ستبقى حرب أكتوبر، واحدة من أهم النقاط المُضيئة فى تاريخ هذا الوطن، وستظل مصدر فخر لأجيال متعاقبة، أدركت أن قدرتها العظمى تظهر عند وحدتها وتماسكها وتمسكها بهدف وطنى كبير نحمى فيه البلاد ونواجه فيه الأعداء.
مصر قبل الساعة الثانية ظهراً من يوم السادس من أكتوبر، كانت الدولة المُنهزمة عسكرياً، المُحتلة من عدوٍ غاشم، سلب منها قطعةً مهمة من أراضيها، وقد تسببت المواجهات العسكرية المتكررة مع هذا العدو فى انهيارٍ اقتصادى عنيف، كان من الطبيعى أن يكسر همة وقدرة المصريين، ولكنهم على عكس المتوقع كانوا متراصين منتظرين إعلان قرار القيادة بالعبور إلى يوم الخلاص، وكان رجال الجيش منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
الداخل الإسرائيلى كما وصفته «بى بى سي» البريطانية فى تقرير بثته منذ ثلاثة أيام عن الحرب.. كان مندهشاً من عبور المصريين:
«بدأ الإسرائيليون تجميع جهدهم الحربى لصد الهجومين المصرى والسوري، حيث عادت الإذاعة الإسرائيلية التى كانت متوقفة بمناسبة يوم كيبور للعمل، وبثت نشرات خاصة تحوى رموزاً لاستدعاء جنود الاحتياط وتوجيههم إلى وحدات عسكرية معينة».
«فى ذلك الوقت كان إيهود باراك، الرجل الذى أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء إسرائيل، قد تخرج للتو من جامعة ستانفورد فى الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه كان قد أدى خدمته العسكرية فى القوات الخاصة الإسرائيلية، لذلك جمع أغراضه وعاد إلى تل أبيب فورَ سماعه الأخبار.
وأوّل وصوله إسرائيل، توجه باراك مباشرة إلى مركز قيادة القوات الإسرائيلية المعروف باسم الحفرة.
يقول باراك: كانت الوجوه شاحبة كأنما يعلوها الغبار، فقد كانت تلك اللحظة هى الأشد قسوة خلال الحرب. فى ذلك اليوم ضاع أثر حرب 67 النفسى وضاع شعور أن الجيش الإسرائيلى لا يُهزم».
الهيئة العامة للإستعلامات رصدت مانشرته الصحف الغربية تعليقاً على اندلاع الحرب منها على سبيل المثال لا الحصر ماسوف يُشعرك بالفخر:
> احتفاظ المصريين بالضفة الشرقية للقناة يعد نصراً ضخماً لا مثيل له تحطمت معه أوهام الإسرائيليين بأن العرب لا يصلحون للحرب.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية 7/10/1973
> المصريون حققوا نصراً نفسياً على إسرائيل.. استعادة مصر السيطرة على قناة السويس .. انتصار لمصر لا مثيل له.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية 8أكتوبر1973
> إن كل يوم يمر يحطم الأساطير التى بنيت منذ انتصار إسرائيل عام 1967 و كانت هناك أسطورة أولًا تقول إن العرب ليسوا محاربين وأن الاسرائيلى سوبرمان، لكن الحرب أثبتت عكس ذلك.
مجلة نيوزويك الامريكية
14 اكتوبر 1973
> إن القوات المصرية والسورية قد أمسكت بالقيادة الإسرائيلية وهى عارية، الأمر الذى لم تستطع إزاءه القيادة الإسرائيلية تعبئة قوات كافية من الاحتياط لمواجهة الموقف إلا بعد ثلاثة أيام. لقد كان الرأى العام الإسرائيلى قائمًا على الاعتقاد بأن أجهزة مخابراته هى الأكفأ، وأن جيشه هو الأقوى والآن يريد الرأى العام فى إسرائيل أن يعرف ما الذى حدث بالضبط ولماذا. والسؤال الذى يتردد على كل لسان فى تل أبيب الآن هو لماذا لم تعرف القيادة الإسرائيلية بخطط مصر وسوريا مسبقًا.
مراسل وكالة يونايتد برس- تل أبيب
10 اكتوبر 1973
> لقد واجه الإسرائيليون خصمًا يتفوق عليهم فى كل شيء ومستعدًا لحرب استنزاف طويلة، كذلك واجهت إسرائيل فى نفس الوقت خصمًا أفضل تدريبًا وأمهر قيادة.
مراسل وكالة الأسوشيتد برس تل ابيب 10 أكتوبر 1973
> إن الأسبوع الماضى كان أسبوع تأديب وتعذيب لإسرائيل، ومن الواضح أن الجيوش العربية تقاتل بقوة وشجاعة وعزم، كما أن الإسرائيليين تملكهم الحزن والاكتئاب عندما وجدوا أن الحرب كلفتهم خسائر باهظة وأن المصريين والسوريين ليس كما قيل لهم غير قادرين على القتال .
صحيفة الفينانشيال تايمز البريطانية 11اكتوبر 1973
> فعلاً.. كانت حرب تأديب وتعذيب إسرائيل وجيشها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور حرب اكتوبر الداخل الإسرائيلي
إقرأ أيضاً:
«السيسى» وبناء الدولة
تستحق مصر برلماناً يليق بتاريخها النيابى، الذى يعود إلى قرابة قرنين من الزمان، وتحديداً منذ عام 1824، منذ إنشاء المجلس العالى بموجب الأمر الصادر فى 27 نوفمبر 1824، ثم إنشاء مجلس الثورة عام 1827، ومجلس شورى الدولة عام 1854، ومجلس شورى النواب عام 1866، ومجلس شورى القوانين عام 1883، والجمعية التشريعية عام 1913، التى فاز فيها سعد باشا زغلول فى دائرتين، وتوقفت الحياة النيابية فى مصر بسبب الحرب العالمية الأولى، لتعود بعدها بصدور دستور 1923، وقد خص المجلس النيابى بغرفتين «مجلس النواب» و«مجلس الشيوخ».
استحقاق مصر لهذا البرلمان القوى الذى نرنو إليه فى تمثيل الشعب المصرى تمثيلاً حقيقياً للقيام بسلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ليس من باب الأمانى لأن مصر دولة كبيرة، أقدم دولة عرفها التاريخ، نشأت بها واحدة من أقدم الحضارات البشرية وقامت فيها أول دولة موحدة حوالى 3100 سنة قبل الميلاد، تمتلك أطول تاريخ مستمر لدولة فى العالم، وهى مهد الحضارات القديمة وملتقى القارات وأول دولة فى العالم القديم عرفت مبادئ الكتابة، وابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية، حكمت العالم القديم من الأناضول للجندل الرابع حين بدأ العالم يفتح عينيه على العلوم والتعليم، فقد جاءت مصر، ثم جاء التاريخ عندما قامت مصر حضارة قائمة بذاتها قبل أن يبدأ تدوين التاريخ بشكل منظم.
هى دى مصر التى تعرضت لموجات استعمارية عاتية، ثم عادت لحكم أبنائها، محافظة على لغتها العربية، حاربت وانتصرت فى أعظم حرب عرفها التاريخ، حرب أكتوبر، ثم تعرضت لمحنة كادت تعصف بها على يد جماعة إرهابية لا يعرفون قدرها، وتعاملوا معها على أنها حفنة تراب، وكادت تضيع لولا أن هيأ الله لها جنداً أخذوا بيدها إلى بر الأمان على يد أحد أبنائها المخلصين الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أخذ على عاتقه مهمة بنائها من جديد حتى تبوأت مكانتها المرموقة بين الدول المتقدمة التى يحسب لها ألف حساب، أنقذ «السيسى» مصر من حكم الظلام، ثم أنقذها من الإرهاب المدعوم من الداخل والخارج والذى أرهقها عدة سنوات، ولم يكن «السيسى» طامعاً فى السلطة، ولكنه نفذ أمر الشعب الذى نزل بالملايين إلى الميادين يطالبه باستكمال مسيرة البناء. قبل «السيسى» المهمة الصعبة رئيساً للبلاد، فى وقت صعب وانحاز للشعب الذى انحاز له، وجعل «السيسى» الشعب له ظهيراً، لم ينتم لحزب، ولم يكن له حزب من الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة، وطبق الدستور كما يجب، وعندما لاحظ ارتباك الأحزاب السياسية بسبب التخمة الموجودة هى الساحة قدم نصيحة كم ذهب لو أخذت بها الأحزاب لكانت أوضاعاً كثيرة تغيرت أقلها نشأة البرلمان القوى الذى ننشده وتستحقه مصر، عندما اقترح الرئيس السيسى على الأحزاب أن تندمج، وأن يبقى على الساحة السياسية ثلاثة أو أربعة أو خمسة أحزاب قوية يتنافسون فى الانتخابات البرلمانية ليظهر منها حرب الأغلبية، ولكن الأحزاب الى أصبحت تزيد على المائة فضلت المظاهر والمناصب الحزبية على العمل الحزبى الحقيقى.
انحياز «السيسى» للشعب عندما أصدر «ڤيتو» لأول مرة يتخذه حاكم مصرى منذ فجر التاريخ، وهو تصحيح مسار الانتخابات البرلمانية هو انحياز للدستور الذى أكد أن السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات، والبرلمان هو الضلع الثالث فى مثلث الحكم مع السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والمسار الذى حدده «السيسى» هو ألا يدخل مجلس النواب إلا من يختاره الناخبون من خلال انتخابات حرة نزيهة، تحية لرئيس مصر الذى يبنى دولة الحضارة من جديد.