موقع 24:
2025-06-13@00:40:18 GMT

..عن الأفكار والنساء والمقاومات

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

..عن الأفكار والنساء والمقاومات

بعد اختيار الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً لـحزب الله، اهتم بعض المتابعين في الصحافة ووسائل التواصل بأفكار الرجل وقِيَمه. فهو مَن عُرف، تبعاً لكتاباته وتصريحاته، بفائض من المحافظة يفوق متوسّط المحافظة عند حزبه، وهذا علماً بأنّ المتوسّط الحزبي مرتفع جداً.
وكان الزميل حسام فران، في موقع "درج"، قد رصد بعض أبرز ما صدر عن قاسم على الصعيد هذا، فنقل عنه آراء من نوع أنّ شبيبة الحزب "بدل أن تتوجّه إلى المراقص والخمّارات توجّهت إلى قمم الجبال وقتال إسرائيل والتكفيريين"، وأنّ "الانتباه" واجبٌ علينا حيال "وجود الصبيان والبنات في المدارس في مكان واحد".

أما الاختلاط المنبوذ هذا فلا تتحمل مسؤوليته، في عرف الشيخ، إلا النساء حصرياً. ونعيم إذ يقدّم النِسوية الفرنسية سيمون دو بوفوار داعية من "الداعيات إلى حرّيّة المرأة الكاملة بلا ضوابط"، يهاجم "تحرر اللباس لدى النساء"، ويطالبهن "بالانصياع إلى سلطة الرجل"، رافضاً فكرة "توظيف المعلمات المطلقات" لأن السيّدة المطلقة «غير مؤهلة لتربية الأطفال وتدريسهم"...
ما لم يُشر إليه الزميل فران، وهو مما يكمّل اللوحة التي رسمها لعالم القيم لدى الشيخ قاسم، رفعُه درجة المماهاة التي أقامها بين المقاومة وطائفة معينة هي الطائفة الشيعية، إذ المقاتلون، وفقاً له، "قذائف مشحونة بحب الحسين". وكذلك اللاسامية ومماهاة إسرائيل والصهيونيّة بـاليهود على نحو إطلاقي، وهذا أيضاً مما رفعه خطاب الأمين العام إلى ذروة أعلى من المتوسط الحزبي المرتفع.
وكان الكثير من الجهد الفكري الذي سبق أن بذله، في الستينات والسبعينات، كتاب ومثقفون فلسطينيون وعرب، لا يُشكّ بعدائهم "للاستعمار والإمبريالية والصهيونية"، ينصبّ حول توكيدين نقيضين، من جهة، أنّ اليهوديّة والصهيونيّة شيئان مختلفان، ومن جهة أخرى أن "التحرّر الوطني" يعني شعباً بأكمله، ولا يقتصر على جماعة من جماعاته.
بيد أنّ الانتكاسة الخطابيّة التي عبّرت عنها كلمة قاسم، والتي تتوّج انتكاسات متتالية في قيادة "حركات التحرر" ووعيها، تحضّ على مغادرة التعميمات الإنشائية والكليشيهات كتلك التي تتوقف عند أن المقاومة حقاً مشروعاً لمن يُحتل، وهي كذلك من حيث المبدأ، أو تلك التي تنظر إلى المقاوم بوصفه مَن يحق له ما لا يحقّ لغيره، لمجرد أنه مقاوم. ذاك أن التثبت عند التعميم ومغازلة المبادىء خارج شروط واقعيّة محددة يرفعان نوعيّاً أكلاف المواجهات، كما يرشّحان الباحثين عن النصر العسكري لمواجهة هزائم لا حصر لها في مجالات حياتيّة شتى، حتى لو أحرزوا النصر العسكري المرتجى.
فالمقاومات لأنها تنهض على العنف، وهذا بالتعريف حالُها، تستوجب إبداء الحذر الذي ينجم عن عنفيّتها تحديداً، لا الذهاب مذهب التمجيد "الفانوني" لهذه العنفية المبرأة من كل نقد. والذين يؤثرون غضّ النظر عن "هفوات" المقاومين لأنّهم يقاومون، يُستحسن بهم أن يتوقفوا عند هذه "الهفوات" حين يتضح أنها كوارث. والشيء نفسه يقال عن الزمن الذي يُستحسن أن لا يُنظر إليه بوصفه الحاضر الداهم والمباشر فحسب، عملاً بعبارة امرىء القيس من أنّ "اليوم خمر وغداً أمر"، لأن ما نبتلعه اليوم من سموم قد يبتلعنا غداً.
وفي بلدان كبلداننا، ذات نسيج اجتماعي ووطني ضعيف، يمكن لامتلاك أدوات العنف، باسم المقاومة، أن يتحول جسراً لتجبر جماعة على جماعات أخرى "من إخوتنا في الوطن"، أو يتحول، في حال الانتصار العسكري، مقدمةً لفرض حكم فئوي وجائر عليهم.
وما دام العنف وحمل السلاح مما يرتبط بالذكورة، فهو بيئة مثلى لتحكّم الرجل المسلح بالمرأة العزلاء، وهذا قبل أن يبوّب الشيخ نعيم المرأة في مرتبة دونية. ومعروفةٌ تجربة الثورة الجزائريّة مع النساء اللواتي شاركن فيها، حتى إذا انتصرت الثورة سرحتهن وأعادتهن إلى البيت أمهاتٍ ومُنجبات ومُربيات وطباخات فحسب.
فالرجاحة ليست مما يتطلّبه العنف بما يلازمه من إلحاح على تعبئة الجماعة عبر مخاطبة مواريثها اللاعقلانية، وتأثر شعوري مفهوم بأحوال الألم والمعاناة، ومداورة لأفكار الموت وما بعد الموت واستنطاق لمخيّلتها، وهذا فضلاً عما يظهر أحياناً من مناشدة للمعجزات الغيبيّة وللخوارق البطولية. وفي الصراعات العنفية، كائنةً ما كانت درجة الحقّ السياسيّ الذي تنطوي عليه، تتطوّر رؤية رجعيّة للذات وللعالم، يزيدها تأجّج العنف رجعيّةً فلا تتراجع إلاّ بعودة الحياة المدنيّة والسلميّة.
ولسوف يبقى مستغرَباً، وباعثاً على الأسى، أن تكون الأفكار الأشد تخلّفاً، في لبنان كما في غزة، هي الأفكار التي يرشحها أصحابها لتحرير سواهم من خلال المقاومة. والتناقض هذا هو ما يفسّر جوانب من العزلة التي يعيشها أصحاب الأفكار هذه عن القوى والفئات الأشد وعياً وديناميّة في مجتمعاتها. فعبر الشيخ قاسم ووعيه، هو الذي وصل إلى موقعه القياديّ في الظروف البائسة المعروفة، لا تتحقق إلا مصالحة واحدة بين اللغة اليائسة والمعركة اليائسة. وهذا ما يستدعي اقتصاداً أكبر في توقّع الانتصار، وفي الرهان على أن يكون انتصار كهذا، حتّى لو تحقّق، سبباً للأمل.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة إسرائيل وحزب الله ة التی

إقرأ أيضاً:

هذا مايخيفهم في علي (ع)

 

 

لم تكن سفينة «مادلين» المتجهة إلى غزة مجرد من نافل القول إن إحياء ذكرياتٍ وأيام مَعلمية لها أهمية وحفر عميق راسخ في صميم الوجود والمعتقدِ والمصير لنا كأمة وكهوية وروح وثقافة كيوم الوَلاية وعيد الغدير الأغر، ليس تدبيجا مناسباتيا آنيا لمفاهيم عابرة تمر مرور السحابِ وتتلاشى بمجرد انتهاء مناسبتها الزمنية، وإنما هو إحياء وتكريس لأساسيات عقائدية وجودية أُريد لها أن تُهمَّش وتُغيب بفعل عوامل تاريخية وموضوعية عديدة، ويتعين بحكم الضرورة أن تعود إلى سياقها الطبيعي ويُردَّ إليها اعتبارها، وهذا هو شأن قضية الوَلاية في مضمونها الإلهي الإيماني الراكز وعنوانِها العلوي المرتبط بصميم مصير الأمة وفق محدِّد إلهي نبوي لا لبس فيه تضمَّنه حديثُ الغدير وحادثتُه الواقعين في أوثق وأوضح مواضع يقين الأمة وإجماعها، وإن كان العازفون على النشاز من أبنائها قد تسببوا في ما وقعت فيه من مأزق ومآسٍ ومتاهات مجرورةِ الذيول إلى اليوم بسبب نشوزهم وانحرافهم ذاك الذي قدم أجلَّ خدمة للأعداء، إذْ وجدوا أمامهم الطريق سالكا للنيل منها وتحقيق مطامعهم ومآربهم اللامتناهية والمتوحشة فيها بعد تجريدها من أهم أسلحتها الاستراتيجية المعتَدِّ بها في معتركات خطيرة ومحطات مصيرية كالتي مررنا بها وما زلنا في صراعنا المرير المزمن مع هؤلاء الأعداء.
فبشيء من القراءة الحريصة والمهتمة للواقع والتاريخ وملموسهما الفعلي من الأحداث والتجارب، يَظهر لنا بكل وضوح وجلاء أن عدونا الأخطبوطي اللدود الصهيوني اليهودي العنصري المستكبر الذي يناصبنا كعرب ومسلمين العداء الصريح بل المترجَمَ بالمذابح والمجازر والإبادات والدماء وشتى أشكال العدوان والحروب الخشنة والناعمة..هذا العدو يرى بالخصوص في نموذج ونهج الإمام علي (ع) – الذي هو تجسيد للإسلام المحمدي القرآني الإلهي الأصيل – أخطرَ أعدائه وألدَّهم، وهو يَحتمل ويُطيق أن يُهزم أمام أتباعه عسكريا في حروب هو، عمليا، من يوقد نيرانها على الدوام، لكنه لا يطيق أبدا أن ينجحوا في تجسيد ذلك النموذج المضيئ في شكل مشروع حضاري نهضوي متكامل على الأرض يلمس الناسُ ثماره وخيراته في العدل والبناء للحياة الكريمة والتآخي والتراحم والتلاحم بين كل مكونات مجتمعهم ، فهذا – في نظر هذا العدو الخطير اللئيم – يعني هزيمته الأشد والأقسى والتي ستسقطه أرضا في كل جبهات الصراع وليس فقط في الجبهة العسكرية كما هو الوضع حاليا ، وهذا ما يعمل العدو بكل وسعه لاستدامته قدر الإمكان كوسيلة للإشغال والحيلولة دون القيام الكامل المتكامل لذلك المشروع الذي سيُنهض الأمة بكاملها – لو نجح – من كبوتها ويعيد إليها كرامتها وحقوقها المسلوبة، وهذا أخشى ما يخشاه عدونا ويدأب بكل مكره وخبثه وإمكاناته لتفاديه والحيلولة دونه .
وهذا يعني بالضرورة أننا عندما نسعى ونجدُّ في البناء الداخلي، وأولُ مقتضياته إرساءُ موازين العدالة وتداركُ مكامن الخلل في كل المجالات والمرافق والمؤسسات والمحاربةُ التي لاهوادة فيها لكل الفاسدين والمفسدين خصوصا أولئك المتمرسين في التلون وارتداء اللبوس والأقنعة والذين أثبتت التجارب والواقع الملموس أن لا خير فيهم للبلاد والعباد، والسيرُ في هذا الاتجاه على نحو يتيح تغييرا جديا ملموسا نحو الأفضل ويثمر نهوضا حضاريا حقيقيا في كل المجالات، وبنفس مستوى ووتيرة سيرنا في عملية الإسناد المشرِّف لأهلنا في غزة ودفاعنا عن أمتنا وبلدنا العزيز في مواجهة العدو الصهيوني الأمريكي ومن معه..وبذا نقصِّر المسافةَ أكثر نحو النصر النهائي المتكامل والحاسم على هذا العدو ووضعِ حد لشروره وطغيانه وإجرامه وتخليص البشرية من كابوسه البغيض، ولْيكن لسان حالنا حقا وفعلا هو «كما جسَّدنا علياً في ذي فِقاره، سنجسده في عدالته»، وهذا ما نحسب أنه المصداقُ العملي الأهم والتجلي الأقوى لجوهر «الولاية» ومضمونها الإلهي المحمدي العلوي الإيماني الحضاري القويم والسديد والمحكم..

مقالات مشابهة

  • هذا مايخيفهم في علي (ع)
  • عن العنف الذي لا يبرر
  • مفاجأة في طبقك: 6 أطعمة يومية ترفع فرص الإنجاب وتعزز الخصوبة لدى الرجال والنساء
  • سياسي كويتي يذكر الرئيس السوري بـ”نجاحات” مرسي في مصر وخطوة أقدم عليها عبد الكريم قاسم في العراق
  • جهود الدولة في مواجهة التعديات على أراضيها.. تفاصيل من التنمية المحلية
  • شاهد بالفيديو.. الناشط الشهير “الشكري” يظهر مع الفنانة لينا قاسم داخل سيارة فارهة بالسعودية
  • أمين البحوث الإسلامية يشدد على نشر الفكر الوسطي ومواجهة الأفكار الشاذة
  • مشروع يجدد سكة الحديد بين طنجة و سيدي قاسم
  • نور الدين البابا: بعض الأسماء التي يسلط عليها الضوء اليوم وحولها الكثير من إشارات التعجب والاستفهام، ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام البائد وهذا ما عجل النصر وتحرير سوريا
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة