لجريدة عمان:
2025-08-02@22:55:01 GMT

الهوية الثقافية العمانية وتحديات العولمة

تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT

الهوية الثقافية العمانية وتحديات العولمة

لعبت العولمة على الدوام دورا خطيرا في ترسيخ الثقافة الغربية، وتآكل الثقافات الوطنية والقومية، ونشر قيم وثقافات "المهيمن" عبر وسائل الإعلام، والتكنولوجيا، والتجارة، والتعليم وفي الخطابات السياسية الموجهة بعناية فائقة ما أدى في الكثير من الأماكن في العالم إلى تقويض الهويات الثقافية المحلية. ومنذ تسعينيات القرن الماضي حينما ساد العالم مصطلح "نهاية التاريخ"، حذر المفكر صمويل هنتنغتون في كتابه "صراع الحضارات" أن الانقسامات الكبرى بين البشر والصراعات القادمة ستقوم على أساس ثقافي.

أدركت سلطنة عُمان منذ فترة مبكرة هذا الخطر وعملت بكل الوسائل والسبل الممكنة على تكريس ثقافتها وهُويتها الوطنية وحماية إرثها التاريخي ونقائه ليبقى المصدر الذي يستمد منه العمانيون أصول ثقافتهم ومبادئهم وهويتهم الوطنية.

وتثبت التحولات الكبرى التي تحصل اليوم في العالم في السياق الثقافي بمعناه الواسع بعد النظر العماني في الحفاظ على الثقافة العمانية وعلى الإرث الحضاري الذي أنتجه العمانيون عبر آلاف السنين والذي حاجج البعض في مرحلة من المراحل أنه تمسك غير مفهوم بالتاريخ وبالماضي دون وعي أنه الجذر الذي بدونه لا يمكن المرور الآمن والراسخ نحو المستقبل.

لقد عملت العولمة خلال تعزيزها للنمو الاقتصادي والتقدم العلمي على تآكل الهويات الوطنية لصالح الهُوية الغربية التي جاءت إلى الشرق عبر كل الوسائل وعبر كل المنافذ التكنولوجية والاقتصادية والإعلامية.

وتنبه المفكر إدوارد سعيد خلال دراسته للاستشراق على الكيفية التي استطاعت بها السرديات الغربية أن تطغى على السرديات الشرقية وتشوهها ما أدى إلى انخفاض الشعور بالذات بين العرب بشكل خاص.

ورغم قوة الاستقطاب الغربية لهذا المشروع والذي انفق له مليارات طائلة إلا أن بعض الدول التي حافظت على تراثها وموروثها وقيمها لم يشعر فيها الفرد بانكفاء تقديره لذاته ولتاريخه ولحضارته وبالتالي لمستقبله. إن سلطنة عُمان نموذج في هذا النجاح حيث ما زال العمانيون يشعرون بفخر لا يعادله فخر عندما يتحدثون عن تاريخهم وعن إرثهم وبشكل عام عن ثقافتهم بكل تفاصيلها.. حدث ذلك في ظل توازن بين الأصالة والمعاصرة، بين الاستفادة من التقدم العلمي الذي يحققه العالم وتنجزه العولمة وبين الحفاظ على سلامة التقاليد والقيم وحفظ المجتمع وترسيخ دور الأسرة في عملية البناء التكاملي.

لم تنصهر الثقافة العمانية في الثقافة الغربية رغم أنها تأثرت بها وبمفاهيمها الإيجابية ومنجزاتها التي لا يمكن تجاوزها، وظلت الثقافة العمانية محتفظة بصلابتها دون التماهي في "الثقافة السائلة" وفق المفهوم الذي طرحه عالم الاجتماع زيجمونت باومان. وما زالت الثقافة العمانية قادرة على الصمود ولكن، أيضا، الاستفادة من ثقافة الآخر بما يسمح بالتحديث والتقدم دون التضحية بالجوهر الثابت والنبع الصافي.

لكن هذا لا يعني أننا في معزل تام عن التأثيرات السلبية، بل هي موجودة وتتسلل ولكن ما زالت الثقافة العمانية قادرة على الحفاظ على نفسها والحفاظ على إنسانها؛ وحتى تستطيع الصمود أمام كل هذا المد القوي فإننا في أمس الحاجة اليوم إلى إعطاء هذا الأمر أهمية كبيرة واعتباره تهديدا وطنيا لا يعفى أحد من العمل في سبيل التصدي له.

وإذا كانت الحاجة في تسعينيات القرن الماضي ماسة لحملة وطنية للحفاظ على الهوية الوطنية والإرث الثقافي فإن الحاجة اليوم لمثل تلك الحملة أكبر بكثير. والعمانيون في المجمل، رغم استفادتهم من تجارب الآخرين عبر التاريخ، إلا أنهم غير منبهرين كثيرا بالنموذج الغربي، في كل تفاصيله، وهذا ما يفترض أن تنشأ عليه كل أجيال عُمان ويتحقق ذلك عبر ترسيخ هُويتنا وثقافتنا في نفوس النشء منذ نعومة أفكارهم التي تتماس اليوم مع الآخر عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي ومعطيات ثورة الاتصال التي تتدفق من كل الاتجاهات.

يتطلب تعزيز الهوية العُمانية في عصر العولمة استراتيجية مدروسة ومستنيرة تحتفي بالماضي وتكرمه وتتعاطى مع الحاضر وتسير نحو المستقبل. قد يبدو هذا الأمر كثير التعقيد في ظل إمكانيات العولمة ولكن لا بد أن نعي أن سامحنا بتفتت وتآكل ثقافتنا، لا قدر الله، يعني اندثارنا الثقافي تماما. ومنجز حضاري مثل المنجز العماني لا يمكن أن يندثر مهما كانت قوة الدفع القادمة من الآخر ولكن هذا لا يتم دون إرادة جماعية من العمانيين واحتفاءهم بثقافتهم وما حققته عبر التاريخ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة العمانیة

إقرأ أيضاً:

بحث معايير الجودة وتطوير الكوادر العمانية في مجال التقييس بجنيف

العُمانية: تواصل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ممثلةً بالمديرية العامة للمواصفات والمقاييس، جهودها المستمرة لتطبيق أعلى معايير الجودة وتطوير المواصفات العُمانية بما يتماشى مع المتطلبات الدولية، إيمانًا منها بأهمية التقييس في رفع جودة المنتجات والخدمات وتعزيز تنافسيتها على المستوى العالمي.

جاء ذلك خلال مشاركة المديرية العامة للمواصفات والمقاييس بالوفد الرسمي لهيئة التقييس الخليجية الزائر لمقر المنظمة الدولية للتقييس في جنيف لتبادل الخبرات وتوثيق التعاون الفني بين أجهزة التقييس الوطنية والمنظمة الدولية.

وتناولت اللقاءات التي جرت خلال الزيارة فرص التعاون في مجالات التدريب والتأهيل الفني، من خلال إطلاق برامج متخصصة تسهم في رفع كفاءة الكوادر العُمانية العاملة في مجال التقييس، وتمكينها من المشاركة الفاعلة في صياغة المواصفات الدولية، بما يعزّز حضور سلطنة عُمان على الساحة الدولية ويُسهم في تطوير المهارات الوطنية وفقًا لأعلى المعايير.

كما تم الاتفاق على تنفيذ حملات توعوية تسويقية تستهدف مختلف شرائح المجتمع المحلي، بما في ذلك الجهات الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية والمدنية، والقطاع الخاص لإبراز أهمية عضوية المنظمة الدولية للتقييس ودور سلطنة عُمان في صياغة المواصفات الدولية، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التقييس في حماية المستهلك وتحقيق التنمية المستدامة.

وأكدت نوال بنت سويد العبرية، رئيسة قسم مواصفات المنتجات الغذائية والزراعية بالمديرية العامة للمواصفات والمقاييس أن الشراكة الاستراتيجية مع المنظمة الدولية للتقييس تمثل خطوة محورية نحو تعزيز جودة المنتجات الوطنية وتمكين الكفاءات والقدرات الوطنية، بما يواكب تطلعات سلطنة عُمان في بناء اقتصاد معرفي قائم على الجودة والكفاءة.

وأضافت: إن فريق تعزيز عضوية سلطنة عُمان في ISO الذي تم تشكيله في عام 2024 بالمديرية عمل وفق خطة تنفيذية تهدف إلى تأهيل الكوادر الوطنية للتمثيل الدولي، وتبادل الخبرات مع المنظمات الدولية، وتعزيز مبادئ الحوكمة والابتكار والاستدامة، بما يسهم في رفع تنافسية المنتجات الوطنية وتطوير المواصفات العُمانية بما يتماشى مع المتطلبات العالمية.

وأشارت إلى أن الفترة الممتدة من عام 2020 إلى 2024 شهدت جهودًا وطنية مكثفة لترسيخ منظومة الجودة، تمثلت في اعتماد آلاف المواصفات القياسية، ففي عام 2021 تم اعتماد 4635 مواصفة قياسية، في دلالة واضحة على التوسع الكبير في تعزيز المعايير الوطنية، كما تم إطلاق منصة إلكترونية مخصصة لتسجيل المنتجات، أسهمت في رفع كفاءة العمليات وتيسير الإجراءات، وفي عام 2024، تم اعتماد 1000 مواصفة قياسية جديدة لتعزيز تنافسية المنتجات الوطنية عالميًّا، والارتقاء بمستويات السلامة والجودة في مختلف القطاعات.

وأكدت رئيسة قسم مواصفات المنتجات الغذائية والزراعية بالمديرية العامة للمواصفات والمقاييس على التزام سلطنة عُمان بتعزيز مكانتها الدولية في مجال التقييس، وبناء منظومة جودة وطنية تواكب التطورات العالمية وتلبي تطلعات المستقبل وهذه المبادرات تنسجم مع أولويات «رؤية عُمان 2040» من خلال تطوير مواصفات قياسية تُسهم في دفع عجلة الصناعة والابتكار، وتطوير البنية الأساسية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتيسير حركة التصدير والاستيراد دون عوائق فنية، مع ضمان سلامة المستهلك والحفاظ على البيئة، تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة.

يذكر أن المنظمة الدولية للتقييس تعد من أبرز الجهات العالمية المتخصصة في تطوير المواصفات الدولية، وتضم أكثر من 50 ألف خبير وفني يمثلون 173 دولة، وتُستخدم مواصفاتها في قطاعات حيوية مثل البناء والطاقة والطيران والتكنولوجيا، ما يجعلها دعامة أساسية لتحقيق التوافق الدولي وتيسير التجارة العالمية.

مقالات مشابهة

  • الصين ومدنها العملاقة: نموذج جديد للمدن العالمية في عالم ما بعد العولمة
  • مشروعات جديدة على خارطة السياحة العمانية
  • العراق في دائرة الخطر.. جانب مظلم وتحديات مركبة تهدد حياة الشعب
  • بحث معايير الجودة وتطوير الكوادر العمانية في مجال التقييس بجنيف
  • الأجندة الثقافية في سوريا ليوم السبت ال 2 من آب 2025
  • «الشارقة الثقافية» ترصد سؤال الهوية في الرواية العربية
  • العمانية للغاز الطبيعي تدعم الرياضات البحريةواللجنة العمانية
  • السياسة وثقافة العولمة
  • محمد مندور يكتب: ثقافة الإصغاء وتحقيق العدالة الثقافية
  • فرسان الحقيقة في زمن الحرب الكبرى.. صمود غزة وتحديات الأمة