صحفيون يروون قصصهم بالدم في غزة ويؤكدون: أرواحنا فداء الحقيقة والاستهداف لن يثنينا
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
(الجزيرة)
"وجدتها نائمة كأنها تنتظر من يوقظها،" يقول قريقع، مضيفا أن والدته أُعدمت برصاص جندي إسرائيلي وهي نائمة، في دليل صارخ على استهداف عائلات الصحفيين.
ووفقا لحلقة 28-10-2024 من برنامج "للقصة بقية" الذي يمكن متابعته على منصة "الجزيرة 360" فإن حادثة استشهاد والدة قريقع لم تكن معزولة، بل تندرج ضمن نمط واضح من الاستهداف الممنهج للصحفيين وعائلاتهم.
فمنذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استشهد 180 صحفيا، في أعلى حصيلة للصحفيين في أي نزاع بالتاريخ الحديث، متجاوزة عدد الصحفيين الذين قضوا في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام مجتمعتين.
وأفرد البرنامج فقرة للحديث عن أساليب استهداف الاحتلال للصحفيين وفقا لتقارير نقابة الصحفيين الفلسطينيين، والتي تباينت بين 3 أساليب رئيسية: هي الاستهداف المباشر بالقصف والرصاص التهديد والابتزاز، بما في ذلك تهديد عائلاتهم، إضافة إلى الاعتداء البدني والملاحقة.
استهداف مباشر
وروى مراسل الجزيرة إسماعيل أبو عمر -الذي فقد ساقه في قصف إسرائيلي- للكاميرا تفاصيل استهدافه المباشر، وقال "كنت أرتدي السترة الصحفية، وكان الاستهداف متعمدا من طائرة مسيرة في منطقة خالية تماما".
وأكدت تحقيقات دولية رواية أبو عمر حول الاستهداف المتعمد، حيث كشف تحقيق لاتحاد "قصص محظورة" نُشر في يونيو/حزيران 2024 عن استهداف ما لا يقل عن 18 من الأطقم الإعلامية في غزة بضربات موجهة من طائرات مسيرة، وأوضح التحقيق أن المسيرات الإسرائيلية تمكن مشغليها من رؤية السترات الصحفية بوضوح تام.
ورغم المخاطر، يواصل الصحفيون في غزة عملهم، وهو ما ذهبت إليه صانعة المحتوى بيسان عودة، التي أكدت أن "القصة الفلسطينية محقة، ولن تنجح أي محاولة لتغطيتها، ونحن نوثق لنضمن حق الناس في أن يكونوا مسموعين ومرئيين".
جرائم حرب
وعلى الصعيد الدولي، لفت البرنامج إلى أن هناك مطالبات بالتحرك الدولي، متمثلة في الدعاوى التي تقدمت بها منظمة "مراسلون بلا حدود" أمام محكمة الجنايات الدولية، متهمة جيش الاحتلال بتعمد استهداف الصحفيين، مؤكدة أن الاستهداف المنهجي للصحفيين يرقى إلى جرائم حرب تستدعي المحاسبة الدولية.
وأكد قريقع أن استهداف الصحفيين يأتي ضمن محاولة إسرائيلية منهجية لمنع خروج الصورة الحقيقية من القطاع، وقال "نحن في معركة حقيقية على الرواية، فالاحتلال يحاول طمس الحقيقة، لكننا مستمرون في التوثيق رغم كل شيء".
ويصف الصحفيون ظروف عملهم بأنها الأصعب في تاريخ تغطية النزاعات، "فنحن نعمل تحت القصف المتواصل، وسط انعدام مقومات الحياة الأساسية من طعام وماء وكهرباء،" يقول قريقع، مضيفا أن الصحفيين يواجهون تحديات نفسية كبيرة جراء توثيق المجازر اليومية.
ورغم المآسي، يؤكد قريقع أنهم يستمدون قوتهم من الناس أنفسهم، ويقول "الناس يطلبون منا التوثيق، يدفعوننا للاستمرار، حتى الضحايا وعائلاتهم يصرون على توثيق معاناتهم".
معركة الحقيقة
ويؤكد البرنامج أن استهداف الصحفيين لم يقتصر على غزة وحدها، بل تشير التقارير إلى أن إسرائيل قتلت 46 صحفيا بين عامي 2000 و2020، مع 652 حالة استهداف مختلفة، كان أبرزها اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في مايو/أيار 2022.
ومن جانبه، خاطب أبو عمر المجتمع الدولي للتحرك العاجل لحمايتهم، قائلا "نحن نؤدي واجبنا المهني في توثيق الحقيقة، ويجب أن تكون هناك حماية دولية للصحفيين".
رغم المخاطر، يؤكد الصحفيون الذين استضافهم البرنامج أنهم مستمرون في عملهم، وتقول بيسان عودة "غزة هي آخر اختبار للإنسانية، إذا سقطت غزة سقط العالم، وما تفعله غزة الآن هو إعطاء العالم كل يوم فرصة جديدة ليعيد النظر في قيمه وأخلاقياته".
وأكد الصحفيون أن معركتهم ليست مجرد نقل أخبار، بل هي معركة من أجل الحقيقة والعدالة، "نحن نوثق لأجيال المستقبل، لكي يعرف العالم ما حدث في غزة،" يقول محمد قريقع، مؤكدا أن الهدف النهائي هو المحاسبة والعدالة للضحايا.
28/10/2024المزيد من نفس البرنامجالسودان.. أزمة تتفاقم وسط تعقيدات داخلية وإقليميةتابع الجزيرة نت على:
facebook-f-darktwitteryoutube-whiteinstagram-whiterss-whitewhatsapptelegram-whitetiktok-whiteالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات arrowمدة الفیدیو فی غزة
إقرأ أيضاً:
المرأة والعلاقة خارج النسق .. قراءة في الأسطورة سليمة بنت غفيل بين الحقيقة والوهم المتخيل
عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء والآن ناشرون وموزعون، صدر للأديبة الشاعرة الأكاديمية الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية، كتابا بعنوان «الأسطورة سليمة بنت غفـيل بين الحقيقة والوهم المتخيل». تحوي الطبعة الأولى للكتاب 2024م (مقدمة، كلمة شكر وعرفان، وتمهيد، وفصلان: الفصل الأول (أماكن وجود الميدان)، والفصل الثاني (من هي بنت غفـيل سليمة المسكرية؟)، الخلاصة، الختام، فقائمة بالمصادر والمراجع، فالسيرة الذاتية للباحثة.
يتضمن الفصل الثاني أربعين صفحة، إذا ما قورن بعدد صفحات الفصل الأول البالغة أربعة وعشرين صفحة.
خطاب الحب لدى سليمة بنت غفـيل وشاعرات الهامش حين يخرج صوت امرأة من بيئة تقليدية محافظة ليعترف بحبٍ لم يكن داخل مؤسسة الزواج، بل فـي علاقة حرّة «غير مرخّصة» اجتماعيًا، فإننا أمام خطاب أدبي يتقاطع فـيه الوجد الشخصي والتمرد الثقافـي، ويتكثف فـي نصوص شفوية أو منسوبة لشخصيات غامضة مثل سليمة بنت غفـيل، الشاعرة العُمانية التي لا نعرف من حياتها إلا ما جاء على ألسنة الرواة.
سليمة بنت غفـيل، كما يشير أحد الحافظين لشعرها، أحبت شاعرًا نبطيا وساكنته، لأنه كان صاحبها لا زوجها. هذه العبارة البسيطة تحمل دلالات صادمة حين تُقرأ فـي إطار مجتمع يُعرف عنه التمسك بالعادات الصارمة، والتحفظ على العلاقة بين الجنسين. غير أن هذا «الخرق» لا ينبغي قراءته كقصة عاطفـية خارجة عن المألوف فحسب، بل كتمثيل لموقع المرأة فـي الثقافات الشفهية، ولقدرتها على إنتاج خطاب عاطفـي مقاوم، وإن ظل مهمشًا.
إننا هنا بإزاء ما يمكن تسميته بـ«أدب النساء المهمشات»، حيث تتحدث المرأة من موقع اللاسلطة، لكنها تنتج معنىً مختلفًا، مقلقًا للنسق، وراسخًا فـي الذاكرة الجمعية رغم كل محاولات التعتيم أو النسيان.
فـي المجتمعات الشفهية كالتي خرجت منها سليمة، لم تكن المرأة تملك أدوات التوثيق، لكنها كانت تملك القصيدة والمجلس واللحن، وهي أدوات كانت تتيح لها أن تعبر عن ذاتها، عن رغبتها، عن حنينها، وربما حتى عن تجاوزاتها، ولكن تحت غطاء شعري يسمح بالتمويه والتجلي معًا.
ولذلك، فإن العلاقة بين سليمة وصاحبها، كما وردت فـي الرواية، قد تكون واقعية كما قد تكون رمزية، تمثّل انحيازًا شعريًا إلى الحلم أكثر من التوثيق، لكن هذا لا يقلل من دلالتها: فسواء عاشت سليمة تلك العلاقة بالفعل، أو نُسبت إليها لتجسّد دور «الأنثى الجريئة»، فإننا نقرأ فـي هذا الموقف صيغة من التحرر الرمزي الذي تقترحه القصيدة الشعبية فـي مواجهة السلطة الاجتماعية.
هذا التوتر بين «الاعتراف» و«الكتمان»، بين «الرغبة» و«الضبط»، هو ما يجعل شعر النساء المهمشات، وفـي مقدمته الشعر الشعبي النسائي، وثيقة مزدوجة: فهي من جهة تحمل التجربة الصادقة، ومن جهة أخرى تمارس مكرًا لغويًا لتفادي القمع أو الوصم.
ولسليمة شبيهات كثيرات فـي التراث، وإن كنّ مجهولات. فـي المرويات الشفهية للنساء البدويات فـي نجد والحجاز، نجد قصائد تُنسب إلى نساء مجهولات الأسماء، يعبّرن فـيها عن حب لحبيب غائب، أو حنين لرجل لم يكن زوجًا: «يا راكبٍ عقب المطر فـي ظلاله سلّم على اللي ما نصيب فاله» فـي هذا البيت مثلًا، تتحدث المرأة إلى مسافر بعيد، وتستحضر ذكرى عاطفـية دون رابط شرعي. هذه القصائد لم تُستنكر شعبيًا كما قد يُتوقع، بل تداولتها المجالس، ما يعني أن المجتمع، رغم صرامته الظاهرة، كان يملك فضاءً «رماديًا» يسمح فـيه للمرأة أن تبوح، إذا كان البوح مغلفًا بالشعر.
وفـي الثقافة اليونانية القديمة، تقدم لنا سافو، الشاعرة من جزيرة لسبوس، مثالًا مشابهًا. فقد كتبت عن حب النساء، وعن الشغف الصريح، دون أن يكون لذلك إطار اجتماعي مألوف. وعلى الرغم من مرور قرون، لم يُعرف على وجه الدقة هل كانت علاقاتها حقيقية أم خيالية، لكن المهم أن صوتها الشعري نجا، وشكّل فـي ذاته اعترافًا بالحساسية الأنثوية المستقلة.
فـي الحالتين ــ سافو وسليمة ــ نجد أن الأسطورة تقوم بدور الحافظة، حينما تعجز الكتابة الرسمية عن الاحتفاظ بالسيرة الكاملة. فالغموض الذي يلف حياة سليمة، والتضارب فـي الروايات، ليس عيبًا فـي التوثيق بقدر ما هو جزء من آلية الحفظ الشفهي، حيث يُعاد إنتاج الشاعرة بما يتناسب مع حاجات الجماعة، وتصوراتها عن «المرأة الحرة»، ولو فـي ظل الغياب التاريخي.
ومن هنا، فإن العلاقة بين سليمة وصاحبها ــ التي وُصفت بـ«المساكنة» ــ يمكن أن تُقرأ بوصفها إعادة تمثيل شعري لمطلب الحب غير المشروط، وغير المؤطر بسلطة المجتمع، وهو ما يجعل هذا الأدب مهمًا فـي كشف الهامش، لا بوصفه انحرافًا، بل بوصفه بُعدًا آخر فـي فهم الذات والحرية والعاطفة لدى المرأة.
إن أدب النساء المهمشات لا ينتمي فقط إلى الظل، بل ينتمي إلى المسكوت عنه، إلى ما يُقال همسًا ويُردد سرًا، لكنه ينجو دائمًا بالشعر. وهذا ما يجعل دراسة شعر سليمة بنت غفـيل وسيرتها (أو أسطورتها) أكثر من مجرد بحث أدبي، بل هو كشف لطبقات كامنة فـي التاريخ العاطفـي للمرأة العربية، حيث الحكاية لا تنفصل عن القصيدة، والقصيدة لا تنفصل عن الجرح.
فـي النهاية، يهمنا أن نُعيد التفكير فـي مفهوم «المهمّش»، لا كشيء ثانوي أو زائد، بل كنافذة أخرى على الحقيقة، وعلى ما لم يشأ المجتمع أن يسمعه، لكنه تسلل إليه من خلال بيتٍ شعري، أو نغمةٍ حزينة، أو امرأة مثل سليمة، لم يُعرف عنها شيء ــ إلا أنها قالت: أنا أحببته ــ وسكنت معه.