جبال مسندم .. أرض العجائب الجيولوجية والمناظر الطبيعية والتاريخ العريق
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
يعد التاريخ الجيولوجي لمحافظة مسندم بتكوينها التضاريسي الفريد من نوعه متحفًا تاريخيًا متعدد الأقسام، يضم بين طيّاته تسلسلًا تاريخيًا متنوعًا وهو محط اهتمام الجيولوجيين وعلماء الآثار، وتقع محافظة مسندم في أقصى الطرف الشمالي من سلطنة عُمان عند مدخل الخليج العربي، وتمتد على طول شريط ساحلي غرب بحر عُمان وجنوب شرق الخليج العربي، وبذلك تطل على البوابة التي تربط بين الخليج العربي والبحار المفتوحة في بحر عُمان والمحيط الهندي، التي يُطلق عليها مضيق هرمز الاستراتيجي، أحد أكثر الممرات المائية حركة في العالم.
أما من حيث المساحة، فإن محافظة مسندم تغطي حوالي 0.6% من المساحة الكلية لسلطنة عُمان، وهي بذلك صغيرة مقارنةً بمساحات المحافظات الأخرى في سلطنة عُمان، فضلًا عن أن هذه المساحة تغطيها الجبال الوعرة، باستثناء مساحات صغيرة بين قمم الجبال أو على ساحل البحر، وأعلى قمة في هذه السلسلة من الجبال الوعرة هي قمة جبل حارم في ولاية خصب، تليها قمة جبل كيوي في ولاية دبا. جغرافية مسندم كما أن سلسلة الجبال في محافظة مسندم كانت متصلة مع السلاسل الجبلية لجبال زاجروس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونتيجة للحركات العنيفة التي شهدتها الصفائح الأرضية التكتونية، حدث هبوط كبير لهذه السلسلة، مما أدى إلى فصل سلسلة الجبال في محافظة مسندم عن جبال زاجروس وتكوّن الخليج العربي، وبالتالي فإن هذه الحركات التي مرت على تضاريس المنطقة أسهمت في تشكّل العديد من الأحفوريات التي لا تزال شاهدة على التاريخ الجيولوجي لهذه المنطقة. وحول تفاصيل أكثر عن بنية المنطقة الجيولوجية، التقى «ملحق المحافظات» بعمر بن علي الشحي، باحث تاريخي بمحافظة مسندم. يقول عمر الشحي: «تشير معظم الدراسات الجيولوجية الحديثة إلى أن محافظة مسندم تتبع جيولوجيًا إقليم جبال شمال عُمان، الذي تسوده صخور جيرية ترسبت فيما كان سابقًا يشكل الرصيف القاري للكتلة العربية، وتعود هذه الصخور في تكوينها إلى منتصف الزمن البرمي والكريتاسي، أي حوالي 100-280 مليون سنة قبل الحاضر، وقد رُسبت هذه الصخور في بيئة بحرية ضحلة، وبالتالي يميل لونها إلى اللون الرمادي وتعرف جيولوجيًا بمجموعة الحجر الكبرى، هذا وقد جُلبت هذه الصخور مع صخور القشرة المحيطية «الأوفيوليت» بواسطة عمليات تكتونية معقدة لتستقر فوق صخور الرصيف القاري المذكورة سابقًا، «مجموعة الحجر الكبرى»، لذا تعد جبال محافظة مسندم من الناحية الجيولوجية مشابهة لبقية أجزاء جبال الحجر الغربي، فهي تمتاز بوجود كتلة سميكة من هذه الصخور الكربونية، إلا أن هناك أوجه اختلاف جيولوجية؛ حيث إن جبال محافظة مسندم تظهر على شكل ثنية محدبة كبيرة لكنها تميل ميلًا طفيفًا نحو الشرق والغرب». أحافير متنوعة يضيف عمر الشحي قائلًا: «لا نبالغ إذا قلنا: إن جبال محافظة مسندم كتاب تاريخي مفتوح بين قمة جبل حارم بولاية خصب وقمة جبل كيوي في ولاية دبا، حيث يقف الجبلان بشموخ حرّاسًا لهذا المكان الأثري المعشّق بروائح من تاريخ غابر في الجبال الصخرية المحيطة بمحافظة مسندم، فهناك صخور تحتوي على أحافير، وهي بقايا وآثار وبصمات الكائنات البحرية من أسماك ومرجان مرورًا بعدة أنواع من الأصداف البحرية التي يعود تاريخها إلى عشرات الملايين من السنين وحتى قبل ظهور البشر، لذا تُعد الأحافير من أكثر المفاتيح القيمة لتاريخ الأرض عند الباحثين الجيولوجيين، حيث لا تساعد الأحافير الجيولوجي على معرفة عمر صخرة ما فحسب، بل تساعد أيضًا في تحديد الظروف التي تشكلت فيها تلك الصخرة وتعقُّب الطبقات المختلفة الموجودة حول العالم». بيانات جيولوجية أضاف الباحث التاريخي عمر الشحي: «إن جبال محافظة مسندم تضم مجموعة متنوعة من الصخور التي ترجع إلى العصر البليوسيني، بما في ذلك الحجر الجيري والصخور الرسوبية، ومن مميزات الصخور الرسوبية -التي تمتاز بها عن بقية الصخور الأخرى- هي قدرتها على الاحتفاظ بالأحافير، وقد حصلت بعثة من علماء الجيولوجيا والآثار والنبات -حضرت إلى محافظة مسندم في الفترة ما بين 1970 و1972- على تصريح من السلطان قابوس -رحمه الله- وأمضت بعثة مسندم ثلاثة أشهر في الجزء الشمالي من شمال عُمان الذي يضم شبه جزيرة مسندم ووديانها الغارقة، وكان الهدف الرئيسي للبعثة هو الحصول على بيانات حول التاريخ الجيولوجي للمنطقة، وقد حددت البعثة أهم الآثار والأحافير والنباتات والصخور في محافظة مسندم، ثم وصلت بعثة علمية أخرى عام 1974 إلى محافظة مسندم لدراسة تاريخها التكتوني والجيولوجي، ونتيجة للدراسات التي أجرتها هذه البعثات، أدرك الجيولوجيون العاملون في المنطقة أن تكتونيات محافظة مسندم تتشابه مع جبال البحر الأحمر». متحف جيولوجي يؤكد عمر الشحي أن التراث الجيولوجي بشكل عام هو ثروة سياحية، حيث أكّدت الاكتشافات التي قام بها ولا يزال يقوم بها بعض المواطنين بجهودهم المتواضعة أن محافظة مسندم مقصد حيوي للجيولوجيين وعلماء الحفريات، وهذا يشكل نوعًا من الدعاية والترويج للسياحة الجيولوجية المطلوب تطويرها والاهتمام بها من قبل وزارة التراث والسياحة والمعنيين، حيث سيبرز اسم محافظة مسندم على خريطة السياحة المتعلقة بالحفريات والجيولوجيا، مما يجعلها مقصدًا للعديد من الباحثين والعلماء من مختلف دول العالم، خاصة مع التاريخ الجيولوجي القديم لهذه المنطقة وما مرت به من حقب تاريخية أسهمت في اكتسابها خصائص متنوعة، سواء في فترات غرقها بالمياه أو صعودها عاليًا نتيجة الطي والالتواء الذي تعرضت له طبقات القشرة الأرضية، مما جعلها تتسم بتنوع في التركيب والخصائص، كما تتنوع بالأحفوريات التي تعد عامل جذب للعلماء والمهتمين، إلى جانب السياح من محبي السياحة البيئية. مناطق غنية بالحفريات وحول أبرز مناطق انتشار الحفريات، قال عمر الشحي: «غالبًا ما توصف محافظة مسندم عند الكثير من الباحثين بأنها رؤوس الجبال؛ لأنها تحتضن سلسلة جبال شاهقة ممتدة بشكل رأسي وملتوية شديدة الانحدار والوعورة، وتضم واحدة من أكثر سلاسل التتابع اكتمالًا للطبقات الجيولوجية التي تسجِّل مراحل تاريخ الأرض والحياة، حيث نجد الحفريات في جميع مناطق محافظة مسندم تقريبًا، ومن بين المناطق الرئيسية يمكن أن نذكر الموقع الفريد لجبل حارم في ولاية خصب، حيث يضم حفريات من الكائنات البحرية التي يعود تاريخها لملايين السنين، وأيضًا جبل كيوي في ولاية دبا، ومواقع جبلية كثيرة متفرقة في ولاية خصب وفي نيابة ليما، إضافة إلى حفريات بحرية في ولاية بخاء، ووجود هذه الحفريات يعد دليلًا قاطعًا على أن المنطقة كانت مغمورة بالمياه لفترات طويلة، ثم نتيجة حركة الصفائح التكتونية حدثت حركات رفع وهبوط في المنطقة، ولذلك تعتبر المحافظة، بجيولوجيتها الفريدة، مثالًا للأودية الهابطة والمصاطب والجبال المرفوعة التي تكوّنت بين حركات انكسارية أخذت أشكالًا متعددة». |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الخلیج العربی محافظة مسندم
إقرأ أيضاً:
المليشيات وتحدي الدولة الطبيعية
هل يسير السودان على طريق التجربة العراقية؟
نحن الآن أمام مشهد رهيب، الآلة العسكرية غير الرسمية في ذروة توحّشها وتفوقِها، وهي بلا شك نتاج السياسات قصيرة النَّظر،التي تفضّل ترك الأزمات في عهدة الوقت و الانتصار الآني ، على رغم تكاليفه، على الحلول الدائمة وعائداتها.
القيادة الحالية هي مرجع مهم لهذه السياسات التي أدمت بلادنا، وستترك ندوباً غائرة في الوجدان الوطني.
مشاهدُ غير مسبوقة في الولاية الشمالية ، كلما هزمت مليشيا “اولاد دقلو” على مسرحِ القتال الساخن، خرج “حميدتي” أو اخيه “عبدالرحيم” يتوعدوا اهلها بالويل والثبور، وأنهم سيحيلونها الى بقعة دم وبحيرات ركام.
ولكن كلما استيقظ أهل المنطقة زاد يقينهم بأن مليشيات “اولاد قمري” و”اولاد الشاذلي” ليسوا أفضل حالاً من “اولاد دقلو”، فقد انقضَّوا على أمن اهلها وكرامتهم في مشهد لم يعاينوا مثلَه منذ قيام الدَّولة السودانية الحديثة في 1956.
تكاثرت المشاهد غير المسبوقة على الشعب السوداني في الآونة الأخيرة. مليشيات عائلية، تنشط في جرائم نهب، اختطاف، اعتقال، ترويع للمواطنين بمناطق “الدبة”، “الغابة” و”دنقلا” .
شخص يدعى “الشاذلي” يقود مجموعة مسلحة تقلق مضاجع أهل “الغابة” تحت غطاء معركة الكرامة وبسلاح الدولة ومواردها ، كما تنشط تلك المجموعات في جرائم “التهريب” و “تجارة الممنوعات”، أمام مرأى الاجهزة الاستخبارية و الوالي اللواء ركن” عبدالرحمن عبدالحميد”وتعمل على زعزعة أمن الولاية واستقرارها وسلامة الشرايين التي تربطها بالدولة ونظمها.
تلك صفحات تدخُل التاريخ، على غير ما أراده السودانيون عندما انخرطوا في معركة دحر المليشيات والتخلص من سيطرتها على منافذ الدولة ، وعلى غير ما طمحوا لتحقيقه من بناء دولة مدنية عاقلة عادلة تحترم الإنسان، وتصون كرامته، وتضمن حرّيته.
تبرز المشكلة أمامنا اليوم بأوضح صورها، بعدما تضخّم دور المليشيات في الحياة السياسية والاجتماعية، على نحو بات يشكل خطراً ليس على الدولة وعلى سلطتها وهيبتها فحسب، وإنما أيضا على حياة كل مواطن ومصيره، خاصة وقد أصبحت لها القدرة على القيام بأدوار مشبوهة، فهي تخطف وتعتقل وتحكم وتقتل، وتنشئ سجوناً، وتفتح مكاتب ومواقع وصحفاً وقنوات تتحدّث باسمها.
لا حلّ، إذن، سوى فتح القبول بالكلية الحربية السودانية ، ومعهد التدريب العسكري ، لاستيعاب كل الشباب نظيف السيرة والسريرة، الحادب على الوطن وأمنه واستقراره، ضباطاً وجنوداً في القوات المسلحة السودانية، يأتمرون بقانونها وعقيدتها، للدفاع عن الصحارى والوديان والحدود؛ حتى لا تضطر الدولة إلى غض الطرف عن الجماعات الاجرامية المسلحة التي تسعى لتقنين اجرامها تحت غطاء الدفاع عن الوطن .
ومن ثم تفكيك تلك المليشيات وتجفيف المنابع التي تتموّل منها،وإنهاء هيمنتها المباشرة على السلطة والقرار. والتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها على مدى السنوات الماضية، والعمل الجادّ على حصر السلاح بيد الدولة، ولا نشك أن مهمّة كهذه صعبة وشاقة، لكنها ليست مستحيلة، خاصة وهي تحظى بدعم شعبي.
وفي ظل المناخ السياسي السائد في السودان اليوم، والغارق في التوترات والمفارقات وردود الفعل نجد في تذكّر صفحة مليشيا “اولاد دقلو” واستخلاص دروسها ضرورة لا مناص منها. وإذا لم نستطع أن نتذكّر الماضي القريب ، ونعتبر من الحاضر سنكون محكومين بتكراره.
وبغير ذلك، لن نكون قد وصلنا إلى طريق بناء الدولة التي نريد.
محبتي واحترامي
رشان اوشي