ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، عندما بدأ القصف المكثف للمدنيين، كانت الفكرة في ذهني: كيف سنعيش نحن الفلسطينيين مع الإسرائيليين بعد هذا؟ وبعد اثني عشر شهرًا، ومع استمرار عمليات القتل وتدمير غزة بلا هوادة، ومع قيام إسرائيل بتوسيع الصراع إلى الضفة الغربية، حيث قُتل أكثر من 700 فلسطيني، ومع تصعيد هجماتها في لبنان وإيران، أصبح السؤال أكثر إلحاحًا.

خلال الأشهر الإثني عشر الماضية، تم ارتكاب العديد من الفظائع، بدءًا بقتل 1200 جندي ومدني إسرائيلي على أيدي الفلسطينيين، ثم قيام الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 17 ألف امرأة وطفل، و287 عامل إغاثة، و138 صحفيًا وعاملًا في وسائل الإعلام. وهذا لا يشمل أولئك الذين لا يزالون تحت أنقاض ثلثي المباني في غزة التي تضررت أو دمرت. وهنا مثال واحد فقط من هذه الحرب التي استمرت 12 شهرًا، ففي الخامس والعشرين من سبتمبر، أعادت إسرائيل شاحنة تحمل 88 جثة لا تحمل أي تفاصيل تعريفية إلى غزة.

لقد كانت إسرائيل تعتقد اعتقادًا خاطئًا بأنها تستطيع إخفاء هذه الفظائع عن العالم من خلال تقييد وصول الصحفيين إليها. ولم تسمح لأحد بتغطية الأحداث بشكل مستقل في غزة، الأمر الذي جعل من السهل التشكيك في الروايات الفلسطينية للأحداث وأعداد القتلى ومدى الأضرار التي لحقت بها. ولإلقاء المزيد من الشكوك، فإن العدد الهائل من الأرواح التي أزهقت عادة ما يكون مصحوبا بتحذير «كما تزعم وزارة الصحة التي تديرها حماس».

كل هذا جعل الجيش الإسرائيلي غير مبالٍ، فقتل أعدادًا كبيرة من الفلسطينيين في غارات جوية واحدة. وجعل بنيامين نتنياهو قتل أو أسر يحيى السنوار، زعيم حماس، كان هدفًا رئيسيًا للحرب التي لم يكن ثمنها باهظًا. فبدلًا من استخدام القنابل الدقيقة عندما كانت هناك معلومات استخباراتية عن مكان السنوار، استخدم الجيش الإسرائيلي قنابل تزن 900 كجم، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين الأبرياء. وقد تكرر هذا الأمر عدة مرات على مدار العام الماضي واستمر حتى بعد أن توقفت الولايات المتحدة عن إمداد إسرائيل بهذا النوع من القنابل بسبب استخدامه في المناطق المدنية.

لقد اضطر الفلسطينيون في قطاع غزة، وأغلبهم من اللاجئين من المدن والقرى التي أصبحت إسرائيل في عام 1948، إلى الانتقال إلى أماكن أخرى عدة مرات؛ حيث تعاملت إسرائيل مع السكان باعتبارهم ممتلكات يمكن الاستغناء عنها، ويمكنها أن تنقلهم من مكان إلى آخر متى شاءت، وفي الأشهر التي أعقبت الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، نزح ما يقرب من كل سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة عن ديارهم.

في بداية الحرب، أعترف بأنني لم أتعامل بجدية مع التصريحات الأولية التي أطلقها زعماء إسرائيل المتشددون، مثل وعدهم بتحويل غزة إلى صحراء غير صالحة للسكنى، ووصفهم الفلسطينيين بأوصاف دون الإنسانية. ولم أكن لأصدق أن الإسرائيليين قد حطوا من قدر الفلسطينيين إلى درجة تجعلهم قادرين على تنفيذ هذه السياسة دون أي رد فعل من داخل إسرائيل وخارجها، وكما أظهرت الأحداث، فقد كانوا يقصدون هذه الكلمات، والآن تركوا قطاع غزة غير صالح للسكنى فعليًا. لقد تحققت التحذيرات الرهيبة.

ولكن ما لم أدركه أيضًا هو أنه بمجرد أن يفلتوا من العقاب على مثل هذه الفظائع في غزة، فإن زعماء اليمين سوف ينتهزون الفرصة ليتبعوهم بجرائم مماثلة في الضفة الغربية والآن في لبنان. وهكذا بدأوا في تدمير البنية الأساسية للمخيمات والبلدات في الضفة الغربية، واستخدموا الطائرات بدون طيار لقتل الفلسطينيين من الجو تماما كما يفعلون في غزة.

كان أحد التطورات التي كنت أعلق عليها آمالا كبيرة هو نهاية إفلات إسرائيل من العقاب في القضية المرفوعة ضد إسرائيل في جنوب أفريقيا في لاهاي. وقد شعرت بقدر كبير من البهجة عندما سمعت بيانا صحفيا أصدرته منظمة (بتسيلم) في العشرين من مايو، والذي جاء فيه أن «عصر إفلات صناع القرار الإسرائيليين من العقاب قد انتهى». ولكن تبين أن هذا بهجتي كانت تفاؤلا زائفا. فحتى الآن لم يتراجع القادة الإسرائيليون عما يفعلون. كان ينبغي لي أن أدرك ذلك في وقت سابق، بعد سنوات من الإحباط نتيجة خوض معارك عقيمة من أجل حقوق الإنسان ضد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وخاصة فيما يتصل ببناء المستوطنات غير الشرعية.

بالنسبة للإسرائيليين، أصبحت أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضي أشبه بما وصفه الطبيب النفسي القبرصي التركي فاميك فولكان. وقد أطلق (فولكان) على هذه الصدمة اسم «الصدمة المختارة»، ووصفها بأنها حدث يربط بين شعور المجتمع بذاته، حتى وإن كان بإمكانه إغلاق الباب أمام إمكانية الشفاء وإحلال السلام.

ولكن أحداث السابع من أكتوبر ليست الصدمة الوحيدة المختارة في تاريخ إسرائيل المتقلب. فكثيرًا ما تروي إسرائيل العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها مليئة بالصدمات التي لا تُنسى أبدًا، والتي تستخدم «لإضفاء الشرعية على قتل الفلسطينيين كأداة فعّالة للحفاظ على دولة يهودية آمنة وإعداد الشباب الإسرائيلي ليكونوا جنودًا صالحين ويواصلوا ممارسات الاحتلال»، كما تقول الأستاذة الإسرائيلية نوريت بيليد-إلهانان، في دراستها التي نشرتها عام 2010 تحت عنوان «شرعنة المجازر في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية».

إن احتمالات استيقاظ الشعب الإسرائيلي في نهاية المطاف وإدراكه للأضرار التي ألحقها بالفلسطينيين في الماضي والحاضر ضئيلة للغاية. ففي شهر مايو، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 39% من الإسرائيليين يرون أن الرد العسكري الإسرائيلي ضد حماس في غزة كان صائبًا، في حين يرى 34% أن الرد لم يكن كافيًا، في حين يرى 19% فقط أنه تجاوز الحد. ويبدو احتمال استيقاظ هذا الشعب من سباته بعيد المنال.

ولا يوجد أمل في أن يتراجع تيار الدعم غير المشروط لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة في أي وقت قريب. أو أن تبدأ الحكومة الأمريكية في إدراك أن الدعم غير المشروط لإسرائيل يؤدي إلى هزيمة الذات ويضر بإسرائيل فضلًا عن أنه مكلف للغاية.

ولكن على الرغم من كل ما سبق، تظل الحقيقة المؤلمة هي أن الفلسطينيين هم لب المسألة. فبعد نجاحها العسكري في عام 1967، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان: «نحن الآن إمبراطورية». وبعد سبعة وخمسين عاما، تظل إسرائيل عاجزة عن تحقيق السلام لأنها ترفض مرارا وتكرارا الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. والواقع أن نجاح إسرائيل المزعوم في قص أجنحة حزب الله قد جعلها تشعر بالنشوة بالفعل، الأمر الذي أكد اعتقادها بأنها قادرة على المضي قُدمًا في تدمير الفلسطينيين في غزة، وأنها ستتمتع بحرية التصرف في الاستيلاء على فلسطين بأكملها لإقامة إسرائيل الكبرى.

ولكن بعد أن خاضت إسرائيل معارك على عدة جبهات، عانى اقتصادها، ولم يتضاءل اعتمادها على الدعم من الولايات المتحدة، التي أحرجتها مرارًا وتكرارًا. وسوف يتضح قريبًا أن إسرائيل سوف تضطر إلى الاستمرار في خوض حرب تلو الأخرى، وسوف تظل أمة تحت الحصار إلى الأبد إذا استمرت على هذا المسار. ولن تجد الدولتان سبيلًا للعيش معًا في سلام في وطننا المشترك إلا عندما تدرك إسرائيل أن تكلفة تدمير الفلسطينيين باهظة للغاية.

رجا شحادة محامٍ وكاتب فلسطيني ومؤسس منظمة الحق لحقوق الإنسان. أحدث كتاب له هو «ما الذي تخشاه إسرائيل من فلسطين؟».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الفلسطینیین فی الضفة الغربیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

مقدار ما تدرك به المرأة الصلاة بعد انقطاع الحيض.. دار الإفتاء توضح

أجابت دار الإفتاء المصرية ، على سؤال ورد إليها بشأن أقل ما تدرك به المرأة الصلاة عند انقطاع الحيض عنها، حيث أوضحت عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، أن أقل ما تدرك به الصلاة في حق المرأة المكلفة هو مقدار ما يسع تكبيرة الإحرام.

وأشارت الدار ، إلى أن إدراك المرأة لتكبيرة الإحرام قبل خروج وقت الصلاة يعد إدراكا للصلاة نفسها، لأن من أدرك جزءا من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها شرعا وهذا يوجب عليها أداءها في وقتها.

وفي سياق متصل ، شددت دار الإفتاء على عدد من السلوكيات والأذكار المرتبطة بالصلاة من بينها السنة عند سماع الأذان، حيث أكد الشيخ محمود الطحان أمين الفتوى ، أن الأصل أن ينتظر المسلم حتى يتم المؤذن أذانه ثم يردد الأذان خلف المؤذن تأسيا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وأوضح أمين الفتوى، في تصريحات تلفزيونية  أن وقت الأذان هو وقت ذكر واستحضار ويستحب فيه الترديد حتى الوصول إلى حي على الصلاة حي على الفلاح، حيث يقال حينها لا حول ولا قوة إلا بالله لما تحمله من معاني الاستعانة وطلب العون من الله على الطاعة وترك الانشغال.

وأكد أن هذه العبارة تعني أن الإنسان لا يترك مشاغله ولا يقبل على الطاعة إلا بقوة من الله وتوفيقه ، قائلا المؤذن يدعونا للصلاة وأنا أحتاج همة لأترك ما أنا منشغل به فأقول لا حول ولا قوة إلا بالله.

هل تجوز صلاة الرجل بـالفانلة الحمالات بسبب الحر؟.. الإفتاء تجيبحكم قضاء صيام يوم عاشوراء.. دار الإفتاء تجيبأمين الإفتاء: يجوز الصلاة مع الأذان ولكن يفضل الاقتداء بسنة النبيهل غسل يوم الجمعة واجب أم مستحب ؟.. دار الإفتاء توضح بالدليل


هل يجوز للحائض قراءة القرآن من الهاتف


قال الدكتور إبراهيم عبد السلام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه لا حرج على المرأة في قراءة القرآن خلال فترة الحيض من الهاتف المحمول أو من حفظها، مؤكدا أن النهي خاص بمس المصحف الورقي فقط، وليس بقراءة القرآن عموما.

وفي لقاء تلفزيوني مع الإعلامية زينب سعد الدين، أشار عبد السلام إلى أن قراءة المرأة للقرآن بصوت مسموع جائزة أيضا، بشرط الالتزام بالآداب وعدم الخروج عن إطار التدبر والتعليم والعبادة.

من جانبه، أكد الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا بالأزهر، أن استخدام الهاتف أو الوسائل الإلكترونية الأخرى في قراءة القرآن أمر جائز شرعا، ولا يعد مخالفا للأحكام الشرعية، مستشهدا بآراء فقهية تجيز ذلك للحائض، حفاظا على صلتها بالقرآن وعدم نسيانه.

وفي ذات السياق، أفتت دار الإفتاء المصرية بجواز تلاوة القرآن للمرأة الحائض من أي مصدر غير المصحف الورقي، كالهاتف أو الأجهزة اللوحية، خصوصا إذا كانت معتادة على ورد يومي أو ترغب في حفظ القرآن أو تعليمه.

طباعة شارك دار الإفتاء انقطاع الحيض الترديد خلف الأذان الصلاة

مقالات مشابهة

  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 60 فلسطينيًا
  • مقدار ما تدرك به المرأة الصلاة بعد انقطاع الحيض.. دار الإفتاء توضح
  • عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين بمجازر جديدة للعدو الإسرائيلي بقطاع غزة
  • عاجل| مصادر للجزيرة: خريطة إعادة التموضع التي عرضها الوفد الإسرائيلي في المفاوضات تبقي كل مدينة رفح تحت الاحتلال
  • المرأة التي زلزلت إسرائيل وأميركا
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 74 شهيدًا
  • قائد أنصار الله: كل شركات النقل البحري التي تتحرك لصالح العدو الإسرائيلي ستعامل بالحزم
  • أولمرت: أعداؤنا هم المليشيات اليهودية العنيفة التي تنكل بالفلسطينيين
  • الجيش الإسرائيلي يشكو من تكلفة الحرب ويلمح لصفقة تبادل أسرى
  • غروندبرغ في مجلس الأمن: المخاطر التي تواجه اليمن كبيرة للغاية