ترامب في الولايتين المتطابقتين
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
مع إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب رئيساً لولاية ثانية، ظهرت العديد من الأسئلة والتحديات المتصلة بالوعود التي أطلقها في الولاية الأولى، كما الوعود الداخلية والخارجية في المجالين الداخلي والخارجي.
من أبرز وعود ترامب تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. في ولايته الأولى، تركزت سياساته على إضعاف نفوذ القوى الإقليمية مثل إيران، ودعم إسرائيل بشكل كامل ومن دون شروط، بما في ذلك قرارات مثيرة للجدل كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بسيادتها على الجولان.ما جعله يحظى بتأييد مهم من الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو. فهل يستطيع ترامب تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وسط التركيبة المعقدة، التي تعج بالصراعات الممتدة كالقضية الفلسطينية، والحرب في غزة ولبنان والصراع في سوريا، وحرب اليمن، والتوترات الخليجية الإيرانية.
بخصوص القضية الفلسطينية، ظلت الشكوك قائمة حول مدى جدية إدارة ترامب في معالجة حقوق الفلسطينيين. في الولاية الأولى أبدى دعمه القوي والواضح لإسرائيل عبر قراراته بخصوص القدس والجولان. كما أن علاقته الوطيدة مع نتنياهو قد تجعل من أي محاولة لإيجاد حل مقبول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمراً شبه مستحيل. كما أن ترامب لا يملك خطة واضحة تحقق توازناً بين مصالح الإسرائيليين والفلسطينيين، الأمر الذي يثير قلقاً واضحاً حول مستقبل الأزمة القائمة ووسائل مقاربتها، علاوة على إمكانية تحقيق وعوده الحالية بشأن إيقاف الحرب على غزة ولبنان.
وعلى الرغم من إطلاق ترامب سلسلة مواقف واضحة لجهة وعوده بإيقاف حرب إسرائيل على غزة ولبنان، التي دخلت عامها الثاني، فثمة المزيد من الشكوك المتصلة بموقف نتنياهو تحديداً، الذي لم يبد أي تعاون في هذا المجال مع إدارة بايدن، ومن غير المتوقع بسهولة تبديل مواقفه إلا بأثمان كبيرة سيحاول قطفها من إدارة ترامب في الولاية الثانية.
في الولاية الأولى، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة الرئيس باراك أوباما مع طهران، كما فرض عقوبات اقتصادية قوية وفعالة عليها، ما أدى إلى تفاقم عزلة إيران على الساحة الدولية. فهل سيواصل هذا النهج في الولاية الثانية، أم سيسعى إلى تبنّي أساليب دبلوماسية جديدة للحد من طموحات إيران؟ في ظل التوترات في العراق وسوريا ولبنان واليمن، يبقى السؤال الأهم: هل سيواصل ترامب ممارسة الضغط على طهران أم سيبحث عن مخرج دبلوماسي للأزمة؟
في ولاية الرئيس بايدن، شهدت العلاقات الأمريكية التركية توتراً واضحاً، وبخاصة سياسة واشنطن تجاه الأكراد ودعمها لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية. كما الخلافات حول السياسة الأمريكية في سوريا، حيث دعمت واشنطن قوات سوريا الديمقراطية. إلا أن العلاقات مع تركيا يتوقع أن تتحسن نسبياً، فالرئيس ترامب يفضل التعامل مع القيادات التي تتمتع بنفوذ قوي مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي هذا السياق تلعب إسرائيل دوراً معقداً وسلبياً في المنطقة، حيث تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والسعي لتحقيق السيطرة على الشرق الأوسط عبر مشروعها الشرق الأوسط الجديد، بما في ذلك دعم إقامة دولة كردية مستقلة، في هذا السياق، يُعتقد أن إسرائيل تدعم بعض المجموعات الكردية، الأمر الذي يثير القلق التركي، والذي تعتبره أنقرة محاولة لزعزعة الاستقرار الداخلي. فهل ستسمح سياسات ترامب بتحقيق الطموحات الكردية في المنطقة، أم ستعمل على مواجهة هذه المشاريع وتحسين العلاقات مع أنقرة؟
في الأزمة الأوكرانية، ثمة تساؤلات حول قدرة ترامب في التأثير على الموقف الروسي لإيجاد حل لإنهاء الحرب القائمة مند ثلاث سنوات، رغم الغزل المتبادل بينه وبين الرئيس بوتين في الكثير من المحطات السابقة.
اقتصادياً، تعهد ترامب بالتركيز على إصلاح الاقتصاد الأمريكي عبر تخفيف الضرائب، وتعزيز الصناعات المحلية، وتخفيف الاعتماد على التجارة الخارجية. لكن هذه التحولات الاقتصادية قد تأتي على حساب مصالح بعض حلفائها في المنطقة، ما سيؤدي إلى زيادة منسوب التوتر في العلاقات الأمريكية الأوروبية.
تبقى المؤسسات الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميون جزءاً من بيئة معقدة، سيواجه فيها ترامب تحديات داخلية وخارجية التي من المحتمل أن تؤثر في سياساته الشرق أوسطية التي تظل جزءاً من صورة أكبر تسعى واشنطن إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية الأمريكية، التي قد لا تتوافق مع مصالح حلفائها الإقليميين.
ثمة شكوك كبيرة حول نشر السلام في الشرق الأوسط، طالما لم تتوفر البيئة المطلوبة لحل عادل لقضايا المنطقة، خاصة في ظل ظروف إسرائيلية غير مؤاتية، الأمر الذي قد يقوّض بعض وعود ترامب.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب الشرق الأوسط فی الولایة فی المنطقة ترامب فی
إقرأ أيضاً:
فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
تكشف العديد من استطلاعات الرأي حول العالم تراجعاً في صورة الولايات المتحدة الأمريكية منذ الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، واستمرت أزمة القوة الناعمة الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية. وبالتزامن مع ذلك، باتت الصين تتطلع إلى أداء دور أكثر نشاطاً على الساحة الدولية، مدركة بشكل أكبر أن صورتها الذهنية تصنع فارقاً، وعلى نحو جعل عالِم العلاقات الدولية الراحل، جوزيف ناي، يحذر، في مستهل عام 2025، من أن “الصين على أهبة الاستعداد لملء الفراغ الذي خلفته سياسات الرئيس ترامب”. وفي هذا الإطار، تُثار تساؤلات من قبيل: هل تملك الصين مقومات حقيقية للقوة الناعمة؟ وهل تستطيع الاستفادة من التراجع النسبي الأمريكي في هذا المجال؟
ترامب وتراجع القوة الناعمة:
قدّم جوزيف ناي، في عام 1990، مفهوم القوة الناعمة للدوائر الأكاديمية والسياسية الغربية، معرفاً إياها بأنها “قدرة الدولة على جعل الآخرين يريدون ما تريده”؛ ومن ثم فهي القدرة على تشكيل تفضيلات الآخرين، وتنبني بصورة رئيسية على جاذبية الأفكار والممارسات، بخلاف القوة الصلبة أو الخشنة التي تتضمن “إصدار الأوامر” وتستند بالأساس إلى الإكراه العسكري والحوافز الاقتصادية. واعتبر ناي أن الثقافة والقيم السياسية الليبرالية والسياسة الخارجية هي المرتكزات الرئيسية للقوة الناعمة الأمريكية، وقدم المفهوم باعتباره أساساً لرسم سياسة أمريكية أكثر فعالية. وفي العقود اللاحقة، ذاع مصطلح القوة الناعمة وارتبط بجهود الدبلوماسية العامة وبناء السمعة الدولية.
وقد حاولت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تحقيق القيادة العالمية بالاستثمار في أرصدة القوة الناعمة، مع الاعتماد على الجاذبية والإقناع. ويمكن عزو القوة الناعمة الأمريكية خلال تلك الحقبة، بدرجة رئيسية، إلى تجسيد الولايات المتحدة للقيم الليبرالية، وحيوية مؤسساتها الديمقراطية، فضلاً عن النموذج الأمريكي الناجح المتمثل في مجتمع منفتح يستوعب مختلف الإثنيات.
وتبنى الرئيس ترامب، سواء في ولايته الأولى أم الثانية، سياسات أدت إلى تراجع القوة الناعمة الأمريكية، ومنها الآتي:
1- التشكيك في القيم الديمقراطية: تبنى الرئيس ترامب خطاباً سياسياً يشوه المؤسسات الإعلامية، ويقوض الثقة في الانتخابات الأمريكية مثلما حدث في عام 2020؛ مما نال بالسلب من صورة الولايات المتحدة كبلد يجسد تقاليد راسخة للانتقال السلمي للسلطة. وبعد تنصيبه رئيساً للمرة الثانية في يناير 2025، استمر ترامب في انتهاج السياسات ذاتها التي تنعكس سلباً على مصداقية الولايات المتحدة وقيمها الليبرالية؛ وهو ما ظهر مثلاً في التضييق على الحريات الأكاديمية والدخول في صدام مع بعض الجامعات الأمريكية.
2- تراجع واشنطن عن التزاماتها الدولية: بدت الولايات المتحدة كحليف دولي غير موثوق به، عبر تشكيك ترامب في جدوى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والهجوم على حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومطالبتهما بدفع مقابل أكبر للحماية الأمريكية، فضلاً عن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية خلال ذروة انتشار وباء كورونا.
وفي ولايته الرئاسية الثانية، أعلن ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ بالرغم من تهديدات التغير المناخي، وكذلك الانسحاب من منظمة اليونسكو، فضلاً عن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). كما أطلق ترامب تصريحات غير ودية تجاه حلفاء تقليديين مثل الدنمارك وكندا، وأيقظ المخاوف في أمريكا اللاتينية عبر تهديد بنما ثم فنزويلا. كذلك أدى إفراط ترامب في سياسات الحمائية التجارية إلى جعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها شريك اقتصادي غير موثوق به.
وللتدليل على الضرر الذي ألحقته سياسات الرئيس ترامب بالقوة الناعمة الأمريكية، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز (YouGov) في فبراير 2025 أن شعبية الولايات المتحدة قد انخفضت في سبع دول أوروبية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والدنمارك والسويد وإسبانيا وإيطاليا بنحو 8% منذ نوفمبر 2024 لتصل إلى 34%. وفي استطلاع رأي آخر أجرته (Le Grand Continent) في مارس 2025، كان ترامب ثاني قائد يحظى بأقل قدر من الثقة بين 13 قائداً سياسياً، بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما رأى 70% من المبحوثين أنه يجب على أوروبا الاعتماد على قوتها الذاتية لضمان أمنها، مع تراجع نسبة من يثقون بمصداقية الولايات المتحدة كشريك قادر على الدفاع عن أوروبا إلى 10% فقط.
ركائز القوة الناعمة الصينية:
ظهر مصطلح القوة الناعمة لأول مرة في الصين في الخطاب السياسي الرسمي عام 2007، حين تحدث الرئيس السابق، هو جنتاو، في المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي، عن أهمية تعزيز القوة الثقافية الناعمة للصين. ويعمد الرئيس الحالي، شي جين بينغ، إلى التشديد على أهمية القوة الناعمة من خلال استدعاء المفهوم في العديد من اللقاءات والخطابات الرسمية، والتي تفصح عن إدراك متزايد لأهميته في تطور الصين كقوة عظمى، وضرورة تحسين القوة الصلبة في بُعديها العسكري والاقتصادي بالتوازي مع الارتقاء بالقوة الناعمة التي تقوم على القيم والأفكار والثقافة.
ويكشف تقصي السجالات الفكرية للأكاديميين الصينيين أن القوة الناعمة للصين ترتكز على عدد من المصادر والمقومات، من أهمها الإرث الحضاري الصيني، وثقافتها وما تحفل به من قيم مثل: احترام المجتمع، والتكامل ونبذ الشقاق، والتناغم الداخلي، واستيعاب الاختلافات. ويضاف إلى ذلك، خصوصية النموذج التنموي الصيني وجاذبيته للدول الفقيرة، بما يمنحه من أولوية للتنمية الاقتصادية والابتكار.
كما تسعى الصين إلى تعزيز قوتها الناعمة من خلال أدوات متعددة، منها ما يلي:
1- تبني سياسة خارجية نشطة: تشدد المقاربة الصينية على ضرورة أن تبدو سياستها الخارجية مشروعة وذات طابع أخلاقي، مع إبداء استعدادها لتسوية بعض النزاعات الحدودية مع جيرانها. إضافة إلى ذلك، هناك تنامٍ في عدد المؤسسات الدولية والإقليمية التي تشغل الصين عضويتها، كما أصبحت بكين منذ نهاية التسعينيات مشاركاً نشطاً في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفي الوقت الحالي تُعد الصين أكبر دولة مساهمة بقوات حفظ السلام من بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما يعزز صورتها كفاعل دولي مسؤول.
2- التركيز على المكاسب الاقتصادية المشتركة: يكون ذلك من خلال عقد الصفقات التجارية، ومشاريع البنية التحتية مع الدول الأخرى. وفي هذا السياق، تبرز مبادرة “الحزام والطريق” التي تسعى إلى تعزيز الترابط الاقتصادي مع العديد من دول آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر شبكة واسعة من مشاريع النقل والمواصلات والاتصالات. وتتسم برامج المساعدات الاقتصادية للصين بأنها تُمنح دون مشروطية اقتصادية أو سياسية.
3- نشر الثقافة الصينية: تشهد الصين في السنوات الأخيرة توسعاً ملموساً في جهود نشر ثقافتها عبر معاهد كونفوشيوس التي يبلغ عددها أكثر من 500 معهد حول العالم. كما أدرجت أكثر من 80 دولة اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، ويبلغ إجمالي عدد الأجانب الذين يتعلمون اللغة الصينية ويستخدمونها نحو 200 مليون شخص. ولا تزال جامعات الصين تُمثل وجهة تعليمية رئيسية للطلاب الأجانب، ولا سيّما من دول آسيا وإفريقيا، وإن كانت مكانتها كوجهة تعليمية لا تزال أقل من الجامعات الغربية.
مكاسب نسبية لبكين:
يثور التساؤل حول مدى قدرة الصين على الاستفادة من التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية. وبالرغم من أن الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ فإن قدرتها على ابتكار منتجات ثقافية مؤثرة خارجياً لم تكن حتى وقت قريب متناسبة مع صعودها الدولي. لكن تغيرات كبيرة تحدث؛ إذ تشهد الصين ثورة في الإنتاج الترفيهي، ومن أمثلتها دمية “لابوبو” (Labubu) التي رفعت القيمة السوقية لشركة “بوب مارت” بنسبة 400%، وسلسلة مطاعم “ميكسوي” (Mixue) التي انتشرت في جنوب شرق آسيا.
وقد أظهر استطلاع رأي لمركز “بيو” الأمريكي للأبحاث في 25 دولة، نُشرت نتائجه في يوليو 2025؛ أن الغالبية ما تزال تنظر بإعجاب أكبر إلى الولايات المتحدة مقارنةً بالصين؛ ولكن الفجوة بين البلدين آخذة في الانحسار. وتراجعت التقييمات الإيجابية للولايات المتحدة. ففي كندا مثلاً، انخفضت نسبة الاستحسان للولايات المتحدة بمقدار 20%، بينما حققت الصين مكاسب هامشية.
وبالرغم من تحسن صورة الصين نسبياً في عام 2025 مقارنةً بفترة ما بعد “كوفيد-19″؛ فإن 54% من المبحوثين في الدول الـ25 يحملون صورة سلبية عنها، و66% لا يملكون ثقة كبيرة في قدرة الرئيس شي على معالجة الأزمات الدولية. ومع ذلك، فإن الذين يبدون ثقة أقل في ترامب فيما يتعلق بالأزمات الاقتصادية أكثر ميلاً إلى إقامة علاقات اقتصادية أقوى مع الصين. وفي دول مثل الأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا، تميل قطاعات واسعة إلى رؤية الولايات المتحدة كمصدر تهديد للمصالح القومية، بينما تُعد الصين حليفاً رئيسياً في دول مثل جنوب إفريقيا وإندونيسيا. وتُقدم الصين نفسها كشريك لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو خطاب يجد صدىً إيجابياً في عدة دول نامية؛ لكن سمعتها تبقى سلبية في أوروبا وبعض الدول الآسيوية بسبب المخاوف الأمنية.
تحديات أمام الصين:
على الرغم من التحسن النسبي في صورة الصين في العديد من دول العالم؛ فإنها تواجه عدة تحديات قد تحدّ من تعزيز قوتها الناعمة، أهمها ما يلي:
1- الضعف النسبي لوسائل الإعلام الصينية مقارنةً بالنفوذ الواسع للإعلام الغربي؛ إذ لا تزال وكالة “شينخوا” عاجزة عن تحقيق تأثير يماثل تأثير المنافذ الإعلامية الأمريكية الكبرى.
2- طبيعة النظام السياسي الصيني الذي يفرض رقابة على المحتوى الثقافي؛ مما يُصعّب عملية الابتكار. وعلى الرغم من تشجيع الحزب الشيوعي الحاكم للابتكار؛ تظل هناك قيود تفرضها الحكومة، وتؤثر في عملية الإنتاج.
3- عجز بكين عن تقديم بديل جدي لقيادة النظام العالمي أو التعامل الفعّال مع الأزمات الدولية؛ ما يجعل كثيراً من استطلاعات الرأي تشكك في قدرتها على خلافة واشنطن.
ختاماً، يمكن القول إنه مع التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية، تبدو الصين شريكاً أكثر موثوقية في نظر كثيرين، إلا أن ذلك لا يجعلها القائد العالمي غير المنازع في مجال القوة الناعمة. كما أن بكين قلّصت مساعداتها التنموية للدول النامية بسبب الضغوط الاقتصادية الداخلية، وتفاقم الديون في دول “الحزام والطريق”. وتدل الخبرة التاريخية على أن القوة الناعمة للولايات المتحدة شهدت فترات من الازدهار ثم الانحسار، كما حدث بعد حرب فيتنام. ومع أن استعادة أسس القوة الناعمة بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية قد تكون عملاً مكلفاً؛ فإن الديمقراطية الأمريكية ذات التقاليد الراسخة ستظل قادرة على التعافي، بما يجعل استعادة تلك القوة أمراً ممكناً.