لمحات من التحولات الاجتماعيـــــــة في عهد الدولة البوسعيدية
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
قبل حكم اليعاربة، عانت عمان من تفكك سياسي وصراعات داخلية، بالإضافة إلى الاحتلال البرتغالي الذي استمر لأكثر من قرن. تصف المدونات عهد الإمام ناصر بأنه: «دانت له جميع البلدان وطهرها من البغي والعدوان... وأظهر فيها العدل والأمان وسار في أهلها بالحق والإحسان». وازدهرت الزراعة بفضل شق الأفلاج، وتطورت التجارة البحرية، مما جعل عمان مركزًا تجاريًا إقليميًا.
لكن أواخر عهد اليعاربة شهد تدهورًا بسبب الصراعات الداخلية والحروب الأهلية التي استمرت لأكثر من ثلاثين عامًا، ما أدى إلى تفكك الروابط الاجتماعية وظهور حالة من الفوضى. مع ظهور الإمام أحمد بن سعيد، بدأت عمان تستعيد استقرارها. وصفه الشيخ نور الدين السالمي قائلاً: «وكان أحمد بن سعيد صاحب همة عالية ومطلب سام وجرأة وإقدام، فصار ملك عمان كله إليه... ودانت له القبائل وسكنت الحركات وأطفأ كثيرًا من الفتن».
ترتيب السلطنة ومفهوم النهضة
الإمام أحمد بن سعيد، أول حكام الدولة البوسعيدية، وصفه المؤرخ ابن رزيق قائلاً: «رتب قواعد السلطنة أحسن ترتيب، وهذبها بأبلغ تهذيب». وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، نُقلت العاصمة من الرستاق، وكان لهذا التحول أثر كبير على الجوانب الاجتماعية والثقافية، ناهيك عن تنشيط التجارة البحرية عبر ميناء مسقط. وصف ابن ماجد (ت: 906هـ) هذا الميناء قائلاً: «لم يكن في الدنيا مثله، إن له أشاير، وفيه خصائل لم تكن في غيره... وهو بندر عمان من العام إلى العام».
في القرن العشرين، استُخدم مصطلح «النهضة» في عمان بطريقتين: الأولى لوصف النهضة التي ظهرت عام 1913م، والثانية في عام 1970م، لوصف التغيير والتحديث الذي شهدته عمان في عهد السلطان قابوس بن سعيد. في بيانه الأول، قال السلطان قابوس- طيب الله ثراه: «هذا التغيير بداية لعهد جديد متنور ورمز لعزمنا أن يكون شعبنا موحدًا». كان ذلك إعلانًا لعهد جديد من التغيير والتطوير الشامل الذي انعكس على كافة مناحي الحياة. وقد ورد في إحدى المخطوطات التي توثق لحظة تولي السلطان قابوس - طيب الله ثراه- الحكم: «وهذا السلطان قابوس دانت له قبائل عمان جميعهم، من منطقة مسندم وهرمز إلى جزيرة مصيرة، إلى ظفار ومتعلقاتها، فأوسع الناس عطاءً وعفوًا، وعاد كل عماني من الخارج، ودرت خيرات عمان من ثمار ونفط ومعادن، حتى فاضت البيضاء والصفراء».
كانت الجولات وسيلة فعالة استخدمها السلاطين للتواصل المباشر مع الشعب. كان السيد حمد بن سعيد بن الإمام أحمد (حكم من 1784-1792م) من أبرز القادة الذين نهجوا هذا النهج، حيث يقول الشيخ نور الدين السالمي في تحفة الأعيان: «كان يطوف عمان باطنة وظاهرة، ثم يأتي على الجوف (الداخلية) والشرقية، يصنع ذلك مرتين في السنة، يتفقد الممالك والرعايا، وحصلت له في القلوب هيبة ومحبة». هذا النهج تم استعادته في عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الذي اعتمد «الجولات السامية» كجزء من أسلوب حكمه، مما عزز التواصل المباشر بين القيادة والشعب وساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار.
التركيبة السكانية والأوضاع الاجتماعية
لم تعرف عمان الإحصائيات السكانية بشكل رسمي إلا بعد قيام النهضة في عام 1970م. يعود ذلك إلى غياب المؤسسات المتخصصة في الإحصاء قبل هذه الفترة، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي سادت البلاد. كما أن هناك بعض المواقف الفقهية التي قد تكون ساهمت في غياب الإحصاء، حيث يعكس أحد الأسئلة الموجهة إلى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي حول إحصاء النفوس موقفًا متحفظًا، يشير إلى تحفظ ديني أو ثقافي حول عملية الإحصاء في تلك الفترة، وإن لم يكن من الممكن التثبت من مدى تأثيره على الواقع العملي.
هذا الغياب للإحصائيات المحلية حال دون رصد التغيرات الاجتماعية بشكل دقيق. ومع ذلك، ظهرت بعض الإحصائيات التقديرية، لكنها لم تكن من صنع أهل البلد، بل جاءت من المؤسسات الأجنبية، وتحديدًا حكومة بومباي البريطانية. كون الإحصائيات البريطانية المصدر الوحيد المتوفر يجعل من الضروري التعامل معها بحذر، فهي تقدم صورة تقريبية للوضع السكاني، ولكن لا يمكن التسليم بدقتها.
أحد الأمثلة على ذلك هو تقديرات الكابتن مايلز لسكان عمان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. ومع ذلك، ركزت هذه الإحصائيات بشكل أساسي على الرجال القادرين على حمل السلاح، متجاهلة فئات مهمة من المجتمع مثل النساء والأطفال، مما يعطي صورة ناقصة عن التركيبة السكانية الحقيقية.
وفق التقديرات البريطانية، بلغ عدد سكان عمان في عام 1930م حوالي 500 ألف نسمة، منهم 12 ألفًا في مسقط ومطرح. وفي عام 1906م، قدرت الأعداد بأقل من نصف مليون. وهناك بعض الإحصائيات المتعلقة بعدد الأجانب في عمان في عام 1765م بحوالي 1200 شخص، بينما ارتفع العدد في عام 1870م إلى حوالي 2000 شخص، معظمهم تجار يعيشون في المدن الساحلية. يعكس هذا التنوع الثقافي أهمية عمان كمركز تجاري، حيث كانت المدن الساحلية مثل مسقط تشهد نشاطًا اقتصاديًا حيويًا وجذبًا للأجانب.
كان لوجود التجار الأجانب في الموانئ تأثير ليس فقط اقتصاديًا، بل اجتماعيًا أيضًا. فقد كانت المنسوجات الهندية جزءًا من الهوية والمكانة الاجتماعية، لا سيما العمامة الكشميرية التي ذكرها ابن رزيق، حيث كانت رمزًا للوجاهة والتأثير الاجتماعي. يُذكر أن أحد الشخصيات المؤثرة كان لا يتعمم إلا بالشالات الكشميرية.
وحول الحركة العمرانية والاجتماعية في مسقط في منتصف القرن العشرين، قدم سيف بن ناصر اليعربي وصفًا للمدينة قائلا: «مسكد -مسقط- بها قصور عالية، ومدرسة سلطانية، ومساجد عامرة، وسوق معمور يباع فيه الصالح والطالح. وبها سكان من الأهالي والأجانب، إلا أن الأجانب لهم الحظ الوافر». يعكس هذا الوصف تنوع المجتمع وتطوره.
ولم تكن عمان بمنأى عن الصراعات السياسية. خلال القرن التاسع عشر، أدت النزاعات على السلطة إلى استنزاف الموارد وتدهور الأحوال. يصف ابن رزيق هذه الفترة بقوله: «وأخافوها خوفًا شديدًا، باصطلام الأموال غصبًا»، في إشارة إلى نهب الأموال واستنزاف الموارد. كما يصف الشيخ علي بن مسعود العبادي الأثر المدمر للحروب قائلا: «خُربت البلاد وشُردت العباد، وقُتل رجل، ويُتّمت أطفال، وحُرقت المنازل والحروث، وخُشيت النخيل».
التحديات الاجتماعية والصحية والاقتصادية قبل عام 1970م
شهد القرن التاسع عشر خطوة مهمة في المجتمع العماني، حين أصدر السلطان تركي بن سعيد عام 1871م بيانًا يقضي بمنع تجارة الرقيق في جميع أنحاء سلطنة عمان. وفي منتصف القرن العشرين، واجه المجتمع العماني تحديات فكرية، حسب التصريح الذي أصدره السلطان سعيد بن تيمور، كان أبرزها انتشار الأفكار التي وصفها بـ«الشيوعية». وأكد حينها ثقته بوعي المجتمع قائلا: «إننا مطمئنون تمام الاطمئنان بأن لدى أهل بلادنا من الحصانة الدينية ما يكفي لرد مثل هذه الدعايات».
أما التحديات الصحية، فقد أنهكت المجتمع العماني، لا سيما في القرن التاسع عشر الميلادي وجزء كبير من القرن العشرين، وكان من أبرزها انتشار الأمراض المعدية. من بين الأوبئة التي وثقتها المصادر العمانية، ظهر الطاعون عام 1236هـ، وانتشر في السند والهند وبلاد الإنجليز والفرنسيس. وبسبب نقص الخدمات الصحية، قضت هذه الأمراض على جزء كبير من المجتمع العماني. وقد أرّخ عامر بن علي العبادي لعدد المصابين في نزوى وحدها بحوالي 900 نفس، قائلا: «عاش منهم أقل من النصف، فبقيت المنازل بعدهم خاوية، وديارهم خالية».
مع دخول المنتجات الأوروبية إلى الأسواق العمانية، شهدت الحرف التقليدية تراجعًا ملحوظًا. يقول صاحب نهضة الأعيان: «لما كثرت منسوجات أوروبا وجُلبت إلى عمان، قصرت همة النساجين في عمان، وراجت المنسوجات الأوروبية». أدى هذا التغير إلى تراجع الاقتصاد المحلي وحرف حركة المجتمع العماني عن مسارها الطبيعي. وفي 26 من ذي القعدة 1362هـ، شهدت عمان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية. «بلغ سعر بهار السكر الزين 180 قرشًا، والليمون البهار 775 قرشًا، بينما وصل سعر التمر الباطني إلى 120 قرشًا والعماني إلى 180 قرشًا. كما ارتفعت أسعار الثياب، في حين سجل سعر الصرف 245 روبية مقابل 100 ريال». في ظل هذه الظروف، كان أهل البلاد يقدمون للواحد كيسًا من الحنطة يوميًا لمواجهة الأزمة، ما يعكس حجم المعاناة وشدة الاعتماد على الموارد المحدودة في تلك الفترة.
وفي 1943م، تأثرت عمان بتداعيات الحرب العالمية الثانية، حيث انقطع الأرز عن البلاد، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية. في تلك الأثناء، دعا السلطان أهل عمان إلى «الزراعة واستخراج فوائد الأرض»، في محاولة لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتأمين احتياجات السكان في ظل الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب. وتعكس رسالة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، التي قال فيها: «من اعتمد على زاد عدوه طال جوعه»، رؤيته العميقة لأهمية الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الموارد المحلية، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية.
على الرغم من التحديات الاقتصادية، كان هناك تفاوت كبير في الدخل بين الدولة وبعض الشيوخ. يذكر سعود بن علي الخليلي: «إن دخل دولة سعيد بن تيمور (ت: 1972م) لم يكن يتعدى 50 ألف جنيه إسترليني، في حين أن دخل ثلاثة من شيوخ داخلية عمان كان يوازي دخل الواحد منهم هذا المبلغ أو أكثر». يعكس هذا التفاوت حجم الفجوة الاقتصادية داخل المجتمع. ورغم ذلك، برزت مواقف تضامنية في فترات الأزمات التي تعرضت لهم عمان، كما حدث في عام 1870م، عندما مرت عمان بأزمة مالية خانقة. حينها بادر العديد من رجال الدولة وأهل الأموال إلى بيع ممتلكاتهم دعمًا للدولة، ومن بينهم الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، الذي باع «أمواله الكائنة في بلدة بوشر، وما له في هذه البلدة من خراب وعمار، بأكثر من سبعة آلاف قرش»، من أجل «عز الدولة».
التعليم والثقافة
يُعد التعليم إحدى الركائز الأساسية للنهوض بالمجتمع، ولم تعرف عمان التعليم النظامي بشكل واسع إلا بعد ظهور المدرسة السعيدية في مسقط. تطور التعليم بشكل متسارع بعد عام 1970م. وقد انتقد العديد من العلماء ورجال الفكر تأخر التعليم في عمان، إذ يقول أبو مسلم البهلاني (ت: 1921م) إن الجهل كان من أسباب معاناة عمان، قائلا: «فإن عمان لم تسقط هذه السقطة إلا من جهة الجهل... وبودّي لو ساعدني العلماء على الرأي الذي أراه، وهو جواز جبر الأولاد على التعلم».
في ظل تراجع التعليم، كانت مسقط تشهد بعض التغيرات الثقافية. بدأت تتشكل بوادر لدخول السينما إلى عمان في فبراير 1913م، عندما قدم السيد بيانكر (Batanker) من بومباي إلى مسقط لتركيب مصابيح كهربائية لقصر السلطان فيصل بن تركي. أثناء زيارته، جلب معه جهاز عرض سينمائي، لتكون هذه بداية تعرف عمان على هذا الفن الجديد.
أثرت النزاعات السياسية في القرن التاسع عشر الميلادي على الإنتاج الثقافي. يقول ابن رزيق عن ديوان الشاعر سيف بن سليمان المعولي: «شهدت أيام حياته كتابًا بخط يده، فيه حكايات وأشعار، وقد رقم فيه نبذة من شعره. وقد سمعت أن هذا الكتاب صار في أيدي عتوب البحرين، وأظن أن أحدهم قد سرقه فباعه عليهم». الوقف وأثره الاجتماعي
الوقف يمثل جانبًا مهمًا من التنظيم الاجتماعي، ويعكس التعاضد والتكافل في المجتمع العماني. رغم رمزيته الدينية، كان دوره الاجتماعي أكثر وضوحًا وتأثيرًا. الوقف في جوهره تعبير عن إحساس عميق بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الفئات الضعيفة والأقل حظًا. تاريخيًا، ارتبط الوقف في عمان ارتباطًا وثيقًا بالأفلاج، التي كانت عصب الاقتصاد الزراعي.
من النادر أن تجد فلجًا في عمان لا يحتوي على حصص موقوفة للخدمات الاجتماعية، مثل تمويل المساجد، والمدارس، وطلبة العلم، إلى جانب توفير الدعم للغرباء، السائلين، والمرضى. لم يقتصر دور الوقف على الخدمات الاجتماعية، بل امتد ليشمل دعم التعليم، واستقبال الضيوف، وصيانة الحصون والأسوار. يعكس هذا الدور الاجتماعي للوقف وعيًا عميقًا بأهمية التضامن والتعاضد. تتجلى هذه الأهمية في كمية الوثائق الوقفية والنصوص التاريخية التي تسجل مختلف أوجه الوقف وأغراضه.
مع دخول عمان عصر النهضة بعد 1970م، بدأت ثقافة الوقف تتراجع تدريجيًا. لم يعد الناس يحرصون على الوقف كما كان أسلافهم يفعلون. في المقابل، ظهرت مفاهيم جديدة للتضامن الاجتماعي، تمثلت في تأسيس الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي لعبت دورًا مهمًا في تقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين.
ملامح الشخصية العمانية
قدم الشيخ نور الدين السالمي وصفًا دقيقًا للشخصية العمانية في خطابه للقنصل البريطاني عام 1913م، حيث قال: «لا تظن دولتكم أن أهل عمان قوم أغبياء جهلاء أعراب لا يعرفون قانونًا ولا يحسنون عبارة، فإنهم قوم أذكياء، حلبوا الدهر شطره، وذاقوا حلوه ومره، وعرفوا دواعي الرقي والعمران، وسياسات الدول وغوايلها». هذا التوصيف يعكس مدى وعي العمانيين وفهمهم لمجريات الأمور من حولهم، وهي صفات لاحظها أيضًا الضابط البريطاني في البحرية ريموند ولستد، الذي قال في عام 1835م: «اعتاد أهل عمان على الاستغناء عن الأمم الأخرى، فهم فخورون بأنسابهم، وبأرضهم، وبالحرية التي يعيشونها». كما يتجلى هذا الاعتداد بالنفس في المثل الشعبي: «قحمة في سيح ولا منة من شيخ»، الذي يبرز اعتماد العمانيين على أنفسهم واعتزازهم بكرامتهم.
هذا الاعتزاز بالنفس يظهر أيضًا في وصف الأزكوي، صاحب كتاب كشف الغمة، الذي قال: «وهكذا طبع أهل عمان... لهم الهمم العالية، والنفوس الأبية، لا ينقادون لسلطان، ولا يقرون على هوان»، مما يوضح ميلهم للدفاع عن حقوقهم بشراسة. هذه الصلابة لم تمنعهم من الانفتاح على الوافدين والتعامل معهم بكرم واحترام. في هذا الإطار، وصف ناصر بن سالم البوسعيدي أهل عمان قائلا: «وأهلها -عمان- أهل قناعة عن غيرهم، يحبون الغريب على سائرهم، ويحسنون إليه ويحبون جيرته»، مما يعكس طبيعتهم المتسامحة وقدرتهم على التعايش مع الآخر.
وللمرأة العمانية دور محوري في المجتمع بمختلف جوانب الحياة. تقول موسوعة لاورس الفرنسية (1870م): «العمانيات يعشن مع الرجال على قدم المساواة، وهو أمر غير موجود في أي مكان آخر...». وقد برزت شخصيات نسائية مثل عائشة بنت راشد الريامية في عهد اليعاربة، وموزة بنت الإمام أحمد، وجوخة بنت محمد بن الإمام أحمد، حيث لم تكن هؤلاء النساء مجرد رموز اجتماعية، بل لعبن أدوارًا حقيقية في صنع القرار، مما يؤكد مكانة المرأة العمانية كشريك أساسي في بناء المجتمع.الهجرات الداخلية والخارجية
الموقع الجغرافي لعمان، الذي يطل على المحيط الهندي ويقع عند تقاطع طرق التجارة البحرية القديمة، كان له أثر عميق في تشكيل شخصية الإنسان العماني. هذا الموقع المميز جعل العمانيين روادًا للآفاق، حيث جابوا البحار وعبروا القفار، واستقروا في بلدان مختلفة. وبالرغم من أن الهجرة جزء طبيعي من حركة المجتمعات، فإنها لعبت دورًا محوريًا في تشكيل النسيج الاجتماعي العماني، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
كانت الهجرات الداخلية مستمرة في عمان لأسباب اجتماعية واقتصادية. تنقلت الأسر من الصحراء إلى القرى والبلدان، لا سيما في مواسم القيظ، حيث تتوفر الواحات والموارد المائية والزراعية. كما شهدت عمان حركة تنقل من الداخل إلى المناطق الساحلية بهدف التجارة وتبادل السلع. ساهمت هذه الأنماط من الهجرة في تعزيز التواصل بين مختلف مناطق عمان وإيجاد روابط اجتماعية واقتصادية قوية. ويصف ابن رزيق أحد أسباب هذه الهجرات الداخلية خلال فترة المحل قائلا: «ولما استولى حمد على عمان اشتد المحل... وهرب من المحل أكثر أهل عمان إلى أرض الباطنة ومسقط». يظهر هذا كيف دفعت الأزمات البيئية والاقتصادية العمانيين إلى التنقل بحثًا عن فرص أفضل. ومع تحسن الظروف المناخية والاقتصادية، عاد كثيرون إلى مواطنهم الأصلية، حيث يصف ابن رزيق عودة الخصب قائلا: «لاحت سحابة في السماء... وعمّ الخصب عمان ورجع أكثر من نفي من أهلها إليها».
أما الهجرات الخارجية فقد بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر وحتى العقد السابع من القرن العشرين. كان الاتجاه الأساسي نحو شرق إفريقيا، خاصة بعد أن أصبحت زنجبار تحت السيادة العمانية في عهد السيد سعيد بن سلطان. أدى هذا الارتباط السياسي إلى انتقال عدد كبير من العمانيين إلى شرق إفريقيا، حيث أثروا في الحياة الاجتماعية والثقافية هناك، وما زال هذا التأثير واضحًا حتى اليوم. ولم تكن هذه الهجرات دائمًا مدفوعة برغبة سياسية فقط، بل كانت أيضًا نتيجة لضيق الأحوال الاقتصادية. يروي محمد بن شامس البطاشي في كتابه إتحاف الأعيان أن السلطان ثويني بن سعيد لم يرحب بهجرة مجموعة من العمانيين إلى شرق إفريقيا عندما أجبرهم القحط على ذلك، واقترح عليهم بدلا من ذلك الاستقرار في ولاية السيب ومنحهم أراضي للزراعة.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، دفع ضيق المعيشة بعض العمانيين إلى الهجرة نحو الهند بحثًا عن الرزق. ومع اكتشاف النفط في دول الخليج، خرجت أعداد كبيرة من العمانيين للعمل في تلك البلدان. أحدثت هذه الهجرة تغيرات في النسيج الاجتماعي. ومع تسلم السلطان قابوس بن سعيد الحكم في عام 1970م، دعا هؤلاء العمانيين إلى العودة للمساهمة في بناء وطنهم.
ونختم هذا المقال بالنص التالي الذي يختصر التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي حدث بعد تولي جلالة السلطان قابوس الحكم عام 1970. يقول النص، كما ورد في إحدى المخطوطات وكاتبه من المعاصرين للتحول الذي طرأ على عمان: «وهذا السلطان قابوس دانت له قبائل عمان جميعهم، من منطقة مسندم وهرمز إلى جزيرة مصيرة، إلى ظفار ومتعلقاتها، فأوسع الناس عطاءً وعفوًا، وعاد كل عماني من الخارج، ودرت خيرات عمان من ثمار ونفط ومعادن، حتى فاضت البيضاء والصفراء».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المجتمع العمانی السلطان قابوس القرن العشرین العمانیین إلى الإمام أحمد یعکس هذا أهل عمان فی القرن عمان فی سعید بن محمد بن أکثر من فی عمان عمان من بن سعید فی عام فی عهد فی تلک عمان ا لم تکن
إقرأ أيضاً:
المشاط: تعظيم الاستفادة من الشراكات الدولية والموارد المحلية للتوسع في برامج الحماية الاجتماعية
شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في جلسة وزارية عنالحماية الاجتماعية والتدفقات المالية غير المشروعة، وذلك خلال الاجتماع الوزاري لمجموعة عمل التنمية التابعة لمجموعة العشرين.
وألقت الدكتورة رانيا المشاط، الضوء علي أهمية التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف في الدفع بأجندة التنمية المستدامة مع بقاء خمس سنوات فقط حتى عام 2030، من خلال أحد أهم المنصات الدولية وهي مجموعة العشرين، مشيرة إلي تباطؤ التقدم العالمي في تحقيق أجندة التنمية المستدامة بنسبة 16.7% فقط بسبب الفجوة التمويلية المقدرة بما يتراوح بين 2.5 تريليون و4 تريليون دولار أمريكي سنويًا، ما يتطلب تنويع مصادر تمويل التنمية ومشاركة التدفقات المالية العامة والخاصة والتكامل فيها بينها من أجل تحقيق التوازن والاستدامة.
وأكدت أن تمويل التنمية والاستثمارات في القطاعات الأساسية يمثل حجر الزاوية في النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، مما يستلزم التوسع في نطاق تطبيق الأطر الوطنية المتكاملة للاستدامة والتمويل من أجل ضمان الحوكمة الفعالة والتوافق مع الأولويات الوطنية، وتحسين تخصيص الموارد المحلية للقطاعات ذات الأولوية، وذلك علي خلفية مشاركة مصر الفعالة في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية بإشبيلية، وضم صوتها إلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل توسيع نطاق الدعم المؤسسي والتكنولوجي والبشري القائم على الطلب للدول النامية، بما في ذلك دعم الأنظمة المالية وتعبئة الموارد المحلية.
وأبرزت دور مصر الرائد في تنفيذ برامج مبادلة الديون من أجل التنمية المستدامة بالتعاون مع الدول الصديقة مثل ألمانيا وإيطاليا والصين، التي دعمت الحكومة المصرية من تحويل أجزاء من الدين الخارجي إلى استثمارات محلية تتماشى مع الأولويات الوطنية في العديد من الموضوعات والقطاعات مثل العمل المناخي والتعليم والحماية الاجتماعية، مما وضعها في طليعة الدول المطبقة للعديد من آليات التمويل المبتكر للتنمية المستدامة، ومن بينها التمويل المختلط، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وضمانات الاستثمار.
وأبدت مجموعة عمل التنمية التابعة لمجموعة العشرين التزامًا بإعطاء الأولوية للحماية الاجتماعية من خلال دعوة للعمل، مؤكدةً التزامها ببناء أنظمة حماية اجتماعية شاملة ومستدامة، مع التركيز بشكل خاص على حدود الحماية الاجتماعية الوطنية.
وأشارت "المشاط" إلي أنه وفقًا لمنظمة العمل الدولية، تُغطّي برامج الحماية الاجتماعية أكثر من نصف سكان العالم، ومع ذلك، هناك ما يقرب من 3.8 مليار شخص غير مشمولين بها تمامًا، فلا تزال هناك تفاوتات كبيرة في الحماية الاجتماعية بين البلدان، تؤكد علي الحاجة الملحة إلى توسيع نطاق الاستثمار المستدام في الحماية الاجتماعية، وخاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وأكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في تعزيز الحماية الاجتماعية من خلال العديد من المشاريع والمبادرات التحويلية، مما يعكس الأولويات الوطنية (رؤية مصر 2030)، ومن بين هذه البرامج "تكافل وكرامة"، وهو أبرز برامج الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويصل الآن إلى أكثر من 4.67 مليون أسرة محتاجة (حوالي 17 مليون فرد). وفي عام 2025، احتفلت مصر بمرور عقد على تطبيقه، مؤكدةً التزامها طويل الأمد بالعدالة الاجتماعية والاستثمار في رأس المال البشري. علاوة على ذلك، تهدف مبادرة "حياة كريمة"، وهي مبادرة التنمية الريفية الرائدة في مصر، إلى معالجة معدلات الفقر والبطالة متعددة الأبعاد من خلال تحسين سبل عيش المجتمعات الريفية الفقيرة، حيث حققت المرحلة الأولى معدل تنفيذ بلغ 85.5% بنهاية عام 2024، بينما تهدف برامج أخرى، مثل برنامجي "فرصة" و"مستورة"، إلى تمكين النساء والشباب اقتصاديًا من خلال توفير التدريب وفرص العمل والقروض الصغيرة بدون فوائد للمشاريع الصغيرة، مما يدعم انتقالهم من المساعدات النقدية إلى سبل عيش مستدامة، وقد أعطت مصر الأولوية للمساواة في مجال الصحة من خلال المبادرات الرئاسية مثل مبادرة "100 مليون صحة" للكشف المبكر عن التهاب الكبد الوبائي سي والأمراض غير المعدية ومبادرة دعم صحة المرأة المصرية.
وعرضت التجربة المصرية في الحماية الاجتماعية، من خلال القاء الضوء علي التعاون الدولي وكفاءة تخصيص الموارد المحلية والإنمائية من أجل التوسع في برامج الحماية الاجتماعية والتي تمثل أحد أهم محاور التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة.
وأثنت "المشاط" على الجهود المبذولة تحت رئاسة جنوب أفريقيا، من أجل تطوير المبادئ التي سوف تشكل إطارًا عمليًا للدول لتعزيز الشفافية المالية، وسلامة البيانات، والضرائب العادلة، وآليات الإنفاذ. وأكد التزام إشبيلية، الذي اعتُمد في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، مجموعة من الالتزامات المحددة التي تشمل: تعزيز التعاون الدولي، وتشجيع تبادل أفضل الممارسات والتقنيات، وتوسيع نطاق المساعدة الفنية لمنع الفساد، ودعم البلدان النامية في تحديد مخاطر غسل الأموال واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها.
وأكدت «المشاط»، أن مصر أعطت الأولوية لمعالجة التدفقات المالية غير المشروعة ضمن استراتيجيتها التمويلية الوطنية المتكاملة كمسار رئيسي لتعزيز التمويل الخاص المحلي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال ثلاثة مجالات للإصلاح: المؤسسات، والسياسات، وبناء القدرات. وتشمل الإجراءات الرئيسية تعزيز القدرات الإحصائية الوطنية لقياس التدفقات المالية غير المشروعة، والاستثمار في أدوات آلية لقياس عدم التماثل التجاري، ودعم وحدة متخصصة داخل مصلحة الجمارك المصرية لمعالجة التهريب وغسل الأموال وإدارة المخاطر، وقد عملت مصر بالتعاون مع الأمم المتحدة على تعزيز قدرتها على قياس التدفقات المالية غير المشروعة، مع التركيز على الأنشطة الضريبية والتجارية والجريمة.