بطولات وأسماء خلدتها الأمثال والأشعار
(إذا سقطت، فلا تسقطوا معي، بل احملوا عنى راية لم تسقط يوما، واجعلوا من دمى جسرا يعبره جيلٌ يولد من رمادنا. لا تنسوا أن الوطن ليس حكاية تروى، بل هو حقيقة تعاش، وفى كل شهيد يولد من رحم هذه الأرض ألف مقاوم. إذا عاد الطوفان ولم أكن بينكم، فاعلموا أننى كنت أول قطرة فى أمواج الحرية، وأننى عشت لأراكم تكملون المسيرة.
هكذا خطت يمينه قبل استشهاده، وصية لا يكتبها سوى بطل مغوار، دافع عن وطنه ببسالة، لم يثنه سلاح وهو أعزل، ولم يضعفه قصف وهو جريح، ذاد عن أرضه حتى الرمق الأخير، فاستحق أن يخلد التاريخ بطولاته، وأن يصير اسمه أيقونة تتناقلها الأجيال... ومن سواه يكون.. إنه يحيى السنوار..
* ضربته بعصا السنوار
يحيى السنوار.. آخر من جادت أرض الأبطال من أبنائها، والذى صارت قصة استشهاده مضربا للبطولة، ومثلا عربيا، تزدان به اللغة، أضيف إلى الأمثال التى تنتجها الأحداث التاريخية، هكذا صرنا وصار الجميع يقول «رميته بعصا السنوار»، وهو دلالة على أنّ الإنسان حاول بكل ما يستطيع وبذل كل جهده.
ويتماشى معنى المثل الشعبى المبتدع «رميته بعصا السنوار» مع الكيفية التى استشهد بها رئيس حركة حماس يحيى السنوار، حيث ظل يقاوم قوات الاحتلال حتى أصيب وجلس على كرسى يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولما اقتربت منه طائرة مسيرة ألقى عليها عصا كانت بيده رغم الهوان الشديد الذى اعتراه، بل صار اسم السنوار مضربا للبطولة والإقدام، حتى قلنا «هذا رجل سنوار»، أى بطل لا يهاب المستحيل.
ولأن اسم السنوار يرجع إلى اسم النار والإنارة، حسب عدد من معاجم اللغة العربية، فلنا أن نتخيل ذلك الإلهام الذى أحدثه استشهاد يحيى السنوار.
هكذا صار مشهد يحيى السنوار الذى يقف فيه بعصاه فى مواجهة المسيّرة الإسرائيلية المتطورة مليئاً بالرمزية والتحدي، فالعصا فى وجه المسيّرة تعبر عن ثنائية الصمود أمام القوة الغاشمة.
تظل صورة العصا والدرون راسخة ومحفورة فى عقول وأرواح الأجيال القادمة، لتراوح فى أهميتها عصا موسى عليه السلام، التى شقت بحر الأمة وزبده وابتلع بطوفانه جيش الكفرة المارقين.
والواقع أن تاريخنا العربي، يحفل بأسماء عدة، أضيفت إلى سجله، إما فى هيئة مثل يجرى على الألسنة، أو بيت شعر تحول بكرور الزمن إلى قول مأثور، وتلك الأسماء والشخصيات إنما خلدت، إما لصفة اشتهرت بها، أو حدث جلل شهدته، أو خلدها شاعر أو حاكم.. ولنا هنا أن نستعرض بعضا يسيرا منها:
* أشجع من ربيعة
ربيعة بن مكدم الفراسى الكناني فارس عربى من قبيلة كنانة وأحد فرسان العرب المعدودين فى الجاهلية وصاحب الفرس: اللطيم. اشتهر بلقب حامى الظعائن حيا وميتا وضربت به العرب المثل فى الشجاعة والنجدة فقالوا: أشجع من ربيعة بن مكدم وأحمى من مجير الظعن. وكان يعقر على قبره في الجاهلية ولم يعقر على قبر أحد فى الجاهلية غيره.
* أشأم من البسوس:
يقال فى الأمثال، هذا أشأم من البسوس، ويرجع الأمر لقصة حرب البسوس، فكانت البسوس شاعرة من شعراء الجاهلية، ويذكر أن الناقة التى قتلها كليب كانت لجار البسوس سعد بن شمس، وحين رأت البسوس ما أوقعه كليب بالناقة، صاحت وتفجعت: «واذلاه واغربتاه»، وأنشدت أبياتا تسميها العرب بأبيات الفناء لما تسببت به من حرب فتحت باب الفتنة بين أبناء العمومة فأفنتهم وأهلكتهم، حتى صارت البسوس مثلا للشؤم، إذ يقال فى أمثال العرب «أشأم من البسوس». وقد حشدت البسوس فى أبيات الفناء ما يثير جساسا ويحضه على مواجهة كليب الذى لم يعبأ بحرمة الجار ولم يحفظ لأبناء عمومته كرامتهم، بل أخذته العزة بنفسه.
* جزاء سنمار:
من الأمثلة العربية الشهيرة والتى لا زالت دارجة اليوم هو قول الناس (جزاؤه جزاء سنمار)، ويرمز لمن يحسن عمله فيُكافَأ بالإساءة إليه، فقد ذُكر فى كتب السير أن النعمان بن امرء القيس بن عمر اللخمي، كان ملكا على إمارة الحيرة، أراد النعمان أن يبنى قصراً ليس كمثله قصر يفتخر به على العرب ويفاخر به أمام الفرس، فوقع اختيار النعمان على سنمار لتصميم وبناء هذا القصر، وزعموا أن سنمار هذا كان رجلاً رومياً مبدعاً فى البناء، استدعى النعمان سنمار وكلفه ببناء قصر ليس له مثيل يليق بالملك النعمان الذى سينزل فيه، فطارت أحلام سنمار وآماله فى عطية ملك العرب بعد أن يبنى له القصر الأعجوبة. يقال: استغرق سنمار فى بناء هذا القصر عشرين سنة، وبعضهم قال ستين سنة، وانتهى الأمر بإلقاء الملك لسنمار من أعلى القصر.
* أبصر من زرقاء اليمامة:
فزرقاء امرأة عربية سكنت اليمامة، وقيل إنها كانت ترى الشخص على بعد مسيرة ثلاثة أيام، وإن عينيها لونهما أزرق، فاشتهرت بزرقة عينيها وحدة بصرها، حتى أن قومها كانوا يستعينون بها لتحذرهم من الغزاة.
** أكرم من حاتم الطائى
بلغت سمعته بلاد الهند وطالت بلاد الروم، حتى قيل إن النبى محمد ﷺ ذكره فى بعض الأحاديث، وحاتم الطائى شخصية عربية مشهورة فى التراث والثقافة العربية، شاعر معروف بالكرم والجود ومساعدة الغير، تخطت سمعته حدود الجزيرة العربية، هو من أشهر شعراء العرب فى الجاهلية قبل الإسلام، يُعد أشهر العرب بالكرم والشهامة، كما يُعد مضرب المثل فى الجود والكرم. وقد كانت العرب تقول “السخاء حاتم، والشعر زهير”، بمعنى أن الكرم كرم حاتم الطائى والشعر شعر زهير بن أبى سلمى، طلقت منه زوجته ماوية بنت حجر الغسانية، وكانت من ملوك الحيرة، طلبت الطلاق منه لنفس السبب الذى تزوجت به من أجله، فكان حاتم يُنفق ويبذر جُلّ أمواله على المسافرين والمحتاجين وبإكرام الضيوف، حتى بالغ فى الإسراف لدرجة أنه ينفق جميع أمواله حتى لو لم يتبق لأولاده شيئًا.
** إذا ذهب الحمار بأم عمرو:
بيت شعر يُقال عندما يذهب عنك شخص غير مرغوب فيه، ولبيت الشعر حكاية طريفة ذكرها الجاحظ، فقال: «دخلت يوماً مدينة، فوجدت فيها معلماً فى هيئة حسنة، فسلمت عليه، فجلست عنده وباحثته فى القرآن الكريم، حتى جئت يوماً لزيارته، فإذا بمكتبه مغلق، ولم أجده، فسألت عنه، فقيل: قد مات له ميت فحزن، وهو جالس الآن فى بيته ليتقبل العزاء، فذهبت إلى داره لأُعَزّيه، دخلت إليه وإذا به جالس وقد غلب عليه الحزن، فقلت: عظم الله أجرك فيما فقدت، لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة، وكل نفس ذائقة الموت، فعليك بالصبر، ثم سألته: هل المتوفى ولدك؟ قال: لا، فقلت: والدك؟ قال: لا، قلت: أخوك؟ قال: لا، فقلت: إن كانت زوجتك فرحمة الله عليها، وعوّضك الله خيراً منها، رد قائلا: ليست بزوجتي.
عندها سألته وأنا فى حيرة: إذاً ما صلة الميت بك؟ قال: حبيبتي، ثم قلت: سبحان الله النساء كثر، وستجد غيرها بتوفيق من الله ومشيئته، فقال: أو تظن أنى رأيتها؟ فسألته: وكيف عشقت من لم تر؟ فقال: كنت جالساً فى هذا المكان، وأنا أنظر من الطاق، إذ رأيت رجلاً عليه بردة وهو يقول: أيا أم عمرو جزاك الله مكرمة ردى عليّ فؤادى أينما كانا لا «تأخذين» فؤادى تلعبين به فكيف يلعب بالإنسان «إنسانا»، فقلت محدثا نفسي: لابد أن أم عمرو هذه أجمل وأحسن ما فى الدنيا حتى يقال فيها هذا الشعر الجميل، فعشقتها، وما إن مضى يومان وإذا بذلك الرجل بعينه يمر وهو يقول: لقد ذهب الحمار بأم عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار، فقال لى المعلم المكلوم: فعلمت أنها ماتت، فحزنت عليها، وأغلقت المكتب، وجلست فى الدار أتقبل العزاء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: استشهاد يحيي السنوار أرض الأبطال یحیى السنوار
إقرأ أيضاً:
النائب مصطفى بكرى يصل الغرفة التجارية بالدقهلية على هامش المشاركة فى احتفالية ذكرى ٣٠ يونيو
وصل منذ قليل النائب الإعلامى مصطفى بكرى عضو مجلس النواب ورئيس تحرير جريدة الأسبوع، إلى مقر الغرفة التجارية بالدقهلية، وذلك للمشاركة فى احتفالية ذكرى ٣٠ يونيو التى تنظمها الغرفة التجارية بالتعاون مع مجمع إعلام المنصورة، وكان فى استقباله المهندس أحمد رعب رئيس الغرفة، والدكتورة مايسة المنشاوى مدير مركز إعلام المنصورة، وأعضاء مجلس إدارة الغرفة وأعضاء مركز إعلام المنصورة.
تقام الإحتفالية بعنوان " عهد جديد لوطن يستحق " بحضور الدكتور أحمد يحيى رئيس قطاع الإعلام الداخلى بالهيئة العامة للإستعلامات، و الدكتور محمد عطية البيومى نائب رئيس جامعة المنصورة، وعدد من أساتذة الجامعات، ورجال الأزهر والأوقاف والكنيسة، وأعضاء مجلس إدارة الغرفة التجارية، وممثلى مجمع إعلام المنصورة، وعدد من القيادات الشعبية.
وأشاد "بكرى" بحرص الغرفة ومجمع إعلام المنصورة على حرصهما على إحياء الإحتفال بذكرى الثورة المجيدة،
و رحب المهندس أحمد رعب رئيس الغرفة التجارية بالدقهلية، بالنائب مصطفى بكرى، مؤكدا أنه شخصية وطنية من الطراز الفريد، وأشار رعب إلى الدور الذى تقوم به الغرفة ومشاركتها المجتمعية بصفة مستمرة، مضيفا أن الغرفة تمتلك قاعدة بيانات تضم حوالى ٣٠٠ ألف تاجر ومؤدى خدمة، وتقوم الإحتفالية من منطلق حرص الغرفة على إحياء ذكرى ثورة ٣٠ يونيو المجيدة لتعزيز روح الإنتماء والوعى الوطنى وتخليدا لتلك الثورة التى تعتبر أهم نقطة تحول فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، و قدرة الشعب على استعادة هويته، والدور البطولى الذى قام به الرئيس عبد الفتاح السيسى زعيم الأمة العربية الذى سرعان ما يلبى النداء.
ومن المقرر تلقى الدكتورة مايسة المنشاوى مدير مركز إعلام المنصورة، الكلمة الإفتتاحية، حيث قالت إن هذه الإحتفالية تأتي ضمن سلسلة الفعاليات التوعوية والثقافية التى يحرص المجمع على تنظيمها بصفة دورية، خاصة فى ذكرى تلك الثورة العظيمة التى عبرت عن إرادة الشعب الحقيقية للتغيير.
كما أشارت إلى أن الحفل سيشهد فقرات متعددة أبرزها فيلم تسجيلى عن ثورة ٣٠ يونيو وعدد من الفقرات والخطب الوطنية والعروض الثقافية والأغاني الوطنية.