لجريدة عمان:
2025-05-09@19:56:06 GMT

عش حياتك.. لا ترضِ الآخرين!

تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT

عش حياتك.. لا ترضِ الآخرين!

يقول ابن قيم الجوزية: «رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك فاترك ما لا يدرك وأدرك ما لا يترك»، أما الإمام الشافعي -رحمة الله عليه- فيؤكد قائلا: «إنك لا تستطيع أن ترضي جميع الخلق، فأصلح ما بينك وبين الله في شأنك كله، ثم لا تبالِ بالناس».

ما يدفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو كثرة ما نراه من تودد ونفاق و«تطبيل» وتصرفات غريبة تصدر عن بعض الناس الذين يتخلون عن قيمتهم الإنسانية ويجحفون حقوقهم الطبيعية، قد نعتبرهم أشخاصا واهمين وليسوا -كما يعتقدون أنفسهم- من العقلاء، حتى وإن كانت لديهم قناعة وأسلوب معين يجعلهم يتلونون ويتفننون في قلب الحقائق وإخفائها عن أصحابها، هم أدمنوا الشرب من قارورة التنازلات سواء من مكانتهم أو عاداتهم وتقاليدهم فقط لإرضاء الآخرين حتى وإن كانوا «تافهين في أقوالهم وأفعالهم» إلى أبعد مدى.

العاقل هو من لا يهتم لما يقال عنه، فهو يعرف ذاته وحدوده، والله أعلم بحاله ونيته، لذا فهو لا يقلل من قيمته بتبرير أفعاله لأنه يعي أن سر الفشل في هذه الحياة هو محاولة إرضاء الجميع على حساب نفسه.

ثق جيدا من أمر مهم وهو عندما تقبل بأن تكون «تافها» في حديثك وفي اختياراتك وفي أسلوب حياتك فأنت بذلك تقلل من قيمتك كإنسان منحه الله الكثير من النعم والفضائل ليكون عزيزا بنفسه، قد يضر بمَن حوله أكثر مما يسببه من حرج لذاته، إذن لا تستغرب أن تجد «مهرجا» غايته استقطاب الناس حوله حتى وإن صدرت منه حركات غريبة أو يتحدّث بأسلوب فظ لا قيمة له في الحياة؛ كل ذلك في سبيل إرضاء الآخرين والتقرّب منهم.

أحيانا نسمع البعض يقول: فلان «يضحكنا أو يسلينا»، وهو نصف دوني؛ فهذا الذي يسليك ليس كائنا يلعب في سيرك عالمي، بل شخصية ربما منحه الله القدرة على إدخال السرور على قلبك، إذن هو ليس انتقاص من قيمته -كما ترى- بل هو أمر يجب اعتباره إيجابيا وليس سلبيا -كما يراه البعض. هذا القول بأن فلان يسلينا هو تعبير صريح بأن الشخص الذي يقوم بذلك لا قيمة له في أرض الواقع، فكم من شخصيات «فكاهية» أضحكت العالم بمهارتها وتفردها، وبثت في نفوس الناس السعادة وفرّجت الهموم في مراحل زمنية كانت صعبة للغاية، واستطاعت أن تحجز لنفسها مكانة وقيمة فنية حاضرة في أذهان الناس حتى وإن ذهبت في طريق الفناء؛ لأنها شخصيات لن تتكرر في حياتنا بسهولة ومثال ذلك: «شارلي شابلن، ومستر بين، وعربيًّا إسماعيل ياسين وغيرهم».

الإنسان الرشيد هو من يحفظ نفسه، ويقيم علاقاته مع الناس على مبدأ الاحترام المتبادل حتى وإن كان لطيفا معهم في أسلوب حياته، فهذا الأمر ليس معناه انتقاصا أو هبوطا من قيمة الإنسان بل هو تفرد وقيمة، لكن الإنسان الذي يتعمّد «الهرج والمرج» هو الإنسان المختلف عن الأول تماما، لديه مآربه وأهدافه من أعماله البهلوانية.

الشخص اللطيف ليس «كومبارس أو أراجوز» يتحرك أو يقوم بأعمال سخيفة بغية إضحاك الناس عليه، بل قد يكون أفضل من الأشخاص الذين يقهقهون طويلا ويستمتعون بما يقوله أو يفعله من حركات.

بعض الناس في قمة الشدة تجدهم أكثر هدوءا وسكينة، وربما يضاحكك رغم أن قلبه يمتلئ بالأسى والألم، يتحمّل البعض أعباء كثيرة لا يعلم شدتها إلا الله، ومع ذلك يبدون أكثر قوة في مواجهة الألم وشدته.

إذن، لا تقلل من شأن الضعفاء والبسطاء واللطفاء بل كن قريبا منهم، قد يكونوا بالنسبة لك شمعة مضيئة، لكنها تحترق مع الوقت لتنتهي لا محالة، لذا كن خيرا محبا لكل شخص استراح له قلبك ومنحك الابتسامة والفرح ولا تتعاطف مطلقا مع أشخاص يدّعون اللطف وخفة الظل والدم.

في هذه الحياة هناك أشخاص يقسون كثيرا على أنفسهم، يهبطون إلى مستويات متدنية في سلم الآدمية، لا نجد لبعضهم المبرر الكافي لنقنع أنفسنا بأنهم مجبرون على ذلك من أجل إرضاء الآخرين، أو نفسّر كل ما يفعلونه من أعمال أو من عبث يجرح من إحساسهم، أو يقبلون بأمور لا تليق بأعمارهم أو مكانتهم.

الله سبحانه وتعالى كرّم النفس البشرية وحفظ لها كرامتها، فهذه الكرامة ليست في الحياة فقط بل وبعد الممات أيضا، لذا علينا أن نعي أن قبول التنازلات سواء كان للإطراء أو للتقرب إلى الآخرين أو للحصول على منفعة دنيوية هي أمور لا ينبغي الذهاب إليها حتى في أقوى الظروف وأصعبها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حتى وإن

إقرأ أيضاً:

الشباب.. بين هواجس الحياة وفرص العمل

 

 

 

سالم البادي (أبومعن)

 

الشباب هم عماد الوطن وأساس تقدمه، هم قوة العمل المستقبلية وقادة الغد، هم قادة التغيير والمساهمون في التنمية.

في عالم اليوم المعقد بالمتغيرات والتقلبات المتسارعة يعيش الشباب في خضم تحديات جمَّة، تتراوح بين هموم شخصية وأخرى عامة تتعلق بالمجتمع والوطن. تتشابك هذه الهواجس لتشكل نسيجًا معقدًا يؤثر على حياة الفرد والمجتمع ككل.

ومن أبرز هذه الهواجس، تلك المتعلقة بالوضع الاقتصادي؛ حيث يواجه الشباب تحديات مثل عدم الاستقرار المالي، وقلة فرص العمل.

هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على مستوى الاستقرار، وتولد شعورًا بالقلق وعدم الأمان، بالإضافة إلى ذلك، تبرز هواجس أخرى تتعلق بالصحة والتعليم، حيث يسعى الشباب إلى توفير الرعاية الصحية الجيدة والتعليم المتميز، ويواجه في سبيل ذلك تحديات مثل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، ونقص الخدمات التعليمية، وارتفاع الأسعار.

لا يُمكن إغفال الهواجس المتعلقة بالجانب الاجتماعي والسياسي، حيث يشعر الشباب بالقلق إزاء قضايا تخصه بالذات. وقد تؤثر على ثقته في مؤسسات الدولة، وتولد شعورًا بالإحباط وعدم الانتماء.

لذلك.. من الضروري أن تحتوي الدولة شبابها وتوليه العناية والرعاية التي يستحقها، وكذلك على المجتمع أن يعمل على معالجة هذه الهواجس من خلال توفير بيئة اقتصادية مستقرة، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتعزيز العدالة والمساواة، وذلك لبناء مجتمع أكثر تماسكًا وازدهارًا.

ويمكن القول إن الشباب في هذا العصر يواجهون تحديات ومآسي متنوعة. أذكر منها: صعوبة العثور على فرص عمل مناسبة، مما يؤدي إلى الإحباط وفقدان الثقة بالنفس، وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة تحقيق الاستقرار المالي، مما يؤثر على قدرتهم على الزواج وتكوين أسرة. وتأخر سن الزواج، وصعوبة تحمل مسؤوليات الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق.

إلى جانب ضغوط التوافق مع معايير المجتمع، والعزلة الاجتماعية، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار مشاكلها وجرائمها الإلكترونية.

أيضًا صعوبة الحصول على تعليم جيد، وارتفاع تكاليف الدراسة، وتحديات الحصول على فرص عمل بعد التخرج.

وفيما يتعلق بالصحة النفسية، فقد تزيد معدلات القلق والاكتئاب والتوتر، بسبب الضغوط الحياتية، والتغيرات السريعة من حولنا.

كما إنَّ الحروب والصراعات في العالم، وعدم الاستقرار السياسي، تؤثر على مستقبلهم وتخلق شعورًا بعدم الأمان.

وفي جانب القيم والأخلاق، نشهد تغيرات في القيم والأخلاق، وصعوبة التمسك بالهوية الثقافية في ظل العولمة. علاوة على التعرض للمخدرات والإدمان، مما يدمر حياتهم ويؤثر على صحتهم النفسية والجسدية. فضلًا عن الشعور بالتمييز والظلم، وعدم المساواة في الفرص، مما يخلق شعورًا بالظلم والإحباط.

هذه مجرد بعض التحديات التي يواجهها الشباب اليوم، وهي تتطلب منا جميعًا أن نكون أكثر تفهمًا ودعمًا لهم.

وبناءً على ما سبق قد نجد بعض التداعيات والنتائج السلبية، منها انخفاض الإنتاجية والنمو الاقتصادي، وتراجع مستوى المعيشة، وصعوبة الحصول على الدخل اللازم لتلبية الاحتياجات الأساسية، وارتفاع معدلات الجريمة (خاصة السرقات والنهب والنصب) وزيادة العنف بسبب اليأس والإحباط، وزيادة التوترات الاجتماعية والاضطرابات، وفقدان المهارات، مثل فقدان العمال لمهاراتهم وقدراتهم بسبب عدم ممارستها. أيضًا هجرة الشباب المتعلم والمدرب إلى الخارج بحثًا عن فرص عمل أفضل. وزيادة العبء على الخدمات الاجتماعية في ظل زيادة الطلب على المساعدات الاجتماعية والخدمات الصحية، وانخفاض الإيرادات الضريبية بسبب انخفاض الدخل والإنفاق.

لكن هناك عدة حلول لقضايا الشباب؛ منها: توفير برامج تدريب وتعليم لتزويد الباحثين عن عمل بالمهارات المطلوبة في سوق العمل، وتشجيع رواد الأعمال وتوفير الدعم المالي والفني لهم لخلق فرص عمل جديدة، وتحسين ظروف العمل وتوفير بيئة عمل جاذبة للاستثمار وخلق فرص عمل، وضرورة الاستثمار في مشاريع البنية الأساسية بما يخلق فرص عمل في قطاعات مثل البناء والنقل. إلى جانب تقليل الاعتماد على قطاع واحد وتنويع مصادر الدخل لخلق فرص عمل في قطاعات مختلفة، وتسهيل حصول الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التمويل السريع لتوسيع أعمالها وتوظيف المزيد من العمالة، وتوفير معلومات دقيقة وسريعة حول احتياجات سوق العمل لمساعدة الباحثين عن عمل على اتخاذ قرارات مستنيرة.

كما يجب العمل على تطوير نظام تعليمي يواكب متطلبات سوق العمل ويوفر المهارات اللازمة للشباب، وأخيرًا تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ برامج التوظيف وتنمية المهارات.

ولتحفيز الشباب على الاعتماد على النفس، يمكن اتباع عدة استراتيجيات، منها: التوعية والتعليم، من خلال توفير برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى تنمية المهارات اللازمة لسوق العمل، ورفع مستوى الوعي بأهمية الاعتماد على الذات، وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات الناشئة، وتوفير التمويل والدعم الفني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع العمل الحر والعمل عن بعد، وتوفير الأدوات والمنصات اللازمة لذلك، وخلق فرص عمل مناسبة للشباب، وتوفير بيئة عمل محفزة ومجزية، وتعزيز ثقافة العمل والإنتاجية، وتشجيع الشباب على المبادرة والإبداع والابتكار، إلى جانب توفير برامج لدعم الأسر المنتجة، وتمكين المرأة والشباب من المشاركة في التنمية الاقتصادية، فضلًا عن تعزيز الشفافية في إدارة الموارد، ومكافحة الفساد، مما يعزز ثقة الشباب في الحكومة.

ومن خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للمجتمع والحكومة والقطاع الخاص العمل معًا لتحفيز الشباب على الاعتماد على أنفسهم والمساهمة في بناء مجتمع مزدهر ومستدام.

وأخيرًا.. إن الدول التي تفتقر إلى كفاءات الشباب الوطنية تواجه تحديات كبيرة في التنمية والابتكار، ويعتمد النمو الاقتصادي والاجتماعي على قوة العمل الشابة، والأفكار الجديدة، والقدرة على التكيف مع التغيرات. ودون شباب الوطن، قد تواجه الدول صعوبة في الحفاظ على التنافسية، وتطوير التكنولوجيا، وتلبية احتياجات السكان المتغيرة. إضافة إلى ذلك، قد تعاني الدول من نقص في العمالة الوطنية، وانخفاض في الإنتاجية، وتراجع في مستوى المعيشة.

لذلك، فإنَّ وجود شباب وطني نشط ومشارك أمر ضروري لاستمرار الدول وازدهارها، أما الدول التي تفتقر إلى الشباب فتواجه خطر الشيخوخة والانحدار.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • خالد الجندي: الرضا أعظم نعمة.. والبلاء قد يكون سببًا في إدراك نعم عظيمة
  • خالد الجندي: الابتلاء كله خير ويرفع الدرجات
  • «التبرُّع بالأعضاء».. أمل جديد نحو الحياة
  • أغلى الناس في قلب أمي.. ابنة رجاء الجداوي تعلق على صورتها مع هالة صدقي
  • أشد الناس عذابًا يوم القيامة.. من هم «المصوِّرون» الذين حذّر منهم النبي؟
  • أمين الإفتاء: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة
  • الشباب.. بين هواجس الحياة وفرص العمل
  • مدرب تنمية بشرية: الإدراك المفتاح الخفي لتغيير حياتك ونجاحك
  • الناس قاعد ترجع الخرطوم الليلة كميات كل يوم وعارفين كهرباء ماف ومويه ماف وعلاج ماف
  • هل تقبل صلاتي بدون خشوع وتركيز؟.. أمين الإفتاء يجيب