صحيفة الاتحاد:
2025-08-02@22:02:27 GMT
مؤتمر سوا «10 سنوات من التبادل الثقافي في التعلم المتحفي» 4 نوفمبر
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
الشارقة (الاتحاد)
أعلنت هيئة الشارقة للمتاحف عن فتح باب التسجيل للمشاركة في مؤتمر سوا «10 سنوات من التبادل الثقافي في التعلم المتحفي»، احتفالاً بالذكرى العاشرة لبرنامج علم المتاحف «سوا»، المبادرة المشتركة بين الهيئة ومتاحف برلين الوطنية، ومعهد جوته منطقة الخليج وجامعة العلوم التطبيقية في برلين، وذلك بالشراكة مع الشريك الاستراتيجي، مجموعة الهلال، وبدعم من القنصلية العامة لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: علم المتاحف
إقرأ أيضاً:
غرور الجاهل بين وهْم المعرفة وتواضع التعلم: قراءة في أثر دانينغ-كروجر (1-3)
هكذا قالت الحياةفي كل زمان ومكان، الجاهل أكثر جرأة من العارف، يقف الجاهل فوق قمة من الوهم يوزع اليقين بلا تردد ويتصدر ويتنمر ويتهم الآخرين بالجهل والتردد وأنه حامل الشعلة، بينما ينزوي العارف في ظلال الشك، حين يتكلم يتحفظ حتى إن تيقن فيظن الناس أنه ضعيف لا يثق بعلمه؛ لماذا يحدث هذا؟ وهل يتحول غرور الجاهل إلى تواضع حين يبدأ التعلم؟ هنا تلتقي حكمة الفلاسفة مع علم النفس الحديث فيما يعرف بـ"أثر دانينغ-كروجر، حيث يرسم المنحنى النفسي للثقة رحلة العقل الإنساني بين وهم المعرفة وحقيقة الإدراك.
دانينغ وكروجر
في عام 1999، قدم العالمان الأمريكيان ديفيد دانينغ وجاستن كروجر دراسة تصف مفارقة بشرية عميقة وما لاحظه الفلاسفة في عمق التاريخ: الجاهل لا يدرك جهله، بينما العارف يزداد وعيا بحدود علمه. هذه الظاهرة التي حملت اسميهما (تأثير دانينغ-كروجر) ترسم منحنى نفسيا تبدأ فيه الثقة بالنفس عند القاع ثم تصعد مع قلة الخبرة إلى ذروة وهمية، لتنهار لاحقا مع بداية الوعي، قبل أن تعود إلى الصعود بثبات مع التعلم الحقيقي: الجهل لا يولّد فقط ضعفا، بل قد يمنح صاحبه ثقة زائفة تتجاوز حدود الواقع. هذه الظاهرة، المعروفة اليوم بـ"تأثير دانينغ-كروجر"، تكشف أن الإنسان قليل الخبرة يميل إلى المبالغة في تقدير معرفته ومهاراته، بينما يصبح الشخص واسع الاطلاع أكثر وعيا بحدوده، وأقل اندفاعا للثقة المطلقة، رغم أنهما أغفلا حالة الإحباط والإحساس بالدونية التي تولدها البيئة والتربية السيئة.
إنها اللحظة التي يتلاشى فيها الغرور ليحل محله تواضع أصيل. التواضع هنا ليس ضعفا، بل وعيا ناضجا بأن الحقيقة أعقد مما ظن، وأن المعرفة رحلة لا تنتهي
بين الجهل والوهم
التأثير يبدأ "قمة الغباء الواثق"، حيث يظن الجاهل أنه يمتلك الإجابات لكل شيء. هذا ليس غرورا واعيا، بل نتيجة مباشرة لغياب الوعي الكافي للتقدير الدقيق لما لا يعرفه. المفارقة أن هذا الغرور الزائف قد يمنح صاحبه جاذبية اجتماعية مؤقتة؛ فالثقة، ولو كانت بلا أساس، تستهوي كثيرين. لكن حين يواجه الواقع -سواء بفشل عملي، أو نقاش جاد، أو بداية رحلة تعلم- ينكشف الوهم. خذ مثالا:
* موظف جديد يقرأ بضعة مقالات عن "الإدارة الحديثة" أو ينبهر بمعلومة يتصور أنه مالكها، في عمل يحتاج خبرة فيبدأ بانتقاد المخضرمين.
* أناس لا يطورون أنفسهم ويظنون أنهم ذوو رؤية رصينة فيطرحون رؤيتهم الخطأ بل يفرضونها على الآخرين.
* أو ناشط سياسي يتحدث بيقين عن "حلول نهائية" دون أن يبحر في الاقتصاد أو علم الاجتماع ليرى نفسه خبيرا.
هذا اليقين المزيّف ليس مجرد ثقة زائدة؛ إنه نتاج لغياب القدرة على تقييم الذات.
إحباط ما بعد الانكشاف
عند أولى خطوات الوعي، يدخل الإنسان فيما يمكن وصفه بـ"وادي الإحباط". تبدأ الثقة بالنفس في الانحدار الحاد:
* يسعى المرء لإدراك حجم ما يجهله.
* يتساءل إن كان قادرا أصلا على الإحاطة بالمجال.
* قد يشعر بالخجل من غروره السابق.
هذه المرحلة قاسية نفسيا، لكنها ضرورية. إنها اللحظة التي يتلاشى فيها الغرور ليحل محله تواضع أصيل. التواضع هنا ليس ضعفا، بل وعيا ناضجا بأن الحقيقة أعقد مما ظن، وأن المعرفة رحلة لا تنتهي.
من الغرور إلى الحكمة
نجد عند استمرار التعلم، يتغير المنحنى تدريجيا. يبدأ الشخص باستعادة الثقة، لكن هذه المرة مدعومة بفهم حقيقي، وخبرة عملية، وإدراك لحدود المعرفة الإنسانية. هنا يولد ما يسميه بعض الفلاسفة "تواضع العارف"، ذلك التوازن بين الثقة بقدرات الذات والتواضع عن علم، مطيحا بأنماط التفكير السطحية. لكن هذا كما أراه تعميم قد لا يمثل الواقع وهو من ضمن ما نطوره في الجزء الثاني.
لماذا يهمنا هذا اليوم؟
اليوم مع انفجار المعلومات، أصبح الخبير الوهمي ظاهرة اجتماعية: الآلاف ينشرون مقاطع عن السياسة أو الطب أو الدين دون أي تأهيل. المؤثرون الجدد يملكون ثقة أعلى من العلماء في مؤتمراتهم، لا يفكرون بالكلام من العالم بل كيف يتداخلون معه أو يسفهونه
في زمن التواصل السريع والإعلام المفتوح، أصبح تأثير دانينغ-كروجر أكثر وضوحا:
* الآلاف يظنون أنفسهم خبراء بمجرد قراءة مقال أو معرفة لمحة عن أي موضوع.
* النقاشات العامة يمتلئ بها من يملكون ثقة لا تتناسب مع معرفتهم.
* الحقيقيون في الميدان غالبا ما يتحدثون بحذر، إدراكا للمسؤولية ولا يصغي الناس لهم ظنا منهم بالاكتفاء، وأنهم يطرحون أمورا معقدة وسفسطة لا واقع لها ولا طائل منها.
فإدراك هذا التأثير ضرورة أن يصل إلى أكبر عدد ممكن لأنه يساعدنا على أن نصبح أكثر نقدا لذواتنا، وأكثر صبرا مع الآخرين، وفوق كل شيء، أكثر إصرارا على التعلم المستمر.، ليس عيبا أن تجهل أمرا، بل العيب ألا تعلم أو تتكلم بلا علم فتلك ليست مروءة.
للفائدة: السياسي لا بد أن يكون معه مستشارون والمنظمات والإدارات الحكومية، خاصة، أو أحزاب لا بد لها من مراكز دراسية واستشارية، فالقائد والمدير لا يعرف كل شيء ولا ينبغي أن يعرف كل شيء أصلا، الفيلسوف الذي يكتب موسوعات عن المعرفة لكنه ينتهي إلى القول "لا أعلم هذا فدلوني".
اليوم مع انفجار المعلومات، أصبح الخبير الوهمي ظاهرة اجتماعية: الآلاف ينشرون مقاطع عن السياسة أو الطب أو الدين دون أي تأهيل. المؤثرون الجدد يملكون ثقة أعلى من العلماء في مؤتمراتهم، لا يفكرون بالكلام من العالم بل كيف يتداخلون معه أو يسفهونه، ولا نعمم في هذا.
الخاتمة: درس التواضع
درب العلم طويل والعمر قصير، فمن الغرور أن تظن أنك ملكت ناصيته، والله سيحاسبنا لأننا جوّعنا منظومة العقل بالجهل؛ فما بين قمة الغرور ووادي الإحباط تكمن حقيقة الإنسان الباحث عن المعرفة. نظرية دانينغ-كروجر لم تخلق هذه الرحلة النفسية وإنما وصفتها.