يلقي هذا التقرير نظرة عن الأوضاع الصعبة التي عايشها سكان الدندر، حيث أفاد ناظر رفاعة بمقتل اثنتين من بائعات الشاي على يد قوات العمل الخاص وكتائب البراء في سوق المدينة. كما أوضح أحد أعضاء غرفة الطوارئ وجود انعدام تام في مقومات الحياة الأساسية. بينما تذكر إحدى الشابات أن الفتيات اضطررن إلى عبور نهر الدندر سباحة هربًا من قوات الدعم السريع.

وفي ظل هذه الظروف، تنتشر الكوليرا والحميات والملاريا بين السكان، وسط نقص حاد في الأدوية وتدمير للمرافق الصحية..

التغيير: الخرطوم

في صمت تعاني مدينة الدندر من انعدام كافة معينات الحياة من غذاء ودواء وانقطاع شبكة الإنترنت وسط انتشار الحميات والملاريا والكوليرا، بينما يقع المواطنون بين مطارق اتهامات الدعم السريع بالانتماء إلى الفلول و”الكيزان” وسندان اتهامات قوات العمل الخاص بـ”العمالة” لصالح “المليشيا”.

مجازر انتقامية

في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي سيطرت قوات الجيش والمتحالفين معها على منطقة الدندر.

وفي 31 أكتوبر اتهم بيان ممهور باسم تنسيقية أبناء الدندر العاملين بالخارج الجيش السوداني بعمل مجازر راح ضحيتها (462) قتيلاً من بينهم أُسر كاملة واصفين ما حدث بالجريمة ضد الإنسانية.

وحذر البيان وقتها من أن التصعيد يعتبر جزءا من استراتيجية مدروسة لتفكيك النسيج الاجتماعي في الدندر وإحداث فوضى تسهل تنفيذ أجندات إرهابية انتقامية على حسب عبارات البيان.

وأرفق البيان قائمة بأسماء بعض القتلى بينهم أسرهم كاملة، مشيرًا إلى استمرار عملية حصر بقية القتلى، حيث تم دفن معظمهم في مقابر جماعية، وفقًا للبيان.”

فيما نشر بعض الناشطين على منصة “إكس” فيديوهات لقتلى قالوا إنها في منطقة الدندر، أظهرت بعض المواطنين يرتدون أزياء مدنية محلية معصوبي الأعين، ويجلسون على الأرض فيما تظهر أقدام جنود يرتدون زي القوات المسلحة.

ونشر حساب آخر إلقاء عدد من الجثث من على متن سيارة “بوكس” بواسطة شخص يرتدي زي الجيش وشخص آخر يرتدي زيا مدنيا في مقبرة واحدة فيما يظهر صوت شخص آخر يقول “مرتزقة” ولم تتمكن “التغيير” من التثبت من صحة هذه الفيديوهات التي نشر معظمها تحت وسم مجزرة الدندر.

ونفى أحد العاملين في غرف الطوارئ بالدندر وجود عمليات تصفية مؤكدا أن ما حدث هو القبض على المتعاونين من الدعم السريع وترحيلهم إلى مدينة الحواتة ثم منها إلى قسم القضارف، فيما قالت مجموعات تضم بعض مواطني الدندر على صفحات الفيسبوك إن عدد المقبوض عليهم يفوق الألف متهم.

تصفيات بتهمة التعاون

من جانبه أكد ناظر رفاعة، مالك الحسن أبو روف، مهاجمة قوات من الجيش وكتائب البراء بن مالك وقوات العمل الخاص للمواطنين في مناطق الدندر والسوكي تحت ذريعة التعاون مع الدعم السريع. وكشف أبو روف عن حدوث انتهاكات فظيعة تجاه إثنيات محددة؛ لم يسمها.

حدثت انتهاكات فظيعة تجاه إثنيات محددة بالدندر

ناظر رفاعة، مالك الحسن

ولفت أبو روف في حديثه لـ«التغيير» إلى أن المعلومات التي وردته من شهود عيان تؤكد مقتل سيدتين من العاملات في بيع الشاي في سوق الدندر بذات الاتهامات المتمثلة في التعاون مع قوات الدعم السريع.

وأضاف: بعد الدندر توجهت تلك القوات إلى منطقة كامراب وأعملت فيها تخريبا وقتلا امتد إلى كبار السن والنساء والأطفال.

وناشد ناظر رفاعة المجتمعين الدولي والإقليمي بضرورة التعجيل باتخاذ إجراءات تضمن سلامة المدنيين في كل بقاع السودان وخاصة موضوع القصف الجوي الذي يحول أجساد الأبرياء إلى جثث متفحمة أو أشلاء تدمي قلوب من يشاهدها

وأشار الناظر إلى أن بعض مشايخ العرب الرحل في منطقة حظيرة الدندر شاهدوا قوات عسكرية من إثنية التيقراي الإثيوبية قادمة من منطقة قلقو في طريقهم إلى مدينة الدندر، ويرتدون الزي العسكري.

وفي الوقت نفسه، أكد شهود عيان لـ«التغيير» إنهم رأوا هؤلاء الجنود الإثيوبيين داخل المدينة، وفي بعض الارتكازات التابعة للجيش مشيرين إلى مشاركتهم في القتال إلى جانب الجيش في مناطق السوكي والدندر.

هروب نسائي جماعي

“ألقت أختاي ومجموعة من بنات العائلة وصل عددهن لـ (17) فتاة أنفسهن في نهر الدندر، وقطعنه سباحة”. تقول سحر (اسم مستعار) من منطقة الدندر.

وأشارت في حديثها لـ«التغيير» عن هروب نسائي جماعي من منطقة الدندر فور دخول قوات الدعم السريع إليها في يوليو الماضي.

فتيات من الدندر عبرن النهر سباحة للهروب من قوات الدعم السريع

وأوضحت أنها التقت أختيها وبقية بنات العائلة في منطقة أب رخم بعد أن عبرن نهر الدندر سباحة للهروب من قوات الدعم السريع، وتشير إلى أنهن كن في حالة يرثى لها “العباءات ممزقة والشوك أدمى أقدامهن وأجسادهن تقطر منها المياه”.

أخوات سحر ونساء أخريات قررن الهرب خوفا من ممارسات الدعم السريع التي تستهدف النساء بممارسة العنف الجنسي ما جعل مواطني الدندر يخرجون نساءهم حتى وإن اضطر الرجال للبقاء وفق أحد أعضاء غرفة الطوارئ بمدينة الدندر.

وأوضح هذا العضو خلال حديثه لـ«التغيير»، أن قوات الدعم السريع عندما دخلت للمدينة قامت بنهب كافة المحال التجارية والصيدليات كما دمرت كافة المرافق الطبية.

وأشار عضو غرفة الطوارئ، إلى أن قوات الدعم السريع قامت بتحويل منزل أحد المواطنين لمستشفى عسكري كان يُنقل إليه المصابين من مدينة سنجة ومناطق أخرى.

وأشار إلى أن مالكي المنزل تفاجأوا بالدماء وفوارغ المحاليل الطبية والأدوية في الوفت الذي منعتهم الرائحة السيئة من دخول المنزل.

وأضاف: تم تحول منزل آخر لمقر استخبارات كان يتم فيه جمع المعتقلين الذين تهمهم تتراوح بين كونهم فلول وكيزان واستخبارات الجيش.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع لـ التغییر إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما وراء التسريب المفاجئ لقائد سابق في الدعم السريع

لقد خلّف المشهد الذي ارتسم في بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة في السودان، حيث جلس اللواء أبو عاقلة كيكل قائد ما يعرف بقوات درع السودان المتحالفة مع الجيش السوداني، وهو محاط بنخبة منتقاة من الصحفيين، موجةً من الاستياء العارم في أوساط الشعب السوداني.

لم يكن مجرد انعقاد هذا اللقاء الصحفي هو المستفز، بل تحديدًا ما تضمنه من تصريحات بالغة الغرابة وربما السطحية، والتي وصفها البعض بأنها محاولة باهتة لاستخفاف بوعي الشعب السوداني وذاكرته المضرجة بدماء لا تزال تنزف.

لقد خرج كيكل، الذي لم يمضِ وقت طويل على كونه جزءًا لا يتجزأ من منظومة مليشيا الدعم السريع، ليقدم شهادة "إنسانية" مفاجئة ومثيرة للدهشة في حق قائد التمرد، محمد حمدان دقلو "حميدتي". إذ وصفه بأنه كان "رقيق القلب"، و"كثير الصيام"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك زاعمًا أنه "كان يذرف الدموع عند سماع أخبار الجرائم التي ترتكبها قواته"!

وكان واضحًا من خلال ردود الفعل الشعبية والنخبوية الرفض الشديد لهذا النوع من المحاولات الذي اعتبر على نطاق واسع بأنه نوع من التلاعب المستفز بمشاعر الشعب السوداني، الذي اكتوى بنيران هذه الحرب وشاهد بأم عينيه فظائعها. حيث إنه سعْي لتجميل صورة شخص تلطخت يداه بدماء الأبرياء التي أُزهقت بلا ذنب. فهل تحول التعبير العاطفي إلى بديل مقبول للعدالة الغائبة؟

إعلان

الأمر الأكثر إثارة للقلق والانتباه، ألا يكون حديث كيكل مجرد كلام عابر أو انطباعات شخصية عفوية، بل قد يكون جزءًا من محاولة مُحكمة لإعادة تدوير صورة حميدتي، وتقديمها في سياق جديد. هذا السياق يبدو مرتبطًا بشكل وثيق بمساعي تسوية سياسية يجري الحديث عنها وتم تداولها في الخفاء والعلن، على المستويين؛ الإقليمي، والدولي.

متى ما تحوّل العسكري فجأة إلى راوٍ عاطفي، يسرد قصصًا مؤثرة عن خصمه، فلنعلم يقينًا أن هناك جهة ما تحاول أن تقول لك بصوت خفيض: "انظر، لا يزال بإمكانك أن تصدّق هذا الوجه الآخر من القسوة".

هل كان كيكل "صنيعة استخباراتية" للجيش؟

في محاولة لفهم أعمق للدوافع الكامنة وراء تصريحات اللواء كيكل، وتداعياتها المحتملة على المشهد السياسي السوداني، يمكن طرح سؤالين محوريين: إلى أي مدى يمكن اعتبار تصريحات اللواء كيكل "تسريبات مدروسة" أو "اعترافات تلقائية"؟ وهل كانت هذه الإفادات تهدف حقًا إلى تبييض صورة حميدتي المشوهة، أم إنها جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل صورته بما يخدم مصلحة طرف أو أطراف معينة في هذه الحرب؟

على الرغم من النبرة التي بدت في ظاهرها عفوية للواء كيكل، وهو يسرد بعض التفاصيل المتعلقة بقائد التمرّد حميدتي، فإن السياق العام الذي أدلى فيه بهذه التصريحات، والتوقيت الحسّاس الذي يمر به السودان، والمنبر الإعلامي الذي اختير بعناية لنقل هذه "الاعترافات"، كلها عوامل تجعل من الصعب تصديق أنها مجرد "اعترافات تلقائية" أو انطباعات شخصية عابرة.

إن اللغة المُنمّقة التي استخدمها كيكل في تصوير الجانب "الإنساني" لحميدتي تحمل في طياتها دلالات أعمق بكثير مما تبديه كلماتها السطحية. إنها إفادات تبدو مشحونة بدلالات ناعمة ومُعدّة بعناية فائقة، ويبدو أنها تهدف إلى إعادة تركيب الصورة الذهنية لقائد باتت صورته مشوهة تمامًا في أذهان السودانيين والعالم أجمع، وذلك بفعل جرائم الحرب والانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها قواته.

إعلان

إن الطرح الذي يتردد في بعض الأوساط، والذي يفترض أن كيكل كان في الأصل "صنيعة استخباراتية" لصالح الجيش السوداني، وأن وجوده السابق في مليشيا الدعم السريع كان جزءًا من مهمة اختراق أو مراقبة مُخطط لها بعناية، هو سيناريو مثير للاهتمام بلا شك. لكن في الوقت نفسه، يتطلب التعامل مع هذا السيناريو قدرًا كبيرًا من الحذر والتحليل الواقعي الذي يستند إلى السياقات والمعطيات المتاحة.

فمن الضروري أن نتذكر أن كيكل لم يكن مجرد ضابط عادي أو عنصر هامشي في مليشيا الدعم السريع، بل شغل موقعًا حساسًا ومهمًا داخلها، وكان مقربًا من الدائرة الضيقة المحيطة بقائد التمرد. وهذا يشير بوضوح إلى أنه كان يتمتع بثقة عالية من قبل حميدتي شخصيًا- وهو أمر لا يُمنح عادةً لأي شخص يُشتم منه أدنى شك في ولائه أو ارتباطه بجهات أخرى. لكن في المقابل، يجب أن نأخذ في الاعتبار النقاط التالية:

إن وجود ضباط من الجيش أو الأجهزة الأمنية داخل تشكيلات عسكرية غير نظامية أو خارجة عن القانون، لأغراض الرصد وجمع المعلومات أو حتى محاولة التأثير، ليس سابقة جديدة في تاريخ السودان، أو في تاريخ الدول الأخرى التي شهدت صراعات مماثلة. لقد شهد تاريخ الانقلابات والتحولات الأمنية في مختلف دول العالم العديد من الشخصيات التي لعبت أدوار "الاختراق" المعقدة تحت غطاء من الولاء الظاهري للطرف الآخر.

إن ما أدلى به كيكل مؤخرًا من إفادات وتصريحات، من الصعب وصفه بالعفوي تمامًا أو مجرد "اعتراف إنساني" عفوي، بل يبدو منسقًا ومُدارًا بقدر كافٍ يسمح له بالظهور دون أن يتعرض للمساءلة أو المنع، ويُسمع دون أن يتم تجاهل كلامه. وهذا الأمر يعزز بشكل كبير نظرية مفادها أنه إما:

عاد إلى صفوف الجيش بغطاء كامل ودعم من المؤسسة العسكرية، بعد أن أدى مهمة معينة داخل الدعم السريع (إذا كان بالفعل جزءًا من خطة استخباراتية). تمت إعادة توجيهه بشكل إستراتيجي من قبل جهات معينة ليخدم السردية العسكرية الجديدة، أو على الأقل ليقدم رواية بديلة تخدم مصالح الجيش وحلفائه. تم "إطلاقه" في هذا التوقيت تحديدًا كجزء من عملية "إعادة كسب" للرأي العام السوداني الذي بات يكنّ كراهية شديدة لمليشيا الدعم السريع وقادتها، أو كجزء من إستراتيجية أوسع لتفكيك صورة العدو من الداخل وزعزعة ثقة عناصره في قيادتهم. إعلان

إذا صحّت الفرضية بأن كيكل كان بالفعل "عينًا استخباراتية" في قلب المليشيا طوال الفترة الماضية، فإن ما يفعله الآن قد يكون بمثابة كشف للفصل الأخير من مهمة طويلة ومعقّدة.

إن السؤال المُلحّ هو: هل يمكن ربط "التسريبات" التي أدلى بها كيكل بما يدور في الكواليس من حديث متزايد عن وجود ترتيبات سياسية وتفاوضات محتملة لإنهاء الحرب الدّائرة في السودان؟

في هذا السياق، يمكن طرح عدّة سيناريوهات محتملة: هل تصرّف كيكل بمبادرة شخصية وبشكل منفرد، محاولًا اللحاق بـ "بازار التسوية" المحتمل، وتلافيًا لغضب حميدتي بسبب انشقاقه عنه وانضمامه إلى الجيش؟ أم هل يمكن أن تكون هذه "التسريبات" قد تمت باتفاق وتنسيق مسبق مع قيادة الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، بهدف تمهيد الرأي العام السوداني تدريجيًا لقبول فكرة مشاركة حميدتي في أي تسوية سياسية مستقبلية، وذلك بعد حالة الغضب الشعبي العارم ضده بسبب الجرائم التي ارتكبتها قواته؟

في ضوء ذلك، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

السيناريو الأول: مبادرة فردية للنجاة: هل تصرف كيكل بمفرده، مدفوعًا برغبة شخصية في تجميل صورته بعد انشقاقه عن الدعم السريع وانضمامه إلى الجيش، ومحاولةً منه للعودة إلى حظيرة حميدتي أو على الأقل تخفيف حدة الغضب تجاهه، إذا شعر بأن هناك صفقة سياسية قادمة لا محالة سيتم فيها تجاهل موقفه الحالي؟ السيناريو الثاني: تنسيق مع الجيش لـ "تلميع" صورة حميدتي في أذهان الرأي العام السوداني، بهدف تمهيد الطريق لقبوله طرفًا في تسوية سياسية قادمة، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة لإنهاء الحرب بأي ثمن. السيناريو الثالث: بالون اختبار سياسي: هل كانت تصريحات كيكل بمثابة "بالون اختبار" سياسي أطلقته جهة ما (ربما إقليمية أو دولية) لقياس رد فعل الرأي العام السوداني تجاه أي محاولة لإعادة دمج حميدتي في المشهد السياسي المستقبلي، أو على الأقل تخفيف حدة العداء تجاهه؟ إعلان كيف يقنع البرهان شعبًا موجوعًا بتسوية مع الجلاد؟

إن التحدي الأخطر الذي سيواجه البرهان إذا ما أقدم فعلًا على الدخول في تسوية سياسية تشمل مليشيا الدعم السريع وقادتها، إذ كيف يمكنه أن يقنع شعبًا بأكمله موجوعًا ومثخنًا بالجراح، وقوات نظامية ومستنفرين يقاتلون ببسالة ويقدمون أرواحهم فداءً للوطن، بأن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع أولئك الذين ارتكبوا أفظع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين والأرض؟

إن هذا التحدي يتطلب إستراتيجية سياسية وإعلامية وأخلاقية متكاملة ومحكمة تتمثل في وجوب أن يؤسس البرهان خطابه بشكل واضح وصريح على قاعدة أخلاقية متينة لا تقبل الشك أو التأويل، بحيث تُقدم أي تسوية محتملة للرأي العام السوداني ليس باعتبارها مكافأة للمليشيا المتمردة أو تبرئة لجرائمها، بل كآلية ضرورية لوقف نزيف المدنيين الأبرياء، ومنع تفكك الدولة السودانية وانهيار مؤسساتها، مع التأكيد في الوقت نفسه على أن ملف المحاسبة سيظلّ مفتوحًا، وسيتم التعامل معه لاحقًا عبر آليات عدلية وقضائية مستقلة، سواء كانت وطنية أو دولية، تضمن تحقيق العدالة الناجزة لجميع الضحايا.

يجب على البرهان أن يتوجّه بخطاب مباشر وقوي إلى القوات النظامية والمستنفرين الذين يسطرون أروع ملاحم البطولة في ساحات القتال، قائلًا لهم بصدق وتقدير: "إنكم لم تقاتلوا عبثًا ولم تُرق دماؤكم هدرًا، بل قاتلتم بشرف وبسالة دفاعًا عن عزة وكرامة الوطن، وعن أرواح وممتلكات أهلكم. ولولا صمودكم الأسطوري وتضحياتكم الجسام، لما كان هناك أي حديث عن تسوية في الأساس.. أنتم من فرضتم بشجاعتكم شروط أي حل سياسي مشرف".

كذلك لا يمكن تصور أي تسوية سياسية مستدامة دون تقديم ضمانات أمنية قوية وواضحة تمنع تكرار الكارثة تتمثل في:

إعادة هيكلة (الدعم السريع) بشكل كامل ودمجها تحت إشراف صارم من الجيش، بما يضمن ولاءها الكامل للدولة ومؤسساتها. إبعاد القيادات المتورطة في ارتكاب الجرائم والانتهاكات بشكل نهائي من المشهد العسكري والسياسي، وتقديمهم للعدالة. سيكون هناك جدول زمني واضح ومُلزم للانتقال التدريجي من مرحلة حمل السلاح إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والمؤسسات القوية. إعلان

أيضًا لضمان قبول أي تسوية محتملة من قبل القوات المسلحة والقوات المتحالفة معها، لا بدّ من إشراك قيادات هذه القوات وممثلين عنهم في عملية صنع القرار وصياغة أي وثيقة للتسوية. يجب أن يشعر هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم أن ما قاتلوا من أجله يتم الحفاظ عليه ولا يتم التنازل عنه في غرف مغلقة أو تحت ضغوط خارجية.

خلاصة القول: إذا كان الجنرال البرهان يسعى حقًا إلى تحقيق تسوية سياسية تحظى بقبول شعبي وعسكري واسع، فعليه أن يقدم هذه التسوية للشعب السوداني باعتبارها ضرورة مؤقتة وملحة لحماية الكيان الوطني من الانهيار الكامل، وليس باعتبارها ترضية سياسية لطرف دولي أو إقليمي.

يجب أن تكون أي تسوية مصحوبة بوضوح تام في ملف المحاسبة، وشفافية كاملة في الترتيبات الأمنية والسياسية المستقبلية، وصدق مطلق في الخطاب الموجّه للشعب.

الجروح التي أحدثتها هذه الحرب لا تزال مفتوحة ونازفة، ولن تلتئم إلا بالحقيقة والعدالة، وليس بالصفقات المشبوهة أو محاولات تجميل صورة من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الدعم السريع يقصف مستشفى بالأبيّض والجيش يستعيد بلدة جنوب كردفان
  • مسيرات “الدعم السريع” تقطع الكهرباء عن الخرطوم وعدد من الولايات
  • ما وراء التسريب المفاجئ لقائد سابق في الدعم السريع
  • السودان تعلن تعرض محطتين كهربائيتين لهجوم مسيّرة نفذته الدعم السريع
  • عشرات الشهداء في قطاع غزة: “مجازر كأنها أيام الحرب الأولى”
  • رصاصة قناص تحول فرحة جندي في الدعم السريع الى كارثة “فيديو”
  • الجيش السوداني يقتحم آخر معاقل الدعم السريع في أم درمان
  • قوات الدعم السريع تؤكد تحقيق نصر حاسم في «الخوي»
  • الجيش الروسي يُدمـ.ـر تجمعًا للمشاة الأوكرانيين في منطقة سومي
  • تحذير.. الدعم السريع تواصل حشد قواتها في مناطق من جديد بـ”كردفان” بعد هزيمتها في الخوي