تعزيز الوعي بأهمية التوازن بين الترفيه والتعليم، لضمان تنشئة جيل واعٍ ومثقف
وسأختم مقالي بهذه الجملة الذي قالها مالكولم إكس :"التعليم هو جواز سفر الإنسان إلى المستقبل، فالغد للأشخاص الذين يستعدون له من اليوم”.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: على إنتاج
إقرأ أيضاً:
أحمد بن محمد: إعداد جيل إعلامي يوصل رسالة دبي التنموية
دبي: «الخليج»
شهد سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي رئيس مجلس دبي للإعلام، امس، تخريج الدفعة الأولى من منتسبي برنامج «صنّاع المحتوى الاقتصادي»، أحد المسارات المتخصصة في إطار مبادرة «صنّاع محتوى دبي» التي أطلقها نادي دبي للصحافة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، ونخبة من الخبراء والمؤسسات الإعلامية الرائدة صاحبة الخبرة في مجال الإعلام الاقتصادي وإنتاج المحتوى، بهدف تأهيل جيل جديد من الكفاءات الإعلامية القادرة على إنتاج محتوى اقتصادي احترافي، يعزز الوعي العام بالقضايا المالية والاقتصادية بلغة مبسطة وموثوقة.
كما شهد سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم تخريج الدورة الثانية من برنامج «DXB500» والهادف لتدريب 500 من موظفي الاتصال الإعلامي في الجهات الحكومية وشبه الحكومية في دبي، والذي أطلقه سموّه وينفذه المكتب الإعلامي لحكومة دبي بالتعاون مع عدد من الجهات والمؤسسات الإعلامية العالمية.
جاء ذلك على هامش فعاليات اليوم الثاني لقمة الإعلام العربي 2025، حيث أكد سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي رئيس مجلس دبي للإعلام، أن إعداد جيل جديد من الإعلاميين القادرين على توصيل رسالة دبي التنموية وتعزيز التواصل الإعلامي الفاعل بين الجهات الحكومية وشبه الحكومية في دبي، يمثل محطة مهمة نحو بناء منظومة إعلامية معرفية متقدمة، تواكب طموحاتنا التنموية وتُعزز حضور المحتوى العربي في الساحة العالمية.
وأضاف سموّه أن دبي تؤمن أن الإعلام شريك رئيسي في مسيرة التنمية، وأن الاستثمار في الكفاءات الإعلامية هو استثمار في المستقبل الذي تدعمه استراتيجية إعلامية واضحة، وبرامج نوعية متخصصة تقدم تدريباً عملياً للمبدعين والمهنيين ضمن مختلف المجالات الإعلامية.
ودعا سموّه الخريجين إلى مواصلة التعلُّم المستمر وصقل مهاراتهم الإبداعية والتخصصية.
وبلغ عدد خريجي برنامج صنّاع المحتوى الاقتصادي 31 منتسباً، ممن اجتازوا برنامجاً تدريبياً مكثفاً امتد لثلاثة أسابيع، شمل ورشاً تدريبية متقدمة ومحاضرات تطبيقية.
جيل جديدوقال عبد الله بن طوق المرّي، وزير الاقتصاد: «يتوّج تخريج الدفعة الأولى من منتسبي برنامج«صُنّاع المحتوى الاقتصادي» التعاون المثمر بين وزارة الاقتصاد ومجلس دبي للإعلام، كما يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز صناعة المحتوى الاقتصادي في دولة الإمارات، وتهيئة بيئة إعلامية داعمة للابتكار وقادرة على مواكبة التطورات الاقتصادية المتسارعة محلياً وإقليمياً وعالمياً».
وأضاف: «يمثل خريجو البرنامج نواةً لجيل جديد من صُنّاع المحتوى القادرين على ربط السياسات الاقتصادية بالجمهور عبر محتوى احترافي مبسّط، ونتطلع إلى أن يكونوا شركاء في إيصال السياسات الاقتصادية والاستراتيجيات التنموية إلى المجتمع، بلغة موثوقة وسلسة، تعزز من المشاركة المجتمعية في دعم التوجهات الوطنية، حيث تعتبر وزارة الاقتصاد الإعلام بكافة روافده ومنصاته شريكاً رئيسياً في مسيرة التنمية الاقتصادية للدولة، وذلك بما يضطلع به من دور مهم في نقل صورة دقيقة وشاملة عن الاقتصاد الوطني، وإبراز مقومات الدولة الاقتصادية وجهود التنمية المستدامة».
رؤية استراتيجيةقالت منى غانم المرّي، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام رئيسة نادي دبي للصحافة: «يمثل برنامج صُنّاع المحتوى الاقتصادي أحد أبرز مخرجات الرؤية الاستراتيجية لنادي دبي للصحافة في تطوير محتوى عربي متخصص ومؤثر، وذلك في إطار توجهات القيادة الرشيدة، لتعزيز الاستثمار في الإنسان وتمكين الطاقات الإعلامية الشابة من الأدوات اللازمة لإنتاج محتوى فاعل، يخدم مختلف النواحي الحياتية التي تهم المجتمع، والقطاعات الحيوية للدولة، بما فيها التوعية الاقتصادية بأسلوب مبسط ينقل المعلومة المهمة إلى شرائح واسعة من الجمهور».
وأضافت: «سعداء بتخريج الدفعة الأولى من برنامج«صُنّاع المحتوى الاقتصادي»، ضمن رؤية استراتيجية أوسع لتطوير المحتوى العربي من خلال مبادرة«صنّاع محتوى دبي»، التي أطلقها نادي دبي للصحافة لتعزيز الكفاءات وتطوير مهارات صناع المحتوى وتزويدهم بالأدوات والمعرفة التي تؤهّلهم للالتحاق بسوق العمل، متسلّحين بقدرات مهنية واحترافية عالية، إلى جانب ترسيخ دور هذه النخبة في تطوير البنية التحتية الإعلامية من خلال اكتسابهم خبرات إعلامية مرموقة ورفع مستوى تنافسيتهم عالمياً».
تمكين الشبابأكدت محفوظة عبدالله، مديرة برنامج صنّاع محتوى دبي، أن البرنامج صُمم لتلبية الحاجة المتزايدة في الإعلام العربي لمحتوى اقتصادي متخصص. وقالت: «جمعت أجندة البرنامج بين المعرفة الاقتصادية العميقة والمهارات الإعلامية والتقنية الحديثة، لتمكين الشباب من إنتاج محتوى موثوق، يعكس واقع الاقتصاد ويقرّب مفاهيمه من المتلقي».
الخريجون: مشاريع نوعية
أعرب الخريجون عن تقديرهم للجهود المستمرة من قِبَل نادي دبي للصحافة، سعياً لإحداث أثر إيجابي واضح في المشهد الإعلامي العربي، بما يتبناه النادي من مشاريع نوعية وما يقوم به من خطوات هدفها تقديم قيمة مضافة حقيقية للإعلاميين تساعدهم على الوصول إلى درجات جديدة من التميز في مجالات تخصصهم، من خلال تنوّع ما يقدمه من برامج ودورات تدريبية وندوات نقاشية على مدار العام، والتي تتوج سنوياً بحدث هو الأكبر على مستوى المنطقة العربية وهو «قمة الإعلام العربي»، والتي تعد المحفل الأبرز لمناقشة أهم القضايا الإعلامية وتحديد العوامل المؤثرة في مستقبل الإعلام.