حكم الزكاة على القرض من البنك .. دار الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم الزكاة على القرض من البنك؛ فقد أخذتُ مبلغًا من المال من البنك على سبيل القرض، وبعد صرف المبلغ من البنك استهلكتُه في حاجتي التي أخذته لها؛ فهل على هذا المال المأخوذ من البنك زكاة أم لا؟ وهل يختلف الحكم إذا أخذتُ هذا المال لحاجتي ولم يُسْتهْلك كامل المبلغ، أو أخذتُه للاستثمار في البنك ذاته الذي أعطاني القرض، أو استثمرته خارج هذا البنك؟".
لترد دار الافتاء موضحة، ان الأصل أَنَّ المال المأخوذ من البنك تجب فيه الزكاة إذا توافرت شروطها؛ فلو أَخَذتَ المال واستهلكتَه فلا زكاة عليه، ولو استَهْلكتَ بعضه ففي الباقي الزكاة ما دام تحقَّق فيه شروط الزكاة. ولو أخذتَ المال على سبيل الاستثمار في البنك مصدر المعاملة كأن اشتريت به شهادات استثمار؛ فتكون الزكاة بمقدار ربع العشر على المال الذي تم به شراء الشهادات مضافًا إليه الأرباح خلال العام، ولو أخذتَ المال واتَّجَرْتَ به خارج البنك ففيه زكاة عروض التجارة وهي بمقدار ربع العشر، فإذا كان مجال الاستثمار هو الأنشطة الصناعية أو الإنتاجية أو الخِدْمِيَّة؛ فلا زكاة فيه.
مدى اعتبار الدَّيْن مانعًا من وجوب الزكاة على المدين
المال المأخوذ من البنك على سبيل القَرْض هو "دينٌ" مِن قِبَل البنك على الآخذ للقَرْض. والفقهاء مختلفون في اعتبار الدَّيْن مانعًا من وجوب الزكاة على المدين؛ وخلافُهم في ذلك على قولين؛ ومذهب الشافعية -وهو ما عليه جماعة من الفقهاء-: أَنَّ الدَّيْن لا يمنع وجوب الزكاة.
قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه" (1/ 71، ط. دار الفكر): [ولا يمنع الدَّيْنُ وجوبَها في أظهر الأقوال، والثالث: يمنع في المال الباطن وهو النقد والعرض] اهـ.
وقال أيضًا في "المجموع" (5/ 344، ط. دار الفكر): [الدَّيْن هل يمنع وجوب الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال، أصحها عند الأصحاب، وهو نص الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة: تجب.. فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة سواء كان المال باطنًا أو ظاهرًا من جنس الدين أم غيره، قال أصحابنا: سواء دَيْن الآدمي ودَيْن الله عز وجل، كالزكاة السابقة، والكفارة والنذر وغيرها] اهـ.
واستدل الشافعية على ذلك: بعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على مَنْ مَلَك نصابًا؛ قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103].
فعموم النص يدل على وجوب الزكاة في المال، سواء كان عليه دين أو لم يكن عليه دين؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل عُمَّاله لجمع الزكاة، ولا يأمرهم أَنْ يسألوا أصحاب الأموال هل عليهم ديون أو لا؟ كما أَنَّ المدين -حال كون المال الذي في يده نِصَابًا- هو مالك له جائز التصرف فيه؛ فيجب أن يُلْزَم بإخراج الزكاة فيه. يُنْظَر: "الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 310)، و"المغني" لابن قدامة (3/ 67، ط. مكتبة القاهرة).
حكم الزكاة في المال المأخوذ مِن البنك على سبيل القرض
على ذلك الأصل الذي قَرَّرناه مِن أَنَّ الدَّيْن لا يمنع الزكاة تتفرَّع صورة السؤال؛ فالمال المأخوذ مِن البنك على سبيل القرض هو دينٌ، والأصل أنَّه يجب فيه الزكاة، فلو أُخِذ هذا المال من البنك واستُهْلِك قبل حلول الحول فلا زكاة فيه؛ لزوال المحل الذي تجب فيه الزكاة؛ وذلك كما لو قُطِع محل غَسْل الفرض من اليد أو الرِّجْل في الوضوء، فيَسْقُط غَسْله لزوال المحل.
والزكاة واجبةٌ في المال المقتَرض طالما بقي منه ما يبلغ النصاب وحال عليه الحول؛ وذلك إذا استَجْمَعَ شروط الزكاة، وهي ما يلي:
أولًا: الملك التام، فالملك هو تمكن الإنسان شرعًا بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة، ومِن أخْذِ العوض أو تمكنه من الانتفاع خاصة. ينظر: "حاشية ابن الشاط على فروق القرافي" (3/ 209، ط. عالم الكتب).
والملك التام -أو المطلق- هو ما اجتمع للإنسان فيه الملك والقدرة على التصرف في المملوك.
قال العلامة الحدادي من الحنفية في "الجوهرة النيرة" (1/ 113): [الملك التام هو ما اجتمع فيه الملك واليَد، وأما إذا وجد الملك دون اليد؛ كملك المبيع قبل القبض، والصداق قبل القبض، أو وجد اليد دون الملك؛ كملك المكاتب والمديون، لا تجب فيه الزكاة] اهـ.
وقال الشيخ الخرشي في "شرح المختصر من كتب المالكية" (2/ 179، ط. دار الفكر): [شرط الزكاة في العين وغيرها أن يكون المال مملوكًا ملكًا تامًّا؛ فلا زكاة على غاصب ومودع وملتقط؛ لعدم الملك، وعبد ومدين؛ لعدم تمامه، ولا على السيد فيما بيد عبده؛ لأن من ملك أن يملك لا يعد مالكًا، ولا في غنيمة قبل قسمها؛ لعدم قراره] اهـ.
وقال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" -في بيان شرائط وجوب زكاة النعم- (2/ 315 -مع "حاشية البجيرمي"-، ط. دار الفكر): [(و) الثالث: (الملك التام) فلا تجب فيما لا يملكه ملكًا تامًّا] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 170): [من شروط الزكاة: (تمام الملك) في الجملة -قاله في الفروع-؛ لأن الملك الناقص ليس نعمةً كاملةً، وهي إنما تجب في مقابلتها؛ إذ الملك التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق به غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره. وفوائده حاصلة له] اهـ.
ثانيًا: بلوغ النصاب، أي ما يعادل (85 جرامًا) من الذهب عيار 21.
ثالثًا: الحول، وهو أن يمضي على مِلك المال مِلكًا تامًّا سنةٌ قمريةٌ.
أمَّا إذا أَخَذ الشخص هذا المال من البنك وجعله استثمارًا في البنك نفسه؛ كأن اشترى به شهادات استثمار مثلًا؛ ففي هذه الحالة تكون زكاته بمقدار ربع العشر على المال الذي تَمَّ به شراء الشهادات الذي مَرَّ عليه حول قمري وعلى الأرباح كذلك؛ ذلك أنَّ الأموال المودَعة بالبنوك والتي تُدِرُّ عائدًا بمعدَّلٍ ثابت فيها الزكاة إذا حال عليها الحول القمري، ومقدار الزكاة الواجبة فيها هو ربع العشر (أي: اثنان ونصف بالمائة) من أصل المال مضافًا إليه الأرباح خلال العام.
وإذا أَخَذ الشخص هذا المال واستثمره خارج البنك؛ فإن كان نشاط الاستثمار هو التجارة والتي فيها الشراء من أجل البيع والربح من غير أن يتخللَ ذلك صناعة أو إنتاج أو استغلال واتَّجَر فيه؛ ففيه زكاة عروض التجارة؛ ذلك أن التجارة: هي أن تشتريَ لتبيع وتربح، فيُشترط فيها التملُّك بعقد معاوضة محضة بقصد البيع لغرض الربح، من غير أن يتخللَ ذلك صناعة أو إنتاج أو استغلال.
ومن هذا التعريف للتجارة يتضح أنَّ كلَّ نشاطٍ استثماري خرج عن تعريف "التجارة" بشروطه الثلاثة لا زكاة فيه: كالأنشطة الصناعية، أو الإنتاجية، أو الخِدْمِيَّة للشركات المختلفة؛ لأن الربح فيها قائمٌ على الإنتاج والصناعة والخدمات، لا على البيع والشراء وَحْدَهُما، وعلى ذلك فلو كان تم أخذ القرض من البنك واستُثْمِر خارج البنك وكان نشاط الاستثمار في المال هو الأنشطة الصناعية أو الإنتاجية أو الخِدْمِيَّة للشركات المختلفة والتي فيها الربح قائم على الإنتاج والصناعة والخدمات، لا على البيع والشراء وَحْدَهُما؛ فلا زكاة على المال وذلك على ما هو المفتَى به؛ لأنَّه صناعة وإنتاج وليس تجارة بالمعنى الفقهي الذي يستوجب الزكاة بشروطها.
الخلاصة
الأصل أَنَّ المال المأخوذ من البنك تجب فيه الزكاة إذا توافرت شروطها؛ فلو أَخَذتَ المال واستهلكتَه فلا زكاة عليه، ولو استَهْلكتَ بعضه ففي الباقي الزكاة ما دام تحقَّق فيه شروط الزكاة. ولو أخذتَ المال على سبيل الاستثمار في البنك مصدر المعاملة كأن اشتريت به شهادات استثمار؛ فتكون الزكاة بمقدار ربع العشر على المال الذي تم به شراء الشهادات مضافًا إليه الأرباح خلال العام، ولو أخذتَ المال واتَّجَرْتَ به خارج البنك ففيه زكاة عروض التجارة وهي بمقدار ربع العشر، فإذا كان مجال الاستثمار هو الأنشطة الصناعية أو الإنتاجية أو الخِدْمِيَّة؛ فلا زكاة فيه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تجب فیه الزکاة وجوب الزکاة شروط الزکاة الملک التام الزکاة على خارج البنک المال الذی دار الفکر على المال الزکاة فی هذا المال اهـ وقال زکاة على فی المال فی البنک ن المال المال م تجب فی الذی ت
إقرأ أيضاً:
ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: حينما ينزل المطر أحرص على أن أتوضأ منه، فما حكم الوضوء من هذا الماء؟ وهل لهذا الماء فضيلة؟.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: ماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء نزوله.
حكم الوضوء بماء المطر
من المقرر شرعًا أنَّ الطهارة لا تكون إلَّا بالماء الطهور المطلق، وهو الباقي على أصْلِ خلقته؛ إذ الماء المطلق طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وهو الذي يُطلق عليه اسم الماء بلا قيدٍ أو إضافة، ومن الماء المطلق: ماء البحار، والأنهار، والعيون، والآبار، وماء المطر، كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 116، ط. دار الكتب العلمية).
ولا خلاف بين العلماء في أن مياه الأمطار من الماء المطلق، والتي يجوز الطهارة بها، ما لم تختلط بشيء يغيّرها تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليها، كأن تختلط بماء ورد أو مسك، والأصل في جواز الوضوء بماء المطر قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].
قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (13/ 41، ط. دار الكتب المصرية): [المياه المنزلة من السماء والمودعة في الأرض طاهرة مطهرة على اختلاف ألوانها وطُعومها وأرياحها حتى يخالطها غيرها] اهـ.
وقال الإمام البغوي في" تفسيره" (3/ 448، ط. إحياء التراث): [﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.
وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [الماء المطلق، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا؛ لأن الله تعالى سمى الماء طهورًا بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وكذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه»، والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد الجد المالكي في "المقدمات الممهدات" (1/ 85-86، ط. دار الغرب الإسلامي): [فالأصل في المياه كلها الطهارة والتطهير، ماء السماء وماء البحر وماء الأنهار وماء العيون وماء الآبار، عذبة كانت أو مالحة] اهـ.
وقال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 60، ط. دار الفكر): [قال: (قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48] أي: مطهرًا، ويُعبر عنه بالمطلق، وعدل عن قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11] وإن قيل بأصرحيتها؛ ليفيد بذلك أن الطهور غير الطاهر، إذ قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الفرقان: 48] دل على كونه طاهرًا؛ لأن الآية سيقت في معرض الامتنان وهو سبحانه لا يمتن بنجس] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي في شرحه على "مختصر الخرقي" (1/ 115، ط. دار العبيكان): [كل طهارة -سواء كانت طهارة حدث أو خبث- تحصل بكل ماء هذه صفته سواء نزل من السماء، أو نبع من الأرض على أي صفة خلق عليها، من بياض وصفرة، وسواد، وحرارة وبرودة، إلى غير ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾] اهـ.
فضل ماء المطر
أما عن فضيلة هذا الماء فتظهر من وصف الله تعالى له بأوصاف متعددة في مواطن كثيرة من القرآن، حيث جاء وصفه مرة بأنه رحمة، ومرة بأنه طهور، ومرة بأنه مباركٌ، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق: 9]، وقال جل شأنه: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال تعاظمت أسماؤه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28]، والرحمة المقصودة في هذه الآية هي البركة الناتجة عن المطر، كما قال الإمام النسفي في تفسيره "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 255، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾: أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب] اهـ.
ولذا كان من السنة التعرض للمطر، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يَتَعرَّض له بجسده الشريف، ولما سُئل عن ذلك قال: إنه -أي: ماء المطر- حديث عهد بربه، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» رواه مسلم.
فأفاد استحباب التعرض للمطر عند نزوله، قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (6/ 195-196، ط. دار إحياء التراث): [معنى "حسر": كشف، أي: كشف بعض بدنه، ومعنى حديث عهد بربه، أي: بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها، وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر] اهـ.
وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فكانوا يتعرضون للمطر؛ لينالوا من بركته، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمَطَرَ خَلَعَ ثِيَابَهُ وَجَلَسَ، وَيَقُولُ: «حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْعَرْشِ» رواه ابن أبي شيبة.
وأوضحت بناءً على ذلك: أن ماء المطر ماءٌ مطلق يجوز الوضوء به ما لم يختلط بشيء يغيّره تغيرًا كثيرًا يمنع من إطلاق اسم الماء المطلق عليه، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن له فضلًا عظيمًا، فقد وصف في القرآن بالرحمة والبركة والطهورية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَعرَّض له عند أول نزوله رجاء بركته، وصورة التعرض المستحب ملاقاة المطر البدن مباشرة أثناء هطوله.