تقديم كتاب "بعد الرحيق"
النيل ..السفر . والبرج العالي: في شأن الشاعر محمد المكي ابراهيم
لم يكن غريبا أن أقابله آخر مرة على مرمى حجر من النيل. قناعتي أنه لا ، شيء يأتيك مكانيا في هذه الدنيا. على شاطيء القدر كانت يومها في ذلك اليوم مفردتان تسيطران على مشهد لقائي للشاعر الكبير محمد المكي ابراهيم وحرمه المصون.
في تلك المقابلة السريعة ، وبعد أن نلت سلاما صافيا من الشاعر الكبير بعد جفوة ، قبيل نذر تلك الحرب الدامية ، أخبرني بأنه مهتم بجمع ما كتب عنه. توقفت عند ذلك كثيرا فليس من عادة الشاعر الحديث عن أمريخص ما كتب عنه بأى شكل من الأشكال وهذا أمر ظللت ألمسه فيه منذ أن تعرفت عليه في منتصف السبعينات قبل أن تجمعني به رفقة العمل والحياة في مدينة مونتري ، وعملنا سويا بادارة التعليم المستمر بمعهد الدفاع للغات في برنامج الترجمة وسفرنا جيئة وذهابا بين ولايتي كاليفورنيا وساوث كارولاينا لنفس الغرض. بعد أن علمت بمرض الشاعر الكبير وبقائه في المستشفى طويلا، بدأت أتلمس داخل مشاعري ما قد كان كامنا في وجدان الشاعر كونه ينوي جمع ما كتب عنه بعد تعرضه لداء مهلك كان يستشفي منه.
تنساب أنهار الذكريات في شأن الشاعر الكبير ففي أول الثمانينات أثناء عمله بقنصلية السودان بجدة . خرج وفي فمه سيجارة لأقدم له مخطوطة ديواني الأ ول"أعناب في زمن الشوك". أذكر تركيزه على قصيدة عنوانها "حديث هامس لبعض العيون" . ذلك هو الاصدار الذي تم نشره عام 1990م في الرياض بالسعودية ومن أبيات تلك القصيدة:
ويفصلنا عنك ليل حزنك
هذا الظلام البهيم
فكان رأيه أن يكون البيت:
ويفصلنا عنك في ليل حزنك
هذا الظلام البهيم
حيث تظلين للضوء معنى
وتستأثرين بكل النسيم
وهنا لاحظت عمق نظرته الى رحابة الليل وسعته كونه كان مصدر وحي وإغواء وإلهام للكثير من الشعراء. كان أول لقاء لي بالشاعر عام 1977م عندما زرته مع الخال عبدالغني الطيب في منزله بمدينة بحري . كان في معيته الشاعر الكبير الراحل سيد أحمد الحردلو فكانت أمسية للايلام والكرم وأحاديث الكبار. هيأ لي القدر فيما بعد وبعد عقود من ذلك التاريخ العمل مع الشاعر الراحل محمد المكي والسكن في حى المايقوما مع الشاعر الحردلو...كلاهما رحلا وبقى وهج الذكريات ودفء الترحم والدعاء لهما بالمغفرة وحسن القبول.
بالنسبة لي ،كانت أزمنة اللقاءات مع الشاعر الراحل تمر عبر منعطفات "أعناب في زمن الشوك" في جدة علىالبحر الأحمر الى "من ذاكرة الريح" الصادر عام 2005م على ساحل المحيط الهادي في مدينة مونتري وسعدت بتقديمه من محمد المكي ابراهيم. ومما أبهجني وملأني بالدهشة أيضا ، أن ذلك التقديم ساعدني الى الدنو من أغوار نفسي أيضا بصورة رأيتها مطابقة للعلاقة بيني وبين تلك الأغوار ، وبيني وبينه اذ يشير الى علاقتي بالطنبور والعو د كحواس موسيقية رآها تسللت الى أشعاري. كما سعدت أيضا بمخاطبة جمع احتفى به في مكتبة مدينة مارينا بكاليفورنيا، كذلك اجراء حوار طويل معه قبل ذلك بكثير عام 2004 بالاشتراك مع الأستاذ بابكر فيصل وذاك حوار نشرته يومها صحيفة الراية القطرية. كلا المادتين يشملهما هذا السفر الذي اخترت له "بعد الرحيق" باعتباره لمسات وفاء لمحمد المكي بناء على رغبته.
من الصعب جمع كل ما كتب عن الشاعر موضوع تحريرنا لهذا الكتاب فتلك مواد غزيرة وكثيرة، ولكنني تخيرت ما كتب بعد رحيله باعتبار أن ما كتب يحتوي على إضاءات صادقة وثرية للعديد من أعماله الشعرية. انني بهذا أريد بعض الوفاء بما طلبه الراحل وتعبيرا عن حبي وحب الآخرين له وحزنيوحزنهم على رحيله.
إنني أتضرع الى المولى سبحانه وتعالى أن يشمل الاستاذ محمد المكي ابراهيم برحمته وقبوله ومغفرته، وأن يجعل الخير والبركة في أبنائه وبناته ويمد في عمر رفيقة دربه الأستاذة سمية الياس التي رافقته في محطات ودروب الحياة فكانت خير رفيق وملهم ومساند.
وللسادة القراء أطيب مشاعر الشكر والود والتقدير ولمن ساهموا في هذه اللمسات الوفية ، كل الحب والوفاء.
المحرر
12 أمتوبر 2024
مونتري
كاليفورنيا
د عبدالرحيم عبدالحليم محمد
abdelrmohd@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: محمد المکی ابراهیم الشاعر الکبیر ما کتب عن
إقرأ أيضاً:
“محمد الأمين بلغيث” أمام غرفة الإتّهام بمجلس قضاء الجزائر اليوم
من المقرر أن تفصل غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء الجزائر اليوم الأربعاء، في مصير المتهم الموقوف ” محمد الأمين بلغيث”. بالنظر في طلبات الإفراج التي تتقدم بها هيئة الدفاع التي تأسست في حقه والتي تضمّ أكثر من 40 محاميا من نقابة العاصمة.
حيث سيرافع المحامين لطلبات الإفراج عن موكلهم “بلغيث “، المتواجد رهن الحبس المؤقت منذ الـ3 ماي الجاري. لأجل وضعه تحت إجراءات الرقابة القضائية، مقدمة في مرافعتها كل الضمانات التي تتوفر في المتهم.
وتأتي مرافعة دفاع المتهم ” محمد الأمين بلغيث “أمام ذات الهيئة القضائية، بعد استئناف هيئة الدفاع السبت الفارط. أمر قاضي التحقيق بالغرفة الرايعة لدى محكمة الدار البيضاء، المفضي إلى وضع المتهم رهن الحبس المؤقت على ذمة التحقيق. لمتابعته بتهم تتعلق بجناية القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية بواسطة عمل غرضه الاعتداء على رموز الأمة والجمهورية جنحة المساس بسلامة وحدة الوطن. وجنحة نشر خطاب الكراهية والتمييز عن طريق تكنولوجيات الإعلام الاتصال.
تفاصيل القضيةوالرجوع إلى تفاصيل القضية فإن الباحث الجزائري المتهم الموقوف ، تم توقيفه وتقديمه أمام الجهات القضائيّة، عقب تصريحاته المثيرة للجدل، في حوار متلفز بثه تلفزيون ” سكاي نيوز عربية ” قبل أسبوعين، والذي تضمن إساءة مباشرة للهوية الوطنية وتشكيك في ثوابت الأمة الجزائرية.
وهي التصريحات التي زلزلت مواقع التواصل الاجتماعي في ظرف وجيز من إطلاقها، حيث تم تداول مقطع الفيديو بشكل واسع، مما وضع “محمد أمين بلغيث ” في موقع المتهم.
وكانت نيابة الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء قد أمرت بفتح تحقيق في قضية الحال، والكشف عن كل من له علاقة بالقضية.
“المتهم يتمسّك بإنكار التهم المنسوبة إليه”وفي إطار التحقيق أنكر المتهم “محمد الأمين بلغيث”، كل التهم المنسوبة إليه، مؤكدا أنه وطني حتى النخاع وعائلته عائلة ثورية. وليس له أي غرض أو سبب للاساءة لوطنه أو تعريض مؤسساتها للخطر، مؤكدا المتهم أنه وقع ضحية “تلاعب مونتاج” من طرف القناة التي تحاور معها.
وأضاف “بلغيث ” أنه تم حذف عدة عبارات من حواره، فيما يخص كلامه عن “الأمازيغية” لعرض ما. معلقا المتهم بأن الصحفية طرحت عليه “سؤال مفخخ” لكنه أجابها بناء واستنادا لدراسات تاريخية تعود لباحثين قدامى.
وأما بخصوص وصف المهاجرين المقيمين في فرنسا بالحركى، فقد أكد المتهم في إطار التحقيق أنه يقصد من كلامه ذلك بعض المغتربين الذي كانوا ضد الوطن ومصلحته قي وقت سابق. ثم أصبحوا يدٌعون الوطنية بعد حصولهم على الإقامة بفرنسا، ناكرا أنه كان يقصد كل المهاجرين المقيمين هناك بالخارج.
وأضاف المتهم في معرض تصريحاته، أنه تم الاتصال به من طرف أحد الصحفيين بتاريخ 5 مارس 2025، طالبا منه المشاركة في حصة تلفزيونية مسجلة على قناة “سكاي نيوز عربية ” عنوانها ” العلاقات الجزائرية الفرنسية “، فوافق على الفكرة، فتم إرسال سائق تابع للقناة، حيث تم نقله إلى مكتب ” استديو” الكائن مقره ببئر خادم بالعاصمة.
ولما وصل صرح المتهم أنه تك استضافته جيدا، قبل أن تقوم الصحفية بربط الاتصال به، وطرح أسئلتها عليه.
وأضاف المتهم أنه لا يحوز على أي قرص مضغوط أو تسجيل يؤكد صحة تصريحاته، لإثبات أنه وقع ضحية تلاعب بالمونتاج، من خلال حذف عدة مقاطع من حواره المتلفز محلّ الجريمة.
والجدير بالذكر أنه تزامن تقديم المتهم أمام العدالة صدور بيان صحفي تضمن مايلي :” عملاً بأحكام المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، تعلم نيابة الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء الرأي العام، أنه بتاريخ 01 ماي 2025، و بعد تداول مقطع فيديو بمنصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، يتعلق بحوار تلفيزيوني جمع بين صحفية قناة تسمى سكاي نيوز عربية، والمدعو بلغيث محمد الأمين، والذي صرح فيه أن الأمازيغية هي مشروع صهيوني فرنسي، وباعتبار أن ذلك يشكل انتهاكا للمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري المكرسة بموجب الدستور، وتعديا على مكون أساسي للهوية الوطنية، ومساسا صارخا بالوحدة الوطنية ورموز وثوابت الأمة، فقد أمرت نيابة الجمهورية بفتح تحقيق ابتدائي وتوقيف المشتبه فيه.
بتاريخ اليوم الموافق لـ 03 ماي 2025، تم تقديم المشتبه فيه أمام النيابة،
بعد استجواب المتهم من طرف قاضي التحقيق أصدر أمرا بإيداعه الحبس المؤقت.