الشمس أيضا تمتلك دوامات قطبية شبيهة بالأرض
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
في اكتشاف رائد، وجد باحثون دليلا على أن الشمس، مثل الأرض، قد تحتوي على دوامات قطبية دوارة. لكن على عكس تلك التي توجد في أجواء الكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي، تتشكل دوامات الشمس بفعل الحقول المغناطيسية القوية.
وتسلط هذه النتائج، التي نشرت يوم 11 نوفمبر في مجلة (بي إن إيه إس)، الضوء على السلوك المغناطيسي للشمس وقد تحسن فهمنا لدوراتها الشمسية وتوقعات الطقس الفضائي.
تعرف الدوامات القطبية بأنها أعمدة دوارة من الهواء، وقد وثقت بشكل جيد على الأرض والكواكب الأخرى. ففي الأرض، تؤثر الدوامات القطبية على أنماط المناخ، حيث تساعد على حصر الهواء البارد بالقرب من القطبين ولا تسمح له بالاندفاع نحو خطوط العرض الدنيا إلا عندما تضعف تلك الدوامات.
توضح المؤلفة الرئيسية للدراسة "ماوسومي ديكباني" – الباحثة في فيزياء الغلاف الجوي في المركز الوطني الأميركي لأبحاث الغلاف الجوي، بالولايات المتحدة، أن هذه الظاهرة لوحظت على كوكب المشتري، حيث التقطت مهمة "جونو" التابعة لوكالة ناسا صورا لـ8 دوامات قطبية ضيقة عند القطب الشمالي و5 دوامات عند القطب الجنوبي. كما كشف المسبار "كاسيني" التابع لوكالة ناسا عن دوامة سداسية الشكل عند القطب الشمالي لكوكب زحل.
وتقول "ديكباني" في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "ورغم شيوع الدوامات القطبية عبر الأجرام السماوية، فإن الشمس تتميز ببيئة سائلة من البلازما والحقول المغناطيسية القوية والتي تجعلها فريدة من نوعها".
وتضيف أنه ورغم هذا الاكتشاف المثير، لم يتم بعد رصد قطبي الشمس بشكل مباشر. لذلك، يعتمد البحث حاليا على محاكاة حاسوبية معقدة لفهم ما قد يحدث في هذه المناطق الغامضة.
استخدم فريق البحث المحاكاة للكشف عن نمط محتمل للدوامات القطبية الشمسية، مما يوفر رؤى مهمة حول كيفية تأثير الحقل المغناطيسي للشمس على تكوينها. وقالت "ديكباني": "لا أحد يستطيع الجزم بما يحدث عند قطبي الشمس، لكن هذا البحث الجديد يمنحنا نظرة مثيرة لما قد نجده".
في المحاكاة، تتشكل حلقة من الدوامات القطبية حول خط عرض 55 درجة -ما يعادل تقريبا الدائرة القطبية الشمالية على الأرض- مع اقتراب الشمس من أقصى نشاطها الشمسي، وهو نقطة في الدورة الشمسية حيث تتغير أقطابها المغناطيسية.
وفي أثناء هذا "التدفق نحو القطبين"، تتحرك الحقول المغناطيسية ذات القطبية المعاكسة نحو قطبي الشمس، وتتفاعل مع حلقة الدوامات وتعيد تشكيلها. وعند ذروة الدورة الشمسية، تضيق هذه الحلقة لتترك بضع دوامات بالقرب من الأقطاب، ثم تختفي وتظهر مجددا في الدورة التالية.
تعتقد المؤلفة الرئيسية للدراسة أن هذا الاكتشاف يوفر رؤى جديدة قد تساعد في تحديد التوقيت المناسب للبعثات الشمسية المستقبلية. وتشير "ديكباني" إلى أن الدوامات القطبية تكون مرئية فقط في مراحل معينة من الدورة الشمسية، مما يجعل توقيت عمليات الرصد أمرا حاسما.
"يمثل هذا البحث تقدما كبيرا في علم دراسات الشمس، ويمهد الطريق لفهم أسئلة أساسية حول المغناطيسية الشمسية ودوراتها" كما أوضحت الباحثة.
ومن خلال بعثات مثل المسبار الشمسي "سولار أوربيتر"، وهو مشروع مشترك بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، يأمل العلماء في مراقبة الأقطاب الشمسية والتحقق من النماذج التي تتوقع دوامات قطبية.
ويمكن أن تتيح هذه البعثات فرصة لتأكيد وجود الدوامات القطبية، وربط النشاط المغناطيسي الشمسي بظواهر أوسع، مثل الطقس الفضائي الذي قد يؤثر على الأرض، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع المركز الوطني الأميركي لأبحاث الغلاف الجوي.
وتؤكد النتائج على ضرورة توفر ملاحظات متعددة النقاط للشمس، مما يمكن العلماء من اختبار فرضياتهم وصقل توقعاتهم حول سلوك الشمس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
أعيدوا «الأمبا» الساجد على الأرض !
فـي طريق عودتي من صحار، وبينما الشمس المُلتهبة فـي كبد السماء، شاهدتُ عددا من سيارات «البيك آب» تُحاذي الشارع العام على امتداده، سيارات مُعبأة بثمر «الأمبا»، فقررتُ أن أقف عند إحداها. سألتُ الشباب عن مصدر «الأمبا» فقالوا لي: «من شناص وصحار وصحم». ثم راقبتُ الحبّات التي انتقاها وهي تغلي بين يديه من شدة السخونة حتى استوت قشرتها الخارجية، فأفصحتِ الرائحة المُترفة بالعصارة عن نفسها. راقبتُ العروق النافرة فـي جبهة الشاب الصغير وعنقه، والاحمرار على يديه ووجنتيه، جرّاء الشمس التي يصطلي جسده تحتها النهار بطوله لقاء ريالات قليلة!
وآنذاك نظرتُ إلى الأمر من زاويتين، الأولى: تتعلقُ بالشباب الذين يجلسون لساعات طويلة فـي ظروف غير إنسانية، فـي انتظار زبون مُفترض، دون بنية أساسية تسويقية أو مردود مالي مُستدام! والآخر: يتعلقُ «بالأمبا» الذي يفقدُ بعض خصائصه خارج الظروف الملائمة، لرقة طبقته الخارجية وقلبه الرخو!
فـي العيد الفائت، زرتُ زوجين مسنين، وما إن دخلتُ بيتهما حتى طالعتني خمسُ شجيرات «أمبا» تتعالى إلى ارتفاع مُذهل، وتفرشُ الأرض بثمر ذهبي يانع. طلب المُسنان مني برجاء أن أجمع منه قدر حاجتي، فانتابني شعور بالأسى للكمية المُهدرة. قالت الزوجة: «إنّه فوق حاجتنا ولدى جيراننا ثمرهم أيضا، وغالبا ما يهمدُ الأمبا تحت أمّه». كان من ألذ ما ذُقت، حلاوة محلية معجونة بأيام طفولتي، مذاقٌ لا يُوازيه ثمر السوق بشيء.
آلمني ما آلت إليه مزارع الباطنة، تلك التي كانت على امتداد البصر، نركضُ بين جنباتها وكأنّها لا نهائية الامتداد. كانت الأفرعُ تنوءُ بأحمالها فنراه ساجدا يلمسُ الأرض، نجمعه فـي كراتين خشبية، يمضي بها جدي إلى السوق. يبيعُ بعضها ويعود ببعضها دون أن يُمس، فـيضعُ فـي يد كل واحد منا بعض وريقات من فئة المائة بيسة، ما يدفعنا لفرح غير محدود، كمن امتلك على نحو مُفاجئ ثروة.
ولا أدري حقا أين اختفت تلك الوفرة؟ فقدتْ التربة معادنها ودخلتْ الملوحة إلى آبارنا، فقتلت مزارعنا، وضاعف المأساة طمع الوافدين الذين أغرقوها بشوالات الكيماوي! فعندما كبر الفلاحون فـي السن، تخلى الأبناء عن أدوارهم فـي سبيل كسب سريع، كما اقتطعت المساحات الخضراء لمزيد جبروت الإسمنت!
ورغم وجود الكثير من أنظمة الري الحديثة التي تُقنن الاستهلاك، وتُرينا الطرق الآمنة للقضاء على أمراض الأشجار وعِلاتها، وكيفـية استعمال الأسمدة وتقنين المُبيدات الضارة.. وقبل هذا وذاك لدينا رأس المال البشري، وأعني الطلبة الذين تخرجوا من تخصصات الزراعة الذين يتسابقون على مقاعد الوظائف الحكومية -ولا أحد يلومهم بالتأكيد- فمشاريع من هذا النوع تتطلب وجود استراتيجية مدروسة ومدعومة من قبل الدولة!
إلا أنّه من الضرورة بمكان أن نخرج من دائرة البيع الفردي العشوائي، والمؤطر بفكرة محدودة تدعو «لستر الحال»، لندخل منظومة مُغايرة تجعلهم -أي الشباب- ينظرون لأنفسهم كرواد أعمال لا مجرد باعة متضائلين وشديدي الهشاشة!
قد تثيرُ «موسوعة المانجو العُمانية» التي وثقت تاريخ هذه الشجرة فـي عُمان والعالم وحفظت أصنافها، بمشاركة أكثر من ٦٠ دولة، وفريق بحث عالمي ضمّ ٣٥٠ خبيرا، واستغرق العمل عليها عشر سنوات، عديد الأسئلة، أهمها: كيف يمكننا ربط المعرفة النظرية بالتحولات التي تُصيب الزراعة فـي عُمان؟ كيف نُخرج زراعة المانجو من واقعها الفلكلوري التقليدي إلى قطاع إنتاجي مُتقدم -على الأقل لتغذية السوق المحلي- لنصبح إزاء خريطة زراعية ذكية متكاملة؟
فهي -وإن بدت ثمرة موسمية- يمكن أن تستثمر طوال العام عند تحويلها لعصائر ومربى ومخللات وأشياء أخرى. ويمكن للتقنيات الحديثة الآن أن توفر فرصا ترويجية عالية التأثير عبر صفحات «السوشيال ميديا»، فتخرج من المزارع المُجهزة بمخازن التبريد إلى الجهات المقصودة فلا تفقد الثمرة مذاقها الطازج.
يمكن لهذه الثمرة أن تضيف لاقتصادنا بُعدا غير مرئي، فتطبع هوية المكان على نحو ما يحدث فـي الجبل الأخضر مؤخرا، والذي بتنا نراه غير منفصل عن مفردات من قبيل: «ورد، رمان، عنب».
دعونا لا نتحدث فـي الخطوة الأولى عن «التصدير» العربي والعالمي، نريد أولا وقبل كل شيء أن نرى «الأمبا» العُماني فـي سوقنا المحلي مُنافسا كل «الأمبا» المستورد، مُبردا ومخزنا بطريقة آمنة، ليغدو «خيارنا الأول»، فلا نرى شابا عُمانيا تحت فوهة الجحيم ولا نرى ثمارا مُهدرة على الأرض!
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير «نزوى»