حماس: بين تحديات الإدارة الداخلية وضغوط الصراع الخارجي
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
في الآونة الأخيرة، تصدرت مقاطع فيديو مسربة، قيل إنها تُظهر مشاهد لانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز في قطاع غزة، عناوين الأخبار وأثارت جدلًا واسعًا على المستويين المحلي والدولي. الفيديوهات، التي ذكر الجيش الإسرائيلي أنه حصل عليها خلال عمليته العسكرية في مخيم جباليا للاجئين، قدمت مشاهد تُظهر معتقلين يُزعم أنهم تعرضوا لمعاملة قاسية تضمنت الضرب المبرح، التقييد في أوضاع مؤلمة، وحتى الصعق الكهربائي.
هذه المشاهد تسلط الضوء على تحديات كبيرة تواجه الإدارة الداخلية في القطاع وتثير تساؤلات حول احترام حقوق الإنسان في بيئة تعاني أصلًا من أزمات متعددة.
وفقًا للتقارير المصاحبة لهذه التسجيلات، التي يُعتقد أنها تعود إلى الفترة بين عامي 2018 و2020، تشير المزاعم إلى استخدام الحركة لأساليب قسرية للتعامل مع أفراد متهمين بالمعارضة أو ارتكاب جرائم اجتماعية وقانونية.
من بين المعتقلين الذين شملتهم التسجيلات، أفراد من مجتمع المثليين، وآخرون اُتهموا بالتعاون مع إسرائيل أو ارتكاب جرائم.
تظهر الفيديوهات معتقلين معصوبي الأعين ومقيدين في أوضاع مهينة، بينما يتعرضون للضرب المبرح على أيدي الحراس، الذين يظهرون في المشاهد دون إبداء أي تعاطف مع معاناة المعتقلين.
شهادة حمزة الهويدي، وهو أحد الناجين من الاحتجاز لدى حماس، تقدم صورة قاسية عن واقع هذه الممارسات، ويروي الهويدي أن فترة الاحتجاز تركت آثارًا عميقة على حياته النفسية والاجتماعية، وأن بعض المعتقلين الآخرين الذين عايشوا ظروفًا مماثلة لم يتمكنوا من التعافي منها حتى اليوم.
هذه المزاعم تأتي في ظل وضع معقد يعيشه قطاع غزة، حيث تتداخل التحديات الداخلية مع تبعات الصراعات العسكرية المستمرة. الحرب الأخيرة، التي شهدها القطاع، خلفت دمارًا واسعًا طال البنية التحتية، وأثقل كاهل المواطنين الذين يعانون أصلًا من أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة. الأوضاع المتردية تجعل الحياة اليومية لأغلب سكان القطاع أشبه بصراع مستمر من أجل البقاء، في ظل محدودية الموارد وغياب الأفق السياسي لحل يخفف من هذه المعاناة.
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو الانقسام السياسي الفلسطيني المستمر، الذي يضعف من قدرة المؤسسات الوطنية على تقديم حلول فعّالة لمعاناة السكان. في ظل غياب قيادة موحدة، يجد سكان غزة أنفسهم محاصرين بين قمع داخلي وضغوط خارجية متزايدة، ما يتركهم عرضة للمزيد من الأزمات دون أفق واضح للخروج منها.
في الوقت الذي تثير فيه هذه التقارير انتقادات واسعة لحركة حماس، يظل المجتمع الدولي عاجزًا عن اتخاذ خطوات ملموسة لحماية المدنيين في القطاع. الدعوات إلى تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات تواجه عقبات سياسية وإقليمية، حيث تتشابك المصالح الدولية مع واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. مع ذلك، فإن تعزيز حقوق الإنسان داخل غزة يتطلب جهودًا مضاعفة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الأطراف الفلسطينية نفسها، لتجاوز الخلافات السياسية وتقديم مصلحة السكان كأولوية قصوى.
تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن الداخلي وضمان الحريات الأساسية لسكان القطاع يشكل تحديًا حقيقيًا أمام حركة حماس كجهة مسيطرة على القطاع. مع استمرار توثيق هذه الانتهاكات، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات جذرية في أسلوب إدارة القطاع، بما يضمن احترام حقوق الإنسان وتخفيف المعاناة عن السكان.
على الصعيد الدولي، يجب أن تتضافر الجهود لضمان حماية المدنيين الفلسطينيين وتعزيز سيادة القانون في غزة، بعيدًا عن النزاعات السياسية والعسكرية. توفير دعم إنساني وتنموي مباشر للسكان يمكن أن يخفف من معاناتهم ويمنحهم فرصة لبناء حياة أفضل في بيئة أكثر استقرارًا.
هذا الواقع المعقد يتطلب من الجميع إعادة التفكير في الأولويات ووضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار. فالقطاع الذي يعاني من أزمات متراكمة يحتاج إلى قيادة حكيمة وسياسات تضع الإنسان في المقام الأول، بعيدًا عن حسابات القوة والسيطرة التي أثبتت فشلها في تحقيق الاستقرار أو التخفيف من معاناة الناس.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
ضربات ترامب لإيران.. بين حسابات الردع وضغوط الحلفاء
واشنطن ـ لم تدُم المهلة التي تحدثت عنها المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بشأن اتخاذ قرار تجاه إيران أكثر من يومين، رغم أن الأخيرة دعت للانتظار والترقب لمدة أسبوعين.
وجاءت الضربة الأميركية مبكرة، ومفاجئة، مستهدفة 3 منشآت نووية في عمق الأراضي الإيرانية، وسط تبريرات متباينة وتحليلات متضاربة في واشنطن.
ووصفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضربات بأنها "خطوة استباقية لحماية الأمن القومي الأميركي"، مستندة -وفق تصريح لمسؤولين- إلى معلومات استخباراتية تحدثت عن تسارع الأنشطة النووية الإيرانية ووجود "خطر وشيك" على الأمنين الإقليمي والدولي.
ورغم أن وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون شددت على أن العملية كانت "محدودة" وتهدف إلى إرسال رسالة واضحة دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، فإن ترحيبا واسعا صدر من تل أبيب، حيث وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الضربة بأنها "خطوة حاسمة في الاتجاه الصحيح"، مضيفا أن "التهديد النووي الإيراني لم يعد يُحتمل ولا يحتمل التأجيل".
ويشير مراقبون إلى أن الضربة الأميركية جاءت في وقت حساس، إذ تدخل المواجهة بين إيران وإسرائيل أسبوعها الثاني، وسط دعوات إسرائيلية متكررة إلى تحرك عسكري دولي لـ"كبح المشروع النووي الإيراني"، مما يعزز فرضية أن الضربة لم تكن قرارا أميركيا صرفا، بل جاءت بتأثير مباشر من الحليف الإسرائيلي.
وفي حديث خاص للجزيرة نت، قال النائب الجمهوري السابق توم غاريت إن الضربة "محدودة ومبررة"، مضيفا أن "إيران تهدد بتدمير أميركا منذ عام 1979، وحين تقترب من امتلاك سلاح نووي، يصبح التحرك واجبا".
وأضاف أن طهران "تورطت في صراعات أنهكت المنطقة، وخصوصا في اليمن، ما يجعل تهديداتها جزءا من واقع لا يمكن تجاهله".
وفي المقابل، شكّك عدد من الباحثين في دوافع القرار الأميركي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، معتبرين أنه لم يُبن على معطيات استخباراتية مستقلة، بل جاء نتيجة ضغوط سياسية من إسرائيل.
إعلانوتقول باربرا سلافين، الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني، للجزيرة نت، إن "صقور إسرائيل والمقربين منهم في واشنطن أقنعوا ترامب بأن اللحظة مواتية لضربة تقضي على البرنامج النووي الإيراني، بينما تمر طهران وشركاؤها بمرحلة ضعف". لكنها حذرت من أن الضربة قد تكون "نقطة اللاعودة"، مشيرة إلى أن "التهدئة باتت بعيدة المنال على المدى المنظور".
وعقب الضربة، وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الهجوم بأنه "جريمة شنعاء"، مؤكدا أن واشنطن وتل أبيب "تجاوزتا خطا أحمر بمهاجمة منشآتنا النووية"، مضيفا "لا أعلم إن كان بقي أي خط للتفاوض بعدها".
وفي حين أعلن ترامب أن الضربة "دمرت البرنامج النووي الإيراني بالكامل"، نفت طهران تعرض المنشآت النووية في فوردو ونطنز وأصفهان لأضرار كبيرة، وأكدت استمرار البرنامج "دون توقف"، مع تلويح بإغلاق مضيق هرمز وتهديد مباشر لسلاسل إمداد الطاقة العالمية، وهو ما أثار مخاوف من أزمة طاقة جديدة.
ورغم التصعيد، تراهن الإدارة الأميركية على أن الضربة، إضافة إلى الضغط العسكري المتواصل من إسرائيل، قد تدفع إيران إلى العودة لطاولة المفاوضات.
ورفض جيم هانسون، المحارب الأميركي السابق والخبير في دراسات الأمن القومي، التعليق للجزيرة نت، مكتفيا بالقول إنه يفضل الحديث لقناة فوكس نيوز. لكنه صرّح لهذه بأن "النظام الإيراني قد يلوّح بالتصعيد، لكنه لا يريد حربا شاملة"، متوقعا أن "هاتف البيت الأبيض سيرنّ قريبا بمكالمة من طهران تعلن فيها استعدادها للعودة إلى التفاوض".
وفي السياق ذاته، قال النائب السابق توم غاريت إن "ما تقوله إيران وما يمكنها فعله فعليا أمران مختلفان"، مضيفا أن "الشعب الإيراني هو الخاسر الأكبر، في ظل نظام لا يظهر أي استعداد للتخلي عن طموحه النووي".
ويرى مراقبون أن التطورات الأخيرة تطرح سؤالا مفتوحا حول طبيعة الرد الإيراني واتجاه التصعيد، وسط أجواء مشحونة تشير إلى دخول المنطقة في فصل جديد من المواجهة، قد يصعب التحكم بمآلاته، خاصة مع غياب أفق واضح للتهدئة أو التفاوض.