بين الفينة والأخرى تتردد في أوساط عربية (نخبوية وشعبية) أحاديث عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية، وتزداد وتيرة تلك الأحاديث مع كل انتخابات رئاسية، حتى أن بعضهم ذهب إلى اعتبار الانتخابات الحالية بأنها آخر انتخابات رئاسية يمكن أن تحدث في أمريكا، إشارة إلى تفكك الولايات الأمريكية وبداية انهيارها.



ومن جملة تلك الأحاديث كثرة الأقاويل حول انهيار الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل على خلفية نشوب حرب أهلية وفق أصحاب تلك التوقعات، ما يثير أسئلة حول واقعية تلك الأحاديث والتوقعات ومدى استنادها إلى معطيات واقعية، أم أنها في جملتها لا تعدو الأحاديث الرغائبية، والأمنيات؟

قصة انهيار الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل، وكثرة الأحاديث والتوقعات عن نشوب حرب أهلية، تفتح الباب للتساؤل إن كانت أمريكا بالفعل مهددة بحدوث انهيار داخلي، يُنذر بانتهاء القرن الأمريكي وبداية تراجع الهيمنة الأمريكية في الخارج، وأن ثمة عوامل جوهرية تدعم ذلك التوقع أما أنها أبعد ما تكون عن ذلك في المدى المنظور والمتوسط؟

في هذا الإطار نشر الكاتب والإعلامي المصري، حسن قطامش تدوينة عبر صفحته على منصة (إكس) قال فيها "الانهيار الأمريكي.. هل تصدق التوقعات؟ منذ سنوات والحديث عن (الانقسام والتمزق والتراجع والانحدار والانهيار والسقوط) الأمريكي سمة ملفتة للغاية في تحليلات المجلات الغربية المهمة. وقد جمعتُ 60 عددا اتفقت على هذه الرؤية، فهل تُعجل عودة ترامب بتحقيق هذه التوقعات"؟

..
الانهيار الأمريكي .. هل تصدق التوقعات ؟!
..
منذ سنوات والحديث عن: ( الانقسام والتمزق والتراجع والانحدار والانهيار والسقوط ) الأمريكي سمة ملفتة للغاية في تحليلات المجلات الغربية المهمة.
وقد جمعتُ 60 عددا اتفقت على هذا الرؤية.
فهل تُعجل عودة #ترامب بتحقق هذه التوقعات ؟#Trump pic.twitter.com/IR6jeY4fzE

— H.Qatamish حسن قطامش (@HasanQatamish) November 7, 2024

وأورد في عدة تدوينات أمثلة من عناوين تلك التحليلات، منها "تراجع الهيبة الأمريكية، بلد أكثر انقساما من أي وقت مضى، هل تنهار أمريكا بسبب الكراهية؟، الولايات المتحدة تفقد الحرية، أمريكا وانتحار الديمقراطية، هل ستمزق أمريكا نفسها؟ أمريكا.. الشقوق أكثر من أي وقت مضى، القوة العظمى التي تشك في نفسها..". 

2. من أمثلة عناوين التحليلات:

❞ تراجع الهيبة الأمريكية، بلد أكثر انقساما من أي وقت مضى، هل تنهار #أمريكا بسبب الكراهية #الولايات_المتحدة تفقد الحرية، أمريكا وانتحار الديمقراطية، هل ستمزق أمريكا نفسها، أمريكا.. الشقوق أكثر من أي وقت مضى، القوة العظمى التي تشك في نفسها ❝.#ترامب

— H.Qatamish حسن قطامش (@HasanQatamish) November 7, 2024
 
وتابع في تدوينة أخرى "الانحدار والسقوط.. هل يمكن للولايات المتحدة أن تقود من جديد؟ العدو الداخلي.. خطر جديد يهدد الديمقراطية الأمريكية.. مصادر القوة الأمريكية.. القوة العظمى المختلة.. أمريكا تائهة.. هل تستطيع أمريكا التعافي؟ ماذا حدث للقرن الأمريكي؟ أمريكا والبحث عن استراتيجية.. أمريكا في خطر.." مشيرا إلى أن معظم هذه التحليلات كانت بعد فترة حكم ترامب الأولى.

3. ❞ الانحدار والسقوط.. هل يمكن للولايات المتحدة أن تقود من جديد، العدو الداخلي.. خطر جديد يهدد الديمقراطية الأميركية، مصادر القوة الأمريكية.. القوة العظمى المختلة، أمريكا تائهة، هل تستطيع أمريكا التعافي، ماذا حدث للقرن الأمريكي، #أمريكا والبحث عن استراتيجية، أمريكا في خطر ❝.

— H.Qatamish حسن قطامش (@HasanQatamish) November 7, 2024
 
 وفي سياق رصده للصحافة الغربية، نشر قطامش ترجمة لمقال ديرشبيجل في عددها الأخير وعنوانه "أمريكا على حافة الهاوية"، علق عليه بالقول "صدر العدد الأخير من مجلة ديرشبيجل الألمانية بموضوع رئيسي متشائم حول مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، ويعكس العنوان (أمريكا على حافية الهاوية) بوضوح أزمة وجودية تعيشها أمريكا، وأنها تقترب من نقطة تحول خطيرة للغاية" على حد قوله.

..
ديرشبيجل: أمريكا على حافة الهاوية!!
..
تزامنا مع #الانتحابات_الأميركية صدر العدد الأخير من مجلة ديرشبيجل الألمانية بموضوع رئيسي متشائم حول مستقبل #الولايات_المتحدة
ويعكس العنوان "أمريكا على حافة الهاوية" بوضوح أزمة وجودية تعيشها #أمريكا وأنها تقترب من نقطة تحول خطيرة للغاية. pic.twitter.com/0vV78cdSFh

— H.Qatamish حسن قطامش (@HasanQatamish) November 4, 2024
 
وأضاف في تدوينة أخرى "يطرح المقال صورة متشائمة وواقعية في آنٍ واحد لحالة أمريكا الراهنة محاولا سبر غور الأسباب الكامنة وراء الانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة. كما يقدم المقال ترامب كشخصية تهدد المبادئ الديمقراطية حيث لا يخفي رغبته في اللجوء إلى أساليب "قمعية" و "سلطوية" للسيطرة على البلاد"...

وخلص الإعلامي المصري قطامش في ختام ترجمته للمقال إلى القول "إجمالا مقال ديرشبيجل الألمانية يجزم بأن الولايات المتحدة على مفترق طرق، حيث يجب عليها أن تحدد ما إذا كانت ستظل وفية لما أسماه قيمها الأساسية، أو أن تسمح لتجاذبات السلطة والمال بجرّها نحو مسار مظلم، قد لا يمكن العودة منه، من خلال السماح لــ تراب بـ “انقلاب ديمقراطي"؟!

8. إجمالًا، مقال ديرشبيجل الألمانية يجزم بأن #الولايات_المتحدة على مفترق طرق، حيث يجب عليها أن تحدد ما إذا كانت ستظل وفية لما أسماه قيمها الأساسية، أو أن تسمح لتجاذبات السلطة والمال بجرّها نحو مسار مظلم، قد لا يمكن العودة منه، من خلال السماح لـ #ترامب بـ ( انقلاب ديمقراطي) ؟!!

— H.Qatamish حسن قطامش (@HasanQatamish) November 4, 2024
 
من جهته وصف أستاذ الشؤون العامة، ومدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، الدكتور سامي العريان الأحاديث والتحليلات التي يتوقع أصحابها قرب انهيار أمريكا بأنها "في معظمها من باب الكلام الرغائبي والأمنيات، وهي لا تستند إلى حقائق ومعطيات واقعية".

وأضاف: "وجود عنف سياسي لا يعني قرب انهيار وانتهاء أمريكا، كما أنه لا يعني حرب أهلية في أمريكا، فهناك تحديات كانت دائما قائمة وموجودة في المجتمع الأمريكي، وعلى الرغم من وجود تلك التحديات لكن لا توجد قوى قادرة على أن تحل محل أمريكا، فالإنسان ـ كما الدول ـ لا يمكن أن يغيب عن الصورة، لكن يأتي من يدفعه عن مكانه ليحل محله، وهذا غير موجود حاليا، فلا يوجد من يطرح نفسه ليحل محل أمريكا، لا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى العالمي، وحتى لو حاول فلن يستطيع لأن أمريكا ستقاتل بشراسة حتى آخر رمق".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "وهذا كله ناتج عن الجهل بالنظام العالمي، والجهل كذلك بالوضع داخل أمريكا، ونفس الكلام يمكن أن يقال عن توقع حرب أهلية في أمريكا، فهذا كلام رغائبي، ولا تسنده معطيات الواقع" متسائلا "حرب أهلية مَنْ مع مَنْ"؟


د. سامي العريان، أكاديمي فلسطيني مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم

وتابع "هناك حكومة فيدرالية قوية جدا في الولايات المتحدة، فمن الطرف الآخر الذي سيقاتلها حتى تقع حرب أهلية؟ نعم هناك بعض الميليشيات، لكنها لن تصمد ليوم أو يومين على الأكثر، وسيتم إنهاء وجودها، فلا أدري عن أي حرب أهلية يتحدثون؟ ومن هي القوى والأطراف القادرة على محاربة ومواجهة الحكومة الفيدرالية"؟ 

وفي ذات السياق رأى الكاتب والمحلل السياسي المصري، رامي عزيز أن "غالبية من يتحدثون عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية ليسوا على دراية بكيفية النظام الذي تدار به الولايات المتحدة، أو مكامن قوتها، من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، أو من حيث طبيعة الحياة داخل الولايات المتحدة".

وأردف "فالولايات المتحدة رغم كل ما يشاع عن قرب سقوطها وانتهاء حقبتها، إلا أن الواقع يخبرنا بعكس ذلك، فالولايات المتحدة ما زالت القطب الأوحد القوي والمسيطر على مجريات الأحداث في الساحة العالمية، الذي لا يوجد له منافس، وأثبتت الأحداث في السنوات الأخيرة أن روسيا الغارقة في وحل أوكرانيا، والتي تلقفت تصريحات ترامب العائد إلى البيت الأبيض حول إنهاء الحرب في أوكرانيا، غير قادرة على مجابهة أمريكا، حتى وهي قوة نووية عظمى".

وتابع "وقس على ذلك الصين التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على القوى الشرائية للسوق الأمريكية، ناهيك عن الاتحاد الأوروبي التابع تبعية كاملة للولايات المتحدة، لذا فإنني أؤكد أن ما يقال عن غروب شمس أمريكا كقوة وحيدة ومسيطرة، لا يعدو كونه كلاما رغائبيا وأمنيات حالمة، مصدرها الرغبة في التخلص من السياسة الأمريكية المتعسفة، والغير عادلة تجاه بعض القضايا، وعلى رأسها دعمها للهيمنة الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط".


                                                          رامي عزيز كاتب ومحلل سياسي مصري

وردا على سؤال "عربي21": هل الولايات المتحدة الأمريكية مهددة بالفعل بالانهيار الداخلي أم أنها أبعد ما تكون عن ذلك في المدى المنظور والمتوسط؟ قال عزيز "الولايات المتحدة ليست بعيدة عن فكرة الانهيار الداخلي، وهذا هو السيناريو الأقرب لكيفية انتهاء الولايات المتحدة كقوة عظمى، حتى أن هناك من المفكرين وأساتذة العلوم السياسية الأمريكيين من تنبأ بحدوث ذلك، وحتى أن ترامب نفسه استخدم هذا السيناريو في كل المرات التي ترشح فيها، وقدم نفسه (كالمخلص) الذي سيعيد لأمريكا عظمتها، ويمنع انهيارها".

وخلص إلى القول "لا أرى على المدى المنظور والمتوسط ذلك الانهيار وشيك الوقوع، فالأمر يتطلب أجيالا عديدة، تتبلور لديها أفكار جديدة تقدم رؤية مختلفة للولايات المتحدة ونظامها الانتخابي والسياسي، ومن هنا سيبدأ حدوث التصدع الداخلي في الولايات المتحدة، وهنا ستعيد عجلة التاريخ نفسها، فبمثل هذه الطريقة انتهت أغلب الإمبراطوريات على مر التاريخ".

من جهته قال الأكاديمي اليمني، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور عبد الباقي شمسان "لا أعتقد أن التحليلات والقراءات التي تتحدث عن قرب انهيار الولايات المتحدة الأمريكية قائمة على معطيات ودراسات استشرافية موضوعية سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية، وإنما هي – في أغلبها – قراءات عاطفية ورغائبية".

وأضاف "فكما نعلم أن انهيار أية امبراطورية له مقدمات كبرى، وهذا غير موجود في الحالة الأمريكية، نعم هناك انقسام في الشارع الأمريكي، وهناك اختلافات وتباينات في الرأي والمواقف، وهو ناتج عن عوامل سياسية واقتصادية، وهناك صراع حول قضايا متعلقة بالجوانب الأخلاقية والإنسانية والحريات، وكل ذلك يدور في إطار مؤسسات الدولة الراسخة، التي تدافع عن قيم ومبادئ الديمقراطية والحريات".


                         د. عبد الباقي شمسان، أكاديمي يمني وأستاذ علم الاجتماع السياسي

ووصف الأكاديمي اليمني، شمسان في تصريحاته لـ"عربي21" القراءات والتحليلات التي تبشر بقرب انهيار الولايات المتحدة بأنها "تعبر عن رغبات وأمنيات أولئك الذين تضرروا من الولايات المتحدة وسياساتها، وبالتالي فإن ذلك الوهم سيؤدي إلى إحباطات في المنطقة، وليس في أمريكا، لأن هذه الأمنيات التي لا تتحقق تحدث كثيرا من الاحتقان تجاه المجتمعات الغربية، وتؤدي إلى مزيد من الفجوة بين المجتمعات الغربية، وتحديدا المجتمعات الشرق أوسطية، والمسلمة".

وشدد في ختام حديثه على أهمية أن "تتعامل هذه الشعوب بمنطق عقلاني ورقمي، وتستند إلى قراءات استشرافية قائمة على دراسات استراتيجية لما يحدث في العالم، وما يحدث في الولايات المتحدة، هناك تحولات في توازن القوى الدولية، وحتى الآن لم تظهر الصين بشكل واضح وجلي، ولم تظهر أي قوى أخرى، فنحن ما زلنا بحاجة إلى وقت في هذا المجال، مع ضرورة الاستناد إلى استراتيجيات عقلانية لمواجهة تلك التحديات، وليس بالركون إلى أمنيات عاطفية ورغائبية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير امريكا خبراء سياسات تقييمات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة انهیار الولایات المتحدة الأمریکیة للولایات المتحدة من أی وقت مضى القوة العظمى أمریکا على فی أمریکا حرب أهلیة

إقرأ أيضاً:

كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا، للأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، هوارد فرينش، قال فيه إنّ: "الولايات المتحدة تجد نفسها فجأة على شفا تورّط مباشر في صراع كبير آخر في الشرق الأوسط، بعد أيام من القصف الإسرائيلي لإيران وإطلاق الصواريخ على تل أبيب ومدن أخرى ردّا على ذلك".

وأوضح المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه بـ"مجرد معرفة تاريخ الحروب الأمريكية في تلك المنطقة وفي الدول المجاورة، خلال الجيل الماضي كافية لإثارة الدهشة. كانت تدخلات الولايات المتحدة في العراق باهظة التكلفة في الأرواح والأموال، وخلفت وراءها بلدا مُنهارا لم يتعافى تماما".

وتابع: "انتهى احتلال أمريكا الطويل لأفغانستان بانسحاب مُذل، بعد أن حقق عددا أقل من أهدافه، وبعد أن تكبد تكاليف أعلى"، مردفا أنّه: "على الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة في ليبيا أقل إثارة للجدل، إلا أنه قد يُمثل سابقة مهمة لما قد يحدث إذا التزمت واشنطن بحرب ضد إيران". 

"ساعد هذا التدخل، الذي نُفذ بالتعاون مع حلفاء أوروبيين، في الإطاحة بمعمر القذافي، لكنه حطم البلاد أيضا، ودفعها إلى دوامة عنف وحرب أهلية. وكان الضرر الجانبي الذي ألحقه بالدول المجاورة، مع انتشار الأسلحة الصغيرة بحرية في منطقة الساحل الأفريقي، مدمرا" بحسب المقال نفسه.

وأردف: "بعض أهم أسباب معارضة ما يبدو أنه انزلاق أمريكي نحو الحرب ضد إيران هي أسباب محلية بحتة. ما هو معروف عن عملية صنع القرار حتى الآن يكشف عن غرور الرئيس دونالد ترامب، وعدم جديته، وتقلب مزاجه. حتى أسبوع تقريبا، كان ترامب يراهن بسمعته في السياسة الخارجية على تجنب الصراع والسعي إلى السلام". 

وأضاف: "بالطبع، كانت التناقضات في التنفيذ كبيرة، كما هو الحال في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي لم يفعل ترامب الكثير لثنيها نظرا لتردده في إلقاء اللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزوه جاره أو انتقاده بأي شكل من الأشكال".

مع ذلك، استرسل المقال بالقول: "أظهر ترامب جدية في أمرين قد ينعكسان الآن مع الحرب على إيران. أحدهما هو التركيز على إنهاء النزاعات، كما ذُكر آنفا، والآخر هو رغبته في الحد من التدخل الأمريكي في مجموعة من القضايا المتعلقة بشؤون الدول الأخرى، من التنمية الاقتصادية إلى الحرب".

وأورد: "يتجلى غرور ترامب وارتجاله في الانزلاق الواضح نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع طهران من خلال تصريحاته المتغيرة حول قرار إسرائيل ضرب إيران. كان البيت الأبيض قد حثّ إسرائيل سابقا على عدم شنّ هجوم على إيران بطرق تخشى أن تجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع، ويبدو أن هذا الحذر استند جزئيا إلى تقدير مخاطر الفشل والعواقب غير المقصودة العديدة التي قد تترتب على ذلك".

ومضى بالقول إنّه: "بعد بعض النجاحات المبكرة المبهرة التي حققتها إسرائيل، بما في ذلك الاغتيال المستهدف للعديد من القادة العسكريين وكبار العلماء النوويين الإيرانيين، بدا ترامب حريصا على أن يُنسب إليه الفضل، وبدأ فجأة في استخدام ضمير المتكلم "نحن" عند الإشارة إلى الهجوم الإسرائيلي المستمر".


وأبرز: "تتجلّى عدم جديته أيضا في تصريحات أخرى، مثل قوله "لا أحد يعلم" إن كان سيهاجم إيران أم لا، حتى مع وصفه مطلبه بـ"استسلام" طهران دون قيد أو شرط بأنه "إنذار نهائي". هذا ليس مدخلا للدخول في صراع كبير محفوف بالمخاطر على الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والعالم. لكن ما يبدو أنه في الواقع هو تسليم صنع القرار بشأن الاستراتيجية الأمريكية وقرارات الأمن القومي لزعيم دولة أخرى، وتحديدا نتنياهو، الذي سيحقق هدفا راسخا، وهو مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل في شن حرب على إيران إذا التزم البيت الأبيض بالتدخل المباشر".

واستدرك بأنّ: "الولايات المتحدة ملتزمة بحق بالدفاع عن إسرائيل، لكنها عانت من تراجع تدريجي في قدرتها على التمييز بين مصالحها الوطنية ومصالح أهمّ حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. وتجلى هذا بوضوح مؤخرا على مرّ إدارتين، في فشل واشنطن في الضغط على إسرائيل بفعالية لإنهاء مذبحتها المستمرة للفلسطينيين في غزة، وتعدياتها وانتهاكاتها الواسعة النطاق بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية". 

"على المدى الأبعد، اتضح ذلك جليا في ضعف وتناقض جهود واشنطن في السعي لتحقيق ما يُسمى بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما لم يحظ من العديد من الإدارات الأمريكية إلا بالكلام" وفقا للمقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".

وأردف: "يمكن للمرء أن يسرد قائمة بأسباب أخرى تدفع الولايات المتحدة إلى الحذر من الانخراط المباشر في الحرب. بعض من أهمّ هذه الأسباب ينبع من منطق "حتى لو". فحتى لو استطاعت واشنطن تدمير البنية التحتية للأسلحة النووية الإيرانية، فلن يُلغي ذلك بالضرورة الخبرة الإيرانية وروح المبادرة اللازمة لإعادة بناء البرنامج. المعرفة يصعب تدميرها بالقنابل، ويبدو من المحتم أن يشعر بعض، وربما كثيرون، من الإيرانيين بمبرر أكبر من أي وقت مضى في السعي وراء هذه التكنولوجيا".

وتابع: "في هذه الأثناء، إذا فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق هدفهما المتمثل في القضاء العسكري، فقد يتحول دافع طهران للإسراع في تطوير الأسلحة النووية بالكامل، وهو أمر تقول كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب إنها تجنبته حتى الآن. عندما سُئل ترامب مؤخرا عن تقييم مديرة استخباراته الذي يشير إلى أن إيران لا تصنع سلاحا نوويا، قال إنه لا يكترث، ولديه قناعاته الخاصة التي يجب أن يتبعها".

واستطرد: "هذا يُذكّر بالفرضية الخاطئة للغزو الأمريكي للعراق - الادعاء بأن ذلك البلد يمتلك أسلحة دمار شامل"، مردفا: "حتّى لو تمكن ترامب ونتنياهو من القضاء على القيادة الإسلامية الإيرانية، فلا توجد طريقة لضمان تجنب نتيجة سياسية أكثر إشكالية. قد تصبح إيران ديكتاتورية عسكرية متشددة بنفس القدر، لكنها أكثر كفاءة، أو، للتكهن بالاتجاه المعاكس، ولكن المقلق بنفس القدر، قد تذوب هذه الدولة الكبيرة والمعقدة عرقيا في حالة من الفوضى والعنف والهجرة الجماعية". 

وأكّد: "هذه هي الاحتمالات التي تبدو العديد من الدول العربية المجاورة لإيران قلقة للغاية بشأنها"، متابعا: "في الوقت نفسه، ثمّة مخاطر تهدد مكانة أمريكا في عالم سئم من سلوك واشنطن المتهور، والذي غالبا ما يكون إمبرياليا أحادي الجانب. قد يبتهج بعض الأمريكيين لشعورهم بأن بلادهم لا تزال "الأولى" عالميا، وبالتالي يمكنها فرض إرادتها على الآخرين متى شاءت".


وأبرز: "لا أتفق كثيرا مع سياسة ترامب "أمريكا أولا"، لكن ميوله المناهضة للتدخل تستحق الإشادة. إن النهج المغامر في الحرب على إيران هو ترف لا تستطيع الولايات المتحدة - التي فقدت نفوذها مقارنة ببقية العالم، حتى مع بقائها بعيدة كل البعد عن التراجع كقوة بالقيمة المطلقة، تحمّله".

واختتم المقال بالقول: "إنّ السبب المحلي الأهم للحذر من مهاجمة إيران. لاحظ العديد من المراقبين ولع ترامب الظاهر بمفهوم ملكي للرئاسة، أو على الأقل رئاسته المُذهّبة. في نهاية الأسبوع الماضي فقط، دفع هذا ملايين المواطنين الأمريكيين إلى النزول إلى الشوارع في ما سُمّيَ بمسيرات: لا ملوك"، مستدركا: "لا شيء يُجسّد الطابع الإمبراطوري أكثر من رئيس يتبع حدسه أو نزواته في اتخاذ قرار الحرب. لم تُصمّم الرئاسة الأمريكية على هذا النحو قط".

وأبرز: "الدستور يُقيّد صلاحياتها بوضوح في هذا المجال، ويُلزم السلطة التنفيذية المُنتخبة في البلاد بالحصول على تفويض من الكونغرس قبل خوض أي صراع خارجي. سيكون ترامب أحدثَ رئيسي أمريكي تجاهل هذا الشرط، إذا خاض حربا مع إيران. ومهما كان شعور المرء تجاه إسرائيل وإيران والشرق الأوسط، فإنّ السماح له بفعل ذلك سيُؤكّد بقوة شعور ترامب بالأبعاد الملكية لسلطته، وسيُضعف الديمقراطية في الولايات المتحدة والمُثُل التي ألهمت تأسيسها".

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سايسية: الدفاع عن سماء إسرائيل تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية
  • هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ اسألوا سارية العلم!
  • 6 طائرات شبح تقلع من الولايات المتحدة!
  • القوات المسلحة: سنستهدف السفن والبوارج الأمريكية في حال تورط الأمريكي في العدوان على إيران
  • القوات المسلحة تؤكد أنها ستستهدف السفن والبوارج الأمريكية في حال تورط الأمريكي في العدوان على إيران
  • رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق: أمريكا ستغرق إذا ضربت إيران
  • عضو بالحزب الجمهوري الأمريكي: ترامب متقلب ومتطرفو الكونجرس يدفعون أمريكا نحو الحرب
  • كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟
  • الأخضر يخسر من الولايات المتحدة في الكأس الذهبية .. فيديو
  • أوباما يحذر من حكم استبدادي في الولايات المتحدة