كان عمري ثمانية عشر عامًا حينما تزوجت، وكان زوجي يعمل في إحدى دول الخليج، واضطررت للسفر والعيش معه هناك، لذلك لم أتمكن من استكمال دراستي الجامعية، وبعد عامين من زواجي أنجبت ابني الأول وكان لي بمثابة هدية من الله عز وجل حيث كنت أعاني مرارة الغربة والوحدة، لأن زوجي كان يقضي معظم اليوم في عمله وحينما يعود إلى البيت يعود منهكًا من كثرة ساعات العمل ومشقته، بالكاد يشاركني وجبة العشاء وسرعان ما ينام حتى يستيقظ مبكرًا لعمله مع أذان الفجر، وكان ابني هو شغلي الشاغل وأنيس وحدتي.
مرّتِ السنوات وأنجبت ابنتين ليصبح عندي ثلاثة أبناء صاروا هم كل حياتي، عُدنا إلى مصر وكان أكبر أبنائي عمره عشرة أعوام، أما ابنتايَ فكان عمر الكبرى سبع سنوات والصغرى خمسة أعوام فقط، وبعد أسابيع قليلة تُوفي زوجي تاركًا لي أبنائي الثلاثة بلا معاش ولا دخل ثابت حيث كان يُعِد لعمل مشروع تجاري خاص به لكنه رحل قبل استكمال إجراءات المشروع الذي توقف بوفاته، فأنا لا أعرف شيئًا عن تفاصيل عمله ولم يكن لي أي خبرات عملية في الحياة.
رحل زوجي تاركًا لنا شقة تمليك ومبلغًا بسيطًا في البنك هو ما تبقى لنا من سنوات الغربة بعد أن خسرنا ما تم إنفاقه في المشروع، كما ترك لي حيرة مع أبنائي الثلاثة، كيف سأتحمل هذه المسئولية الكبيرة وليس لي أي خبرات في العمل، بل إني لم أكمل دراستي الجامعية وكل ما لديّ هو مؤهل الثانوية العامة فقط؟
وبدأت رحلة جديدة في الحياة للبحث عن عمل يناسب ظروفي فالمبلغ الذي ادخره زوجي في البنك لن يكفي عائده للإنفاق على أولادي ما بين طعام ودراسة وملابس وأدوية ومستلزمات البيت، وكان من الصعب جدًا الحصول على عمل أنتهي منه في منتصف اليوم حتى أستطيع العودة لرعاية أبنائي والمذاكرة معهم ومتابعة مشكلاتهم.
ومرّتِ السنوات حتى كبر أبنائي، كانت سنوات طوالًا رفضت خلالها كل عروض الزواج التي جاءتني، فقد تركني زوجي وكنت صغيرة في العمر، ورغم ثقل الحمل إلا أني تحديت نفسي وتحمّلت من أجل أبنائي.
اضطررت لبيع شقتنا التمليك الكبيرة حتى أستطيع شراء شقة لابني ومساعدته هو وأختاه على الزواج ليبدأ كل منهم حياته، وبقيت أنا أتنقل للعيش بين أبنائي، حيث لم يعُد لي مكان أقيم فيه بعد بيع الشقة.
إلا أني أدركت أننا يمكننا تحمّل أعباء أبنائنا مهما كانت ثقيلة وقاسية وهم صغار، لكن الأبناء لا يستطيعون تحمُّل مسئولية أمهاتهم وآبائهم خاصةً مع الكبر في السن والإصابة بالأمراض المزمنة التي لا يوجد لها علاج مع التقدم في العمر.
وما بين زوجة الابن وزوجَي البنتين عشت معاناة جديدة تتكرر بتكرار المشكلات، فلكل منهم حياته الخاصة التي يود الاستقلال بها دون وجودي.
ساءت حالتي النفسية وتكالبت عليّ الأمراض مع إحساسي بأني صرت عبئًا على الجميع، وانتهى المشهد بأن اتفق أبنائي على أن أعيش في إحدى دور المسنين الخاصة على أن يتحملوا تكاليف إقامتي، وكما هي القصة المعتادة في مثل هذه الحكايات، يهتم الأبناء في البدايات ولكن سرعان ما تقل الزيارات حتى تكاد تنعدم، وهو ما حدث معي.
أحيانًا أمنح أبنائي أعذارًا للغياب، لكني معظم الوقت أشعر بالحزن والوحدة والغربة وأقول لنفسي: مهما كانت أسباب غيابهم فأنا أمهم ولي حق عليهم برعايتي وصحبتي وليس من حقهم بعد كل ما فعلته لأجلهم أن يتركوني أعاني في هذا العمر، وحيدة يخدمني غرباء بالأجر.
لم أعد أعرف هل أعاود تكرار طلبي إليهم أن يهتموا بي رغم أن هذا الطلب يؤثر بالسلب على نفسيتي ويؤذيني لشعوري أني أتسول اهتمامهم، أم أسكت وأقبل بالأمر الواقع وأعيش ما تبقى من حياتي بإحساس الوحدة والغربة والحزن منهم؟
يا أمي..
هناك نعم في الحياة تفضّل الله، سبحانه، بها علينا، هي عطايا لا نشعر بقيمتها إلا حينما نفقدها، هذا هو حال البشر جميعًا، من أغلى هذه النعم «أمهاتنا» تلك البركة التي إذا غابت أظلمتِ الحياة وانطفأتِ الابتسامة وغلبتنا الهموم، وهو الأمر الذي لم يدركه أولادكِ للأسف رغم كل ما قدمتِه من تضحيات وشقاء لأجلهم، ولكن سُنة الحياة أن ينشغل كل في حاله رغم أنه من غير المقبول أن يهمل الأبناء أمهاتهم وآباءهم في وقت صاروا في أمسِّ الحاجة لهم.
وانقسام أفكاركِ هو أمر طبيعي، فالحيرة بين قلب أم اعتاد التضحية والإيثار وبين شوق أم ليس لها إلا أولادها، شعور شديد القسوة، يجب أن يدرك أبناؤكِ أن البر بكِ ليس فقط من باب الواجب وإنما هو أمر وفرض إلهي يقترن بطاعة الله عز وجل، وأن إهمال هذا الفرض لن يجلب عليهم سوى الشقاء والتعب ما تبقى من حياتهم مهما كانتِ الحياة تبتسم لهم اليوم، وأن من الذنوب التي يعاقب الله عليها مرة في الدنيا ومرة في الآخرة، ذنب عقوق الوالدين، الذي وضعه الحق سبحانه في مرتبة الكبيرة التي تستجلب غضبه وسخطه وعقابه بعد كبيرة الشرك به جل في علاه، وأن أولى درجات الإنسانية والرحمة وصحوة الضمير أن نرفق بأهلنا ونرحمهم ونصلهم وألا نقطع صلة أرحامنا معهم، كل تلك الأشياء يجب أن تصل لأبنائكِ سيدتي، فما سيفعلونه معكِ الآن سيُرد إليهم غدًا، وهو ما لا نرجوه لهم.
تحدّثي معهم يا أمي بلا حرج، فهذا حقكِ عليهم جميعًا، قولي لهم كل ما تشعرين به بوضوح شديد، وآمل أن يصل إليهم شوقكِ وألمكِ وأن يعودوا إلى صوابهم ويتقوا الله فيكِ.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
ديوغو جوتا.. قدوته رونالدو وكان يعتبر نفسه مظلوما
بعد الوفاة المأساوية للبرتغالي ديوغو جوتا نجم ليفربول، انتشر فيديو على مواقع التواصل للاعب الراحل يتحدث فيه عن أفضل لاعب في التاريخ وعن اللاعب المظلوم وغير المقدر في العالم.
وسئل جوتا عدة أسئلة من بينها، مَن برأيه أفضل هداف في التاريخ، والأسرع وعن صديقه، فكانت أجوبته كما يلي:
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ليفربول يقرر سحب القميص رقم 20 تكريما لجوتاlist 2 of 2سر اختيار جوتا السفر بالسيارة بدلا من الطائرةend of list أفضل هداف: رونالدو (قائد النصر) أكثر لاعب مظلوم وغير مقدر: جوتا اللاعب السريع: مبابي لاعب ريال مدريد صديقه المقرب: روبن نيفيز لاعب الهلال السعودي اللاعب الذي يخاف منه: هالاند مهاجم مانشستر سيتي اللاعب المجتهد: جواو نيفيز لاعب باريس سان جيرمان لاعب المباريات الكبيرة: رونالدو اللاعب المهاري: البرازيلي رونالدينيو أفضل لاعب في التاريخ: رونالدو.وتلقى عشاق نادي ليفربول وكرة القدم خبرا مأسويا بوفاة مهاجم منتخب البرتغال وشقيقه، إثر حادث سيارة مروع قرب زامورا في شمال غرب إسبانيا.
ورحلة جوتا من كونه لاعبا مظلوما إلى أن يصبح جزءا أساسيا من ناد كبير مثل ليفربول، تتحدث كثيرا عن تفانيه ومهارته، إذ فاز مع الريدز بكثير من الألقاب (لقب الدوري في 2025، وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة في موسم 2022) إلى جانب تتويجه مرتين بدوري الأمم الأوروبية مع البرتغال.
عندما انضم جوتا إلى ليفربول قادما من ولفرهامبتون يوم في 19 سبتمبر/أيلول 2020، تعهد لجماهير ناديه بأنه "يمكنها الاعتماد عليّ، لأنني الآن واحدٌ منهم".
وعلى مدار السنوات الخمس التالية، لم يكتفِ المهاجم البرتغالي بالوفاء بوعده، بل فاق التوقعات في كل شيء، داخل الملعب وخارجه.
ولم يكن جوتا مهاجما متكاملا لليفربول على أرض الملعب فحسب، بل كان أيضا يُقدّر هذه القيم في كل ما فعله. وستظل جماهير ليفربول ومجتمع كرة القدم يتذكرونه إلى الأبد.
كان جوتا مهاجما شاملا يجد دائما طريقة للتسجيل، كما يتضح من تنوع أهدافه. ورغم طوله (170 سنتيمترا)، فإن جوتا كان محط تقدير كبير في الكرات الهوائية ومتمكنا بكلتا قدميه.
إعلانوخلال فترة لعبه مع ليفربول -التي استمرت 5 سنوات- سجل جوتا 65 هدفا في 182 مباراة، منها 13 هدفا بالرأس، و19 هدفا بقدمه اليسرى.
وفي غضون 5 سنوات من انضمامه إلى "الريدز"، فرض جوتا -الذي لعب في مركز الجناح ورأس الحربة- نفسه لاعبا أساسيا في ليفربول، تحت قيادة المدرب الألماني، يورغن كلوب، ثم الهولندي آرني سلوت.
وسجل 9 أهداف في مختلف المسابقات الموسم الماضي، في طريق ليفربول نحو لقبه الـ20 بالبريميرليغ.