المبعوث الأميركي يصل السودان.. واشنطن تسابق الزمن نحو تسوية قبل مغادرة بايدن ..
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
وصل المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، إلى مدينة بورتسودان شرقي البلاد، الاثنين، في زيارة رسمية تستغرق يوماً واحداً، لمناقشة العديد من الملفات بين الأطراف المتنازعة في السودان، في إطار جهود إدارة الرئيس الرئيس الأميركي جو بايدن المكثفة من أجل الوصول إلى تسوية في النزاع الدائر منذ أبريل 2023
مصادر لـ"الشرق": الإصلاح الأمني ومستقبل الدعم السريع على طاولة المباحثات
دبي -الشرق
وصل المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، إلى مدينة بورتسودان شرقي البلاد، الاثنين، في زيارة رسمية تستغرق يوماً واحداً، لمناقشة العديد من الملفات بين الأطراف المتنازعة في السودان، في إطار جهود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المكثفة من أجل الوصول إلى تسوية في النزاع الدائر منذ أبريل 2023، قبل مغادرته البيت الأبيض في يناير المقبل.
وتأتي الزيارة بالتزامن مع تحرّك دولي تقوده بريطانيا للحصول على دعم من أعضاء آخرين في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بشأن مطالبة طرفي الصراع بوقف الأعمال القتالية، والسماح بالمساعدات الإنسانية.
وأضافت مصادر مطلعة لـ"الشرق"، أن بيرييلو سيلتقي رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائب قائد الجيش الفريق أول شمس الدين كباشي، وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، ولجنتي الطوارئ الإنسانية وحقوق الإنسان.
كان المبعوث الأميركي، أرجأ زيارته المقررة إلى بورتسودان، "لأسباب لوجستية"، حسبما أكدت مصادر لـ"الشرق"، في وقت سابق.
تكثيف الجهود الدبلوماسية
وبحسب ما أكدته مصادر لـ"الشرق"، فإن بيرييلو، أبلغ طرفا ثالثاً بأن الرئيس بايدن يعتزم "تكثيف الجهود مع الجانب السوداني، للوصول إلى تسوية قبيل مغادرته المكتب البيضاوي في 20 يناير المقبل، مع نقل رؤية واشنطن بضرورة بحث المسار السياسي بين الفرقاء السودانيين".
ووفق المصادر، فقد أوضح بيرييلو، أن واشنطن ستبحث مع الجانب السوداني "مستقبل قوات الدعم السريع، وضرورة النظر في قضايا جوهرية كالإصلاح الأمني والعسكري وصولاً لقوات مهنية وموحدة، ودور الجيش في الانتقال والبناء الدستوري والعدالة وإدارة موارد الدولة".
وتعد زيارة بيريليو، هي الأولى منذ أن تسلّم منصبه في فبراير 2024، عندما أعلنت الخارجية الأميركية تعيينه مبعوثاً خاص للسودان.
مشروع قرار بريطاني
وحصلت "الشرق" على نسخة من مسودة مشروع قرار بريطاني بشأن السودان من المتوقع أن يُطرح للتصويت في مجلس الأمن، الاثنين، يطالب أطراف الصراع بوقف إطلاق النار والالتزام بالقانون الدولي، ويدين الهجمات ضد المدنيين.
ويحثّ مشروع القرار الجيش السوداني والدعم السريع على احترام وتنفيذ مخرجات "إعلان جدة"، بشأن الالتزام بحماية المدنيين، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بهم، بهدف إخلاء المراكز الحضرية، بما في ذلك المنازل السكنية، والامتناع عن استخدام السكان كدروع بشرية، وحماية الاحتياجات والضروريات التي لا غنى عنها.
كما يُعرب مشروع القرار وفقاً للمسودة، عن قلقه العميق إزاء الزيادة المبلّغ عنها في الانتهاكات والإساءات التي تم التحقق منها ضد الأطفال في السودان، بما في ذلك القتل والتشويه، والتجنيد والاستخدام، والاختطاف والعنف الجنـسي، والهجمات على المدارس والمستشفيات، واحتجاز الأطفال، كما هو موثقٌ في التقرير السنوي للأمين العام بشأن الأطفال والصراع المسلح.
ويدعو الأطراف إلى اتخاذ خطوات عاجلة لوقف ومنع العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، وضمان عدم استخدامه كتكتيك حرب، وتحسين الحماية وإيصال الخدمات إلى الناجين.
عشرات آلاف الضحايا
+وأظهر تقرير جديد، أصدره باحثون في بريطانيا والسودان، أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 61 ألفاً قضوا في ولاية الخرطوم خلال أول 14 شهراً من الحرب في السودان.
وتحدث التقرير عن وجود أدلة تشير إلى أن العدد الكلي أعلى بكثير مما سُجِّل من قبل.
وشملت التقديرات سقوط نحو 26 ألفاً بجروح خطرة أصيبوا بها بسبب العنف، وهو رقم أعلى من الذي تذكره الأمم المتحدة حالياً للحصيلة في البلاد بأكملها.
وأشار التقرير الذي صدر عن مجموعة أبحاث السودان في كلية لندن للحفاظ على الصحة وطب المناطق الحارة، في وقت سابق، إلى أن التضوّر جوعاً، والإصابة بالأمراض أصبحا من الأسباب الرئيسية للوفاة في أنحاء السودان.
وتقول الأمم المتحدة إن الصراع دفع 11 مليوناً إلى الفرار من منازلهم، وتسبب في أكبر أزمة جوع في العالم.
ويحتاج نحو 25 مليون نسمة، أي نصف سكان السودان تقريباً، إلى المساعدات في وقت تنتشر فيه المجاعة في مخيم واحد للنازحين على الأقل. ويشكل إحصاء عدد الضحايا تحدياً في ظل الحرب.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المبعوث الأمیرکی فی السودان
إقرأ أيضاً:
إيران تُفـْشِلُ محاولات ترامب ونتنياهو في إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوّة
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
الضربات المشتركة التي شنّتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران مؤخرًا، واستهدفت منشآت نووية، وبُنى أساسية، ومؤسسات رمزية للدولة تجسد إفلاس سياسة استمرت لعقود تجاه طهران تقوم على الضغط والإكراه، وزعزعة الاستقرار. هذه المحاولة الجديدة لا تبدو كتحوّل استراتيجي بقدر ما تعكس اندفاعًا يائسًا لتغيير النظام الإيراني، ودعم نظام إقليمي هش قائم على هيمنة إسرائيلية لا تحدها قيود.
وجاء توقيت الضربة الإسرائيلية الأولى في 13 يونيو بدقة لافتة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي لطالما سعى لإجهاض أي تقارب أمريكي إيراني- يبدو وكأنه دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفعًا إلى هذا التصعيد الذي طالما حلم به. والنتيجة أشبه بفخ نُصب بعناية؛ إذ يبدو ترامب مرة أخرى وكأنه انجرّ إلى صراع شرق أوسطي يصب في مصلحة نتنياهو أكثر مما يخدم المصالح الأمريكية.
ورغم الأضرار الجسيمة التي سببتها هذه الضربات؛ فإنها استدعت ردًا إيرانيًا سريعًا. فالصواريخ الإيرانية اخترقت الدفاعات الإسرائيلية التي طالما عدت منيعة، ما أجبر الملايين على الاحتماء بالملاجئ، وكشف ثغرات استراتيجية لم تكن في الحسبان. والأهم من ذلك أن إيران كانت على ما يبدو قد توقعت الهجوم الأمريكي على منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، فأخلت الأجهزة الحساسة، وأغلقت مداخل الموقع قبلا. بل إن مسؤولين أمريكيين اعترفوا الآن بأن فوردو لم تُدمّر. وبدأت الإدارة الأمريكية تلوّح مجددًا بخيار التفاوض كالمسار الوحيد للتعامل مع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، في إقرار ضمني بأن الحل العسكري غير مجدٍ.
تكشف هذه التطورات عن حقيقة أعمق، وهي أن البنية الأساسية النووية الإيرانية صُممت لتصمد أمام هذا النوع من الهجمات. فالانتشار الجغرافي، وعمق المنشآت، وتعقيد البرنامج يعني أن تدميرًا فعليًا قابلًا للتحقق لن يكون ممكنًا إلا عبر غزو بري شامل، ما يعيد إلى الأذهان الكارثة الأمريكية في العراق. والواقع أن التصعيد العسكري قد يدفع إيران نحو التسليح النووي بدلًا من منعه، ويقضي على المسار الوحيد القابل للاستدامة، وهو المسار الدبلوماسي.
وما زاد الطين بلة أن الضربة لم تؤدِ إلى انتفاضة شعبية، أو إسقاط النظام كما تأمل واشنطن وتل أبيب. فبالرغم من سنوات القمع ينظر كثير من الإيرانيين من المتدينين والعلمانيين على حد سواء إلى هذه الهجمات كعدوان مباشر على السيادة، والهوية الوطنية، وسلامة أراضيهم. حالة من الالتفاف الشعبي حول «الوطن» تتصاعد؛ دفاعًا عن الكيان الإيراني في مواجهة عدوان أجنبي. من جهتها؛ أظهرت الحكومة تماسكًا سياسيًا واضحًا بين مختلف التيارات مدفوعة بإحساس متزايد بأنها تجاوزت الأسوأ، وباتت أكثر صلابة. أما محاولة نتنياهو إعادة تلميع رضا بهلوي نجل الشاه المخلوع؛ فبدت عبثية في نظر الإيرانيين الذين يعدونه شخصية من الماضي لا تمت للواقع بصلة. في الوقت ذاته؛ فإن قصف قنوات إعلامية، ومنشآت مدنية إيرانية في مسعى يائس لإشعال تمرد داخلي لم يؤدِّ إلا إلى زيادة فقدان هذا المشروع لمصداقيته.
وتواجه واشنطن اليوم مفترق طرق حاسما؛ فداخل فريق الأمن القومي التابع لترامب ظهرت انقسامات. فقد أبدى بعض مستشاريه، مثل نائب الرئيس جي دي فانس انفتاحًا على استئناف المفاوضات مشيرين إلى إمكانية إجراء محادثات بشأن مخزون إيران النووي. وهذا بحد ذاته إقرار بالفشل؛ فالإكراه بلغ مداه، ولم يعد أمام الولايات المتحدة سوى طريق الدبلوماسية.
لكن لا يمكن للدبلوماسية أن تنجح في ظل القصف، والاغتيالات، ولا يمكن أن تستمر إذا واصلت واشنطن تفويض سياستها تجاه إيران لحكومة إسرائيلية متطرفة هدفها الدائم هو إبقاء الولايات المتحدة رهينة صراع دائم في الشرق الأوسط؛ لخدمة أجندتها.
وغالبًا ما يُنظر إلى سلوك إيران النووي في واشنطن من منظور التهويل متجاهلين المنطق الاستراتيجي الكامن وراء قرارات طهران. فبرنامج إيران النووي لم يكن حملة أيديولوجية لامتلاك السلاح، بل أداة مدروسة للردع، وكسب النفوذ. لقد صممت طهران تموضعها النووي بدقة؛ كي تكون دولة «عند العتبة»، أي أنها تمتلك البنية الأساسية، والتقنية، والمعرفة اللازمة لتصنيع السلاح النووي، لكنها تتوقف قبل الوصول إلى إنتاجه فعليًا. هذا الغموض الاستراتيجي خدم أهدافًا متعددة منها: تقوية موقف إيران التفاوضي، وزيادة كلفة أي ضربة عسكرية، والحفاظ على هامش مناورة دون خرق معاهدة منع الانتشار.
وقد طرحت إيران برنامجها النووي مرارًا كورقة تفاوض، وليس كغاية في حد ذاته. وخلال مفاوضات الاتفاق النووي في 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) أبدت استعدادًا لفرض قيود يمكن التحقق منها على برنامجها النووي مقابل ضمانات أمنية موثوقة، وتخفيف العقوبات الاقتصادية.
لقد حان الوقت لمراجعة واقعية لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط بعيدة عن الأوهام القصوى تقوم على التوازن الاستراتيجي. إيران ليست مشكلة يمكن حلها بالقصف؛ فالعقوبات والضغوط لم تؤدِّ إلى الخضوع أو الانهيار، بل عززت المقاومة، وسرّعت تقدم إيران النووي. وأي استراتيجية تقوم على الإكراه وحده هي وصفة للفشل الذاتي.
والأهم من ذلك أنه يجب على واشنطن أن تواجه حقيقة التكاليف الاستراتيجية المتزايدة؛ نتيجة تبعيتها لحكومة إسرائيلية متصلبة. فبدلًا من أن تكون إسرائيل شريكًا للاستقرار؛ بات سلوكها سببًا للتصعيد، وإفشال المساعي الدبلوماسية، وسحب واشنطن إلى صراعات تُبعدها عن أولوياتها العالمية.
إن أي استراتيجية أمريكية مستدامة يجب أن تقوم على تحقيق توازن إقليمي، لا على دعم طرف واحد دون شروط. ويجب على الولايات المتحدة أن تستعيد قرارها السيادي بما يخدم مصالحها بعيدة المدى. هذه اللحظة تتطلب تحولًا ليس فقط في الأساليب، بل في الرؤية الاستراتيجية. لا يمكن إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقنابل والحروب المدمرة. وإذا كانت واشنطن حقًا تسعى إلى الاستقرار فعليها أن تتخلى عن وهم السيطرة على المنطقة عبر تفوق إسرائيل، ودعم الطغاة، والسعي لإسقاط الأنظمة المناوئة. هذا المشروع فشل، والحرب الجارية دليل صارخ على ذلك. ما سيحدث لاحقًا يتوقف على ما إذا كانت واشنطن مستعدة أخيرًا لاختيار الواقعية بدلًا من الأوهام.
سينا طوسي زميل بارز غير مقيم في مركز السياسات الدولية يركّز في أبحاثه على العلاقات الأمريكية الإيرانية، وسياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وقضايا الملف النووي.