رئيس مجلس إدارة الأهرام: موازين القوى يجب ألا تكون أساسا لحسم الصراع
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
قال الدكتور محمد فايز فرحات رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، إنّ حماية الدولة الوطنية شرط رئيسي للحفاظ على استقرار الإقليم والتعامل مع الأزمات، لافتا إلى أنّ موازين القوى لا يجب أن تكون أساسًا لحسم الصراع، فحسم الصراع لصالح قوى دينية أو ميليشيات يعني انهيار الدولة الوطنية، وعندما تكون هناك قوى خارجية أو إقليمية تغذي الصراع الطائفي، يمكن توقع أن تكون نتيجة الصراع على حساب الدولة الوطنية.
وأضاف فرحات، خلال كلمته في ورشة عمل بعنوان «المعادلات المتغيرة للصراع والأمن في الشرق الأوسط»، والتي ينظمها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أنّ بناء الدستور يساعد على بناء وحماية الدولة الوطنية، ويجب أن يكون قادرًا على استيعاب حالة التنوع في مرحلة بعد الصراع، وأن يحمي الهوية الوطنية.
وأكد أنّ النخب السياسية عليها دور مهم لفكرة الانتصار للدولة الوطنية، وجميع الخبرات أثبتت أنّ حجم التوافق بين النخب ضعيف جدًا، موضحا أنّ هناك أطراف إقليمية وخارجية تحاول التأثير على العملية السياسية في الدول المأزومة، والسبب يرجع إلى غياب النخب الوطنية الحقيقية في تلك الدول.
مشروع خارجي لحماية الدولة الوطنيةوأضاف الدكتور محمد فايز فرحات، أنّه لا يجب تجاهل أي مشروع سياسي في الدولة الوطنية في وجود الفاعلين المحليين، مشيرا إلى أنّ المنطقة لديها إشكاليات عدة فيما يتعلق بالدور الخارجي في بناء الدولة الوطنية، ولا يمكن التعويل على أي مشروع خارجي لحماية الدولة الوطنية في المنطقة ووضعها على مسار الدول الطبيعية، موضحا أنّ النظام العالمي والإطار الإقليمي في هذه المرحلة لن يقفوا إلى جانب الانتصار للدول الوطنية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية المصري للفكر والدراسات الأهرام محمد فايز فرحات فايز فرحات الدولة الوطنية الدولة الوطنیة
إقرأ أيضاً:
مثلث برمودا الجيوسياسي: ممر داود
الطليعة الشحرية
الشرق الأوسط لم يعد مجرد مسرح لصراعات إقليمية متقطعة، بل تحوّل إلى ما يشبه مثلث برمودا الجيوسياسي: منطقة تتلاشى فيها الدول، وتختفي فيها مفاهيم السيادة والوحدة، وتُبتلع فيها الجيوش، وتُغتال فيها الثورات. الفاعلون فيها ليسوا فقط محليين، بل قوى دولية وإقليمية تسخّر أدوات متقنة: الطائفية، الضغط الاقتصادي، وأسطورة النبوءة الدينية.
وسط هذا المشهد، يبرز مشروع "ممر داود" الإسرائيلي، ليس كخريطة جغرافية فحسب، بل كمخطط استراتيجي لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم سردية توراتية ويحقق تفوقًا إقليميًا دائمًا لإسرائيل. وهذا المشروع لا يتحقق إلا عبر إذكاء الفتن وتحويل الدول إلى كيانات غارقة في حروبها الأهلية، مثل سفن تضيع في مثلث برمودا، فلا تعود أبدًا.
أول زاوية من مثلث برمودا: ممر داود – النبوءة كسلاح جيوسياسي
ينطلق مشروع "ممر داود" من تأويل نبوءات توراتية تُحاكي أرضًا تمتد من نهر مصر إلى نهر الفرات. هذا الامتداد ليس رمزيًا فحسب، بل يُترجم اليوم عبر النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي الإسرائيلي في فلسطين، وسوريا، والعراق، والأردن. الهدف النهائي هو خلق واقع جغرافي–ديموغرافي جديد، حيث تُربط القدس، التي تسعى إسرائيل إلى تهويدها بالكامل، بمحور نفوذ يمتد شرقًا، يُدار عبر حلفاء محليين وكيانات طائفية مستقلة أو شبه مستقلة.
السيطرة الرمزية على الأرض والتاريخ الاستحواذ على "الممر" يعني أكثر من الاحتلال؛ إنه إعادة كتابة التاريخ، وإقناع الداخل الإسرائيلي والعالم بأن "العودة إلى أرض الميعاد" تتحقق، وأن إسرائيل لم تعد فقط دولة، بل مشروع رسالي.
الزاوية الثانية: الطائفية – التيار الدوّار الذي يبتلع الدول
كما يدوّم مثلث برمودا الطائرات والسفن حتى تختفي، تعمل الطائفية على تفكيك المجتمعات من الداخل. يتم تضخيم الفوارق المذهبية والعرقية حتى تصبح خلافات قاتلة، وتنهار فكرة الدولة لصالح الولاءات الأولية: القبيلة، الطائفة، المنطقة.
إسرائيل ومن خلفها قوى كبرى تغذّي هذه الانقسامات، عبر الإعلام، التمويل، أو حتى التدخل العسكري، لتسهيل السيطرة أو التدمير الممنهج أمثلة على ذلك: سوريا: حرب طائفية من دلائلها تقسيم البلد إلى مناطق نفوذ مذهبي. العراق: ثلاثية كردية–شيعية–سنية تُدار كأنها دول داخل الدولة. لبنان: بلد محكوم بدستور طائفي، يتم الضغط عليه كلما أرادت قوى خارجية إعادة التوازن لصالحها.
الزاوية الثالثة: تفكيك الدول الكبرى – السفن التالية للغرق، بعد غرق سوريا، من التالي؟
في مثلث برمودا، لا تنجو السفن الكبرى مهما كانت قوتها. كذلك في الشرق الأوسط، كل دولة ذات موقع استراتيجي أو وزن تاريخي تصبح هدفًا إذا تعارضت مع المصالح الإسرائيلية أو عارضت مشاريع التطبيع والاستسلام. ولنقرأ مشهد مراحل التفكيك والاستهداف تباعًا.
العراق: مقسّم فعليًا، غارق في الطائفية، ثرواته هائلة، مما يجعله مطمعًا دائمًا، قربه من إيران يجعله ساحة مواجهة غير مباشرة.
لبنان: ساحة متقدمة لصراع المقاومة مع إسرائيل. انهيار اقتصادي يفتح باب التدخل الدولي، الطائفية المزمنة تجعل تفكيكه مشروعًا قابلًا للتطبيق.
الأردن: الحلقة الأضعف ديموغرافيًا واقتصاديًا، ضغط لتوطين الفلسطينيين كحل نهائي للقضية، محاولات دمجه في "الحلف الإبراهيمي" اقتصاديًا وأمنيًا.
مصر: مستهدفة عبر سيناء (كمنطقة أمنية هشّة). مياه النيل (عبر دعم سد النهضة). الاقتصاد (عبر أدوات ضغط غربية).
المغرب العربي (خاصة ليبيا والجزائر): ليبيا تعيش بالفعل في فوضى بلا دولة. الجزائر تُستهدف لثروتها ومواقفها السياسية. تونس تخضع لضغوط سياسية ودولية متزايدة.
القوة الغامضة في قلب المثلث: النبوءة التوراتية كغطاء للهيمنة
كما يفسّر البعض ظواهر مثلث برمودا بقوى خفية وغامضة، فإن المشروع الإسرائيلي يُخفي وراء "الحق التاريخي والديني" أجندة واقعية جدًا: السيطرة على الموارد، تأمين حدود آمنة، وتحقيق تفوّق إقليمي لا يُنازعها فيه أحد.
المشكلة أن هذه النبوءة لا تتحقق فقط على حساب الفلسطينيين، بل على حساب العرب جميعًا، عبر مشروع متكامل يُسقط دولهم من الداخل، وليس فقط عبر الحروب.
التأثير العام على دول الخليج إذا تحقق مشروع "ممر داود"
رغم خطورة الطائفية في تمزيق النسيج الاجتماعي وإضعاف الدولة من الداخل، ليست سوى أحد أذرع المشروع الأكبر. فالمشروع لا يكتفي بتفكيك الهويات، بل يهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الإقليمي بالكامل لصالح مركز جديد للثقل الجيوسياسي، تقوده إسرائيل عبر "ممر داود".
إذ بمجرد أن تنهار الدول تحت وطأة الفتن الداخلية، تُعاد برمجة مسارات التجارة، وشبكات الطاقة، ومراكز الاستثمار، بما يخدم منطق السيطرة لا الشراكة. وهنا تتضح المرحلة الأعمق والأخطر: تفكيك الاقتصادات الوطنية، وتهميش الدول غير المنخرطة في التحالفات الجديدة، وإزاحة أطراف خليجية من موقعها الاستراتيجي، بما فيها سلطنة عُمان.
سيتم إعادة رسم خطوط التجارة والنقل والطاقة عبر "ممر داود" فسيتم ربط إسرائيل بالخليج والعراق مرورًا بالأردن وسوريا، مما يعني: إنشاء طرق تجارية برية بديلة تمر عبر إسرائيل نحو أوروبا. تقليل الاعتماد على مضيق هرمز، ما يُضعف من أهمية موانئ الخليج. نقل مركز الثقل اللوجستي من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط.
متى بدأ مشروع ممر داود؟ التحالفات المموّلة ومحاولة كسر طريق الحرير
بدأت ملامح مشروع "ممر داود" بالظهور الفعلي في أعقاب ما يُعرف بـ"اتفاقيات أبراهام" عام 2020، حين أُعيد تعريف العلاقة بين إسرائيل وعدد من الدول الخليجية، ليس فقط على المستوى السياسي، بل كتحالف اقتصادي–لوجستي طويل الأمد. ورغم أن فكرة الربط الجغرافي بين الخليج والبحر المتوسط عبر إسرائيل كانت مطروحة نظريًا منذ عقود، إلا أن التحول الجذري بدأ مع إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة وتراجع النفوذ التقليدي لبعض القوى الكبرى.
تحوّل المشروع إلى سياسة معلنة بعد طرح مبادرة الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC) في قمة مجموعة العشرين عام2023، والتي تدعمه الولايات المتحدة، وإسرائيل، والإمارات، والهند، وأوروبا، باعتباره بديلًا استراتيجيًا لمشروع "الحزام والطريق" الصيني.
يهدف هذا الممر الجديد إلى كسر النفوذ الاقتصادي لبكين في آسيا والشرق الأوسط، عبر خلق طريق تجاري بري–بحري بديل، يبدأ من ميناء حيفا في إسرائيل، مرورًا بالأردن، ثم السعودية، ليصل إلى الخليج والهند. وتم ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية، الاتصالات، والنقل، بدعم من واشنطن، وبتنسيق استخباراتي–لوجستي مع تل أبيب.
تسعى هذه المبادرة إلى إيجاد بديل استراتيجي لمشروع "الحزام والطريق" الصيني، الذي كانت دول كعُمان، وقطر، والجزائر، تستعد لتكون جزءًا منه. وبهذا يصبح "ممر داود" ليس فقط مسارًا جغرافيًا، بل أداة لإعادة توزيع النفوذ الاقتصادي على أسس سياسية وتحالفية جديدة.
ما يُراد إظهاره كمجرد "مشروع لوجستي" يخفي في طياته نوايا جيوسياسية عميقة: عزل إيران، تهميش الصين، وتطويق تركيا، وتقليص أهمية مشاريع عربية مستقلة كـ "رؤية عمان 2040" أو "ميناء الدقم"، وضرب الصعود الصيني عبر طريق الحرير الذي يمر بموانئ كجوادر، والدوحة، وصلالة.
إعادة توزيع النفوذ الاقتصادي في المنطقة
إسرائيل، بعد تطبيعها مع بعض دول الخليج، تسعى لتصبح محورًا اقتصاديًا إقليميًا، والممر سيكون أداة ذلك التحول. ما قد يجعل بعض العواصم الخليجية (المنخرطة في التطبيع) مراكز عبور، بينما تتضرر أخرى تنأى بنفسها عن هذا المحور وتحاول الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي، مثل سلطنة عُمان.
وتقويض المشاريع الخليجية المشتركة سيخلق للممر مسارات منافسة لمشاريع مثل السكك الحديدية الخليجية، أو موانئ مثل الدقم، أو مراكز الخدمات اللوجستية في الإمارات والسعودية. تصبح بعض الدول "محطات هامشية" بدلًا من أن تكون محاور رئيسية.
الأهم: ما هي التأثيرات الخاصة على سلطنة عُمان؟
تهميش الموقع الجيوستراتيجي العماني: عُمان تستفيد حاليًا من موقعها عند مدخل مضيق هرمز، ومن موانئ استراتيجية مثل: ميناء الدقم وهو مشروع لوجستي ضخم. مع تحقق "ممر داود"، سيُعاد توجيه جزء من حركة التجارة والطاقة إلى المسار البري عبر إسرائيل–الأردن–الخليج، مما يقلل من أهمية الموانئ العمانية كمحاور بديلة كميناء صلالة.
ضرب خطط التنويع الاقتصادي (رؤية عُمان 2040): عمان تُراهن على اللوجستيات والنقل البحري والطاقة لتقليل الاعتماد على النفط. إذا تحقق الممر، فإن جزءًا كبيرًا من الشحنات والبضائع الإقليمية سيتجاوز الموانئ العمانية ويذهب مباشرة عبر إسرائيل نحو أوروبا، أو عبر السعودية والإمارات.
زيادة عزلة عُمان التجارية والسياسية: عُمان تتبع سياسة خارجية متوازنة، تحاول ألا تدخل في محاور صراع. الممر سيدفع باتجاه نشوء محور "إسرائيل–السعودية–الإمارات–البحرين" المتشابك اقتصاديًا. إذا لم تنضم عُمان لهذا المحور، قد تجد نفسها معزولة اقتصاديًا، أو تتعرض لضغوط للالتحاق به.
خطر الاستثمار الأجنبي وتحويل الوجهات: المستثمرون الدوليون قد يُفضّلون دولًا تقع على خط "الممر"، خصوصًا مع وجود تسهيلات إسرائيلية–خليجية، وهذا يُضعف من قدرة عُمان على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، خاصة في قطاعات الموانئ، التجارة، والطاقة المتجددة.
الخروج من مثلث برمودا: استعادة الدولة قبل أن تبتلعها الخرائط الجديدة
إن الشرق الأوسط، في ظل مشروع "ممر داود"، يُعاد تشكيله وفق منطق لا يرحم: تفكيك داخلي عبر الطائفية، وإعادة توجيه خارجي عبر هندسة اقتصادية مدروسة. إسرائيل لا تستخدم الطائفية كغاية، بل كوسيلة لإزاحة الدول عن مراكزها، وسحب بساط القرار منها، ثم إدخالها -طوعًا أو قسرًا- في منظومة إقليمية جديدة تكون فيها هي المحور السياسي والاقتصادي والديني.
وفي هذا السياق، فإن الخطر لا يهدد الدول التي تمزقت بفعل السلاح وحده، بل يمتد إلى دول الخليج، حيث تعني إعادة رسم طرق التجارة والطاقة والموانئ إزاحة صامتة لدول كانت حتى الأمس لاعبًا محوريًا.
سلطنة عُمان، بما تمثله من ثقل جغرافي واعتدال سياسي، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ مضاعف: الحفاظ على توازنها الاستراتيجي، مع ضمان عدم تهميشها في النظام الاقتصادي الإقليمي الجديد.
في مواجهة مثلث برمودا هذا -الطائفية، النبوءة، والهيمنة الاقتصادية- لا خيار للدول العربية إلا العودة إلى منطق الدولة الوطنية، وتعزيز تكاملها الإقليمي القائم على المصالح لا المحاور، والانتباه المبكر لأي مشروع ناعم يتقدّم بأدوات ناعمة لكنه يفرض واقعًا خشنًا لا يرحم.
رابط مختصر