الكتاب: مقدمة إلى وسائل الإعلام الجديدة والثقافات الإلكترونية
الكاتب: برامود كيه نايار، ترجمة جلال الدين عز الدين علي
الناشر: مؤسسة هنداوي ، ط1، المملكة المتحدة 2017
عدد الصفحات: 338 صفحة

ـ 1 ـ

قد نحتاج إلى استدعاء أكثر من معطى أو معلومة لتنزيل أثر "مقدمة إلى وسائل الإعلام الجديدة والثقافات الإلكترونية" للكاتب برامود كيه نايار في سياقه المعرفي.

فمأتى أهمية الكتاب، فضلا عن عمق مقاربته، من اتّخاذه لما يصطلح عليه ب"الثقافة الإلكترونية" موضوعا للتّفكير ولإعادة رسم علاقات الفرد بذاته وبمجتمعه.

ولأن المجال لا يزال بكرا، يمثّل المبحث في تقديرنا، إضافة معتبرة لمبحث ما فتئ يشغل الدّارسين في مجالات الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ شأن إلزا غودارصاحبة أثر "أنا أوسيلفي إذن أنا موجود" الذي يجعل مدار قضيته الرئيسية على تابعية هوية المرء اليوم للتكنولوجي وللرقمي ولأجهزة الهواتف الذكية وكل أنماط الذكاء الاصطناعي أو شأن المؤرخ الأمريكي اللبناني ميلاد الدوايهي في أثره "التحوّل الرقمي الكبير" الذي "يعلن" اقتحام الإنسانية للطور الثالث من نموّها الذّهني.

فالإنسان الرقمي عنده طور جديد للإنسانية يمثّل منعرجا بمستوى المنعرج الذي أنتج الإنسان الصانع (Homo Fabians) وهو الإنسان المخترع أو الإنسان باعتباره كائنًا قادرًا على تصنيع الأدوات للإفادة منها في حياته اليومية والإنسان العاقل (Homo sapiens) وهو الإنسان الذي يحاول أن يجمع بين المعرفة والفضيلة في نفس الوقت بما يميّزه عن سائر الكائنات. وكنّا قد قدّمنا الأثرين في هذا الفضاء.

ـ 2 ـ

يبتكر برامود كيه نايار مفهوما مركزيا جديدا هو الثقافة الإلكترونية. فيذكر أنّها تتحدّد من خلال الوسائط الحديثة كالهواتف الخلوية والبريد الإلكتروني والبرمجيات التي تنتج الألعاب أو التراسل الفوري. ويؤكّد أنها السّمة المميّزة للعقود الثلاثة الأخيرة ولثقافاتها المتشابكة. ويضبط مجالها ضمن دراسات الإنترنيت ودراسة وسائل الإعلام الجديدة، خاصّة الرقمية منها وكل ما يتعلّق بالمجتمعات الرقمية.

ومن خصائص الثقافات الإلكترونية:

يعيد الفضاء الإلكتروني تشكيل الفضاء العام لأنه يسمح بأشكال جديدة من النقاش والتعبير وصياغة الآراء. ولكن، كما تستخدم جماعات أنصار البيئة شبكات الإنترنت لنشر الوعي، وكما تنشد النسوية الإلكترونية تطويع تكنولوجيات المعلومات والاتصالات لمقاومة الأيديولوجيا الذكوريةـ تستخدمها جماعات اليمين الراديكالية لنشر الكراهية. لذلك لا يمكن أن يترك الفضاء الإلكتروني بلا رقابة. ومع مضاعفة ضغط الدول أو المؤسسات ذات الشأن، يحتاج بعض المستخدمين إلى الالتجاء إلى "الهويات الزائفة" لتحقيق اختراق إلكتروني.ـ اجتماع التطبيقات المتنوعة على أشكال متعددة من الوسائط أو المنصّات أو واجهات التفاعلية المشتركة.

ـ انخراطها ضمن الثقافة الاستهلاكية إنتاجا وترويجا.

ـ عملها على إلغاء الوساطة والعمل على ترسيخها في الآن نفسه، ومن ثمة فهي موطن للتناقض. فالتكنولوجيا فيها تسعى إلى أن تجعل الجمهور يشعر وكأنه هناك بالفعل في المشهد المعروض وأنه يتواصل معه على نحو مباشر، دون أي تكنولوجيا وسيطة. ومن الجهة الأخرى تعمل على جذب الانتباه إلى الوسيط نفسه.

ـ 3 ـ

من هذه الثقافة الإلكترونية اكتسبت عناصر ومفاهيم وأشياء صفة الإلكتروني. فالفضاء الإلكتروني وفق الباحث يرد مقابل الفضاء العام أو الحقيقي. ويتخذ تقريبا دلالة مصطلح "الفضاء الافتراضي" المعتمد على نطاق واسع دون أن يتماثل معه. ويتمثل في العوالم والمجالات الناشئة عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية أو هو "منظومة من العلاقات والأفعال داخل فضاء الأجهزة الإلكترونية". والأنشطة الإلكترونية هي تلك التي تتحقّق ضمن هذا الفضاء بدل تحققها في الأفضية العامة. ومن هنا كان مدخل الباحث للحديث عن النضال الإلكتروني أو النسوية الإلكترونية، بل عن الإرهاب الإلكتروني كذلك. فهذه الأنشطة كلّها تتحقّق ضمن البيئات الرقمية المتصلة فيما بينها ضمن ما يصطلح عليه الباحث بالاندماج الإلكتروني. وهي بيئات أقرب إلى ما يصطلح عليه اليوم بالمجتمع الرقمي أو "مجتمع المعلومات الذي يتحقق اليوم في  عالم معولم".

ـ 4 ـ

تنتمي المقاربة إذن إلى الدراسات الثقافية. والثقافة الإلكترونية، وفق الباحث، نتاج لتفاعل بين ثلاثة عناصر حاسمة هي "العتاد الصلب"، ويتمثل في الأجهزة كالآلات والكمبيوترات وشبكات الكوابل، والعتاد المرن، ويتمثّل في البرمجيات والعتاد الرطب، ويتمثّل في البشر الذين يستعملون العتاد الصلب والمرن معا. فتكون العناصر الثلاثة مدمجة بعمق في السياقات الاجتماعية والتاريخية. وتتمثل أطروحته التي تميّزه عن غيرها من الكتابات في هذا الموضوع في أنّ هذه الثقافات الإلكترونية وعوالمها الافتراضية مرتبطة ارتباطا تكراريا بالعالم المادي الواقعي ومتجذرة فيه ومشكلة منه. والعتاد الصلب والمرن هما  مصنوعان من أجساد ومدن وخرسانة، وكوابل.. ومشاعر أيضا. بمعنى أنها مشكلة من عالمنا المادي ومرتبطة به ومتأثرة به مؤثرة فيه، نتيجة لكثير من البنى والأنظمة. منها الاقتصادي والقانوني والسياسي.

وهذه الأطروحة مضادة لفهم العالم السيبراني اليوم باعتباره عالما افتراضيا، أي محض أخيلة وتهيؤات تتلاشي بالضغط على زر إغلاق الحواسيب وانطفاء الشاشات. ولعلّ هذا الاختلاف الجوهري في الصلة بين العوالم الفعلية والعوالم السيبرانية ما يجعل الباحث يعزف عن وصف عالمه بالافتراضي ويستعمل بدلا من ذلك صفة الإلكتروني.

ـ 5 ـ

ما الذي يطرأ على الجسد؟ وكيف نتمثله بعد انخراطنا في هذه الثقافة الإلكترونية؟ تشغل الأجساد الموصولة بالشبكات مناطق زمنية وأفضية متعدّدة. فحينما ينخرط المستخدمون في عوالم الفضاء الإلكتروني "يخلّفون" أجسادهم وراءهم. عندئذ يظهر "الكائن ما بعد البشري". والمراد هنا ظهور أشكال جديدة من الأجساد البشرية الموصولة بالشبكات والمتصلة والمترابطة إلكترونيا، والمعدلة بحيث لا تتناسب بأي شكل دقيق مع تعريف البشر. ففي هذا الفضاء الإلكتروني  يُجرد الجسد من جسديته، ويحدث الاندماجي الإلكتروني، أي اندماج العتاد الرطب الممثل في الجسد العضوي والعتاد المرن (الدوائر الإلكترونية) وهذا ما يتولّد عنه ظهور شكل جديد من البشر نفسه. ومن أمثلة هذا الشكل الجديد يلحّ الباحث على أنّ:

ـ التواصل مع مواقع الخدمات في أنحاء مختلفة ومتباعدة من العالم التي يختلف توقيتها الاختلاف الكبير يُحدث تغييرا في الساعة البيولوجية للمستخدمين.

ـ التقنيات الإلكترونية تعتمد في عمليات التجميل أو معالجة بعض العاهات الجسدية. فيتمّ تعديل الجسد بالتكنولوجيا المتطوّرة تعديلا جوهريا.

ـ الجسد يُترجم إلى صيغة رقمية ومعلوماتية ويختزل في جملة من القواعد والبيانات.

ـ الجسد يزود بوسائط التكنولوجيا كالشرائح الرقمية التي تعوض البصر أو المستشعرات التي تعوّض السمع:  وتصبح التكنولوجيا نفسها امتدادا للجسد. وتأثير مثل هذه العمليات يمتدّ إلى الهوية نفسها.

ـ الخبرة ما بعد البشرية تجرّد الجسد من جسديته. ولكنها تعيد جسدنته ضمن ما يصطلح عليه الباحث بالنشوء الاندماجي الإلكتروني). فبعد أن يتحوّل إلى قاعدة بيانات يعاد تجسيده بانتقال الذاتية إلى الخارج من الجسد إلى داخل دارة التحكم الإلكتروني.

ـ في مرحلة ما بعد البشري تتحقّق علاقة تكافلية، مع التكنولوجيا، فلا تظل التكنولوجيا مجرد أداة وظيفية أو تداولية، ولكنها تكون مكونا، من مكونات الهوية ما بعد البشرية نفسها. فنحن لا نشعر بأنّ بأن هواتفنا المحمولة أو كمبيوتراتنا كيانات مختلفة، ولكننا نحس بأنها ، امتداد لذواتنا.

ـ 5 ـ

كان تمثلنا للفضاء بدوره موضوعا للمراجعة في الأثر بفعل هذه الثقافة الرقمية الزاحفة. فالنشوء الاندماجي الإلكتروني ما بعد البشري يوحي بأن الهوية لم تعد مرتبطة بجسد أو عقيدة. ومع صحّة هذا الأمر إلى حدّ كبير يوجد تناقض في قلب الثقافات الإلكترونية. فنحن في عصر لكل شيء فيه بعد فردي. فيمكن للناس أن يتسوّقوا وأن يعملوا ويلعبوا أو يحكموا دون أن يخطوا خارج منازلهم. ولكن في الآن ذاته يمكن أن يكون الفرد نظريا موصولاً بالعالم على مدار اليوم. فالأفضية الإلكترونية هي في النهاية توسيع للأفضية العامة القائمة. ومنه  تغيّر تصورنا للفضاء، للمنزل والمدينة والوطن فكل الأفضية الافتراضية تعود بنا دأبا إلى الأفضية الواقعية ولا تنقطع عنها نهائيا.

يعرّف الكتاب "المجال التدويني" بكونه عالما مشكّلا من قبل المستخدمين يتحقّق عبر نشر تكنولوجيات المعلومات والاتصال، ويمكن أن يتحوّل إلى عنصر فاعل في تشكيل المجتمع. ويشمل تكنولوجيات التمثيل الذاتي كاميرات الويب. واستخدام النساء لكاميرات الويب مثلا يحول الشأن اليومي إلى فرجة وتصبح أسلوبا للتحكم في العالم."وعن أشكال حضورنا في هذه الأفضية وعن إنشاء المجتمعات والشبكات على الإنترنيت تنشأ هويات جديدة.  فعن الالتقاء مع الآخر البعيد في الفضاء الفعلي ماديا وثقافيا والاحتكاك به تنشأ أشكال جديدة من ممارسات المواطنة منها المواطنة المرنة. وهي مواطنة ثقافية عمادها الروابط العاطفية ومختلف أنواع التواصل. فتتحول شاشة الجهاز إلى "فضاء للظهور"، بحيث يصبح هذا الآخر البعيد مرئيا. فتكسر الوسائط صلابة الفضاء الفعلي ويصبح الشخص الآخر والفضاء الآخر هنا وتكتسب المواطنة بذلك صفة المرونة. فيتجاوز الكثير من الأفراد خلفياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية ليلتقوا بوصفهم مجتمعا يوحده مشتركٌ قد لا يمتّ بصلة إلى مجتمعهم الحقيقي. وغالبا ما يتجاهلون الانتماءات الأخرى القائمة على الهوية والعرق والمكان ونظم المعتقدات ليشكلوا مجتمعا مبنيا على أساس ذوق أو تفضيل أو اشتراك في رؤية الأشياء.

ـ 6 ـ

 مواطنة الاختلاف

يعتبر التدوين عاملا مهما لتشكّل الذات  تمثّلها لذاتها في عصر وسائل الإعلام الجديدة. فتخلق ذاتا اتصالية ويصبح النشر في الفضاء الإلكتروني وسيلة الحوار مع العالم. وعليه يعرّف الكتاب "المجال التدويني" بكونه عالما مشكّلا من قبل المستخدمين يتحقّق عبر نشر تكنولوجيات المعلومات والاتصال، ويمكن أن يتحوّل إلى عنصر فاعل في تشكيل المجتمع. ويشمل تكنولوجيات التمثيل الذاتي كاميرات الويب. واستخدام النساء لكاميرات الويب مثلا يحول الشأن اليومي إلى فرجة وتصبح أسلوبا للتحكم في العالم."

ولكنّ الهامشيين الذين يتمرّدون على القيم المشتركة يحاصرون في الفضاء العامّ. ويلفظهم المجتمع الرسمي لجرأتهم على ضوابطه وتبشيرهم بثقافات "هامشية" أو "بديلة" أو "هدامة". أما في الفضاء الإلكتروني فتجد هذه "الثقافات الفرعية" هامشا واسعا من الأمن لالتقاء أصحابها بنظرائهم ممن يتقاسمون معهم القناعات نفسها بلا خوف. فتجد الميول الهامشية والممارسات غير المعترف بها أو التي تعتبر غير قانونية في نظر الدولة أو ثقافة المؤسسة، السّبل للإفصاح والتعبير ونشر الأعمال وكل الأنشطة الملائمة. منها النضال السياسي للأقليات الانفصالية أو الأنشطة الإرهابية أو الشذوذية.

 ـ 7 ـ

 الاختراق والهويات الزائفة

يعيد الفضاء الإلكتروني تشكيل الفضاء العام لأنه يسمح بأشكال جديدة من النقاش والتعبير وصياغة الآراء. ولكن، كما تستخدم جماعات أنصار البيئة شبكات الإنترنت لنشر الوعي، وكما تنشد النسوية الإلكترونية تطويع تكنولوجيات المعلومات والاتصالات لمقاومة الأيديولوجيا الذكورية ـ تستخدمها جماعات اليمين الراديكالية لنشر الكراهية. لذلك لا يمكن أن يترك الفضاء الإلكتروني بلا رقابة. ومع مضاعفة ضغط الدول أو المؤسسات ذات الشأن، يحتاج بعض المستخدمين إلى الالتجاء إلى "الهويات الزائفة" لتحقيق اختراق إلكتروني.

يحدد الباحث النشاط الاختراقي بكونه متصلا بالحركات الاجتماعية الجديدة في القرن العشرين وبكونه شكلا من أشكال مرور أصحاب الثقافة الفرعية أو تنكرهم لتخطّي الوسائط المانعة. ولا يخلو هذا الاختراق من الخطورة. فغالبا ما يكون المستخدمون من نشطاء الإرهاب الإلكتروني أو المهوسين بالأطفال جنسيا أو من مهربي الآثار أو المتّجرين بالمخدّرات. فيستعملون الوسائط الجديدة بوصفها شكلا من الدعاية أو الحشد أو الاستدراج. فالإرهاب الإلكتروني يستخدم شبكات الكمبيوتر للتخريب. وهكذا ما يحوّل الفضاء الإلكتروني إلى مجال عام متنازع عليه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب النشر بريطانيا كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وسائل الإعلام الجدیدة تکنولوجیات المعلومات الثقافة الإلکترونیة الفضاء الإلکترونی الفضاء العام فی الفضاء ل الفضاء

إقرأ أيضاً:

حقيقة تورط إسرائيل في تعطيل قمرين صناعيين إيرانيين

طهران- كشفت شركة إيرانية ناشطة في مجال تكنولوجيا الفضاء عن تطوير قمر صناعي جديد باسم "دونماي-1" يجمع بين مهام الاستشعار عن بُعد والاتصالات.

وجاء ذلك بعد فشل الاتصال بقمريها السابقين "كوثر" و"هدهد" اللذين أُطلقا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وسط تلميح رسمي من الشركة لاحتمال تدخل خارجي في تعطل أحدهما.

وقال المدير التنفيذي لشركة "أُميد فضا" حسين شهرابي للجزيرة نت إن القمرين أُطلقا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ونجحا في اجتياز معظم فقرات قوائم التحقق التشغيلية، إلا أن بعض البنود لم تتحقق بالكامل، ما أثر على أدائهما النهائي.

وأوضح أن القمر "كوثر" حقق نحو 70% من أهداف الاختبار، بينما تجاوز "هدهد" 90%، لكن النتائج النهائية لم تصل إلى مرحلة إنتاج الصور المقررة من "كوثر" رغم اجتيازه معظم مراحل التحقق بنجاح.

 

ايران

فقد القمران الصناعيان الإيرانيان "كوثر" و"هدهد" الاتصال بمركزي التحكم. وانقطاع الاتصال بهما، بسبب "أمر مجهول"
___

— عرفات العامرى (@ArafatAmeri) October 6, 2025

أوامر مجهولة

وأشار شهرابي إلى أن العطل في "كوثر" ناتج عن ارتباط غير مقصود بين نظامي التحكم في الاتجاه ونظام امتصاص الطاقة الشمسية، مما صعّب تحسين وضع القمر في مداره وتشغيل الحمولة البصرية للحصول على الصور.

وأضاف أن كل شيء كان جاهزا في مدار القمر، و"استطعنا تلقي إشارات محدودة عند تعرضه لأشعة الشمس، لكننا لم ننجح في استلام أي صور حتى الآن".

أما القمر "هدهد"، فقد كان أداؤه مستقرا حتى نحو أسبوعين قبل اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل في يونيو/حزيران الماضي، لكنه تلقى أوامر غير معروفة المصدر من خارج منظومة القيادة، وظهرت بوضوح في بيانات التتبع مما أدى إلى انقطاع الاتصال بالكامل وفقدان السيطرة عليه.

وأضاف شهرابي أن القمر بدأ في تنفيذ عمليات تشغيل وإيقاف متكررة ما حال دون استعادة السيطرة عليه، وأدى إلى فقدان الفريق القدرة على التواصل معه حتى بالمستوى المحدود الذي احتفظ به مع "كوثر".

إعلان

ورغم تزامن الحادثة مع التصعيد الإقليمي والحرب بين طهران وتل أبيب، شدد على أن فريقه لا يمتلك أدلة قاطعة على تدخل خارجي، لكنه أقر بوجود مؤشرات تثير الريبة، مشيرا إلى وجود غموضين لافتين:

الأول: تزامن العطل مع اندلاع الحرب. الثاني: تلقي القمر أوامر لم يصدرها فريق التشغيل.

وأكد شهرابي "لا أريد ربط هذا مباشرة بالحرب، لكن وقوع هذه الأحداث قبل اندلاعها بفترة قصيرة واستلام أوامر لم نصدرها يجعلنا ندرس أيضا احتمال تدخل خارجي، رغم أن ظننا الأكبر يظل نحو خلل فني داخلي".

وأشار إلى أن البيانات المسجلة في أنظمة التتبع أظهرت زيادة غير مبررة في عدد الأوامر المرسلة، وما زال الفريق يحلل الأمر لتحديد ما إذا كان ناجما عن خلل تقني داخلي أو تدخل خارجي محتمل، من دون تبني أي فرضية حتى الآن، وهو ما يفتح الباب لتفسيرات سياسية وأمنية تحيط بمصير القمرين.

???? رئيس منظمة الفضاء الايرانية حسن سالاريه:

إيران ستطلق 3 أقمار الصناعية قريباً، وهي: ظفر، بايا، والنموذج الثاني من قمر كوثر، بهدف تسهيل حصول طهران على بيانات تصويرية دقيقة ومتنوّعة زمنياً pic.twitter.com/yX6a1sqwjF

— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) August 22, 2025

حرب الفضاء

يأتي هذا الإعلان في وقت تسعى فيه طهران إلى تعزيز حضورها في مجال الفضاء رغم العقبات التقنية والتحديات السياسية.

ويشير محللون إلى أن الغموض حول أعطال "كوثر" و"هدهد" وظهور أوامر غريبة يعكس أبعادا سياسية وأمنية ويطرح تساؤلات حول احتمال تدخل خارجي، مما يجعل الفضاء ميدانا جديدا للصراع الإستراتيجي الإقليمي، وتحديدا في مواجهة نفوذ إسرائيل وتنافسها على القدرات الفضائية العسكرية والمدنية في المنطقة.

وفي هذا الإطار، قالت المحللة السياسية الإيرانية عفيفة عابدي إن الحرب التي استمرت 12 يوما كشفت عن أبعاد جديدة من الصراعات الحديثة، حيث أصبح التنافس على الوصول إلى البيانات الفضائية جزءا أساسيا من ميدان المواجهة غير التقليدية بين إيران وإسرائيل.

وأضافت عابدي للجزيرة نت أن مصادر غربية أقرت بأن تل أبيب استخدمت منظومة واسعة من الأقمار الصناعية الاستطلاعية والاستخبارية، مدعومة بالدعم الفني وتبادل البيانات مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، من أجل رصد مواقع وتحركات الأهداف الإستراتيجية الإيرانية بشكل مستمر أثناء الحرب.

ووفقا لها، فإن هذا الرصد الفضائي لم يتوقف بانتهاء العمليات العسكرية، بل استمر في إطار منظومة المراقبة الإستراتيجية طويلة الأمد التي باتت تشكل جزءا من معادلة الردع والمعلومات بين طهران وتل أبيب.

وختمت المحللة السياسية بأن القدرة على الوصول إلى بيانات الأقمار الصناعية عالية الدقة تمثل اليوم عاملا حاسما في التنبؤ بالتطورات الميدانية، وكشف التهديدات المحتملة، وفهم أنماط سلوك الخصم قبل وقوع الأحداث، مشددة على أن الفضاء أصبح جبهة أمنية جديدة لا تقل أهمية عن الأرض.

ومع تصاعد الغموض حول مصير قمري "كوثر" و"هدهد"، يبدو أن معركة السيطرة على الفضاء لم تعد مجرد سباق علمي، بل هي ميدان جديد لصراع النفوذ بين إيران وإسرائيل.

إعلان القمر الجديد

في سياق متصل، أعلن المدير التنفيذي لشركة "أُميد فضا" حسين شهرابي عن بدء العمل على القمر الجديد "دونماي-1″، الذي يُعد أول قمر إيراني يجمع بين مهام الاستشعار عن بُعد والاتصالات الفضائية، ويعتبر نسخة مطورة من أقمار "كوثر" و"هدهد"، وهو مسجل رسميا لدى الاتحاد الدولي للاتصالات باسم الإصدار 1.5 من سلسلة "كوثر".

وأوضح أن المشروع الجديد يستند إلى الخبرات المكتسبة من القمرين السابقين مع معالجة مشكلاتهما التقنية، حيث تم فصل نظام التحكم عن نظام الطاقة بالكامل وزيادة عدد الخلايا الشمسية لتحسين الأداء والكفاءة التشغيلية.

وأضاف أن الفريق الهندسي اختبر عدة روابط اتصال واختار الأفضل، مع إضافة وصلة "إس باند" (S-Band) لتعديل برمجيات القمر من المحطة الأرضية عند الحاجة، كما تم تحسين الحمولة البصرية للقمر الجديد لتصل دقة الصور إلى نحو 3.5 أمتار، مع تحسين "جي آر دي" (GRD) ليقارب "جي إس دي" (GSD)، ما يعكس تحديث العدسات وتحسين تصميم الحمولة.

وحسب شهرابي، يمتد المشروع إلى التطبيقات العملية للأقمار في الزراعة، وإدارة الموارد المائية، والبيئة، والاتصالات الطارئة، وتسعى الشركة إلى توقيع اتفاقيات دولية للاستفادة من بيانات "دونماي-1" لأغراض علمية مشتركة، بما يعزز موقع إيران في التعاون الفضائي المدني.

وكشف أن القمر لم يُرسل بعد إلى منصة الإطلاق، لكنه سيكون جاهزا للنقل خلال أقل من شهر، ومن المقرر إطلاقه في ديسمبر/كانون الأول المقبل بواسطة صاروخ أجنبي.

مقالات مشابهة

  • بدء تصنيع الإنسولين البشري «هيوماكسين» في مصر
  • باحث يمني ينال الدكتوراه من الهند بدراسة الصراع الثقافي في الرواية العربية
  • كيف أعرف الحائل الذي يمنع صحة الطهارة من غيره؟..الإفتاء توضح
  • الجامع الأزهر يعقد المجلس الحديثي اليوم ويتناول قراءة كتاب عمدة الأحكام
  • توظيف الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي خطوة نحو حوكمة الابتكار
  • حقيقة تورط إسرائيل في تعطيل قمرين صناعيين إيرانيين
  • مختص: لغة الجسد قطعية الدلالة لا تختلف من شخص لآخر أو بين ثقافة وأخرى
  • الزكاة والجمارك توضح الجهات التي تطبق عليها ضريبة الدخل والفوترة الإلكترونية
  • قائد انصار الله: جرائم العدو الإسرائيلي في غزة هي جرائم بالإجماع البشري وبالاعتبارات الشرعية والقانونية
  • رائد الفضاء محمد الملا يُكمل بنجاح برنامجا لوكالة الفضاء الأوروبية