أحمد ياسر يكتب: كيف فقد "كيان الاحتلال والغرب" البوصلة الأخلاقية؟
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
كُتبت آلاف الكلمات عن مقتل حسن نصر الله في بيروت خلال الأيام الماضية، ولن أزيد من سخطكم بإضافة المزيد… وفي كل الأحوال، ربما يكون المتابع لتلك الأحداث قد اتخذ قرار بالفعل بشأن ما إذا كان زعيم حزب الله الراحل بطلًا للمقاومة حارب قوة الجيش الإسرائيلي حتى جُمد في عام 2006، أو دمية في يد إيران أو ربما كان كلاهما… تختلف وجهات النظر!!!
ولكن ما يقلقنا وأعتقد أنه يقلق كل من يتابع هو (الافتقار إلي الأخلاق) لدى أولئك الذين يأمرون بما لا يمكن وصفه إلا بالإعدامات أو الاغتيالات خارج نطاق القضاء والحق والعدل.
أبرز هذه الإعدامات أو الاغتيالات في الذاكرة الحديثة كانت اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي قتلته القوات الخاصة الأمريكية في شمال باكستان في الثاني من مايو 2011، ثم ألقيت جثته في البحر بلا مراسم كما ادعا الأمريكان.
الصورة الثابتة هي التي تم التقاطها داخل غرفة العمليات في البيت الأبيض مع تطور الأحداث "باراك أوباما، وجو بايدن، وهيلاري كلينتون"، ومجموعة متنوعة من كبار الشخصيات الآخرين يحدقون في الفيديو المباشر، وكأنهم يحضرون عرضًا خاصًا لأحدث أفلام هوليوود.
ومؤخرا، قتلت غارة أمريكية بطائرة دون طيار على مطار بغداد في يناير 2020، اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي، كما قتلت بالمناسبة تسعة أشخاص آخرين، بما في ذلك زعيم الميليشيا العراقية أبو مهدي المهندس، الذي كان من سوء حظه أن يفقد حياته إلى جانب أقوى شخص في إيران بعد المرشد الأعلى.
ومنذ ذلك الحين، انتقلت عباءة الجلاد الأعلى إلى حد كبير إلى "إسرائيل"، التي لم تتردد في استخدامها والتفاخر بها، ففي الأسابيع الماضية، نشر الجيش الإسرائيلي صور 11 من قادة حزب الله الذين زعم أنه قتلهم في أسبوع من الفوضى في لبنان، وكان الابتهاج الذي شعر به عندما فعل ذلك ملموسا تقريبا.
الحجة الأخلاقية، إذا كان من الممكن أن نطلق عليها هذا الوصف، التي تقدمها "إسرائيل والغرب"، هي أنهم الأخيار في حرب ضد الأشرار، وأنهم حكومات منتخبة ديمقراطيا تقاتل دفاعا عن سيادة القانون.
والسؤال الذي لا يجيبون عليه هو:عندما يتصرف الأخيار بنفس الطريقة تماما مثل الأشرار (ولكن بأسلحة أكبر)، فما هو بالضبط ما يقاتلون من أجله؟
يقولون القانون!!! ولكن لا يوجد قانون يسمح بالفوضى العشوائية.
استخدم الرئيس الأمريكي جو بايدن، عبارة غريبة لوصف مقتل نصر الله: قال إنه "جلب قدرا من العدالة"، إن بايدن ليس شابًا نشيطًا، ولكن لا بد وأن يعلم أن أمريكا قد تجاوزت أيام رعاة البقر في الغرب المتوحش الذين كانوا يوزعون العدالة من فوهة بندقية.
قد لا يعرف كيف تبدو العدالة في أيامنا هذه، ولكنني أعرف: إنها عندما يتم التحقيق مع مجرم واعتقاله وتوجيه الاتهام إليه ومحاكمته وإدانته والحكم عليه في محكمة قانونية، يجب أن يكون للعدالة عنصر أخلاقي، ولا يمكن تحقيقها بقنبلة خارقة للتحصينات تزن 2000 رطل تم إسقاطها على ضاحية سكنية مكتظة بالسكان في بيروت.
غالبًا ما يُقال إن الاعتقالات والملاحقات القضائية التقليدية مستحيلة عندما يتربص "العدو" في الظل، محميًا بطبقات من الأمن وهويات متعددة، ويرفض اللعب وفقًا لقواعد الحرب التقليدية.
إذا كنت تعتقد أن هذا يحدث فقط في الشرق الأوسط، فأنت مخطئ!
في عام 1989، كانت أيرلندا الشمالية في خضم فترة عُرفت باسم "الاضطرابات" ــ تمرد دام ثلاثين عامًا شنته الميليشيات شبه العسكرية الجمهورية سعيًا إلى توحيد أيرلندا سياسيًا، بدعم صريح أو ضمني من نحو نصف السكان، وعارضهم النصف الآخر من السكان، الذين كانوا يرغبون في البقاء جزءًا من المملكة المتحدة، إلى جانب الميليشيات شبه العسكرية الموالية للدولة البريطانية.
"إن قوس الكون الأخلاقي طويل، ولكنه ينحني نحو العدالة".. هكذا عبر مارتن لوثر كينج، عن الأخلاق، واعتقد عندما يحين موعد كتابة تاريخ هذه السنوات في الشرق الأوسط، ينبغي أن نأمل في تحقيق العدالة الأخلاقية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: حزب الله غزة فلسطين قطاع غزة سوريا يحيى السنوار أخبار مصر لبنان مقتل يحيي السنوار اخبار فلسطين بيروت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ايران حسن نصر الله المقاومة الفلسطينية الصين دونالد ترامب جو بايدن حركة حماس الرئيس الايراني حرب اكتوبر الشرق الأوسط محور المقاومة اسرائيل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الضاحية الجنوبية حرب 6 أكتوبر
إقرأ أيضاً:
الابتكار في زمن الأزمات.. البوصلة والطريق
عندما يعلَن عن ابتكار تكنولوجي فإن الأنظار تتجه إلى المبتكرين الذين يمثلون العقول العلمية وراء ذلك الابتكار، وتتراءى في المخيلة صورة مختبرات التطوير بمعداتها الدقيقة والمعقدة، والتي أسهمت في تحويل الفكرة وبلورتها إلى منتج بإمكانه تغيير حياة الإنسان.
ولكن في الواقع ليست جميع الابتكارات التحويلية الحاسمة وليدة الأوساط العلمية المرموقة؛ فالقيمة الكامنة للابتكار لا تتجلى سوى في أوقات الأزمات، وفي أوساط مغايرة للصورة النمطية لوحدات البحث والتطوير؛ لأن التحديات الكبيرة والملحة هي التي تتطلب حلولا مبتكرة وحاسمة. ولكن ما البوصلة التي يمكن أن توجه الابتكارات نحو التميز خلال فترات عدم اليقين؟
يشهد العالم تقدما تكنولوجيا غير مسبوق، وكذلك تنشأ تطورات، وتغييرات، وتوترات على مختلف المستويات. ولكي نفهم بشكل أعمق المشهد الديناميكي للابتكار في أوقات الأزمات؛ لا بد من الاستعارة الاستراتيجية لشواهد من التاريخ الإنساني. فالابتكارات التي غيّرت وجه العالم خلال العقد الماضي مثل اكتشاف الرادار، وعقار (البنسلين)، وعلاجات مرض (الملاريا) قد حدثت في أوج فترات الحرب العالمية الثانية.
وهذه الابتكارات التي خرجت وسط الأحداث الكبرى هي التي قد مهدت لأجيال الابتكارات التكنولوجية التي تنعم بالبشرية باستخدامها في تفاصيل الحياة اليومية. وهذا يؤكد المقولة الشهيرة «الحاجة هي أم الاختراع». وتُعد الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية بشأن الاستجابة للمتطلبات الناشئة والطارئة من أهم موجهات اغتنام الفرص الاستراتيجية للابتكار في جميع الأزمات التي تواجه البشرية. ولعل أهم هذه الدروس هي أهمية تحديد الأولويات بمنظور مختلف عن النهج المعتاد، وتعريف البوصلة والطريق نحو الهدف؛ إذ تُشكِّل الأزمات أرضا خصبة للابتكار، وقليلة هي اللحظات المِفصلية التي تُجسِّد الالتقاء بين عمق الأزمات، وقوة العلوم، والتكنولوجيا، والابتكار.
إذن يتمحور الأمر كله حول معرفة الأولويات الاستراتيجية، ولكن تعريف هذه الأولويات التي تمثل البوصلة ليس بالأمر الهيّن. ففي الوقت الذي يظن الكثيرون أن الابتكارات الناشئة في زمن الأزمات تتعلق بشكل مباشر بالقضايا المصيرية الكبرى مثل: الأمن الغذائي، والأمن المائي، وأمن الطاقة؛ تبدو الأولويات الابتكارية أبسط من ذلك بكثير، ولكن تكمن الصعوبة في التعرف عليها كأولويات.
وعلى سبيل المثال؛ تمثل الابتكارات الموجهة لتحسين النقل اللوجستي من أهم نقاط التركيز خلال التوترات الجيوسياسية. وبنفس القدر من الأهمية تكتسب الابتكارات في التعليم عن بعد، وفي مجالات الخدمات المصرفية الأولوية.
كما أن هناك نقطة عمياء في عملية تحديد أولويات الابتكار التي قد لا يلتفت إليها المبتكرون وهي القدرة على ترجيح الأولويات التي تمثل جانب الطلب على الابتكار حتى بعد انتهاء الأزمة. وهذه الجزئية هي بمثابة حجر الأساس في تحقيق أقصى العوائد من الابتكار في زمن الأزمات؛ فاتخاذ القرار الصحيح بشأن الأولويات يتطلب النظرة المستقبلية الثاقبة بشأن جدواها مع تباطؤ الأزمة، وبعد انحسارها.
وهذا يقودنا إلى التحدي الأساسي الذي يعترض الجهات المنتجة للابتكارات، والمعرفة التطبيقية في المجمل، وهو معرفة الدوافع والموجهات التي تسهم في توليد هذا الكمّ الهائل من الابتكارات في الأوقات الاستثنائية للأزمات مقارنةً بالفترات الاعتيادية. في الواقع؛ هناك عدة تحوّلات تحدث أثناء الأزمات، وتُهيئ البيئة التحفيزية للتفكير بمنظور جديد وموجه نحو إحداث التأثير بشكل سريع وملموس، أي أن عامل الزمن هو المحرك الرئيس خلال هذه الفترة.
ومن جهة أخرى تلهم الأزمات بالميل نحو العمل التشاركي من منطلق وحدة الهدف؛ فعندما تكون البوصلة واضحة في تحديد الأولويات المستهدفة يمكن حينها حشد الطاقات، والموارد، وتقدير الجهد المُتخيَّل للوصول إلى المستهدفات، وتوحيد العمل مع الأخذ في الحسبان أهمية عامل الزمن. وغالبًا ما تشهد فرق العمل ظهور موجة من الأفكار الجديدة كليا وذات أبعاد مختلفة تتم مشاركتها مع فرق ابتكارية أخرى؛ لتضمين جميع الأبعاد أو التخصصات. ففي وقت الأزمات يتغلب الهدف على التنافس، والعمل التشاركي هو الخيار الوحيد الذي يُساعد قادة الابتكار على اغتنام الفرصة الاستثنائية التي يمكنها تغيير قواعد اللعبة، وهو ما يُمثل جوهر الابتكار.
ولأن الأزمات في واقعها تحمل سمة عدم اليقين؛ يصعب التكهن بالمدى الفعلي لآثارها. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان تدعيم دور منظومات الابتكار في الفترات الاعتيادية، وتمكينها كعنصرٍ حاسم في تعزيز الاستجابة وقت الأزمات. ولا بد من إدراك أن التحديات الكبرى لا تتطلب الاستجابة وحسب، ولكنها بمثابة وقفة للمراجعة، والتقييم، والتحليل.
وكما يستعين قادة العمل بخبراء ومستشارين من خارج مؤسساتهم؛ للحصول على منظور جديد ومحايد في قراءة التحديات، وإيجاد فرص التطوير كذلك يمكن للأزمة أن تُحدث التأثير نفسه؛ فهي تُسلط الضوء على نقاط الضعف، ومجالات التحديات الصغيرة التي تم تجاهلها في السابق مقابل طرق مختصرة لحلها بشكل مؤقت. ولكن عندما تقع الأزمة تصبح مواجهة التحديات حقيقة لا مفر منها، وبذلك تبدأ عملية تبني التفكير المختلف، وإعادة ترتيب الأوضاع. وفي هذه اللحظة تلوح الفرص الذهبية للتغيير الإيجابي، وابتكار الحلول الجذرية والمستدامة.
فإذا كان تحديد الأولويات يمثل البوصلة في قيادة الابتكار في زمن الأزمات؛ فإن التعلم هو بمثابة الطريق الذي يمكنه ضمان الوصول للأهداف الاستراتيجية. فالأزمات تفرض على المبتكرين ومنظومات الابتكار ضرورة البحث عن مسارات أكثر انفتاحًا في أساليب التفكير، والتعاطي مع التحديات.
وهي في الوقت ذاته تتطلب بناء المهارات اللازمة لتجربة خيارات عديدة، والبحث العميق عن الحلول المتعددة الأثر، واتخاذ القرارات المناسبة مع ضيق الوقت المتاح، وجميع هذه الجوانب بحاجة إلى عقلية التعلم المستمر. وبالإضافة إلى هذه المهارات؛ فإن التموضع ضمن ابتكارات الأزمات ليس امتيازا يمنح للمبتكرين اللامعين، ولكنه استحقاق لا يصل إليه سوى قلة من المبتكرين الذين يمتلكون البوصلة والطريق.
ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من تشكيل البنية الابتكارية المرنة التي تتميز بقدرات متكافئة في ترتيب الأولويات، وتوظيف الأدوات والبدائل. وهنا تظهر أهمية ترسيخ ثقافة الرشاقة الاستراتيجية، والجاهزية اللازمة لتعزيز بنية الابتكار قبل حدوث أية أزمات، أو تحديات كبرى؛ لأن تحقيق العوائد الاقتصادية، والاجتماعية للابتكار خلال الأزمات هو عمل استثنائي، وليس متاحا لكل منظومات الابتكار.