نبيه بري وشيعة لبنان.. الزعيم الضرورة في خريف العمر
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
الصورة بالأبيض والأسود. مؤرخة في 30 أغسطس 1982. يبدو فيها نبيه بري، زعيم حركة "أمل"، إلى جانب وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي وهما يودّعان ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية قبل مغادرته بيروت مع المسلّحين الفلسطينيين إلى تونس، كتسوية تنهي حصار الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية.
كانت تلك أيام تشابه هذه الأيام حيث يحتدم الصراع في لبنان مع تبدّل في الظروف وتغيّر في "أبطال" المرحلة.
تحول بري في رحلة سياسية مستمرة منذ أكثر من ستة عقود من زعيم ميليشيا مسلّحة إلى شخصية سياسية إشكالية يختلف اللبنانيون حولها، فيحمّله كثيرون جزءاً من مسؤولية الفساد والمحسوبيات واستغلال النفوذ في الدولة، وقد رفع لبنانيون في تظاهرات أكتوبر 2019 صوره كأحد المسؤولين عن الانهيار الاقتصادي، ثم لاحقته اتهامات بالتورط في التستر على المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020.
واليوم، في خريف عمره، تعود بقعة الضوء لتركّز على بري بعدما أفل نجم زعيم حزب الله، حسن نصرالله، باغتياله، بوصفه من القلة القادرين على الاهتمام بأحوال شيعة لبنان وإدارة مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، بعد مقتل نصرالله.
البداية.. من أفريقياتبدو سيرة بري "وليدة الأعراف اللبنانية" كما يقول روبرت فيسك في كتابه "ويلات وطن". فهو ولد في عام 1938 في سيراليون، قبل خمس سنوات من نيل لبنان استقلاله. والده، وهو رجل أعمال ككثيرين غيره من المسلمين الشيعة في الجنوب، كوّن ثروته في أفريقيا.
عاد نبيه بري إلى لبنان باكراً، وخلال ارتياده الجامعة اللبنانية لدراسة الحقوق، بدأت مسيرته السياسية، وهو لم يبلغ بعد العشرين من عمره. وكان يحمل حينها أفكاراً بعثية، إلى أن التقى بالإمام موسى الصدر، وأصبح مُقرّباً منه.
يقول فيسك في وصف بري إنه "بالإضافة إلى تمثيله الشيعة في لبنان، فإنه ممن يتذوقون الحضارة الغربية، فيحب الألبسة الغربية الأنيقة ويفضّل السجائر الفرنسية وطريقة الحياة الأميركية".
وبعد خطف الإمام الصدر بظروف غامضة في ليبيا، في عام 1978، بدأ بري يشق طريقه في حركة المحرومين التي أسسها الصدر، ومع حلول عام 1980 كان قد صار رئيساً للحركة وقد اتخذت اسم "أفواج المقاومة اللبنانية" (أمل).
يكتب فيسك عن تلك المرحلة من صعود نجم بري: "في البداية كانت الصورة الوحيدة التي تظهر له في بيروت هي صورة عمرها سبع سنوات للمحامي الشاب وهو يصافح الإمام موسى الصدر. أما الآن فصار في الإمكان شراء شارات بري وملصقات بري وقمصان 'تي شيرت' بري حيث تظهر صورته التي تعكس تقدّمه في السن (كان حينها في الأربعينات من عمره)".
لعبت حركة "أمل" دوراً في قتال الجيش الإسرائيلي في المواجهات معه خلال اجتياحه لبنان في العام 1982، وهذا عزّز من دور بري في الطائفة الشيعية، في الوقت الذي كان حزب الله في طور التأسيس.
هنا تبرز مفارقة، يتحدث عنها آلان بيليغريني في كتابه "صيف من نار في لبنان"، وتكمن في أن حسن نصرالله، زعيم حزب الله، كان في شبابه مسؤولاً في حركة "أمل" في بلدته البازورية، وكان برّي رئيسه. وانشق نصرالله عن الحركة بعد انشقاق حسين الموسوي الذي أسس تنظيم "أمل الإسلامية"، قبل أن يصير عضواً في شورى "حزب الله".
وكان كلاهما، نصرالله والموسوي، بحسب بيليغريني، يأخذان على رئيسهما القديم، بري، تأييده للوساطة الأميركية ومشاركته في لجنة الإنقاذ الوطني التي أنشئت، في يونيو عام 1982، وضمت خصوصاً بشير الجميل ووليد جنبلاط.
لعب بري دوراً في إطلاق ما سمّي بـ"انتفاضة السادس من شباط" (فبراير) في العام 1984 ضد حكم الرئيس اللبناني، أمين الجميل، الذي انتخب رئيساً بعد اغتيال شقيقه بشير في عام 1982. وشيئاً فشيئا، أصبح بري، كما يقول فيسك "أقوى قائد من قادة الميليشيات ووزيراً للعدل في الحكومة اللبنانية، ووزيراً للجنوب اللبناني ووزيراً للمقاومة"، كما صار يصف نفسه.
اتّكأ بري، كما يكتب غسان شربل في كتابه "لعنة القصر"، على "رصيده في حركة المحرومين وعلى رصيد الموقف المقاوم لإسرائيل وعلى علاقة ثابتة مع سوريا، خاض بري مرحلة الثمانينيات، فحارب وحورب وتعذر الانتصار عليه". وينقل شربل عن خصوم بري قولهم إن "تحالفاته حصّنته ضد الخسائر والهزائم".
سرعان ما اصطدم بري بحزب الله، الذي تحوّل إلى منافسه الأول على استقطاب شيعة لبنان. واتخذ هذا التنافس في مرحلته الأولى، كما يصفه بري في مقابلة أجراها معه شربل في كتابه، "طابع التشابك بالأيدي، ولأن السلاح موجود تطورت الخلافات وحصل ما حصل". يتابع بري: "في اعتقادي أن تلك المرحلة عانت من ذهنية من سيحلّ محل الآخر".
كان توجه حزب الله هو إبعاد "أمل" لاحتلال الموقع الذي تشغله، وكانت الحركة تدافع بمنطق "أنا سأبقى وحيدة في الساحة". في هذه الأجواء حصلت المعارك في الجنوب والبقاع والضاحية وفي كل مكان ينتشر فيه الطرفان".
بري يخلع بدلة الميليشيا ويدخل الدولةبعد انتهاء الحرب انضوت ميليشيا "أمل" في الدولة، بعد تسليم سلاحها، وفي العام 1992 تولى بري رئاسة أول مجلس نواب بعد انتهاء الحرب الأهلية، بعد لعبه دوراً أساسياً في إقرار اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب.
لكنه كان قد صار مدنياً بعد خلعه بدلة الميليشيات ودخوله في الدولة ومؤسساتها، فيما كانت التوازنات الإقليمية تسمح لحزب الله وحده أن يحتفظ بسلاحه ويتولى وحده قتال إسرائيل في جنوب لبنان، حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي في عام 2000.
حينها، بحسب غسان شربل، "أصبح أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، صاحب الكلمة الأولى في الطائفة الشيعية في لبنان"، لكن ذلك لا يلغي، "بقاء بري حاجة لبنانية وسورية ودولية"، كما يشرح شربل، "وأظهر بري براعة في قراءة التوازنات والتوجّهات مكّنته من النجاة".
بعد حرب يوليو عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، زادت شعبية نصرالله وصارت صوره طاغية على المشهد العام في الطائفة الشيعية. لكن مع ذلك، كان لبرّي أدوار دبلوماسية مهمة في المفاوضات وصياغة الاتفاق الذي أنهى الحرب التي دامت ٣٣ يوماً.
في السنوات اللاحقة بدأت أدوار بري بالتراجع وبات تأثيره محدوداً في الطائفة الشيعية، مع تضخّم حالة حزب الله، وتحوّله إلى لاعب إقليمي في الحرب السورية وفي أدوار أسندتها إليه إيران في الإقليم.
كما بدا لافتاً أن بري، الأب لتسعة أولاد، مع تقدّمه في العمر، لم يحضّر وريثاً له أسوة بمعظم الزعماء اللبنانيين.
في أول كلمة له كرئيس لأول مجلس نيابي بعد الحرب، في عام 1992، طالب بري بتنفيذ القرارات الدولية التي تدعو إلى إنهاء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان (القرار 425) عبر نشر الجيش مدعوماً من قوات الطوارئ الدولية والتمسك باتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949.
كلامه هذا قبل ٣٢ عاماً يتلاقى مع دعواته اليوم إلى إنهاء الصراع بين إسرائيل ولبنان عبر جولات المفاوضات التي يقودها بتفويض من حزب الله، بعد مقتل أمينه العام ومعظم قياداته. كرّر بري كلاماً شبيهاً بكلامه في العام 1992، فطالب تطبيق القرار الدولي ١٧٠١ ونشر الجيش اللبناني مدعوماً من قوات اليونيفيل في منطقة جنوب نهر الليطاني.
من هذا الباب يعود نجم برّي للبزوغ، وهو في خريف عمره، مع فرصة لتزعّم شيعة لبنان في ظروف قاتمة شبيهة بصوره العتيقة بالأسود والأبيض.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: حسن نصرالله نبیه بری فی لبنان فی کتابه حزب الله فی العام فی عام
إقرأ أيضاً:
خريف ظفار ينعش الحركة التجارية والسياحية ويدعم الاقتصاد الوطني
العُمانية: تشهد محافظة ظفار خلال موسم الخريف لعام 2025 نشاطًا تجاريًّا واسعًا في مختلف الأسواق والمراكز التجارية، مدفوعًا بالإقبال الكبير من الزوّار القادمين للاستمتاع بالأجواء الاستثنائية التي تتميز بها المحافظة، وهو ما يُسهم في تعزيز القطاعين السياحي والتجاري ويُشكّل دعمًا مباشرًا للاقتصاد الوطني.
وتتنوع الأنشطة التجارية بين الأسواق التقليدية والمجمعات الحديثة؛ إذ تشهد محالّ بيع المنتجات الحرفية والمأكولات المحلية إقبالًا لافتًا، إلى جانب ارتفاع الطلب على خدمات المطاعم والمقاهي والفنادق والمرافق السياحية والترفيهية.
وأكد عددٌ من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة أن موسم خريف ظفار يُعد فرصة مهمة لنمو المبيعات وتوسيع النشاط التجاري، مشيرين إلى أهمية الترويج المستمر للمنتج الوطني ودعمه بما يواكب تطلّعات الزوّار.
وتحدثت نور بنت علي اليافعية، صاحبة مشروع "بنت الجنوب"، عن فكرة مشروعها الذي بدأ من المنزل مستندةً إلى خبرة تتجاوز 30 عامًا في صناعة البخور والعطور، لا سيما المنتجات الظفارية ذات الجودة العالية والمكونات الطبيعية.
وأشارت إلى أن المشروع توسّع ليشمل العطور والبخور والملابس النسائية، مضيفة: "افتتحنا أول فرع عام 2020 في صلالة، والثاني في منطقة الحافة عام 2024، لنلبّي الطلب المتزايد، خصوصًا في موسم الخريف السياحي، الذي يزيد فيه الطلب من السياح على الهدايا".
أما رامي بن مسلم الكثيري، صاحب مشروع "دو للشوكولاتة والزهور"، فبيّن أن المحل يشهد إقبالًا كبيرًا من الزوار خلال موسم خريف ظفار، لما يقدّمه من منتجات متنوعة من الشوكولاتة الفاخرة، والزهور الطبيعية، والهدايا الموسمية، مضيفًا: المشروع يُمثّل نموذجًا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تواكب المواسم السياحية المختلفة وتعزز من النشاط التجاري المحلي.
من جهته، أوضح عقيل بن علوي المرزع، مؤسس شركة "مكة للعطور"، أن مشروعه بدأ برؤية قائمة على الجودة والتميز في صناعة العطور المستوحاة من موروث اللبان العُماني، ويدير اليوم أكثر من 15 فرعًا على مستوى سلطنة عُمان.
وأضاف: "نمتلك مصنعًا متخصصًا لاستخلاص زيت اللبان العُماني وتصديره، إلى جانب خطوط إنتاج متكاملة للعطور التي تلامس الذوق الخليجي، وقد طوّرنا أكثر من 150 منتجًا عطريًّا حتى اليوم".
وأشار إلى أن هناك إقبالًا كبيرًا من قبل السيّاح في اقتناء العطور، خاصة التي تُصنع محليًّا، لما تمتاز به من جودة وثبات وروائح، حيث يحرص السائح على تجربة العطور التقليدية الممزوجة بمكونات طبيعية.
وفي قطاع المأكولات العُمانية التقليدية، قال طارق بن سالم الحوسني، صاحب مشروع "الحوسني للحلوى العُمانية": إن بداية التأسيس كانت منذ عدة عقود، وتوسّع المشروع ليشمل أكثر من 10 فروع داخل سلطنة عُمان، وعدد من الفروع في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مشيرًا إلى إقبال السياح على الحلوى العُمانية والاهتمام بمعرفة طريقة إعدادها.
وأوضح أن الحلوى العُمانية تُحضّر بالطريقة التقليدية وتُعبّر عن الضيافة العُمانية الأصيلة التي تحظى بطلب متزايد خلال المواسم السياحية، مشيرًا إلى حصول المشروع على شهادة "جينيس" لأكبر قالب حلوى على شكل خارطة سلطنة عُمان بمناسبة العيد الوطني الـ45 المجيد.
وفي السياق ذاته، أفاد عددٌ من الزوّار والسياح أن موسم خريف ظفار بات وجهة مفضلة ومركزًا تجاريًّا حيويًا، إذ أكد هلال بن خلف الشريقي على أهمية المشروعات الناشئة في تنشيط السوق المحلي، عبر توفير منتجات وخدمات تنسجم مع طابع المحافظة وتُثري تجربة الزائر، خصوصًا في موسم الخريف، لافتًا إلى ضرورة تقديم الدعم المؤسسي لهذه المشروعات لضمان استمراريتها.
وأضاف عبدالله بن سالم الغيثي قائلًا: "أفضل ما في سوق شاطئ الحافة هو المزج بين التراث والحداثة؛ فالعطور والبخور والحلوى العُمانية والمشغولات اليدوية تملأ المكان بأجواء رائعة، والمطر الخفيف يجعل تجربة التسوق مختلفة تمامًا".
من جانبه، لفت ماجد بن عبدالله الشريقي إلى ارتفاع الطلب خلال موسم خريف ظفار على الملابس الموسمية، إلى جانب الفواكه الاستوائية مثل: جوز الهند "النارجيل"، الفافاي، الرمان، الموز، والمانجو، بالإضافة إلى مستلزمات التخييم والرحلات، مؤكدًا أن الموسم يُمثّل مرحلة انتقالية بارزة في السوق المحلي.
كما ذكر عبدالله بن عامر العيسائي، زائر من دولة الإمارات العربية المتحدة، أن جودة المنتجات المحلية وتنظيم الأسواق في صلالة، ولا سيما في سوق شاطئ الحافة، تُعد من أبرز عوامل الجذب، مشيرًا إلى وضوح الأسعار وفاعلية الرقابة من الجهات المعنية، بينما تبقى الأجواء المعتدلة السمة الأبرز التي تميز محافظة ظفار عن كثير من دول المنطقة في هذا الوقت من العام.