مزارعو السودان يهجُرون أراضيهم هرباً من مجازر قوات الدعم السريع
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
قال مزارعون في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، إن حدوث مجاعة في السودان بات ممكناً في ظل ممارسات المليشيا..
التغيير: وكالات
دق مزارعون في السودان ناقوس الخطر من حدوث مجاعة، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق زراعية واسعة في البلاد، ما دفع المزارعين لهجر أراضيهم، بينما تراجعت رقعة المساحات الآمنة التي تكفي بالكاد المناطق المحيطة بها.
وقال مزارعون في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، إن حدوث مجاعة في السودان بات ممكناً في ظل ممارسات المليشيا.
وأكد المهندس الزراعي بالقسم الشمالي بمشروع الجزيرة كمال ساري، أن المواطن السوداني يعيش واقعاً مريراً مع صدور تقارير من منظمات عالمية أن المجاعة تشمل 25 مليون نسمة، فضلاً عن حديث المسؤولين بأن الزراعة في السودان هي الضامن الوحيد لأمنه الغذائي.
هجر الأراضيوأضاف ساري على مجموعة تحرير الجزيرة على تطبيق واتساب، أن المشاريع الزراعية توقفت بعد اشتعال الحرب الجارية، وهجر المزارعون أرضهم وبات أهلها موعودين بمجاعة قادمة. وأكد ساري أن معظم المشاريع الزراعية في السودان خارج دائرة الإنتاج، وخاصة مشروع الجزيرة الذي تأثر تأثيراً مباشراً بهذه الحرب العبثية التي اجتاحت المشروع ما عدا منطقة صغيرة تم تأمينها وزراعتها.
واتهم ناشطون وأطباء سودانيون قوات “الدعم السريع”، أمس السبت، بقتل 124 مدنياً، السبت، جراء هجمات على قرية “السريحة” بولاية الجزيرة الزراعية وسط السودان. وقالت شبكة أطباء السودان (غير حكومية) في بيان، إن “قوة تتبع للدعم السريع ارتكبت مجزرة ضد المدنيين في قرية السريحة بولاية الجزيرة قتل على أثرها 124 شخصاً من أبناء المنطقة عقب هجوم مسلح استمر ساعات، فيما أصيب العشرات وهجر المئات من القرية”.
وتسيطر قوات “الدعم السريع” على أجزاء واسعة من الولاية، عدا مدينة المناقل والمناطق المحيطة بها حتى حدود ولاية سنار جنوبها، وغرباً حتى حدود ولاية النيل الأبيض. وتعرض القطاع الزراعي في ولاية سنار لنهب ممنهج من قبل قوات الدعم السريع، مما فاقم أزمة الغذاء في المنطقة. وتشير التقارير إلى أن الدعم السريع نهب مئات الآليات الزراعية والتقاوي والأسمدة من المزارعين، ما أدى إلى توقف النشاط الزراعي بشكل كامل في العديد من المناطق.
وفي محلية الدندر، التابعة لولاية سنار، وحدها، أحصت غرفة الطوارئ نهب حوالي 200 جرار زراعي، بالإضافة إلى بذور زراعية وسماد ومبيدات من مخازن المزارعين. وأكد مزارع من المنطقة لـ”العربي الجديد”، فضل عدم الكشف عن هويته، أن عناصر الدعم السريع نهبوا آليات زراعية بأعداد كبيرة، متوقعاً أن يكون العدد أكبر من الذي أحصته غرفة الطوارئ. توقف النشاط الزراعي تماماً في كل أنحاء محلية الدندر، سواء الزراعة الاكتفائية في المساحات الصغيرة أو زراعة المشاريع الكبيرة وكذلك زراعة الخضر، بسبب انعدام الأمن ونهب الآليات والتقاوي والأسمدة. وينطبق الأمر ذاته على محليات الدالي والمزموم، وفقاً لشهادات ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفى ولاية شمال دارفور، قال مزارعون لـ”العربي الجديد” إن السيول والفيضانات تسببت في تلف مساحات من الزراعة المطرية لهذا العام، بالإضافة إلى بعض المعدات الخاصة بالزراعة الشتوية المقبلة، وذكروا لـ”العربي الجديد” أن الخسائر الأولية كبيرة .
انتشار المسلحينوفي ولاية جنوب كردفان التي تأثرت أيضاً بالحرب في السودان، قال مزارعون في محلية العباسية لـ”العربي الجديد” إن المساحات المزروعة في هذا الموسم لا تتعدى 5% من إجمالي المشاريع الزراعية في المنطقة، ونسبوا العجز إلى نقص الأمن في المناطق التي تُنفذ فيها المشاريع الزراعية، وقالوا إن معظم كبار المزارعين الذين يمتلكون مشاريع كبيرة لم يتمكنوا من زراعة أراضيهم بسبب انتشار المسلحين الذين يعتدون على العمال والمزارعين أثناء التحضيرات لزراعة المشاريع.
وفي المقابل، بشّر الناطق الرسمي باسم الغرفة الزراعية بولاية القضارف شرقي السودان، حسن زروق، بأن الموسم الزراعي الحالي حقق نجاحاً في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد. وأضاف زروق في تصريحات إعلامية مؤخراً، أن المزارعين بذلوا جهوداً كبيرة، كما اعتمدوا على التمويل الذاتي رغم الظروف. وأشار إلى أنه جرت زراعة عشرة ملايين فدان في القضارف.
ومنذ منتصف إبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حرباً خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد عن 11 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة، التي حذرت في تقارير عدة من حدوث مجاعة بالسودان بسبب الحرب. وحذّرت الأمم المتحدة، الجمعة، من التفاقم المستمر للأزمة الإنسانية في السودان جراء الحرب المستمرة للعام الثاني بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي تسببت بنزوح أكثر من 11 مليون شخص، لافتة إلى أنّ نحو 3.7 ملايين طفل تحت سن الخامسة معرضون للإصابة بسوء التغذية الحاد هذا العام.
وبحسب البيان، “يواجه ما يقدر بنحو 13 مليون شخص مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، وتتأرجح أربع عشرة منطقة في مختلف أنحاء البلاد على شفا المجاعة، فيما تأكدت بالفعل ظروف المجاعة في مخيم زمزم في شمال دارفور. وقال رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان محمد رفعت، في تصريحات سابقة، إن الجوع في السودان وصل إلى مستويات كارثية، حيث يعيش نحو 97% من النازحين في مناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد أو ما هو أسوأ، وتوقع أن يواجه نحو 25.6 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الشديد مع انتشار الصراع واستنفاد آليات التكيف.
نقلا عن العربي الجديد
الوسومالدعم السريع المجاعة في السودان المزارعون السودانيونالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السريع المجاعة في السودان المشاریع الزراعیة قوات الدعم السریع لـ العربی الجدید انعدام الأمن مزارعون فی حدوث مجاعة فی السودان مجاعة فی
إقرأ أيضاً:
هل أصبحت الفاشر مدينة موت بعد سقوطها في يد الدعم السريع؟
دارفور – تقول أمينة آدم، وهي نازحة من حي السلام جنوب مدينة الفاشر، إن أحدا "لا يستطيع الخروج من المدينة، ولا يزال المئات مشردين ومتكدسين في أماكن مثل حي الدرجة الأولى، وداخلية الرشيد التابعة لجامعة الفاشر".
كما تشير أمينة، في حديث للجزيرة نت، إلى أن حركة السكان مقيدة جدا في بعض مراكز الإيواء العشوائية غربي المدينة. وأضافت "نعيش على القليل من المساعدات.. والخوف رفيقنا الدائم".
وبعد نحو سبعة أسابيع من سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، تبدو المدينة اليوم غارقة في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ الحرب بالسودان.
فبينما تتحدث القوات المسيطرة عن "النصر والتحرير"، يُعتقد أن ما يبلغ 150 ألفا من سكان المدينة فُقدوا منذ سقوطها، وفق تقديرات محلية ودولية.
ورغم توقف الاشتباكات المباشرة، يعيش سكان الفاشر في أجواء من الخوف المستمر. وتتحدث شهادات محلية عن انتشار نقاط تفتيش وحواجز أمنية تابعة لقوات الدعم السريع، تحدّ من حركة المدنيين وتثير المخاوف من استهداف من يُشتبه في تعاطفه مع الجيش.
وفي الأحياء الجنوبية والغربية للمدينة، تتناثر الجثث داخل المنازل المهجورة، حيث تتحلل تحت وطأة الحرارة المرتفعة. وتحدثت مصادر محلية للجزيرة نت عن عشرات الجثث التي لم تُرفع منذ أكثر من شهر، في ظل غياب تام للجهات الصحية والإنسانية.
وفي حي الرديف غربي المدينة الذي كان مسرحا لمعارك عنيفة قبل سقوطها، يحكي أحد السكان، الذي فضل عدم ذكر اسمه، للجزيرة نت كيف زار قريبه منزلَ جارٍ انقطع التواصل معه، ليتفاجأ بمنظر مروّع: جثتان متحللتان عند المدخل، وثالثة وسط المنزل.
ويضيف الرجل "لم أستطع التقدم داخل البيت بسبب شدة الروائح الكريهة"، مشيرا إلى أن الحي أصبح خاليا تماما من السكان، وتحول إلى منطقة أشباح، لا ينتشر فيها سوى رائحة الموت.
وباء صامت
ومع انهيار النظام الصحي بالكامل، تحدثت مصادر للجزيرة نت عن تفشى وباء الكوليرا بشكل مريع، فالمستشفيات تعرضت للنهب، والفرق الطبية غادرت المدينة، في حين تحولت المراكز الصحية إلى مجرد نقاط إسعاف أولي تفتقر لأبسط الأدوية والمعدات.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، قال المتحدث باسم المقاومة الشعبية بولاية شمال دارفور أبو بكر أحمد إمام إن تقارير ميدانية تتحدث عن انتشار الكوليرا داخل معتقلات قوات الدعم السريع، و"أدى ذلك إلى وفاة مئات المحتجزين نتيجة غياب الأدوية والغذاء والاكتظاظ الشديد".
وأوضح إمام أن احتجاز بعض المعتقلين في غرف ضيقة أو حاويات غير مؤهلة يسرّع من تفشي الأمراض ويهدد حياتهم بشكل مباشر.
كما وثّقت فرق المقاومة -وفقا للتقرير الميداني الصادر في 7 ديسمبر/كانون الأول 2025- حالات يُعتقد أنه تم فيها التخلص من جثث الضحايا عبر الحرق. ووصفت هذه الممارسة بأنها "انتهاك صارخ للأعراف الإنسانية والقوانين الدولية" دون تأكيد من مصدر مستقل حتى الآن.
وفي تغريدة على صفحته الرسمية في فيسبوك، قال ممثل اليونيسيف في السودان شيلدون يت، عقب زيارته مخيم طويلة، "يصل الأطفال خائفين ومنهكين بعد فرارهم من العنف. تعمل اليونيسيف وشركاؤها بلا كلل لتقديم الدعم المنقذ للحياة للأطفال وأسرهم".
وبدورها قالت منظمة أطباء بلا حدود في السودان إن أكثر من 10 آلاف شخص فرّوا من الفظائع الجماعية التي تشهدها مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها، وصلوا إلى بلدة طويلة بحثا عن ملاذ آمن. غير أن الواقع الذي واجهوه كان قاسيا ومروّعا، حيث تحوّل ملاذهم الأخير إلى مشهد من المعاناة الإنسانية المتفاقمة.
ومنذ أكثر من عامين، تتحول الحياة في مدينة الفاشر إلى كابوس يومي مع انهيار شبه كامل للبنى التحتية والخدمات. فانقطاع التيار الكهربائي صار حالا دائما، وغابت شبكات الاتصالات التقليدية لتبقى أجهزة "ستار لينك" القليلة شريان اتصال هش مع العالم.
وتفاقمت المعاناة مع انعدام المواد الغذائية جراء الحصار وارتفاع أسعار المياه النظيفة إلى مستويات خيالية، في وقت توقفت فيه جميع المخابز ومولدات الكهرباء بسبب شح الوقود، مما حول مسألة البقاء إلى تحد مرير.
وفي خضم هذه الأزمة الشاملة، تأتي شهادة "م. ن. د"، وهو كفيف تم الإفراج عنه مؤخرا من معتقلات الفاشر، لترسم صورة أكثر قتامة للأوضاع داخل مراكز الاحتجاز.
وقال للجزيرة نت "إذا كانت الحياة خارج السجن صراعا من أجل الحصول على الماء والطعام، فإن الداخل سقوطا في هاوية من الإهمال المطبق".
وأضاف "هناك مرضى مصابون بالسكري وغيره من الأمراض المزمنة يُتركون دون أدوية أو رعاية. كانت الأصوات تتعالى طلبا للعلاج أو حتى مسكّنات الألم البسيطة، ولكن دون استجابة. كنا نسمع أنينهم يخفت تدريجيا حتى يتحول إلى صمت".
ورغم التحذيرات المتكررة من منظمات إنسانية وحقوقية، لم تُسجّل استجابة ملموسة من المجتمع الدولي. فعمال الإغاثة يؤكدون أنهم عاجزون عن الوصول إلى مدينة الفاشر بسبب غياب الضمانات الأمنية وإغلاق الممرات الإنسانية، مما يزيد من تفاقم الأزمة.
وحاولت الجزيرة نت التواصل مع قوات الدعم السريع للحصول على تعليق بشأن الاتهامات المتعلقة بالانتهاكات، إلا أنها لم تستجب حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
إعلانومنذ اندلاع الحرب بالسودان في أبريل/نيسان 2023، تسببت المواجهات في أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث تم تهجير نحو 13 مليون شخص من منازلهم، وفر أكثر من 4 ملايين إلى دول الجوار مثل تشاد ومصر وليبيا.
وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من 86 ألف سوداني مسجلين كطالبي لجوء أو لاجئين في ليبيا بزيادة قدرها 60 ألفا مقارنة بما قبل الحرب.
مرحلة جديدة
ويرى محللون أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر تعكس تحولات في ميزان القوى داخل السودان، وتفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيدا في المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول مدير برنامج شرق أفريقيا بمركز "فوكس للأبحاث" عبد الناصر سلم حامد إن سقوط الفاشر لا ينبغي النظر إليه بوصفه تحوّلا ميدانيا معزولا، بل علامة على انتقال السودان إلى مرحلة جديدة من الصراع، تتراجع فيها الدولة كمركز قرار واحد إلى صالح قوى مسلّحة تفرض وقائعها على الأرض.
ويضيف حامد، وهو خبير إدارة الأزمات والنزاعات، أن ما يجري في الفاشر اليوم يختزل ثلاثة مستويات للأزمة:
أولها المستوى الإنساني، إذ تحوّلت المدينة إلى فضاء للموت البطيء عبر الحصار وانهيار الخدمات. وثانيها المستوى السياسي، حيث باتت قوات الدعم السريع تمارس عمليا "حكم الأمر الواقع". أما المستوى الثالث فهو الإستراتيجي، إذ إن سقوط الفاشر بعد حصار طويل يرسل رسالة بأن ميزان القوة يميل لصالح من يستطيع تطويق السكان وإخضاعهم.ويشرح حامد أن خطر سقوط الفاشر لا يتوقف عند حدودها الجغرافية؛ فالمدينة كانت تاريخيا عقدة وصل بين شمال البلاد وغربه وجنوبه. ومع خروجها من يد الدولة، دخل السودان عمليا في وضع تتوزع فيه السلطة بين جزر مسلّحة، يقود إلى تفكك تدريجي لمفهوم الدولة المركزية.
ويشير الخبير ذاته إلى أن استهداف البنية السكانية للفاشر عبر النزوح الواسع وحرق الجثث لا يمكن قراءته فقط بوصفه فشلا في إدارة الأزمة، بل بوصفه جزءا من نمط أوسع لاستخدام المعاناة اليومية لإعادة رسم الخريطة الديمغرافية والسياسية.