ليست 54 سنة.. إنها قرون طويلة جدا
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
أعادتني رسائل تهنئة بعث بها أصدقاء من دول عربية يهنئون عُمان بمناسبة عيدها الوطني جاء في بعضها أن منجزات سلطنة عمان كبيرة جدا مقارنة بتاريخ تأسيسها قبل «54» سنة فقط!.. أقول أعادتني تلك الرسائل ـ وأنا أصحح للأصدقاء أن هذا الرقم يحتاج إلى إضافة عدة أصفار على يمينه حتى يستطيع أن يحيط بعمر عُمان الضارب في أعماق التاريخ ـ إلى ما كتبته مغردة عمانية معروفة قبل حوالي ثماني سنوات وهي تصحح لقناة تلفزيونية «خليجية» كتبتْ في سياق بث مباشر كان يغطي قمة مجلس التعاون في تلك السنة أن سلطنة عُمان تأسست سنة 1971، وسارعت المغردة بالرد على تلك القناة على موقع تويتر مطالبة منها الاعتذار فورا وتصحيح الخطأ؛ فسلطنة عمان، كما كتبت، لم تتأسس سنة 1971 بل سنة 1970!
أفهم جيدا الدلالة الوجدانية التي تعنيها سنة 1970 عند العمانيين، واللبس الحاصل بين عمر «النهضة» التي قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وبين العمر الحضاري لعُمان الذي يمتد لآلاف السنين من الحضور الإنساني الفاعل في سياق الحضارات الإنسانية، وعمر النظام السياسي الذي ما زال قائما إلى اليوم؛ وربما كان سبب اللبس هو وجود رقم «54» إلى جوار العيد الوطني ما يجعل البعض يعتقد أن هذا الرقم يمثل عمر الدولة كما هو الحال عند بعض الدول التي تأسست حديثا بالفعل.
عُمان التي تحتفل بعد غدا بعيدها الوطني ليست وليدة التحولات السياسية التي حدثت في المنطقة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أو حتى في القرن العشرين الذي شهد تغيرات جذرية في حدود المنطقة، وليست وليدة جريان النفط، إنها كيان حضاري قديم ضارب في أعماق التاريخ يقدره بعض دارسي التاريخ بحوالي عشرة آلاف سنة، كانت عُمان فيه حاضرة بفاعلية، ومساهمة في الحراك الإنساني الذي صنع اللحظة التي تعيشها البشرية اليوم. وهذا ليس كلاما من أجل بناء الروح المعنوية عشية العيد الوطني إنه حقيقة تاريخية لها أسسها ولها جذورها ولها حقائقها المكتوبة في المدونات ومنقوشة على الصخور الصلدة ولها، أيضا، مرجعياتها الآثارية التي يعرفها أهل الآثار والتاريخ.. ومن يعد إلى المدونات القديمة السومرية والأكادية والأغريقية والفرعونية وكل الحضارات الإنسانية القديمة يستطيع أن يفهم التواصل الذي كان بين عُمان وبين تلك الحضارات، والتفاعل الإيجابي الذي كان بينها.. وعندما جاء الإسلام وبعث الرسول الكريم برسالة إلى أهل عُمان بعثها إلى ملكيها عبد وجيفر ابني الجلندى يقول في تلك الرسالة: «إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما إن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما». كانت عُمان في تلك الفترة البعيدة قد أصبحت كيانا سياسيا له حدوده وتقاليده، وخاطبه الرسوم الكريم على هذا الاعتبار فلم تكن الرسالة إلى قبيلة من قبائل العرب أو حي من أحيائه بل إلى «مملكة» قائمة تحولت من القبيلة إلى «الدولة» وهذا التحول يأخذ فترة زمنية طويلة نسبيا ما يعني أن الكيان الحضاري العماني كان في ذلك الوقت قد أكمل مسيرة طويلة جدا.
نحتاج اليوم إلى تكريس هذا الفهم ليس للأجيال العمانية الشابة فقط ولكن للعالم أجمع فهذا السياق بكل معطياته هو مفردة من مفردات القوة الناعمة التي تمتلكها عُمان، وتاريخها الذي تشابك مع الكثير من التحولات التي جرت عبر التاريخ الإنساني مصدر إلهام للجميع إذا ما استطعنا أن نوصله للعالم الذي يعتقد الكثيرون فيه أن منطقة الخليج هي وليدة طفرة النفط! حتى أن الدلالة التي تعنيها «دول الخليج» بالنسبة للغرب هي الدول التي تأسست نتيجة ظهور النفط، وهذا فهم خاطئ للتاريخ، ورؤية عامة جدا له ولا بد أن تتغير وهذا التغير يبدأ من الداخل، من قناعاتنا وخطاباتنا.
ويجدر بنا أن نقرأ ونفهم جيدا ما قاله حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في خطابه في شهر فبراير من عام 2020 حيث قال «لقد عرف العالم عُمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كيانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال على إعلاء رايتها وتحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره، معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري وأمانتنا التاريخية». هذا النطق السامي ينصف عُمان ويضعها في السياق التاريخي الذي تستحقه.. وعلينا أن ننطلق جميعا منه لتكريس عراقة عُمان التاريخية وبناء الصورة التي نريد للعالم أن يعرفها عن عُمان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
برقبة طويلة وأسنان قوية.. تحديد جنس جديد وغريب من الإلاسموصورات
بعد عقود من الغموض، حدد العلماء جنسا جديدا من الإلاسموصورات البحرية -وهي زواحف بحرية عملاقة عاشت خلال عصر الديناصورات- يدعى "تراسكاسورا ساندراي"، تميز بخصائص لم تر من قبل في أي من أبناء فصيلته، إذ كان يملك رقبة طويلة وأسنانا قوية تكشف عن أسلوب صيد فريد.
ووفقا للدراسة التي نشرت في 23 مايو/أيار في مجلة "جورنال أوف سيستيماتك بالينتولوجي"، عثر على حفريات هذا المخلوق عام 1988 في جزيرة فانكوفر، وأصبحت لاحقا الأحفورة الرسمية لمقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا.
يقول قائد فريق البحث في الدراسة "روبن أوكيف" أستاذ الحفريات البحرية بجامعة مارشال في ولاية فرجينيا الغربية بالولايات المتحدة: "لطالما عرفت حفريات الإلاسموصورات في كولومبيا البريطانية، لكن هوية الكائن الذي ترك تلك العظام كانت غامضة. بحثنا الجديد يحل هذا اللغز أخيرا".
ويضيف في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "هذا الكائن غريب جدا، الكتف وحده لا يشبه أي نوع من الزواحف البحرية الضارية، رأيته في حياتي، وقد رأيت الكثير. نحن نتحدث عن تصميم تشريحي مدهش حقا".
ويلفت الباحث إلى أن تراسكاسورا ساندراي يمتلك مزيجا فريدا من السمات البدائية والمتطورة، ما يجعل تصنيفها ضمن الإلاسموصورات تحديا علميا استمر لعقود.
إعلانويوضح "أوكيف" أنه رغم أن الحفريات تعود إلى 85 مليون سنة مضت، إلا أن أول اكتشاف لها يعود إلى عام 1988، حين عثر الزوجان مايكل وهيذر تراك على الهيكل العظمي الأول على ضفاف نهر بانتليدج بجزيرة فانكوفر.
وبحلول عام 2002، بدأ العلماء بوصف الحفريات، لكنهم ترددوا حينها في إعلان جنس جديد بسبب قلة البيانات. إلا أن الاكتشافات اللاحقة، بما في ذلك هيكل عظمي جزئي محفوظ بشكل ممتاز لكائن يافع، ساعدت الفريق على اتخاذ القرار الجريء بإعلان هذا التصنيف الجديد.
في عام 2023، أُعلن رسميا أن هذا الإلاسموصور هو "الحفرية الرمزية" لمقاطعة كولومبيا البريطانية، بعد تصويت شعبي حصل فيه على 48% من الأصوات. واليوم، يعرض هيكله في متحف كورتني ومركز علم الحفريات.
ويعلق "أوكيف" قائلا: "من الرائع أن يكون للمحيط الهادي الشمالي الغربي أخيرا زاحف بحري مميز من العصر الطباشيري. هذه المنطقة، التي تشتهر اليوم بثروتها البحرية، كانت موطنا لمخلوقات بحرية مذهلة وغريبة في عصر الديناصورات".
وتشير الدراسة إلى أن تراسكاسورا كان يصطاد من الأعلى، إذ تمكن من الغوص نحو الأسفل مستخدما رقبته الطويلة وأطرافه القوية للانقضاض على فرائسه، التي يعتقد أنها كانت الأمونيتات، وهي كائنات بحرية ذات أصداف حلزونية كانت شائعة في تلك الحقبة السحيقة.
يقول "أوكيف": "تظهر أسنان هذا الكائن أنها كانت قوية بما يكفي لسحق أصداف الأمونيتات، ما يدل على سلوك افتراسي متخصص تطور بشكل متقارب مع أنواع أخرى في أماكن بعيدة، مثل القارة القطبية الجنوبية".