قال أ.د أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن مؤتمر «الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري رؤية واقعية استشرافية»، يبرز دور الأزهر الشريف في إعادة صياغة الحوار الحضاري البناء المستند إلى تعاليم الإسلام السمحة التي يقوم عليها الحوار الراقي، والتي تسهم في تحقيق العدالة والمساواة بين جميع البشر على اختلاف شرائعهم وألوانهم وأجناسهم، مؤكدا أن الحضارة الإسلامية التي أرسى دعائمها النبي صلى الله عليه وسلم، قامت على أساس الحوار الفكري البناء، وانطلقت برسالة سامية تقوم على العدل والإنصاف، من خلال الحوار الراقي، بعيدًا عن التشدق والتعصب الأهوج.


وأكد عضو هيئة كبار العلماء، خلال المؤتمر الدولي الرابع لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، والذي جاء بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية، أن الأزهر الشريف، باعتباره مؤسسة عالمية، له رسالة سامية، يحثنا جميعاً أن نتحمل مسؤوليتنا، وأن نعمل جاهدين على تنمية الوعي، وتصحيح المسار، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، في كل الميادين وكل الساحات.

 

وأوضح الدكتور أحمد عمر هاشم، أن العالم اليوم يشهد انحرافًا صارخًا عن القيم الإنسانية التي أرسى دعائمها الإسلام، مما يستدعي منا جميعًا العودة إلى جذورنا الإسلامية الأصيلة، لنستلهم منها قيم التسامح والعدل والرحمة التي تميزت بها حضارتنا، وعلينا أن نذكر العالم أن الإسلام دين سلام، سيما وأن كلمة السلام ليست كلمة عابرة؛ وإنما هي خارطة طريق لبناء مجتمعات عادلة قائمة على التآخي والمحبة بين أفرادها، حيث يتعاون الجميع لبناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة، بدل من أن نورثهم الصراعات والخلافات.

وبيّن «هاشم»، أن أبشع صور الانحراف الحضاري للإنسانية، في عصرها الحديث، ما يحدث على أرض فلسطين من مجازر وإبادة جماعية، تمارس كل يوم في حق الأبرياء، والسبب فيها هي أن عدونا لا يعرف الحوار ولا يريد السلام، وإنما هو عدو متعطش للدماء، وسيحاسب التاريخ كل من صم آذانه، وأعمى عينه عن هذه الوحشية التي تنهش كل يوم في جسد الأبرياء، ولم يتخذ خطوة لوقفها، قائلا: "نقول لإخواننا المجاهدين في فلسطين عليكم بالصمود والثبات لأنكم تواجهون عدوا لا يعرف لغة الحوار، وأعلموا أن العاقبة للمتقين».

وطالب عضو هيئة كبار العلماء، بضرورة أن يكون هذا المؤتمر نقطة انطلاق لتصحيح أوضاع فسدت في المجتمعات، لأن الحضارة الإسلامية حضارة عمل وإنتاج، لا حضارة كسل وفتور، وأن نرفع نتائج هذا المؤتمر وتوصياته للمسؤولين في الداخل والخارج، حتى تعلم الدول التي تتشدق بالديمقراطية، وتتيقن أن الحوار العادل والمنصف هو السبيل الوحيد لحل المشكلات التي تواجه الحضارة الإنسانية التي لطختها يد الصهاينة بدماء الأبرياء.


وتنظم كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر هذا المؤتمر، انطلاقا من إيمانها الراسخ بضرورة مناقشة التحديات الفكرية والثقافية التي تواجه العالم الإسلامي، والسعي صياغة منهج فكري منضبط، لتعزيز سبل الحوار الحضاري الذي يتناسب مع دعوة الإسلام ويتماشى مع منهجه الوسطي، لترميم جسور التواصل الثقافي والاجتماعي.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: احمد عمر هاشم

إقرأ أيضاً:

حوار الحضارات في ظل الصراع

في عام 2024 تقدمت جمهورية الصين الشعبية بطلب إلى الأمم المتحدة بشأن اعتماد العاشر من يونيو من كل عام يوما دوليا للحوار بين الحضارات، بتأييد من أكثر من ثمانين دولة مثَّلت أعضاء المنظمة؛ لما للحوار من أهمية قصوى في ظل الصراعات التي يشهدها العالم اليوم، وحالات عدم الاستقرار التي أصبحت تتعاظم في زمن حلَّت فيه القوة محلَّ الحوار والسلام والتفاهم.

إن هذه الدعوة إلى تخصيص يوم للحوار بين شعوب العالم وأُمَمه تؤكد أهمية حماية كرامة الإنسان وحقوقه؛ فالحوار يعزِّز قيمة التنوُّع الثقافي، وقدرته على بناء مجتمعات يسودها الاحترام والتفاهم، وتقدير مفاهيم الأديان والمعتقدات والفكر الإنساني وقيمه؛ لأنه ينبني على التشاور المشترك، والتفاعل الثقافي، والقدرة على التكيُّف مع الآخر باعتباره فكرا له إنسانيته، واستقلاليته المعرفية.

ولهذا؛ فإن حوار الحضارات يقدِّم نفسه باعتباره مجالا للتكيُّف مع الأفكار المخالفة، والتعامل مع التنوُّع الثقافي والديني وحتى السياسي؛ فالتنوُّع إحدى النعم التي تعبِر عن أهمية التواصل الحضاري بين الشعوب والمجتمعات، والتبادل المعرفي على كافة المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية. إن الحوار يشكل بنية أساسية لمواجهة التحديات خاصة في العصر الحالي الذي تزداد فيه الصراعات سيما على المستوى السياسي والاقتصادي. وبالتالي؛ فإن بناء جسور من العلاقات الإنسانية الدولية، وترسيخها بالانسجام والترابط سيولِّدان وعيا على المستوى المحلي والدولي بالقيمة المرجعية للحوار في ظل تلك الأزمات.

يؤسِّس الحوار بيئة تنموية قادرة على تحسين العيش في المجتمعات، وتنمية الابتكار من خلال التبادلات التقنية، والاستثمار الدولي المشترك، والاستفادة من الموارد الطبيعية، والخبرات البشرية المهارة، الأمر الذي يُسهم مباشرة في تطوير آفاق التنمية المجتمعية، ويساعد على تحقيق الأهداف الوطنية للبلدان؛ فالحوار يتجلى في العديد من التبادلات والتعاونات التعليمية، والثقافية، والاقتصادية، وغيرها من المجالات التي تدعم الانسجام بين شعوب العالم، ومجالات الترابط والتواصل.

وعلى الرغم من أهمية الحوار في ظل الانفتاح، والتسارع المعرفي؛ إلاَّ أن العالم يعيش مجموعة من المفارقات على المستوى العالمي من حيث التطورات الهائلة المرتبطة بالثورة التقنية والمعلوماتية، والتطورات في اقتصاديات المعرفة، والطاقات البديلة والدعوات الدولية إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها، وتوحيد الأسواق العالمية، وتجاوز الحدود وغيرها. ومن جهة أخرى سنجد ذلك التصدُّع الفكري المتطرِّف، وصراعات القوى العسكرية والاقتصادية التي تزداد تفاقما كلما تعاظمت المصالح المتضادة، وتوحدَّت القوى الكبرى الغاشمة ضد القوى المستضعفة.

فهذه التناقضات على المستوى العالمي - أو فلنقل: الاتجاهات المتقابلة في الرؤى - تقدِّم تبريرا أساسيا لأهمية الحوار، والدعوة إلى السلام والتفاهم والنقاش؛ لإيجاد حلول تحمي حقوق الإنسانية، وتدعم تنمية المجتمعات ورفاهها. فالحوار يربط بين شعوب العالم، ويُسهم في تحقيق الأهداف التنموية الوطنية والعالمية، ويجسِّد منهج التوسط، والتوازن، والاعتراف بالمجتمع الدولي القائم على العدالة.

إن الصراعات السياسية والاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم لا تكشف عن وعي المجتمعات والأمم بأهمية الحوار الحضاري، ولا تنم عن العقلانية التي يفترض أن يتحلى بها عالم القرن الحادي والعشرين في ظل التطورات التقنية والإمكانات المعرفية التي يتميَّز بها، وقدرة دول العالم على تبني مفاهيم تطويرية لمجتمعاتها قائمة على التبادل والتفاهم، وتجاوز آثار الإيديولوجيات المتطرِّفة، إلاَّ أنه في الواقع أن العالم بدأ يعج بالتحديات الناشئة عن التطرُّف الديني والسياسي والاقتصادي الذي يجب على المجتمعات مواجهته من خلال ترسيخ مبادئ الحوار، وقيم المساواة والعدالة لأفراد المجتمع.

ولقد رسَّخت عُمان مبادئ الحوار منذ قديم الأزل وها هي اليوم تسعى جاهدة من خلال العديد من المبادرات والمواقف الإنسانية الراسخة القائمة على الدعوة إلى الحوار والتفاهم والسلام ومبادئ التعايش؛ إذ حرصت على بناء جسور من علاقات الأخوة والصداقة بينها وبين دول العالم، وعزَّزت التعاونات الدولية من خلال مذكرات التفاهم، والاتفاقيات الدولية، والزيارات السلطانية التي تمثِّل نموذجا أصيلا من نماذج ذلك الحوار الذي يكشف الوعي الحكيم بأهمية تأصيل الحوار، وترسيخ التبادلات المشتركة القائمة على الاحترام، والدعوة إلى الاستقرار العالمي الداعم لتنمية المجتمعات ورفاه الشعوب.

إن عُمان من بين تلك الدول التي عُرفت بحكمتها، ودعوتها إلى السلام والإخاء، وما تقدمه من جهود سواء على مستوى معرض رسالة الإسلام الذي ينشر الوعي بالقيم الإنسانية، أو المعارض الثقافية والسياحية ، أو ما تقوم به سفينة شباب عمان باعتبارها رمزا إنسانيا داعيا إلى الحوار والسلام والتعايش، أو تلك المشاركات الفاعلة في المنظمات والمؤتمرات الإقليمية والعالمية ، أو ما يقوم به الإعلام العماني من برامج وثائقيات متنوِّعة متخصصة في الحوار الثقافي، والتعايش الفكري والحضاري، إضافة إلى جهود الدبلوماسيات الخارجية، وما تقدمه في سبيل تعزيز آفاق التعاون، والتبادل المشترك، والتأكيد على مبادئ الحوار والتفاهم بما يخدم الشعوب.

ولعل ما تبديه عُمان من مواقف راسخة ومبادئ ثابتة إزاء القضايا الإقليمية والدولية، والتأكيد على أهمية حماية كرامة الإنسان وحماية حقوقه المشروعة، واحدة من الأُسس التي تتبناها في ظل تباين العديد من المواقف القائمة على المصالح، خاصة والعالم يمر بحالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي جعلت الكثير من دول العالم من حالة من الارتباك، غير أن عُمان لم تحد عن مبادئها الراسخة التي استمدتها من يقينها الحضاري القائم على الفكر الثاقب، والثقة، والحكمة المستلهمة من هُويتها الوطنية الضاربة في القِدم.

فالحوار يُعدُّ أرضية مشتركة للعالم يتصدى من خلاله للكثير من التحديات العصيِّة الملحة، فمتى وِجد الحوار والنقاش انفتحت أبواب من التفاهم والتعايش والعدالة؛ إذ يُعزِّز السلم الذي ينشده العالم سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي. فهناك صراعات وحروب عسكرية واقتصادية وتقنية، وتوترات قائمة على الانغلاق والتطرُّف أبادت شعوبا، ودمَّرت مجتمعات، وأخرى تعج بالمجاعات والأوبئة والفقر. إنها حروب وصراعات لا منتصر فيها سوى الدمار والخراب، وتشرُّد الشعوب، وهذا ما نجده بوضوح في فلسطين، وسوريا، والسودان، حتى في أوكرانيا، ودول إفريقيا، وغيرها من دول العالم الواقعة تحت وطأة الصراعات والحروب.

فما أحوجنا اليوم للحوار الحضاري بين شعوب العالم، الحوار الذي تدعو إليه عُمان وغيرها من الدول الحكيمة التي تقدِّم المصلحة الإنسانية فوق المصالح كلها، وتجعل من حماية كرامة الإنسان وجوهره أصلا وغاية لا تحيد عنها. فكيف احتفل العالم احتفاله الأول باليوم العالمي للحوار الحضاري بينما هناك شعوب تُقتل، وأخرى تُشرَّد، وثالثة تفتك بها الأوبئة؟!

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تعلن تقليص برنامجها للمساعدات الإنسانية في العالم
  • وزير الثقافة يشهد عرض “كارمن” بمسرح الطليعة.. ويشيد بصناعه| صور
  • سلطان بن أحمد يشهد تخريج 284 طالباً في جامعة الشارقة
  • ماذا تعرف عن شركة رافائيل التي أعلنت إيران تدميرها في إسرائيل؟
  • هل العالمُ يتآمر على الإسلام والمسلمين؟
  • حوار الحضارات في ظل الصراع
  • سلطان بن أحمد: هنيئاً بتخرجكم وندعو المولى عزّ وجل أن يوفقكم
  • باكستان: نقف مع إيران بكل الوسائل وندعو لوحدة العالم الإسلامي لمواجهة إسرائيل
  • وزير الثقافة يشهد عرض سجن النسا .. صور
  • المسيلة.. 7 جرحى في انحراف سيارة واصطدامها بحاجز إسمنتي بحي أشبيليا