ألسن عين شمس تحتفل بأسبوع اللغة الإيطالية
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
استقبلت الدكتورة سلوى رشاد، عميد كلية الألسن بجامعة عين شمس، الدكتور رافّائيله پــينتانچـِلو، الملحق الثقافي والقائم بأعمال مدير المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة.
جاء ذلك ضمن فعاليات احتفالية انطلاق أسبوع اللغة الإيطالية في العالم في نسخته الرابعة والعشرين تحت عنوان: "الإيطالية والكتاب: العالم بين السطور"، بحضور الدكتورة داليا جمال، رئيس قسم اللغة الإيطالية.
وأكدت عميد كلية الألسن بجامعة عين شمس أن هذا الانطلاق من الكلية التي بها أعرق أقسام اللغة الإيطالية في مصر والوطن العربي بتاريخه الذي يقترن بتاريخ كلية الألسن منذ نشأتها في خمسينيات القرن الماضي، يأتي ثمرة لتعاون فعال بين كلية الألسن والسفارة الإيطالية بالقاهرة.
ونوهت عميد كلية الألسن بجامعة عين شمس عن ضرورة فتح أفاق أوسع مما يعكس عمق العلاقات المصرية الإيطالية ليس فقط في مجال اللغة والثقافة وإنما في شتى المجالات.
وأشار الدكتور رفّاييله بنتانجيلو، الملحق الثقافي والقائم بأعمال مدير المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة في كلمته على ضرورة العودة إلى قراءة الكتب في ظل عالم طغت عليه الرقمية وحلت فيه الهواتف الذكية محل الكتب الورقية.
وأكد أن مصر تعد مثالا يحتذى في تقدير الكتاب والحفاوة به عبر إنشاء مكتبة الأسكندرية وتوفير البيئة العلمية لتأليف الكتب في مختلف المجالات، وأيضًا إيطاليا كان دور الكتاب فيها مهمًا للغاية خاصة مع انتشار الأمية في أواخر القرن التاسع عشر، فساهم توحيد الكتاب المدرسي في محو تلك الأمية ونشر لغة إيطالية موحدة في كل أقاليم إيطاليا بعد أن كانت دويلات منقسمة تفتقد الوحدة اللغوية.
وبعد أن انتهى من إلقاء كلمته، كرم الدكتور رفّاييله بنتانجلو الطالبة بالفرقة الرابعة بالقسم آية مصطفى لفوزها في مسابقة "ارسم غلافًا لكتابك المفضل" وقد أهدى للطالبة مجموعة من الكتب الثمينة المقدمة لها من المركز الثقافي الإيطالي بالقاهرة.
وقدمت الدكتورة داليا جمال، رئيس قسم اللغة الإيطالية بكلية ألسن عين شمس، نبذة عن التاريخ العريق للقسم وجهد أساتذته عبر السبعين عاما الماضية بوصفه أول قسم للدراسات الإيطالية بمصر، كما شكرت أساتذة قسم اللغة العربية وأثنت على تعاونهم الدائم مع قسم اللغة الإيطالية.
جلسات مؤتمر انطلاق أسبوع اللغة الإيطاليةأعقب ذلك أولى جلسات المؤتمر- وهو مكون من جلستين أدارهما أ.د. فوزي عيسى أستاذ الأدب بالقسم- وقد شملت عرض إسهامات بحثية، اثنين في الأدب الإيطالي قدمهما كلً من د. بسمة عزت، مدرس الأدب بالقسم التي تحدثت عن الهشاشة النفسية في رواية "المرحلة العمرية الهشة" للكاتبة "دوناتيلا دي بيترانطونيو"وأنها لا تقتصر على الطفولة بل تشمل كل مراحل حياة الإنسان، ود. مينا شحاتة، مدرس اللغة بكلية ألسن الفيوم الذي تحدث عن معاناة المرأة في زمن الحرب مقارنًا بين رواية للكاتب الإيطالي "ألبرتو مورافيا" ورواية للكاتب المصري محمد البساطي. أما المداخلة الثالثة كانت من نصيب أ.د. سيد محمد السيد قطب، أستاذ النقد المتفرغ بقسم اللغة العربية بالكلية، الذي شاركنا فيها رؤيته حول تعدد الأصوات في أحدث الترجمات التي قدمها ثلاثةٌ من شباب المترجمين ومن أعضاء الهيئة المعاونة بقسم اللغة الإيطالية وهم منة عصام وشيماء السيد وإسلام فوزي، بالإضافة إلى مداخلة الكاتب والمفكر الإيطالي المصري عمر فريد ريكاردو، الذي ولد لأب من سوهاج وأم من ميلانو وعاش في مصر لفترة، جعلته شاهدا على العصر وعلى لغة الطليان الذين عاشوا في القاهرة والأسكندرية فكان لبعدهم عن وطنهم أثره في لغتهم التي احتفظت بأصالتها ولم تواكب التطور اللغوي الذي حدث للغة الإيطاليين في عقر دارهم.
ولم تقل الجلسة الثانية عن الأولى في إمتاعها ونفعها، فزخرت أيضًا بالمداخلات الثرية، اثنين منهم في الأدب الإيطالي قدم أولاهما أ. محمد أشرف، المعيد بالقسم الذي تحدث عن الرواية البوليسية "البنت في الضباب" للكاتب الإيطالي "دوناتو كارّيزي" وكيفية استغلال المحقق للقضية من أجل تحقيق الشهرة والمصالح، وثانيهما قدمتها باحثة الماجستير أ. ريهام محمد التي تحدتث عن معاناة الشعب الإيطالي في ظل الحكم الفاشي من خلال رواية "خبز فطير" للكاتب الإيطالي "جوفاني ميريانا". كما عرضت أ. هالة هشام، المعيدة بالقسم، ورقتها البحثية في الترجمة متحدثة عن كيفية نقل العتبات النصية والسمات النحوية والثقافية في رواية (ذات) للكاتب المصري صنع الله إبراهيم إلى اللغة الإيطالية. وقد أفاد الطلاب كثيرا من مداخلة أ. سامح الشيخ، مهندس الدعم الفني بشركة مايكروسوفت وهو أحد خريجي قسم اللغة الإيطالية، حيث قدم نصائحه للطلاب لكي يقتحموا سوق العمل ويستثمروا اللغة الإيطالية وأي لغة أجنبية ثانية يدرسونها ليتمكنوا من رسم مستقبلهم المهني. والشكر موصول لقسم اللغة العربية الذي شرفنا بثاني مداخلاته في المؤتمر بحديث أ.د. ماجد مصطفى الصعيدي، أستاذ الأدب والنقد المتفرغ بالقسم، عن دراسات الأدب الإيطالي التي نشرت في مجلة الألسن للترجمة. وكان ختامها مسك مع العرض المسرحي الرائع الذي قدمه طلاب بالفرقة الثانية بالقسم بعنوان "الفخ الرقمي" تحت إشراف د.مارينا فهيم مدرس الأدب بالقسم التي كتبت سيناريو وحوار المسرحية فأبدعت وقدمت رسالة بليغة لجيل شباب اليوم الذي حاصرته وسائل التواصل الاجتماعي من كل جانب، فأفقدته قيمة الكتاب الذي يقدم العلم الحقيقي وجعلته ينفصل عن واقعه ويفقد الثقة في ذاته وينعمس في عالم افتراضي لا تنتهي فيه المقارنات.
وفي نهاية هذه الاحتفالية الثقافية المثمرة وزعت شهادات تقدير على المشاركين في المسرحية وعلى أعضاء اللجنة العلمية والتنظيمية، وكذلك إفادات حضور لأصحاب المداخلات في جلسات المؤتمر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: اللغة الإيطالية عين شمس جامعة عين شمس الألسن كلية الألسن الملحق الثقافى کلیة الألسن عین شمس
إقرأ أيضاً:
سياسات اللغة العربية وآفاقها
ترتبط اللغة بالإبداع الثقافي والعلمي، من حيث قدرتها على تجليها وتقديمها باعتبارها نتاجًا إنسانيًا؛ ولهذا فإن اللغة العربية واحدة من تلك اللغات الإنسانية التي قدمت للعام عبر تطوراتها المختلفة أهم الآداب والعلوم، التي سعى العالم إلى التعرُّف إليها عبر وسائل مختلفة سواء عن طريق الترجمات، أو المراجعات، أو التحليل، أو غير ذلك؛ الأمر الذي جعلها دائما في صدارة اللغات المرتبطة بالإبداعات الحضارية.
فاللغة العربية قدَّمت خلالها تاريخها محتوى مرتبطًا بالابتكار والاستكشاف. ولعل ما تكشفه مصادر الكتب المتخصصة في العلوم الطبية والعلمية المختلفة إضافة إلى الفلسفة والآداب والفنون وغيرها، تقدِّم أدلة واضحة عن قدرة هذه اللغة وإمكاناتها الإبداعية واللغوية التي مكَّنتها من أن تكون جسرا حضاريًا معرفيًا يربط بين العالم العربي والعوالم الحضارية الأخرى، وأن تقدِّم هذا العالم كما يستحق وأن تضعه في مكانته بين الحضارات الإنسانية.
ولأن التحولات التقنية المتسارعة وأنماط الحياة المعاصرة تفرض على اللغات الإنسانية عموما واللغة العربية بشكل خاص، اتخاذ سبل مغايرة بُغية تحقيق التوازن بين أصالة الدور الحضاري الذي تؤديه، والمتغيرات التقنية الحديثة التي انحازت إلى لغات دون أخرى، الأمر الذي يدفع الدول إلى اتخاذ إجراءات تُعزِّز من دور لغتها الرسمية في أداء دورها الإنساني ليس فقط لأنها تمثل تاريخها الحضاري بل لأنها سُلطة تمثل سيادة الدول وهُويتها الوطنية المستقلة.
ولهذا جاء الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية للعام 2025، الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر من كل عام تحت عنوان (آفاق مبتكرة للغة العربية. سياسات وممارسات ترسم مستقبلا لغويا أكثر شمولا)؛ بهدف استكشاف (قدرة الابتكار والشمول على رسم ملامح مستقبل اللغة العربية)، وفق مقتضيات التحولات المتسارعة، التي من شأنها تعزيز مكانة اللغة اعتمادًا على إمكانات الإبداعات والابتكارات التي تقدمها للعالم؛ فالابتكار يُسهم إسهاما مباشرا في تمكين اللغة وتأسيس أنماط تطوراتها.
إن التحولات التقنية المعاصرة، وما يواكبها من ثورة معرفية في مجالات الابتكار تمثِّل فضاءً واسعا للغات عموما وللغة العربية خاصة، من خلال ما تفرضه من إمكانات ومعطيات، ولهذا فإنها تحتاج إلى ممكنات تساعدها على مواكبة تلك التحولات والاستفادة منها؛ فاللغة العربية تحتاج اليوم إلى مراجعة السياسات والممارسات التي تجعلها أكثر قدرة على مواكبة تلك التحولات، من حيث المهارات التعليمية وأساليب تدريسها من ناحية، وترسيخ دور الإعلام الحديث في النظر إليها باعتبارها ممكنِّا حضاريا لمهارات الإبداع والابتكار من ناحية أخرى.
إضافة إلى ذلك فإن سياسات التقنيات الحديثة تقدِّم اللغة باعتبارها قوة للتحولات الاجتماعية، تقود العديد من الممارسات وتوجِّهها نحو الأفكار الجديدة وفق مقتضيات ذات أبعاد عالمية، لا تؤثر على المفاهيم المجتمعية والحضارية وحسب، بل تغيِّر تلك المفاهيم نحو أخرى تحت مسميات تبدو أكثر جاذبية، غير أنها تسعى إلى تنميط المجتمعات وفق أنماط عامة لا تراعي الخصوصيات بل حتى الهُويات المجتمعية المتمايزة.
إن أهمية تحديث السياسات والممارسات الخاصة باللغة العربية ومراجعتها وفق المقتضيات المعاصرة، له أهمية كبرى في إدارة التحولات الاجتماعية، وتحقيق الأهداف الوطنية الساعية إلى حفظ اللغة العربية وتنميتها وتطوير أنماطها؛ الأمر الذي يعزِّز حضورها المتجدِّد في الأنظمة التعليمية بما يتوافق مع التطورات الحديثة، مما يجعلها قادرة على تلبية احتياجات فئات الناشئة والشباب بشكل خاص، إضافة إلى أهمية حضورها في المنصات الرقمية والبرامج الإلكترونية، بما يدعم اتخاذها أداة أساسية للإبداع والابتكار.
ولهذا فإن تخصيص الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية لمناقشة هذه السياسات والممارسة يمثِّل أهمية كبرى، في ظل تلك التطورات التي جعلتها أقل حضورا بالمقارنة مع لغات أخرى اتخذتها البرامج والمنصات التقنية أساسا لها.
إن مراجعة السياسات بما يتواكب مع مستقبل اللغة العربية وما تنشده الدول لتعزيز حضورها يرسِّخ مبدأ المساواة بين اللغات، وهو أمر مهم انطلاقا من أهمية اللغة للمجتمعات وتمثيلها لهُويتها الوطنية وسيادتها المستقلة.
من هذا المنطلق فإن السياسات والممارسات الممكِّنة للغة العربية، تُسهم في تمكين المجتمعات وضمان الحفاظ على هُويتها المتميِّزة وقدرتها على مواكبة التطلعات والتكيُّف معها من ناحية، والحفاظ على ثقافتها وتراثها الحضاري من ناحية أخرى. فالمكانة الحضارية التي تمثلها اللغة العربية في مجتمعنا، تحتاج إلى ترسيخ للأجيال حاضرا ومستقبلا، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه سوى عن طريق مواكبتها لاحتياجاتهم التقنية والإبداعية، وتوفيرها باعتبارها معطى أساسيا للابتكار.
إننا نحتاج لمراجعة وتأسيس سياسات وممارسات لغوية تساعد وتعين التطورات التقنية، للكشف عن مكنونات هذه اللغة، وقدرتها اللغوية والثقافية على إيجاد مساحات واسعة للإبداع؛ فما تقدمه المعجمات اللغوية التقنية وبرامج التطبيقات اللسانية وحدها لا يكفي لقيادة تلك التحولات المتسارعة، إذ تحتاج إلى دعم تقني ومحتوى معرفي يتواكب مع تطلعات الإبداع والابتكار، وتعزيز وجود اللغة العربية باعتبارها خيار متاح وأساسي في برامج الابتكار في كافة المجالات التطبيقية.
إن اللغة العربية اليوم ليست لغة مجتمعية محلية خاصة، بل لغة عالمية تمثِّل إمكانات ذات قدرات هائلة يتوجَّب إبرازها في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد التقنية، بما يُحقِّق التوازن بين التأصيل اللغوي الذي يمثَّل الهُوية والتنوُّع اللغوي على مستوى العالم، والتقدم العلمي والتقني الذي يعكس التطورات الحضارية المتسارعة، ولهذا فإن استكشاف التأثير المتبادل وإيجاد مناطق التوازن بينهما ضرورة تنموية، خاصة في ظل تطورات برامج الذكاء الاصطناعي، التي عزَّزت مفاهيم عدم المساواة بين اللغات، الأمر الذي دفع الكثير من دول العالم إلى مراجعة سياساتها اللغوية وتعزيز لغاتها المحلية في تلك البرامج.
فبرامج الذكاء الاصطناعي الخاصة بالمحتوى الثقافي والحضاري على سبيل المثال تواجه إشكالات عدة في ظل هيمنة بعض الدول والشركات المبرمجة من حيث توجيهها وإدارة سياستها، مما جعلها أداة لإدارة التحولات الاجتماعية في العالم، من خلال السيطرة اللغوية عبر لغات بعينها تحمل ثقافة ذات أيديولوجية موجَّهة، إلاَّ أن عدم توفُّر لغة أخرى بذات الإمكانات التقنية، دفع الدارسين والمبدعين إلى اتخاذها لغة للتعاملات التقنية والإبداع والابتكار، وهكذا الحال في البرامج التقنية المتخصصة بالترجمات والمحتويات المعرفية، فحجم المادة التي توفرها منصات ومواقع البحث باللغة الإنجليزية مثلا لا يمكن الحصول عليها باللغة العربية.
إن إثراء المحتوى الثقافي الرقمي باللغة العربية، وتوفيرها في البرامج والمنصات والمواقع باعتبارها خيارًا للإبداع والابتكار، إضافة إلى دعم ممكناتها اللسانية والاجتماعية وغير ذلك، لا يمكن أن يتحقَّق سوى بإيجاد سياسات وممكنات وممارسات قائمة على تعزيز دور اللغة العربية الحضاري، الذي يتواكب مع التطورات التقنية والرقمية من ناحية، والتحولات الاجتماعية من ناحية أخرى، بما يبرز إمكاناتها ويقدمها باعتبارها لغة قادرة على مواكبة تلك التطورات والمتغيرات.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة