السودان (حطام الدولة دولة الحطام)!!
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
عبدالله مكاوي
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسلامويون اعملوا في الدولة معاولهم لمدة ثلاثة عقود ليحيلوها الي حطام. اما لغم المليشيا الذي زرعوه، فاحدث انفجاره تناثر حطام الدولة في كل مكان.
فهذه الحرب الوحشية بقدر ما اثبتت قصور وعي قادة الجيش ومن قبلهم استهتار الكيزان، الذين صنعوا هذه المليشيا وقدموا لها كل الدعم والرعاية، بقدر ما اكدت ان المليشيا هي اخطر واقذر تشكيل مسلح علي كيان الدولة وسلامة شعبها.
كما ان تواجد الكيزان والمليشيا في دولة، فهو قبل كل شئ اعلان عن مدي الفوضي والانهيار الذي بلغته الدولة. ولسوء الحظ اجتماع هشاشة الدولة مع تسلح اطراف السلطة وارتباط وجودهم ومصالحهم بذات السلطة، هو ما لم يوضع في حسبان الثورة والثوار والطبقة السياسية.
وعموما، ومنذ استيلاء الكيزان علي السلطة، احدثوا قطيعة كاملة مع ماضي الدولة ومستقبلها. لينتج عن ذلك فضاءان، فضاء تشغله السلطة، وتُبتذل فيه السياسة الي مجرد اداة دعاية وتزييف وتبرير، وفضاء سياسي يشغله المعارضون ويتطلعون من خلاله لحيازة سلطة شرعية. وما يؤسف له ان الفضاء الاخير هو اصلا امتداد للفضاء السياسي القديم (احزاب ونقابات ومجتمع مدني وثورة ومطالب ديمقراطية واجتماعية..الخ) الذي اصبح عمليا غير موجود إلا كاشباه سياسة واشباح سياسيين!
وغالبا جزء اساس من المعضلة يرجع الي ان تسلط السلطة بنسختها المقدسة والارهابية التي تبناها الاسلامويون، هي امتداد لارث تاريخي مديد كانت السلطة فيه مطلقة. بل كان هنالك حالة البداهة للتعايش معها إلا من بعض التمردات النادرة، وإلا كيف نكون جزء من مملكة الحيوانات؟ بمعني ان تحجيم السلطة وفرض الرقابة عليها وخضوعها للدستور، والاهم مشاركة المحكومين طواعية في تحديد نوعية السلطة وانضباطها ومسؤوليتها وغيرها من مكتسبات الدولة الحديثة، هي اصلا طارئة علي التاريخ الانساني المفعم بالاسي. ولذا الوصول اليها يحتاج لتضافر عوامل عديدة (ثقافية واجتماعية واقتصادية وتاريخية...الخ) مما لا يتاح لمعظم دول الجنوب بتفاوت مقاديرها وحظوظها وابتلاءاتها بالانقلابات. والحال كذلك، يبدو ان دعاة الثورة والتغيير والجذري علي وجه الخصوص هم الاقل دراية بمتطلبات التغيير والتحديات التي تجابه الثورات! والعكس صحيح ان فضاء السلطة الذي يعتمد القوة والعنف ليس بمستغرب ان يتصدره العقائديون والجيوش والمليشيات والحركات المسلحة! لكل ذلك جل ما فعلته الثورة كفعل رومانسي يتطلع للحياة المشتهاة، هو افساح المجال للحركات المسلحة ومليشيا آل دقلو للتمدد في الفراغ الذي احدثه ضعف سلطة الاسلامويين وتضعضع هيبة الجيش.
المهم، رغم التداخل الذي يحدث بين الفضائين، سواء من خلال اغراء السلطة لبعض المعارضين، او من خلال اختراقها للفضاء المعارض، إلا ان هذا الفصل يبدو انه لم يوضع في الاعتبار عند مواجهة الاسلامويين. واكبر دليل علي ذلك وكما سلف ذكره، ان قيام الثورة كذروة سنام العمل المعارض، لم تحصن الفاعلين السياسيين من توهم ان السياسة لها قصب السبق، كما سبق وحدث في ثورتين سابقتين. ودون ان يدور بخلدهم ان فضاء السلطة السائد والمزود بانياب مسلحة ليس في وارد اي قوي سياسية او مدنية او ثورية مجابهته، ناهيك ان يتأسف البعض علي مشاركة العسكر وكأن هنالك مندوحة عن ذلك! او كأن السياسة هي شئ آخر غير مهارة وعي الواقع وكيفية التعاطي معه والحفاظ علي الدولة والارتقاء بها وحماية المواطنين وخدمتهم في كافة الظروف. اي هنالك مسافة بين الفضائين يستحيل قطعها ضربة لازب.
ولكأن القدر سخر من اخراج القوي السياسية علي ضعفها من المشهد، عبر عنف الانقلاب البرهاني الحميدتي، بتآمر كيزاني ورعاية مصرية ودعم اماراتي. لينفجر الصراع داخل قوي الانقلاب متعدد الرؤوس متنافر التوجهات متضارب المصالح.
فالمليشيا التي قويت شوكتها العسكرية وتوسع نفوذها الاقتصادي وفتحت نفاج علي العلاقات الخارجية المستقلة عن رقابة الدولة. كل ذلك جعل السلطة هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ علي البقاء وحماية المصالح. خاصة وان اي اوضاع طبيعية كفيلة بحلها واخراجها من المشهد دون حمص، لتناقض وجودها مع بقاء الدولة وانشطتها المعادية للمجتمع.
وعليه، ومنذ اللحظة التي اصبحت فيها هذه المليشيا القذرة جزء من تكوين السلطة وتوازن القوي العسكرية، اصبحت العملية السياسية برمتها ليست معقدة فحسب، ولكنها مخاطرة قابلة للانفجار في اي لحظة! وبذلك لم يكن مطلب حل الدعم السريع صحيح، فهذا ما لا تنتطح فيه عنزان، ولكن الاشكالية كان في الكيفية؟ بحيث ان اي محاولة ضغط كما يشتهي الجذريون والثوار، هي لعب بالنار من حيث لا يعلمون! وذلك ليس بسبب ما تحوزه من قوة مهولة وقوات موازية للجيش وتمكنها من المواقع الاستراتيجية فقط، ولكن لاستعدادها لارتكاب كافة الفظائع بدم بارد، وقبل ذلك لتجردها من كل ما يمت للوطن وانسانه بصلة، اضافة لارتزاقها وارتهانها للخارج. وقد كانت مجزرة فض الاعتصام مجرد بروفة لما يحيق بالوطن واهله، وكذلك تهديدات حميدتي واخيه علي الملأ من مجرد المس بوجودها او مصالحها! وهو ما لم يتاخر طويلا بعد اندلاع الحرب العدمية، التي كانت تعد لها المليشيا منذ وقت مبكر، لان التآمر جزء من طبعها الذي خرجت به من رحم الاسلاميين ملوك التآمر. وهذا تحديدا سبب مهادنة قوي الحرية والتغيير لهذه المليشيا الخطيرة، والوصول بها لمحطة الاتفاق الاطاري، كافضل الحلول السيئة لمعالجة قضية شبه خاسرة (تمكن المليشيا وحذرها وقدرتها علي المباغتة). وبتعبير آخر ليس هنالك من امكانية للتخلص من مليشيا تم اعدادها اصلا للتصدي للحركات المسلحة والمعارضين اولا، وللتصدي للجيش اذا ما انحاز للثورة او احد اجنحة الاسلامويين ضد قائد الجيش ثانيا. اما ما فات علي هؤلاء واولئك هو طموحات المغامر حميدتي للاستفراد بالسلطة باي ثمن. والحال كذلك، مع وصول المليشيا مرحلة الندية مع الجيش، اصبح وجودها كارثة والتخلص منها عنفا كارثة اعظم.
وهذا بدوره يرجعنا مرة اخري لثنائية الفضائين (سلطة وسياسة) وتعمق التباين بينهما، بوجود مليشيا الجنجويد داخل فضاء السلطة السائد والمنحرف اصلا. وكيف ان فضاء السلطة بعد هذا التوسع والسطو، اضاف للسيطرة والارهاب نزعة وحشية وهمجية ونهبوية لا تحدها حدود، ليُطرد فضاء السياسة والحياة المدنية من الباب العريض. اما بعد اندلاع حرب السيطرة المنفردة وزيادة وحماية المصالح داخل فضاء السلطة، لم يقُد ذلك لتحطيم الدولة وحياة المواطنين فحسب، ولكن الاسوأ انه لا يضع اعتبار لهما من الاساس! اي الاصل هو السلطة، والدولة والشعب مجرد ملحقات ثانوية، بل في حالة المليشيا هي جزء من محفزات القتال بين جنودها الاوباش. وهذا بدوره ما خفض من قيمة المواطن ومكانة الدولة، لتتحول هذه الحرب الوحشة لواحدة من اقذر الحروب في كل العصور، نتيجة لعدم اكتراثها بالمدنيين والبنية التحتية للدولة!
والمفارقة ان من كان يشكل هاجس للقوي السياسية ويقض مضجع الثوار ويؤرق الحادبين علي الوطن، اي وجود مليشيا الجنجويد وكيفية التعامل مع معضلتها؟ هو عينه ما كان يُقابل بالاستخفاف من قبل خبراء الجيش وينكره قادته ويقلل من اهميته الاسلامويون! ليصبح هو نفسه ما يعذب الجيش وداعميه من الاسلامويين والمصريين وكيفية القضاء عليه، بعد فشل الانقلاب واشتعال المعارك الوجودية بين الشركاء؟! ونتيجة لتآمر قادة الجيش وتواطؤه كمؤسسة قبل الثورة وبصورة اشمل بعدها، تضخمت هذه المعضلة لتتحول الي كارثة وجودية تستهدف بقاء الدولة، وهو ما يجعل حسمها عسكريا امر بالغ الصعوبة، وحتي ولو تم ذلك سيكون بكلفة انسانية ومادية باهظة. وفي ذات الوقت اذا تم اي اتفاق مع المليشيا وهو امر بالغ الصعوبة بدوره، سيجعل المشكلة قائمة، ناهيك عن طابع الغدر والتآمر الذي يسم قائد المليشيا (تجربته مع هلال والبشير والبرهان والحركات المسلحة وقبلهم جميعا الثورة الي اتاحت له الصعود الي سدة السلطة). إلا بالطبع اذا تم الاتفاق بضمانات دولية محكمة، وجزء اساس منها عودة الفضاء السياسي ليعمل بكامل طاقته علي حساب الفضاء السلطوي. اي اجراء قطيعة مع قطيعة الكيزان لتستقيم احوال البلاد والعباد. وكل ذلك للاسف اثبتت التجارب والفرص المهدرة انه يندرج في باب الامنيات دون حصول معجزات! والسؤال بعد كل هذه الكوارث التي تتعرض لها البلاد واهلها من قبل المليشيا الوحشية، هل علم قادة الجيش والكيزان الآن، عواقب الاستهتار بالسلطة والاستخفاف بمطالب القوي السياسية والتلاعب بالامن القومي؟ اشك في ذلك؟!
ومن هنا تنبع مأساة شعب شاء القدر ان تهبه الطبيعة ثروات وخيرات تسيل لها لعاب الطامعين، مع التوافر علي نخبة سياسية تفتقر للحكمة والنضج وحكام يفتقدون للمؤهلات، ونخبة عسكرية تترك واجبها وتتصدي لما لا يعنيها، وتاريخ مثقل بالترسبات النفسية السيئة مع تشكيلات اجتماعية معقدة ومتعددة تشكل بيئة خصبة للاستنفار علي اسس جهوية وعرقية، ومختبر لايديولوجيات ذات اليمن واليسار، وجوار لدولة تضع نصب اعينها مصالحها علي حساب مصلحة البلاد مستفيدة من احساس دونية يتملك من يتقلد حكم البلاد بالبندقية! حتي وصل بنا المطاف ان يتحكم في البلاد ومصير العباد، قادة الجيش المغرورين والكيزان الفاسدين والمليشيا الهمجية. وبالطبع هؤلاء ليس غير جديرين بالحكم او لهم معرفة بفنون ادارة الدولة او علاقة بمصالح المواطنين فحسب، وانما يجسدون الذئاب التي تتربص بموارد الدولة واحكام القبضة علي اهلها.
وفي كل الاحوال ومع استمرار الحرب وارتفاع وتيرة الانتهاكات، اصبح واضح للعيان، انه ليس هنالك وجه للمقارنة بين الجيش والمليشيا الهمجية. اي الجيش غض النظر عن الموقف منه، إلا انه جزء من تكوين الدولة الحديثة، عكس المليشيا التي تعبر عن انحراف حدث داخل الدولة. ورغم الكوارث الي سببها الجيش للدولة بانزياحه عن واجبه وافساده للسلطة بعد تورطه فيها، إلا ان البديل عن اخطاء الجيش لا يمكن ان تكون المليشيا باي شكل من الاشكال!
واذا كانت كل المليشيات هي اشكالات للدول، فان مليشيا الجنجويد هي الاسوأ علي الاطلاق. فناهيك عن اسس تكوينها كاداة قذرة مخصصة للادوار الاكثر قذارة، واعتمال قيم الارتزاق والعمالة والنهب والسلب داخلها لتعمل كمحرك ومحفز لمقاتليها، إلا انها مليشيا شبه عائلية وقبلية بشكل صريح، ويقف علي راسها، بل تخضع له بصورة كاملة، مجرم شبه امي، بل اقرب للصعلوك التافه (رويبضة) الذي يكلله الجهل (علة كل الشرور كما ينسب لسقراط)، يتطلع لحكم البلاد بقوة السلاح ودعم اشرار الخارج، الطامعون في موارد البلاد وموقعها الاستراتيجي.
لذلك ممارسات هذه المليشيا القذرة والانتهاكات الفظيعة في حق الابرياء التي دابت علي ارتكابها كجزء من منهجية عملها، والابادات الي تتورط فيها مجانا ومن دون ادني حساسية او فائدة تجنيها منها. جعلت هذه المليشيا بوحشيهتا غير المسبوقة، من نوعية جرائمها التي تقشعر منها الابدان، بل الشيطان نفسه يتقزز من قذارة وانحطاط مقاتلي هذه المليشيا البربرية! وكأنها (فلاش باك) ينقل البلاد من العصر الحديث الي عصر محاكم التفتيش ومطاردة الساحرات! فمن يصدق ان وسيلة التفاهم في اماكن سيطرتها هي الاعتقال والبطش والتشريد، اما علاج الشكوك فهي الاستباحة والقتل! بل من كان يظن مجرد ظن، ان يمر علينا زمان، نشاهد ونسمع فيه اصدار اوامر بالقتل علي مدن وقري وعرقيات باكملها، ومن فورهم يشرعوا في التنفيذ! ورغم ان احداث اردمتا في الجنينة ما زالت طازجة في الذاكرة، ويصرون علي انكارها، إلا انهم بكل بساطة لا ينفكون يمارسون ذات الهمجية والابادة في حق مدنيين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب، او صراع السلطة بين المتقاتلين. بل مواطني الجزيرة بالذات هم ضحايا لخذلان الجيش، الذي سلمها للمليشيا من غير خسائر وسط مقاتليها، وهو ما يبطل اي مبرر ولو شكلي لهذه الفظائع!
اما التحجج برفض الجيش للتفاوض او تصعيد المعارك كسبب للتمادي في الانتهاكات، فهي حجة اقبح من الذنب! لان المواطن المدني بقدر ما هو غير مسؤول عن هذه الحرب وما يحدث فيها، فهو كذلك ليس مسؤول عن رفض التفاوض. كما ان الانتهاكات التي تمارس في حق المدنين ليس لها اي تاثير علي سير المعارك او هزيمة المليشيا او تسليم قياداتها للجيش. اي هي مجرد فش غبينة او وسيلة جبانة وعاجزة لتحميل المواطن البرئ عواقب الفشل. وهذه مرحلة من الانحطاط والقذارة يصعب ان يصلها بشر في الوجود، ان لم تشكك في بشريته نفسها (شكل بشر وروح خبيثة حاقدة متعفنة شيطانية كارهة للبشر والحياة).
بل فعائل هذه المليشيا الهمجية، شكلت قبلة حياة للكيزان، ليعودوا الي المشهد بقوة، بقدر الضرر البليغ الذي الحقته بتقدم، لدرجة تشويه صورتها وحشرها مع المليشيا في ذات المربع. ومن اقدر من الكيزان علي تشويه السمعة والاصطياد في المياه العكرة!
المهم، مليشيا علي هذا المستوي من الوحشية والانحطاط، تجعل مسالة الوصول معها لحلول وسط تثير السخرية والاحباط رغم كراهة الحرب، وكأن فعائلها العدوانية احراج للمنادين بوقف الحرب، وامتهان لدماء الضحايا وتسليم بالهمجية، مع العلم ان الجيش يتحمل كامل المسؤولية بوصفه مسؤول عن حماية كامل البلاد.
والحال كذلك، هذه المليشيا وبفعل هكذا انتهاكات يندي لها الجبين، تقتل ما تبقي من هامش سياسة وقوي سياسية ومستقبل سياسي. اي وكما حطمت ما تبقي من الدولة وحياة المواطنين، فهي كذلك تعمل بفاعلية علي تحطيم الفضاء السياسي، الذي يعول عليه لعقلنة الحلول وايقاف هذا الجنون الذي يخوض فيه المتقاتلون.
اما بعد تحطيم الدولة وحياة المواطنين، فمن يرد معرفة مدي التحطيم والانحطاط الذي بلغته بلادنا الشقية. فاليستمع لمناصري المليشيا من سفهاء القوم، الذين بلغ بهم الحقد والقبلية والاحساس بالدونية مبلغ يثير الحنق والاسف والرثاء، وهم يتعدون انكار الانتهاكات الي تبريرها، بل والتشجيع علي توسيعها لتشمل مناطق وعرقيات أخري! والمأساة ان التشجيع علي عرقنة الحرب، يضر بعرقيات اصحاب الدعوة انفسهم خارج مناطقهم! مما يؤكد ان قائد المليشيا واسرته يتاجرون بدماء ابناء عرقياتهم من اجل طموحاتهم السلطوية، وذات الامر ينطبق علي الحاقدين، الذين يسعون لارضاء نفوسهم المريضة علي حساب بني جلدتهم، طالما هم واسرهم آمنون بعيدا عن المخاطر! فهل بعد انكشاف الطابق وظهور المستور، هنالك من يصدق ان لهذه المليشيا علاقة بالديمقراطية او الدولة المدنية او دولة 56 او دولة الشيطان الرجيم؟
لكل ما سبق وبعد تحطيم الدولة وحياة المواطنين، ووقوعهم ضحايا لصراع سلطة عدمي، وعدم قدرة الجيش علي حمايتهم. ليس هنالك من وسيلة لحماية المواطنين وانقاذ ما تبقي من الدولة، من المليشيا اولا، وقادة الجيش ثانيا، والكيزان ثالثا، والدول الاقليمية رابعا. إلا ان يضطلع المجتمع الدولي بواجبه، كما تعهد بعد فظائع رواندا من عدم السماح بتكرار جرائم الابادة. وهو ما لم يلتزم به تجاه دارفور سابقا! وهو عين ما حدث ويحدث في دارفور مجددا والجزيرة وسنار من ذات المليشيا، دون ردة فعل رادعة موازية. ومن العار بمكان ان يواجه المجتمع الدولي كل هذه الانتهاكات بذات البرود والادانات الخجولة، والمليشيا تزداد فرعنة وازدراء لكل اعراف الارض وشرائع السماء.
واخيرا
بعد جرائم الابادة التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها مليشيا الجنجويد الهمجية المتخلفة، التي اثبتت فظائعها انها ضد الانسانية والحضارة، وان منتسبيها مجرد وحوش يفتقدون للرجولة والمروءة والرحمة، وان مجرد وجود هذه المليشيا هو اعلان صريح بتحطيم الدولة وهلاك اهلها. فليس هنالك مندوحة من الاجتماع من اقصي اليسار الي اقصي اليمين علي اعتبار هذه المليشيا ارهابية، ومن ثمَّ يقع علي كافة العالم عبء القضاء عليها، لانقاذ ليس شعب السودان ولكن العالم من شرورها. واول من يقع عليه هذا العبء هو حمدوك ومن خلفه تقدم والاسلاميين والجيش والجن الازرق، وكل من يريد الاصطفاف مع الحضارة والانسانية والحياة والخير والحق والجمال في وجه المسخ المليشياوي التتري. وعليه، كل الخلافات تؤجل حتي القضاء قضاءا مبرما علي هذا الوحش المنفلت من عقاله. والله ياخذ بيد هذه البلاد واهلها الي الخلاص. ودمتم في رعايته.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ملیشیا الجنجوید هذه الملیشیا قادة الجیش هذه الحرب لیس هنالک هنالک من إلا ان وهو ما جزء من
إقرأ أيضاً:
الحريديم.. من تحدي السلطة إلى طاعة الجبهة الداخلية والاعتراف بـرجال الحرب
في تطور لافت وغير مسبوق في العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والتيار الحريدي الأرثوذكسي المتشدد، أصدرت القيادة الروحية للحريديم، وعلى رأسها الحاخام دوف لاندو، توجيهات علنية بضرورة الالتزام بتعليمات الجبهة الداخلية، بما في ذلك إخلاء الملاجئ التي تحولت إلى مساكن، وتعليق الأنشطة التعليمية عند الضرورة.
وقد نُشر هذا التوجيه في صحيفة "ياتيد نئمان"، لسان حال الحريديم الليتوانيين، في موقع بارز عادة ما يُخصص لمعارضة تجنيد طلاب المعاهد الدينية أو الدفاع عن قدسية السبت، ما يعكس حجم التحول في الخطاب الديني الحريدي.
واعتبر الكاتب الإسرائيلي ناتي توكر، في مقال نشرته صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية المختصة بالشؤون الاقتصادية، أن هذا الموقف لا يمكن اعتباره مجرد استجابة بديهية للظروف الأمنية، بل يمثل نقطة تحول دينية واجتماعية عميقة. فالحريديم، الذين طالما تعاملوا مع الدولة ومؤسساتها ككيانات علمانية لا شرعية دينية لها، باتوا الآن يعترفون -ولو ضمنيا- بسلطة الدولة، بل ويبررون طاعتها من منطلق ديني.
التحول لم يقتصر على الالتزام بالتعليمات الأمنية، بل امتد إلى الخطاب اللاهوتي ذاته، فقد ظهر في بيانات "مجلس حكماء التوراة" -الهيئة الروحية العليا للحريديم- مصطلح جديد هو "رجال الحرب"، في إشارة إلى جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي. وهو مصطلح لطالما تجنبت القيادات الدينية استخدامه، إذ كانت ترى أن "رجال الجيش" يمثلون مؤسسة علمانية تتناقض مع المنظومة العقائدية الحريدية التي تعزو الحماية الإلهية إلى دراسة التوراة حصرا.
لكن في البيان الأخير للمجلس، وردت عبارة لافتة "قوة التوراة تحمي أيضا رجال الحرب"، وهي صيغة جديدة تُدخل الجنود ضمن سردية الحماية الإلهية، وتربطهم بمقاتلي المعارك التوراتية مثل معركة الملك حزقيا ضد سنحاريب ملك آشور، كما ورد في سفر الملوك الثاني وسفر أشعيا. في تلك الرواية، لم ينتصر حزقيا بقوة السلاح، بل بالدعاء، واستجاب الرب بإرسال ملاك قتل 185 ألفا من الجنود الآشوريين في ليلة واحدة، وفقا لنصوصهم.
هذه المقارنة، حسب توكر، تُضفي بُعدا دينيا على الدولة الحديثة، وتُقارب في مضمونها فكر الحاخام إبراهيم يتسحاق كوك، أحد أبرز منظّري الصهيونية الدينية.
إعلانهذا التحول اللاهوتي لا يعكس فقط تغيرا في الخطاب، بل أيضا في الوعي الجمعي، فالشباب الحريدي، الذي نشأ على فكرة الانفصال التام عن مؤسسات الدولة، بدأ يدرك أن الانخراط الجزئي في الواقع الإسرائيلي بات ضرورة، خاصة في ظل التهديدات الأمنية المتزايدة، مثل القصف الإيراني الأخير.
يرى توكر أن هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة مباشرة للضغوط السياسية والمالية التي مارستها الحكومة، فقد تم تقليص تمويل المعاهد الدينية، ووقف مخصصات دور الحضانة، وفرض قيود على سفر المتخلفين عن الخدمة العسكرية، وتسليم أوامر تجنيد فعلية لكل شاب حريدي في سن الخدمة، ورغم أن هذه الأوامر لم تُنفذ بعد بشكل جماعي، فإنها خلقت شعورا عاما لدى الشبان الحريديم بأن الحصانة الدينية لم تعد كافية.
ومع ذلك، لا يزال هناك انقسام داخل المجتمع الحريدي، ولا يزال تيار واسع داخله يرفض هذا التحول، ويواصل النضال من أجل "قانون تهرّب" يضمن إعفاءهم من التجنيد فبعض الطوائف، مثل طائفة بيلز الحسيدية، (أحد طوائف حزب أغودات يسرائيل الذي يشكّل مع ديغل هتوراه تحالف يهودية التوراة الموحدة في الكنيست) ترفض الالتزام بتعليمات الجبهة الداخلية، وتواصل تنظيم مناسبات زواج في ظل القصف، رغم تدخل الشرطة في بعضها.
كما تستمر بعض المعاهد الدينية في التدريس كالمعتاد، رغم عدم توفر ملاجئ كافية للطلاب، وقد شهدت مناطق مثل بني براك وغفعات شموئيل احتجاجات ضد قرارات المحكمة العليا بشأن التجنيد الإجباري، ما يدل على أن التغيير لا يزال جزئيا، وأن الانقسام داخل الشارع الحريدي لا يزال قائما بين الواقعية الجديدة والنهج الانعزالي التقليدي.
لكن اللافت أن هذه الاحتجاجات لم تترافق مع تصعيد مباشر ضد مراكز التجنيد أو السلطة القضائية، ما يشير إلى قبول ضمني بالقواعد الجديدة. ويبدو أن القيادة الدينية، التي طالما حاولت التوفيق بين رفض التجنيد والحفاظ على التمويل الحكومي، باتت تدرك أن الحفاظ على الامتيازات يتطلب تقديم تنازلات رمزية على الأقل.
وفي ختام مقاله، يؤكد توكر أن العقوبات الحكومية أثبتت فعاليتها، وأن الحاخامات لا يغيرون مواقفهم في الفراغ، بل استجابة للضغوط السياسية والمالية، ورغم أن التحول لا يزال هشا وجزئيا، فإنه يمثل فرصة إستراتيجية لإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والحريديم، ودمجهم في منظومة الحقوق والواجبات الإسرائيلية، لأول مرة منذ قيام الدولة.